“ومن الذي تودّين إبعاده؟.”
“الرقم اثنا عشر.”
في تلك اللحظة، ظهرت كلمة ‘فضول’ بجانب أيغر.
شدّت رايلين قبضتها بخفّة خلف طيّات تنّورتها.
‘هذه فرصتي. إن كنت أرغب في تحسين علاقتي به ولو قليلًا، فعليّ أن أتشبّث بهذا الموضوع.’
“مقاتل الحلبة الأعظم؟.”
“نعم. يُقال إنه الأفضل في التاريخ، ولن يأتي مثله أحد.”
“وما كان اسمه؟.”
“كيرتان.”
في الماضي، أصدرت الإمبراطورية قانونًا بعد سلسلة حوادث، حين بدأ بعض المقاتلين يكتسبون شهرة واسعة بين الناس ويستغلّونها لنسج مخططات خطيرة.
فصار يُحظر مناداتهم بأسمائهم الحقيقية أو ألقابهم العظيمة، ويُشار إليهم فقط بأرقام مخصصة.
ذلك لأنهم أدركوا مدى القوّة التي تكمن في منح الاسم لشخصٍ ما.
“ألم يحاول كثيرون شراؤه؟ على حد علمي، لم ينجح أحد في ذلك قط.”
ولمّا لاحظت رايلين أن فضوله بدأ يخبو، سارعت بالقول:
“ذلك لأنهم يجهلون ما يريده حقًا.”
“وما الذي يريده إذًا؟.”
كان صمته يخفي سؤالًا آخر: هل يعقل أن هناك ما يريده فعلًا؟ وأنتِ تدّعين أنكِ تعرفينه؟.
لكن الإجابة كانت واضحة دون أن يتفوه بها، إذ بدأ الفضول الذي خبا في عينيه يتقد من جديد.
“لديه أختٌ صغرى أعزّ عليه من حياته نفسها. بيعت بسبب الدَّين، ولا أحد يعرف أين انتهى بها المطاف.”
كانت قصّة مألوفة:
أسرة معدمة، أب مدمن على الشراب والقمار، أم هربت تاركةً أبناءها خلفها.
لم يجد الشقيقان بيت الحلوى كما في حكاية هانسل وغريتل، بل باعهما والدهما نفسه، وفرّق بينهما قسرًا.
ومع مرور السنين، صار الأخ رجلًا مستعدًا لأن يبيع روحه ليعثر على ما تبقّى من عائلته، بينما كانت أخته تكابد قسوة العالم، مكسورة ومنهكة، حتى صارت لقاؤهما أمرًا محتومًا.
“أنوي العثور على أخته الصغيرة.”
كانت رايلين تخطّط لاغتنام الفرصة ذاتها التي مكّنت كاثرين من السيطرة على كيرتان في رواية ش.م.ت.
فقد باعت كاثرين بعض حليّها البسيطة وجمعت مبلغًا صغيرًا عبر خادمتها التي كانت تبتزّها، ثم ضاعفت المال في هذه الحلبة نفسها.
لكن حتى بذلك المال، لم تستطع شراء كيرتان، المقاتل الأقوى في التاريخ.
فاكتفت بإلقاء تلميحٍ عن رغبته الحقيقية، وخلقت بينهما منفذًا صغيرًا.
وباستغلالها لأخته كطُعم، ساعدته على الهروب من الحلبة.
ومنذ تلك اللحظة، صار ولاؤه لها مطلقًا.
فمن ذا الذي لا يقع في حبّ المنقذ الذي منحه الحرية وأغلى ما يبتغيه قلبه؟.
أصبح كيرتان سيف كاثرين، ينفّذ أوامرها بلا تردد، من الحراسة إلى القتال، بل والاغتيال أيضًا.
قال ذات مرة بصوتٍ خالٍ من الحياة:
“أنا خادمها.”
حين تتذكّر رايلين تلك المحادثة القصيرة التي جمعتهما، تدرك أن كاثرين لم تكن ترى فيه سوى أداة.
