“كنت أظن ذلك. لكن الأهم الآن… كيف يتعامل آل سيليون مع الوضع؟.”
بما أنّ كاثرين هي من أثارت موضوع الانفصال بنفسها، فلا شكّ أن الفوضى قد عمّت أرجاء ذلك البيت.
“من الخارج يبدو الأمر هادئًا، كما هي عادة تلك العائلة. إنهم يكرهون أن تتسرّب أسرارهم الداخلية إلى العلن.”
وفي لحظة، تحوّل وجه رُوير الذي اعتاد الودّ والبساطة إلى وجه وريث آل جروجيا الحقيقي، حيث ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ خبيثة تحمل طابع السلطة.
مهما كانت سرعة صعود عائلة سيليون في السلم الاجتماعي، فإنها لم تبلغ بعد مرتبة العائلات التي حكمت المكان الذي لطالما طمحت إليه.
وحين يقرر رُوير أن ينبش في أسرار أحدهم، فلا سرّ يبقى خفيًا.
ولو كان الدوق ثيرون لوكارت يهتم حقًا، لكان استطاع معرفة ما كانت تتعرض له كاثرين في بيتها وكيف كان ماضيها المؤلم.
لكنه لم يعرف ببساطة لأنه لم يكترث يومًا لأمرها.
وفي تطورات رواية ش.م.ت الأصلية، كان الدوق يشهد “صدفةً” على إساءة معاملة كاثرين أثناء زيارته لعائلتها بعد الانفصال، لكن ذلك السيناريو بالتحديد هو ما كانت رايلين تريد منعه هذه المرة.
لم تكن قاسية القلب إلى درجة تمنع كاثرين من مغادرة بيتٍ يعذبها، لكن، بالنظر إلى ما فعلته بها كاثرين في حياتها السابقة، فإن تفكيرها في مساعدتها بدا وكأنه طيبةٌ مفرطة، كما كان أيغر دائمًا يقول.
ومع ذلك، لم تستطع رايلين ترك كاثرين أسيرةً في بيتٍ يجلدها عاطفيًا ونفسيًا بلا رحمة.
غير أنها أيضًا لم تكن تنوي السماح بتكرار مشهد ‘الأسرة النادمة’ كما حدث في القصة الأصلية.
“على أي حال، يُقال إن الآنسة سيليون في فترة عزلة وتأمل بعد الفضيحة التي أثارتها. لكن الحقيقة أنها محتجزة بالقوة أكثر مما هي تتأمل.”
“أفهم.”
“آه، وهناك أمر آخر…”
أضاف رُوير وهو ينقر بإصبعه على الطاولة.
“يبدو أن الفتاة التي كان من المفترض أن تبقى محبوسة… خرجت من المنزل فعلًا. تبا لهم، حتى أمورهم الداخلية لا يُحسنون إدارتها. لكن، لماذا تسألين عن ذلك أصلًا؟.”
عاد وجهه إلى ملامحه اللطيفة، أشبه بجروٍ فضولي، فأمال رأسه بخفة.
“ما زلتُ مندهشة مما رأيته في ذلك اليوم، وأردت فقط أن أعرف ما آلت إليه الأمور بعدها.”
وبعد أن تأكدت من أن كاثرين ما تزال على صلة بعائلتها، تابعت بهدوء:
“أخي، عائلتنا تتعامل تجاريًا مع سفن دوق لوكارت، أليس كذلك؟.”
“هم؟ نعم، هذا صحيح.”
“هل يمكنني الاطلاع على الوثائق المتعلقة بتلك الأعمال؟.”
كانت رايلين الوريثة الوحيدة لبيت جروجيا من جهة الدم، لكنها لم تكن الوريثة الرسمية، ولهذا كانت صلاحياتها محدودة فيما يخص شؤون العمل والوثائق الحساسة.
وكان من الطبيعي أن تطلب إذن رُوير احترامًا لمكانته كوريثٍ للبيت.
“بالطبع! سأريكِ كل ما تريدين!.”
أما روير، فكان يبدو وكأنّه مستعدّ لجمع جميع المعلومات السرية للعائلة وتقديمها لها إذا طلبت ذلك.
“لا تُبالغ، لست أفضل منهم في حفظ الأسرار.”
فهم رُوير النغمة القلقة في كلامها رغم حدّتها، فضحك خافتًا وهو ينهض من مكانه.
