كانت رايلين تتأمل أحداث الأمس وهي تتمتم بنبرةٍ متعبة:
“عليَّ أن أجدها بسرعة.”
قبل أن تفترق عن أيغر، كانت قد سلّمته كل المعلومات المتعلقة بشقيقة كيرتان الصغرى.
قالت آنذاك:
“لا أعرف موقعها بالتحديد، لكن من يحتجزها هو…”
في البداية، كانت رايلين تنوي تولّي الأمر بنفسها، غير أنها تخلّت عن تلك الفرصة طوعًا بعدما أقسم كيرتان الولاء لأيغر، لتترك له شرف استعادة ثقته بطريقته الخاصة.
وسرعان ما سيُحقق كيرتان أمنيته التي راودته طويلًا.
فأيغر لم يكن عاجزًا ككاثرين، التي لا تملك الوقت ولا الوسائل للتصرّف.
حتى وإن امتلكت كاثرين القوة، فسرعة التنفيذ لم تكن من سماتها.
كانت رايلين تتذكر كلمات كاثرين القديمة التي علّقتها في ذهنها:
“أنتِ طيبة أكثر من اللازم. بهذا الشكل ستفسدينهم.
لا تُعطِ الناس ما يريدونه فورًا. كلما ازدادوا يأسًا، زادت رغبتهم وتمسّكهم بما تقدّمينه.”
هزّت رايلين رأسها بخفة، وكأنها تطرد صوت كاثرين من ذهنها.
لو كانت كاثرين في مكانها، لاستغلّت كيرتان حتى يُرهَق صبره، ولعبت على أعصابه حتى تظنّه على وشك الانفجار، ثمّ منَّت عليه بعطفٍ زائف قائلة إنها ستبحث عن أخته أخيرًا.
ولم تكن لتكتفي بذلك، بل كانت ستتصرّف كما لو أنها منقذتهما، تبتسم في وجههما بوقاحة وتقول:
“لا تفكّرا بالأمر كدينٍ أو معروف. كونا سعيدين فحسب.”
وكانت أكثر ما يُثير القشعريرة في شخصية كاثرين هو قناعتها بأنّ العلاقات يجب أن تُبنى على “تبادل المصالح”، لكنها كانت ترى من الطبيعي أن تمنّ على الآخرين بعطائها القليل، وهي تنتظر منهم المقابل مضاعفًا عشر مرّات.
وما إن تميل كفّة ذلك التبادل قليلًا ضد مصلحتها، حتى تُعلن الطرف الآخر خائنًا شريرًا وتُنزِل به العقاب.
نقرة…!.
طلقة! طلقة! طلقة! طلقة!.
فرّغت رايلين مخزن مسدّسها الرباعي دفعة واحدة، ثم أعادت تعبئته برصاصٍ سحريٍّ جديد.
قالت الخادمة بإعجابٍ مدهوش:
“يا إلهي! يا سيدتي، لقد أصبتِ مركز الهدف في كل مرة!.”
لم يكن خيالها. كانت دقتها فعلًا تتحسن حين تتخيل وجه كاثرين في مركز الهدف.
وبينما كانت تعبّئ السلاح من جديد، ظل ذهنها منشغلًا بأمورٍ أخرى.
فمسألة ما إذا كان كيرتان سيظل تحت السيطرة أو سيُطلَق لاحقًا، أصبحت الآن بيد أيغر.
لكنّها على الأقل نجحت في سرقة “سيف” كاثرين منها.
وربما سيتقاطع طريق كيرتان مع كاثرين مرةً أخرى في المستقبل، لكن هذه المرة، لن تكون علاقتهما مبنية على عبوديةٍ عمياء كما كانت سابقًا.
لم يكن بإمكان رايلين أن تمنع كاثرين من جمع المال عبر الحلبة، فالمبالغ التي تجنيها هناك لم تكن ذات قيمةٍ كبيرة أصلًا.
لكن الخطر الحقيقي يكمن في مصدر ثروتها التالي، ذلك الذي كان سيفتح أمامها طريق النفوذ الواسع.
توقفت رايلين لحظة وهي تنقّب في ذاكرتها، تستعرض ما تعرفه من القصة الأصلية وحياتها السابقة، وحدّقت في الهدف أمامها بشرود.
عندها قالت الخادمة القريبة منها:
“يا سيدتي، هل أُحدّد لك موعدًا مع السيّدة ميفارو؟.”
“همم؟.”
“كنتِ تلتقينها كثيرًا من قبل.”
