‘لا بد أنها تشعر بغيظ شديد، لكنها تتحمل الأمر بشكل جيد.’
حكت إيكينيسيا رأسها الفوضوي بسبب النوم ونهضت من سريرها. التقطت مذكرة التعيين، وبمجرد أن وقعت عيناها على الكلمات المكتوبة، تلاطمت داخلها مشاعر معقدة. زادت تعقيدًا بعد لقائها مع يوريين الليلة الماضية والحلم الذي راودها طوال الليل.
بتنهيدة، طوت المذكرة بلامبالاة ودسّتها في أحد أدراجها.
لم تكن متأكدة كيف عادت إلى السكن الجامعي أو كيف نامت. لكنها كانت واثقة من شيء واحد—لم تكن في كامل وعيها.
إن كان يورين لا يزال يتذكر، فلا شك أنه يكنّ لها كراهية لا حدود لها.
فهي من خان ثقته، وهي من أبادت موطنه، وهي… من قتلته.
‘بسبب السيف الملعون؟’
ذلك كان مجرد تبرير من وجهة نظرها.
لو أنها قتلت شخصًا ثم قالت ببساطة، “كان ذلك بسبب السيف الملعون، أنا آسفة”، فهل سيغفر لها أهل الضحية أو أحباؤه؟ هل يمكن لمن غطّته دماء من يحب أن يسمع كلمات مثل: “لا بأس، لم يكن ذلك خطأكِ”؟ هل يمكن لمن فقد شخصًا عزيزًا أن يقف أمام قاتله ويبتسم؟
إن كان هناك من يستطيع فعل ذلك، فهو ليس إنسانًا… بل قديس.
إذن، لماذا يتصرف يورين بهذه الطريقة الغامضة؟
من غير المنطقي أن يكون قديسًا قادرًا على الابتسام أمام قاتلته. لا بد أن هناك سببًا آخر.
إما أنه فقد ذاكرته…
أو أنه لا يزال يذكر كل شيء، لكنه غير متأكد من أنها بالفعل “الشيطانة” التي سكنت السيف الملعون.
‘حفلة عيد الميلاد الإمبراطوري…’
إن كان قد فقد ذاكرته، فلا بد أنها لفتت انتباهه في تلك الحفلة. فهو بنفسه قال إنه رآها هناك.
لكن المشكلة أن ذلك الحدث بالنسبة لـإيكي كان في الماضي البعيد—قبل أكثر من خمسة عشر عامًا.
كانت متأكدة أنها لم تلتقِ به ولم تتحدث معه في ذلك الحفل. فهل فعلت شيئًا جذب انتباهه دون أن تدرك؟ حاولت تذكر أي شيء مميز قامت به، لكن عقلها لم يسعفها بأي إجابة.
‘لا أعرف… تبًا.’
نهضت إيكينيسيا من سريرها وفتحت خزانة الملابس. وبينما كانت تخرج الفستان الذي سترتديه اليوم، فكرت في الاحتمال الآخر.
ماذا لو كان يورين يتذكر كل شيء لكنه لم يدرك بعد أنها الشيطانة؟
‘من الطبيعي أن يشك. فظهور طالبة لم تكن موجودة في الماضي المحذوف يثير الريبة. لكن ليس لديه يقين. هويتي واضحة، ولا يوجد دليل ضدي.’
نظرت إلى يدها اليمنى المغطاة بقفاز حريري.
لكنها كانت تعرف الحقيقة.
تحت ذلك القفاز، كان هناك دليل لا يمكن محوه.
قبضت يدها ببطء، ثم أخرجت مشدّ الخصر والباتيكوت ورمت بهما على السرير.
‘وإن كان يتذكر كل شيء، لكنه لا يملك دليلًا، فلابد أنه يراقبني عن قرب… متشككًا في كل خطوة أخطوها، منتظرًا اللحظة التي يكشف فيها حقيقتي.’
ابتسمت بسخرية. أخرجت صندوق مجوهراتها وهمست بصوت خافت.
“سيبقيني بالقرب منه قدر الإمكان… حتى يجد الدليل الذي يبحث عنه.”
[ما هذا الكلام فجأة؟]
“أعتقد أنني عرفتُ لماذا اختارني يورين لأكون مساعدته المتدربة.”
[ماذا؟ هل تقولين إنه جعلكِ مساعدته لمراقبتكِ؟]
“هذا مجرد احتمال، لا أكثر.”
هل طلبها لمبارزته كان أيضًا جزءًا من سعيه للوصول إلى اليقين؟ وإن تأكد أنها “شيطانة السيف الملعون”، فماذا سيفعل حينها؟ على الأقل، لن يبتسم لها كما فعل بالأمس. شعرت بوخزة ألم في صدرها.