حبسته، واستغلّته كما شاءت.
بل حتى بعد زواجها من ثيرون، بقي كيرتان صامتًا إلى جانبها.
فهل استمرّ بحمايتها بعد أن قتلت ثيرون ورايلين معًا؟
جواب ذلك سيظل مجهولًا إلى الأبد.
قال أيغر وهو يحدّق فيها:
“يبدو أنكِ واثقة جدًا.”
“ثقة قائمة على أسسٍ متينة.”
عندما رأى أيغر كيف رفعت رأسها قليلًا ودفعت صدرها للأمام بفخرٍ طفولي، تذكّر عصفورًا ذهبيًا ينتفخ بريشه الأبيض الناعم.
كتم ضحكته، وطوى ذراعيه قائلاً بنبرةٍ مشوقة:
“لقد أثرتِ اهتمامي. هل لي أن أبقى؟.”
ارتبكت أفكار رايلين لوهلة من كلماته؛ كان يريد أن يشهد بنفسه لحظة اصطيادها لسمكة الحلبة الأكبر، كيرتان.
قد يُعدّ ذلك دينًا عليها، لكن في الواقع، يمكن اعتباره هديةً أو بادرة حسن نية.
أليس كافيًا أن تنجح في تلبية رغبة كيرتان ومنحه الحرية؟.
ثم إن أيغر قادر على العثور على أخته بسرعةٍ تفوق كاثرين أضعافًا.
ولن يكون في ضمّ كيرتان، الذي أثبتت ش.م.ت ولاءه وقوته، إلا منفعة عظيمة لأيغر.
أما رايلين، فلن تضطرّ بعدها لاستخدام الوسائل الدنيئة للتخلّص من أقوى أعوان كاثرين.
“بالطبع، يا صاحب السمو! ولكن…”
“همم؟.”
“ألست بحاجة إلى رجالٍ أشدّاء؟ شخصٍ قوي… ربما ليس بقوتك، لكنه وفيّ ومخلص؟.”
كان بريق عينيها الخضراوين المليئتين بالحماس ينعكس في ناظريه، فمسح ذقنه متأملًا.
لم تذكر الاسم صراحة، لكن المعنى كان واضحًا تمامًا.
كيرتان.
يبدو أنها خطرت لها الفكرة لتوّها، ومع ذلك لم تكن بلا وجاهة.
فأيغر كثيرًا ما تسلل إلى ساحات القتال السرية كهذه باحثًا عن مقاتلين موهوبين.
كل من يعيش على سيفه في مثل هذه الأماكن له ثمن محدّد.
وحتى الآن، لم يصادف أحدًا يثير اهتمامه… حتى هذه اللحظة.
أقوى مقاتل في تاريخ الحلبة، ويمكن جلبه بسهولة، بل وولاؤه مضمون؟ حقًا، من الصعب إيجاد سببٍ لرفض هذا العرض.
“أخبريني المزيد عنه.”
—
—طلقة.
دوّى صوت إطلاق نار، طلقة، ثم أخرى، فثالثة ورابعة متتابعة.
تنفّست رايلين الصعداء وأرخَت كتفيها.
كانت الأمور في الحلبة تسير على نحوٍ يفوق التوقع.
“قلتِ إنك تعرفين مكان أختي؟.”
“نعم. سأعثر عليها وأحضِرها أمام عينيك.”
لم يستطع الذهب ولا الوعود أن تُحرّك كيرتان قيد أنملة،
لكن حين نطقت رايلين بتلك الكلمات، جثا على ركبتيه فورًا.
“ماذا تريدين مني؟.”
“هل تثق بي؟.”
ورغم أنه لم يُبدِ شكًّا، أعادت سؤالها ثانية.
كانت تعرف أن قدرتها على رؤية المشاعر ميزة نادرة، لكنها أيضًا سلاح ذو حدّين.
ففي حياتها السابقة، تجاهلت الشكّ الذي رأته إلى جانب حبّ كاثرين الطاغي لها، وماتت بسبب ذلك إهمالًا.