بعد لحظات عاد حاملاً ملفاتٍ عدة، ووضعها أمامها قائلًا:
“ها هي، تصفّحيها كما تشائين، وإن نقص منها شيء، قولي فورًا.”
“لا حاجة لذلك، أنت تتولى الأمر بنفسك، وأنا أثق بك.”
قالت ذلك ببرودٍ يشبه تأكيد حقيقة بديهية، كما لو قالت: الشمس تشرق من الشرق.
ثم لاحظت أنه يبتسم ابتسامةً واسعة ومزعجة.
“ما بالك تبتسم بهذا الشكل السخيف؟.”
“هاه؟ لا شيء.”
قال وهو يحاول تعديل ملامحه بسرعة.
“هل تريدين قراءتها هنا؟.”
“لا، سأغادر الآن.”
“هكذا فجأة؟.”
“نعم، ومتى أُعيدها؟.”
“وقت ما تشائين، خذي راحتك. لكن… رايلين، إن كنتِ مهتمة بسفن الدوق التجارية فـ—”
“لست مهتمة. فقط أحتاج ذريعة تُجبر دوق لوكارت على مغادرة العاصمة لفترة.”
تجمّد رُوير وهو يحدّق بها بدهشة، بينما كانت كلماتها الأخيرة تتلاشى مع خطواتها وهي تغادر الغرفة.
‘دوق لوكارت؟’ تمتم في نفسه متعجبًا.
—
كان الليل قد انتصف، غير أن شوارع العاصمة المركزية كانت تعجّ بالحياة، تتلألأ أضواؤها مع صخب السوق الليلي الشهري.
“أغلق المحل! الأسعار بنصف القيمة اليوم!.”
“أسياخ الدجاج الحلوة والحارة! قضمة واحدة وستطلب المزيد!.”
كانت أصوات الباعة تتعالى من كل جانب، تتشابك مع ضحكات المشترين وجدالاتهم المفعمة بالحيوية.
“أيها البائع، اشتريت هذا للتو وها هو مكسور! أهذا احتيال؟.”
“أي احتيال؟ أعطني إياه وسأرد لك ثمنه.”
“انسَ الاسترجاع، عندك صمغ؟ سأصلحه بنفسي.”
“هاه، يبدو أنك تحب هذا الشيء كثيرًا.”
“ولهذا اشتريته! هاها!.”
كانت الأحاديث الدافئة بين الناس تملأ الأجواء بألفةٍ نادرة.
من الأكشاك المضيئة المزيّنة بالمصابيح والشرائط، إلى الأكشاك الصغيرة التي بالكاد تُرى، كان السوق الليلي الشهري مزدحمًا كعادته، حركة الناس فيه أشبه بموجٍ متواصل.
“همم، ما رأيك بهذا السعر؟.”
“يا آنسة، هذا كثير. لا أستطيع أن أُنقص أكثر.”
“حسنًا، لنجعلها هكذا. أظن أن قلبك كريم مثل وجهك الجميل.”
“هاها، حسنًا، سأوافق فقط لأنك ساحرة الكلام.”
تمتم البائع ساخطًا في الظاهر، لكنه ابتسم بعينين متجعّدتين من البهجة.
“شكرًا لك.”
ثم انحنت رايلين قليلًا واستلمت صندوقًا خشبيًا بسيطًا ملفوفًا بورقٍ خشن.
سألها البائع بفضولٍ ممزوج بالشفقة:
“لكن لماذا تشترين شيئًا كهذا؟ ليس لعبة ولا زينة، تسمعين شيئًا يتحرك بداخله حين تهزينه، لكن لا قفل له ولا يمكن فتحه.”
رفعت رايلين كتفيها وقالت بابتسامة غامضة:
“أليس هذا ما يجعله أكثر إثارة؟.”
“إن اكتشفتِ يومًا كيف يُفتح، أخبريني بما وجدتِ داخله. سأكون هنا في السوق القادم!.”
ابتسمت رايلين وهزّت رأسها، ثم ابتعدت بخطواتٍ سريعة نحو زاويةٍ هادئة قرب كشكٍ لبيع الجعة.
جلست هناك، وأزالت الورق بعناية عن الصندوق الخشبي.
تمتمت وهي تتفحّص حوافه البالية:
“كم يمكن أن يُباع هذا بثمن؟.”
كانت تعرف تمامًا ما يخفيه الصندوق، وكيفية فتحه.
كيف وجدته؟.
لقد كان في داخل الصندوق ذاته… وسط السوق الليلي.