وأشارت الخادمة بيديها على شكل مسدّس وهي تضحك، مما جعل رايلين تومئ بخفة بعد أن تذكّرت.
“آه، صحيح.”
“ليس هناك كثير من السيدات الشابات اللواتي يجدن متعة في هواية الرماية مثلكن، وكنتما تستمتعن كثيرًا في مثل هذا الوقت من العام، لكنكما لم تلتقيا مؤخرًا.”
كانت رايلين تصغي بفتور، تدع كلماتها تدخل من أذنٍ وتخرج من الأخرى، وهي تمرّر أصابعها على فوهة السلاح.
السيّدة ميفارو…
تذكّرتها جيدًا.
لكن لا بوصفها صديقةً تشاركها هواية، بل امرأة اختفت فجأة في ظروفٍ غامضة.
ومع ذلك، لم تكن الذكريات التي تجمعهما سيئة.
وقبل أن تغوص أكثر في التفكير، قالت الخادمة فجأة:
“أوه، صحيح! لقد وصلت رسالة من السيّدة ميفارو أيضًا.”
“حقًا؟ أريد أن أراها.”
“ها هي.”
وأخرجت الخادمة الرسالة من جيبها، فحدّقت فيها رايلين بدهشة.
“تحملين الرسائل معك؟.”
“ليس كلها، يا سيدتي. لكن بما أنكِ خرجتِ للتدريب على الرماية، ظننت أنكِ قد ترغبين بقراءتها.”
“ظننتِ أنني سأبحث عنها؟.”
“نعم، لأنها تتعلق بالرماية أيضًا.”
ضحكت رايلين بخفة، وقالت بمودة:
“أحسنتِ.”
وبعد أن لاحظت الخادمة الفخر يزداد في ملامحها، فتحت رايلين الرسالة وبدأت تتصفحها بسرعة.
«الخطوبة تقترب…؟ لا داعي للعجلة إلى هذا الحد.
وفوق ذلك، أنا لا أكنّ للطرف الآخر أي مشاعر.
أريد فسخها، لكن لا أعرف الطريقة…»
تمتمت رايلين في سرّها: هل صار فسخ الخطوبات موضة جديدة؟.
لكنها كتمت ضحكتها كي لا تُسيء الفهم.
قالت الخادمة وهي تطوي الرسالة بعناية وتضعها في جيبها من جديد:
“يا إلهي، إذًا فالإشاعات صحيحة. الجميع يتحدث عنها.”
“إشاعات؟.”
“نعم، يقولون إن السيّدة ميفارو واقعة في حب فارس حراستها!.”
“ماذا؟!.”
“يُقال إنهما عندما يكونان معًا، لا يفعلان سوى التحديق ببعضهما وكأن العسل يقطر من عيونهما!. حتى إن الناس يتحدثون عن منديل يحتفظ به الفارس كأنه كنز، مطرَّز عليه اسمها!.”
وضعت الخادمة يديها على صدرها بعينين حالِمتين، وقالت بشغفٍ طفولي:
“يا لها من قصة حب جميلة! مثل تلك التي نقرأها في الحكايات.”
نظرت رايلين إليها بصمتٍ متفكّر.
فالحب بين النبلاء وحراسهم كان من القصص النادرة التي يتناقلها الناس بإعجابٍ خفي.
فالنبلاء، رجالًا ونساءً، لا يملكون حرية الاختيار في الزواج؛ معظم الزيجات كانت عقودًا سياسية أو اقتصادية، وإن وُجدت حالات نادرة تقوم على الحب الصادق.
لكن، رغم ذلك، ظلّ الجميع يحلم بعلاقةٍ حقيقية، فيها الشغف والاختيار لا الإلزام.
“إذًا لهذا السبب عُجّلت الخطوبة؟.”
“ربما، يا سيدتي. هذا ما يظنه الناس.”
ثم خفّضت صوتها فجأة وقالت في همسٍ متآمر:
“أتظنين أنهما قد يهربان معًا؟ سمعت أنهما مغرمان ببعضهما بجنون!.”
تجمدت رايلين للحظة، وردّت بتلعثمٍ خفيف.
“لا… لا يمكن أن… يكون ذلك صحيحًا.”
لكن في داخلها، دوّى صدى الذاكرة.
في حياتي السابقة، السيّدة ميفارو… فعلاً هربت مع فارسها.
بل فعلت ذلك بمساعدة كاثرين!.