وقعت عيناها على العباءة المطوية فوق سطح الطاولة—العباءة التي ألقى بها يوريين عليها ليحميها. حدّقت بها إيكي باضطراب، ثم سرعان ما دفعتها داخل الدرج حتى لا تبقى في مرأى عينيها.
في كل الأحوال، لم يكن أمامها سوى خيار واحد. التأكد من أن إيكينيسيا التي يرونها هي إيكنيسيا رواز فقط، وليس أي شيء آخر قد يذكّرهم “بشيطانة السيف الملعون.”
وبذلك، بدأت تجهيز نفسها بعناية، وكأنها تستعد للمعركة.
لم يكن ارتداء الملابس بدون مساعدة نورا أمرًا سهلاً، خاصة عندما يتعلق الأمر بربط مشدّ الخصر. فهو لم يُصنع ليرتديه المرء بمفرده، لكنها استعانت بالسحر لسحب أربطته وشدّها على ظهرها بإتقان مذهل كان ليسبب الذعر لأي ماستر يراه.
بعد إحكام المشد، ارتدت الجوارب وثبّتتها بحزام الرباط، ثم ارتدت تنورة داخلية باتيكوت فوقها، قبل أن تُكمل ارتداء فستانها بلونه الأصفر الفاتح والمزين بكشكشة فخمة.
سرّحت شعرها ورفعته جزئيًا، وثبّتته بإكسسوار مزخرف بالكريستال والزينة الدانتيلية، ثم وضعت مساحيق التجميل، وارتدت أقراطها وعقدها، قبل أن تنتعل حذاءً بكعب عالٍ.
كل هذه الخطوات كانت مرهقة، لكنها وجدت متعة خفية في رؤية انعكاسها في المرآة وهو يزداد تألقًا وجمالًا مع كل تفصيل تضيفه.
وأخيرًا، خلعت قفازي الحرير اللذين كانت ترتديهما، واستبدلتهما بزوج من القفازات المطرزة التي تناسب الفستان. بذلك، أصبح الرمز المنقوش على راحة يدها مخفيًا تمامًا تحت زخرفة الخيوط الذهبية.
رغم أنها أنجزت كل شيء بسرعة قياسية بالنسبة لنبيلة تقوم بتجهيز نفسها بمفردها، إلا أن الوقت لم يكن كافيًا—كانت الساعة تقترب بالفعل من التاسعة صباحًا.
التقطت سيفها الطويل المهمل منذ مبارزتها بالأمس، وخرجت من غرفتها. لم يكن لديها مفهوم العناية الجيدة بالسيوف، فهي لم تحبها قط، وبالنسبة لها، إن تلف السيف، فما أسهل استبداله بآخر جديد.
كان الساحة الشرقية الرابعة للتدريب في المبنى الرئيسي مجرد ساحة صغيرة مفتوحة. لاحظت أن جدرانها العالية ووجود جناح جانبي أشبه بجناح استراحة يوحيان بأنها صُممت لتكون مكانًا مناسبًا للتدريب والنقاشات في آنٍ واحد.
رأت إيان بيليترو يجلس على أحد المقاعد داخل الجناح، في انتظارها. لكنه لم يكن وحده—كان هناك شاب ذو شعر أحمر مائل إلى البني يجلس أمامه.
ما إن دخلت إيكينيسيا حتى لوّح إيان بيده مرحبًا.
“أهلًا بكِ، الطالبة إيكنيسيا.”
بعدما عرفت حقيقته، باتت ابتسامته تلك تثير في نفسها شعورًا بالغ الاشمئزاز. كلما فكرت في الأمر، زادت قناعتها بأنه لم يكن من قبيل المصادفة أنه أثار موضوع المساعد المتدرب في قاعة الطعام العامة المليئة بالطلاب، ثم عمد إلى ذكر موعد المبارزة ومكانها هناك تحديدًا.
‘لا فائدة من التفكير في هذا الآن… ما يمكنني فعله هو أن أكون أكثر حذرًا عند التعامل معه مستقبلاً.’
أخفت أفكارها تلك وراء ابتسامة خفيفة وألقت التحية.
“أهلًا بك رئيس الطلبة.”
“كيف كان نومكِ؟ على أي حال، دعيني أعرفكِ، هذا بيرد فون فوم، طالب في السنة الثالثة. قدّمي له التحية.”
استدارت إيكينيسيا نحو الشاب وانحنت برفق.
“أنا إيكنيسيا رواز، تشرفت بلقائك، أيها المرشد.”
ألقى بريد عليها نظرة فاحصة من رأسها إلى قدمها، ثم ابتسم ابتسامة مريبة.