هكذا كانت كاثرين تروي القصة في حياتها السابقة،
حين ربحت مبلغًا كبيرًا من إحدى البطولات، ووجدت هناك تحفة نادرة تُدعى “بيضة بيب”. قطعة فنية بيعت لاحقًا بثروة طائلة.
لكن هذه المرة… رايلين سبقتها إليها.
وبذلك، قُطع عن كاثرين أحد أهم مصادر ثروتها المستقبلية.
ومع أنها قد تجد طريقًا آخر، إلا أن رايلين كانت عازمة على سدّ أكبر عدد ممكن من تلك الطرق قبل أن تبدأ.
ظل ظلّ خافت يمرّ فوق وجهها وهي ترفع الصندوق وتنظر إليه عن قرب.
“يا سيدتي؟.”
رفعت رأسها بسرعة، لتجد أحدهم يقف أمامها.
“لابد أنك أخطأت بالشخص.”
قالت ذلك وهي تسحب طرف قبعتها لتخفي ملامحها.
لكن الشخص المقابل جلس أمامها دون تردد، وقال بنبرةٍ هادئة:
“إذن لم أكن مخطئًا… إنها السيدة جروجيا حقًا.”
“كان يمكنك أن تتظاهر بأنك لم تتعرّف إليّ.”
لم يظهر وجه الرجل بوضوح تحت قناعه، لكن رايلين أشارت بيدها إلى حرّاسها الواقفين في الخلف لتأمرهم بالانسحاب.
“ما الذي جاء بك إلى هنا، صاحب السمو؟.”
قالت وهي تضع الصندوق جانبًا.
“جئت أتفرّج.”
“هلّا حاولت أن تجعل كذبتك أكثر إقناعًا؟.”
“رئيس التشريفات في البلاط الداخلي للإمبراطور…”
“سأكتفي بالكذبة الأولى.”
ضحك أيغر بخفة وهو يضيق عينيه تأملًا فيها.
وللحظةٍ خاطفة، مرت على وجهه ابتسامة خفيفة كأنها سراب، لكنها اختفت قبل أن تلاحظها رايلين التي حولت نظرها للحظة.
ولأنها لم ترغب في الانغماس في حواراتٍ معقدة لا طائل منها، غيّرت الموضوع مباشرةً:
“هل عثرتم على شقيقة كيرتان؟.”
“نعم، نحن نقتفي أثرها الآن. لن يستغرق الأمر سوى أيام قليلة.”
تنهدت براحةٍ خافتة.
في حياتها السابقة، كانت تلك الفتاة تُسحق تحت وطأة العنف والمخدرات حتى قاربت الموت، لكنها تأمل الآن أن يلتقيا في ظروفٍ أفضل.
“وكيف حال كيرتان؟.”
“جيد.”
كانت إجابةً مقتضبة، لكنها بدت مطمئنة، فشعرت رايلين وكأن عبئًا خفيفًا انزاح عن صدرها.
كانت تعلم أن قدرات آيغر استثنائية، لكنه، في القصة الأصلية، كان الشرير الثانوي.
خافت أن تتدخّل “قوة الحكاية الأصلية” وتزرع بينهما صراعًا كما حدث في الماضي، لكن يبدو أن مخاوفها لم يكن لها أساس هذه المرة.
قال أيغر وهو يسند ذقنه إلى كفّه بكسلٍ متأمل:
“يبدو أنكِ مهتمة به كثيرًا.”
“ليس كثيرًا، لكن نعم، مهتمة.”
لم توضح نوع هذا الاهتمام ولا سببه، ولم يسأل هو بدوره.
ساد بينهما صمتٌ قصير، من ذلك النوع الذي يثقل الهواء بين شخصين لا يعرفان ما يقولان بعد.
شعرت رايلين بالضيق، فقطعت الصمت بسؤالٍ مفاجئ:
“هل هناك شيء تريده؟.”
كان سؤالًا غريبًا بلا سياق، لكنه بالنسبة إليها مدخلٌ لاختبار النوايا، أو ربما لاستمالته حليفًا.
أجابها بابتسامة جانبية وهو يميل إلى الوراء.
“لقد سألتِني ذلك من قبل. لماذا تكررين السؤال؟.”
“لكي أمنحك ما تريده.”
رفع رأسه ببطء وسألها بنبرةٍ أخف:
“ولماذا؟.”
تأملته رايلين لثوانٍ بصمت، ثم قالت بوضوحٍ متزن:
“لأنني أريد من سموّك أن تقف إلى جانبي.”
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 9"