“لا أحد يعلم أن لي أختًا، أو أنني أبحث عنها. لكنكِ، يا سيدتي… تعرفين.”
بمعنى آخر، لقد آمن بقدرتها على منحه الشيء الوحيد الذي يريده.
“إنك تُبسّط حكمك عليّ كثيرًا. المعرفة شيء، والقدرة على الفعل شيء آخر.”
لكن المفاجأة أن الذي أيّدها لم يكن كيرتان، بل أيغر نفسه.
ورأت في عينيه لمحة خافتة من الضجر، فكتمت ضحكتها بصعوبة.
سعلت قليلًا لتستعيد اتزانها وسألت:
“امم، ولمَ تثق بكلامي بهذه السهولة؟.”
رفع كيرتان رأسه لأول مرة منذ بدء الحوار، وعيناه تشعّان بوحشية حيوان جريح على شفا الموت.
“لأنني لا أملك ما أخسره.”
كانت نبرته تحمل تهديدًا صريحًا: إن خدعته، فسيُمزّق كل من شارك في الخداع دون تردّد.
لم تكن بحاجة إلى سماع المزيد؛ فنية القتل المنبعثة منه كانت كافية لتجمّد الدم في عروقها.
وفي لحظة خاطفة…
—تحطّم!.
قبض آيغر على رأس كيرتان وصرعه أرضًا بقوّة.
“كيف تجرؤ؟!.”
زمجر بصوتٍ عميق، وبدت عروق يده تنتفخ من شدّة الغضب.
تلاحقت أنفاس رايلين المضطربة، وأطلقت زفيرًا حادًّا بعدما كانت تحبس أنفاسها خوفًا.
نظرت إلى يديها المرتجفتين، وأدركت أنّها لأوّل مرة تشهد كراهية قاتلة موجّهة إليها مباشرة.
ولم يكن مصدرها شخصًا عاديًا، بل سلاحًا بشريًا حيًّا، رجلًا اعتاد أن يعيش من القتل ذاته.
بل الأدهى أنه لم يُظهر سوى جزءٍ يسير من تلك النية.
فلو أطلقها كاملة، لكان مجرّد حضوره كفيلًا بإصابة أيّ إنسانٍ بالشلل أو السكتة.
تحطّمت الأرض تحت رأسه، وتلطّخت بالحمراء الداكنة.
“شكرًا لك.”
أومأت رايلين لأيغر شاكرة.
لكن صوته أتاها ببرودةٍ كالثلج.
“لقد فهمت نواياكِ جيدًا… لكنكِ ما زلتِ حمقاء.”
حتى رايلين نفسها ارتجفت من حدّة نبرته، ومع ذلك لم ينبس كيرتان ببنت شفة، ولم يعتذر.
نعم، تلك هي طبيعته العنيدة.
إن استخدمتُ شقيقته كورقة تهديد، سأتمكن من كسره في أي لحظة.
لكن… لا أريد أن أصل إلى هذا الحد.
نظرت إلى أيغر نظرةً سريعة وكأنها تطلب الإذن.
أصدر صوتًا متضجرًا وقال بصوتٍ مسموع للجميع:
“ما زلتِ طيبة أكثر مما ينبغي.”
ثم رفع يده عن رأس كيرتان، وتراجع خطوة إلى الخلف، ليقف هذه المرة إلى جانبها.
حين التقت عيناه بعينيها للحظة، مالت رأسها في حيرة، لكنه صرف نظره عنها كليًّا.
أما كيرتان، فقد ظلّ ممددًا أرضًا، رأسه منحنٍ، لا يجرؤ على رفعه ثانية.
لم يبدُ في هيئته أي شكّ أو تردّد.
قال أيغر بصوتٍ هادئ لكنه نافذ:
“من الآن فصاعدًا، عامِل هذه السيدة كما لو كانت حياتك ذاتها.”
فأجاب كيرتان بصمتٍ خاشع، دون أن يرفع رأسه.
—
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 7"