“أنتِ جميلة جدًا. لا تقلقي، سأعلمكِ جيدًا.”
كان صوته وطريقته كريهين. عبست إيكينيسيا قليلًا، لكن إيان ألقى عليها نظرة اعتذار صامتة وكأنه يريدها أن تتحمل الوضع.
“كان من المفترض أن أقوم بتدريبكِ اليوم بنفسي، لكنني مشغول للغاية، لذا استدعيت بيرد بدلاً مني. لديه خبرة طويلة في تدريب المساعدين المؤقتين، لذا سيوجهكِ جيدًا.”
“… فهمتُ.”
شعرت بقلق يتسلل إلى أعماقها. قبل أن تتمكن من التفكير أكثر، ربت إيان على كتفها بلطف مصطنع.
“إذن، سأراكِ لاحقًا. عليّ الذهاب الآن.”
بمجرد رحيله، أصبحت الساحة خالية إلا من إيكينيسيا وبيرد. تراجع إلى الوراء قليلًا واتكأ على المقعد، متشابك الذراعين، قبل أن يقول.
“تبقى شهر واحد فقط على تعيينكِ رسميًا كمساعدة متدربة، أليس كذلك؟ وقت ضيق جدًا.”
“أرجو توجيهكِ لي، أيها المرشد.”
“أولًا، لهذا اليوم، أنتِ مساعدتي المتدربة. عليكِ خدمتي.”
“… نعم، أيها المرشد.”
“بل قولي سيدي، هذا هو الأسلوب الصحيح.”
كان المساعدون المتدربون ينادون الفرسان الذين يخدمونهم بـ”سيدي”، لكنها لم تكن ترى أي سبب لمناداة بريد بهذا اللقب، وهو مجرد طالب آخر وليس فارسًا.
شعرت بنظراته اللزجة تتفحصها، لكنها قاومت انزعاجها، وأجبرت نفسها على الانحناء قليلاً، ثم قالت.
“كما تأمر، أيها السيد.”
“جيد. الآن، أول مهمة لكِ—دلّكي ساقي.”
استرخى على المقعد ومدّ ساقيه أمامها بكل وقاحة.
توقفت إيكينيسيا للحظة، مشدوهة من طلبه غير المتوقع. صحيح أن المساعد المتدرب مسؤول عن خدمة فارسه، لكن… متى كان “تدليك الساقين” جزءًا من تلك الخدمة؟ المساعد المتدرب لم يكن خادمًا، بل كان فارسًا تحت التدريب!
“هل تطلب مني تدليك ساقيكَ؟”
“أتعترضين على أمر السيد؟ قلتُ لكِ افعليها.”
“أليس من المفترض أن أتلقى تدريبًا على دور المساعدة المتدربة اليوم؟”
“وأنتِ بالفعل تتدربين. أم أنكِ تجرئين على الاعتراض؟”
قطّب بيرد حاجبيه، ونبرته تعكست امتعاضه الواضح.
بدأت مشاعر القلق التي شعرت بها سابقًا تتحول إلى يقين سيئ—إيان تعمّد تركها مع هذا الشخص.
ضغطت على أسنانها قبل أن ترد بهدوء.
“هل يُعد تدليك الساقين جزءًا ضروريًا من تدريب المساعدة المتدربة؟”
“قلتُ لكِ افعلي ما أطلبه دون جدال! أم أنكِ لا تريدين أن تصبحي مساعدة متدربة؟!”
صرخ بيرد بغضب، لكن إيكينيسيا وقفت ثابتة، تنظر إليه من الأعلى ببرود، قبل أن تسأله بصوت بارد.
“كيف بالضبط تريدني أن أدلّك قدميك؟”
قهقه برِيد بسخرية، ثم أشار برأسه نحو الأرض بجوار المقعد وقال.
“هل عليّ حتى أن أشرح لك ذلك؟ اجثي على ركبتيكِ هناك، اخلعي حذائي، ثم دلّكي قدميّ. آه، وبيديكِ العاريتين، بدون قفازات.”
ارتسمت على شفتيه ابتسامة خبيثة وهو يضيف.
“سأقدّم لكِ تدريبًا خاصًا يناسبكِ تمامًا، لذا كوني لطيفة أثناء ذلك.”
ضاقت عينا إيكينيسيا قليلاً قبل أن تردّ بهدوء.
“تدريب خاص؟”
“نعم، تدريب يتناسب تمامًا مع نوع الخدمة التي تنوين تقديمها. ألم تدخلي الأكاديمية لهذا الغرض أساسًا؟”
رفعت حاجبها مستفسرة.