تذكّرت بوضوح كيف انتهى التحقيق في اختفائها دون نتيجة، وكيف قالت كاثرين بابتسامةٍ باردة عندما أبدت رايلين قلقها:
“لا تقلقي. لا بد أنهما بخير. لقد تحررت أخيرًا من العائلة التي كبّلتها، وبدأت حياة حقيقية.”
مشبوه… كاثرين لا تساعد أحدًا بدافع الرحمة.
“عائلة ميفارو مشهورة بمناجمها، أليس كذلك؟.”
“هاه؟ آه، نعم بالطبع.”
أومأت رايلين ببطء.
حين تعرّفت كاثرين عليها في الماضي، كانت تملك منجمًا بالفعل، منجمًا أصبح لاحقًا ذا قيمةٍ هائلة.
وكان مالكه الأصلي بلا شكّ… عائلة ميفارو.
صحيح أن ذلك المنجم لم يكن جزءًا أساسيًا من خطة كاثرين المالية في البداية، لكن لاحقًا صار أحد أهم مصادر نفوذها.
ولذلك، لم يكن بوسع رايلين أن تسمح بتكرار ذلك مجددًا.
حتى وإن لم تعرف تمامًا كيف التقت كاثرين بالسيّدة ميفارو أو كيف سارت الأمور، فهي الآن عازمة على معرفة كل التفاصيل بنفسها.
“بما أنني أشعر ببعض الضيق… فلنطلق النار قليلًا. أرسلي دعوة للسيّدة ميفارو.”
—
طرق، طرق.
“أخي، هل لديك وقت؟.”
لكن قبل أن تُكمل جملتها، انفتح الباب فجأة.
“رايلين!.”
تجمّدت لوهلة وهي تحدّق في روير، شقيقها الذي اندفع نحوها بذراعين مفتوحتين وابتسامة واسعة تكاد تُحرّك ذيله لو كان له واحد!.
تنفّست ببطء، ثم تظاهرت بالاستسلام ودخلت بين ذراعيه بهدوء.
احتضنها رُوير بقوةٍ مفرطة وهو يبتسم وكأنه يضمّ العالم كله بين يديه.
“اتركني الآن.”
“ألا يمكن أن نبقى هكذا قليلًا بعد؟.”
“قلتُ: أتركني.”
تنهّد بخيبةٍ واضحة، وكأن أذنيه انخفضتا مثل جروٍ مُعاقَب، فابتعد ببطء.
تجاهلت تصرفه وجلست على الأريكة داخل مكتبه، مشيرة إليه ليجلس أمامها.
“اجلس.”
جلس رُوير بسرعة إلى جوارها، وقال مبتسمًا:
“لم تأتِ لرؤيتي لأنك اشتقتِ إليّ، أليس كذلك؟ إن نظرتِ إليّ بهذه الطريقة، سيتألم حتى أخوكِ المسكين!.”
تجاهلت مزاحه ودخلت مباشرةً في صلب الموضوع:
“جئت لأسألك عن أمرٍ ما. وأظن أنك تعرفه.”
قال بفخرٍ طفولي دون تردّد:
“بالطبع أعرف!.”
“لم أخبرك حتى ما هو.”
“إن كان أمرًا تريدين معرفته، فأنا أعرفه! وإن لم أعرفه، فسأعرفه!.”
كلامه بدا سخيفًا، لكن من يعرف رُوير، يعلم أنه قادر على تحقيقه فعلًا.
“الآنسة سيليون طلبت الانفصال عن دوق لوكارت، أليس كذلك؟.”
ثم روت له كل ما رأته في المقهى، دون أن تُظهر اهتمامًا كبيرًا، وكأنها تسرد حادثة عابرة.
لكنها كانت تعلم أنه سيتولّى مراقبة العائلتين عن كثب من الآن فصاعدًا.
فبسبب ضعف جسدها، لم تكن رايلين قادرة على حضور التجمعات الاجتماعية أو جمع المعلومات بنفسها، لذا كانت تعتمد على رُوير في مثل هذه الأمور.
ومع ذلك، لم تشعر بأن مساعدته عبء أو دين،
بل كانت تؤمن بقبول المعروف بصدق، دون مبالغة أو استخفاف.
قال رُوير بعد لحظةٍ من التفكير:
“لم يُعلن الانفصال رسميًا بعد. بيت الدوق لم يُصدر وثيقة فسخ الخطوبة.”
“كما توقعت.”
ابتسمت رايلين بخفة، انسابَت المعلومات التي أرادتها من فم روير بسهولة تامّة.
“الأهم الآن… كيف يتعامل آل سيليون مع الأمر؟.”
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 8"