“لست متأكدة مما تعنيه.”
ضحك بيرد بازدراء قبل أن يقول بنبرة ساخرة.
“تتظاهرين بالبراءة وأنت تتجولين في المكان بتنورتكُ المتمايلة؟ هل تظنين أن الآخرين حمقى؟ الجميع يعلم أنكِ تحاولين اصطياد فارس لتتزوجه. لا يوجد سبب آخر لتتأنقي بهذه الطريقة سوى لفت انتباه الرجال، أليس كذلك؟”
لم تكن تعلم من أين تبدأ في تفكيك منطقه الملتوي. اصطياد فارس للزواج؟ التأنق لجذب الرجال؟ كان كلامًا جديدًا كليًا، لدرجة أنها لم تفكر فيه من قبل!
نظرت إليه بصمت، راغبة في معرفة إلى أي مدى سيتمادى. تفحّصها بعينيه، ثم تمتم بابتسامة متعجرفة.
“حسنًا، لديكٌ قوام رائع ووجه جميل، لذا فأنتُ تعرفين كيف تلعبين أوراقكِ بذكاء. حتى درجاتكِ تثبت ذلك، أليس كذلك؟ الجميع تساءل كيف حصلتِ على المرتبة الأولى رغم أنكِ لا تجيدين استخدام السيف جيدًا، لكن بعد رؤية نتائج اختباركِ الثاني، حيث هزمتِ أحد الفرسان المتدربين، أصبح الأمر واضحًا.”
لم ترد إيكينيسيا، مما جعله يواصل كلامه باستهزاء.
“حتى ذلك القائد المتزمت لم يستطع مقاومتكِ، فما بالك بفارس متدرب؟ الجميع يتساءل كيف تمكنتِ من إغوائه، وكيف حصلتِ على تعيينكِ كمساعدة في أول يوم لكِ هنا!”
رفعت إيكينيسيا حاجبها قليلاً، وقالت بسخرية.
“انتشرت هذه الشائعات بهذه السرعة؟ في يوم واحد فقط؟”
“إنه أمر واضح للجميع! لكن يجب أن أقول، كان هذا تخطيطًا عبقريًا منكِ. لقد أوقعتِ حتى القائد في شباككِ! يبدو أنه، رغم كل شيء، لا يزال مجرد رجل في النهاية، أليس كذلك؟ لا بد أنكِ كنتِ تخدمينه ليلاً حتى قبل دخولكِ الأكاديمية، والآن، بعد أن أصبحتِ مساعدة رسمية، يمكنكِ القيام بذلك بشكل علني. أراهن أن لياليكما ستكون حافلة.”
قهقه برِيد بازدراء، لكن إيكينيسيا فقط ابتسمت بسخرية.
لقد سمعت خلال حياتها الشتائم واللعنات بما يكفي ليكفيها عمرًا كاملًا، خاصة في أيامها مع فالدرغيوسا. حين كانت تجمع الغيوسا، اعتادت سماع أحطّ الألفاظ من المرتزقة، كلمات ما كانت لتخطر على بال فتاة نبيلة مثلها. لذا، لم يكن حديث بيرد شيئًا جديدًا عليها.
لكن هذا؟ هذا كان قذرًا جدًا. والأسوأ من ذلك، أنه تجرّأ على الزج باسم يورين في هذا الوحل.
[سيدتي، أنا أشعر بغضبكِ، صحيح؟ أنتِ غاضبة، أليس كذلك؟ لمَ لا تقتلينه فحسب؟ سيكون الأمر بسيطًا جدًا، فقط استعمليني، هيا…]
كان صوت فالدرغيوسا يتردد في ذهنها، متلذذًا بحالة الغضب التي اجتاحتها، لكن إلحاحه جعلها تهدأ أكثر.
لم تكن تتوقع حياة هادئة في المقام الأول. لم يكن بإمكانها التواري عن الأنظار حتى لو أرادت ذلك. ألم يكن اختيارها منذ البداية أن تلعب دور الفتاة العبقرية غريبة الأطوار التي تصرّ على ارتداء الفساتين؟
لذا، لا بأس إن أضيفت إلى صورتها بعض الأوصاف الأخرى، ككونها فتاة سليطة اللسان لا تعترف بالتسلسل الهرمي. كان ذلك أفضل بكثير من أن يُشاع أنها حصلت على منصبها عبر خدمة القائد ليلًا.
هدأت نفسها، لكن ذلك لم يكن يعني أنها ستسامحه. ابتسمت بلطف وقالت بنبرة هادئة.
“يبدو أن كلامك قاسٍ بعض الشيء، أليس كذلك، سيدي؟”
التعليقات لهذا الفصل " 17"