“واااه!!.”
“اقتله! اقتله!.”
“اربح اليوم! لقد راهنت بمبلغ ضخم!.”
“هاهاهاها! أيها الحمقى! أنتم مخطئون تمامًا! الفائز اليوم هو—.”
“اصمت! تنحَّ عن الطريق! خذ مالي! أراهن على الرقم ثلاثة! لا، على الرقم واحد وثلاثين!.”
كان ضجيج الجماهير يصمّ الآذان، والصرخات تختلط بدويّ الفوضى، لتملأ الهواء بثقلٍ لزجٍ كبركٍ راكدةٍ في موسم الأمطار.
إنه أكبر ميدانٍ للمبارزة في الإمبراطورية.
وبما أن نظام الرقّ كان محظورًا فيها، فقد احتلّ المقاتلون مكانة أشبه بمكانة الرياضيين المحترفين.
غير أن الفرق الجوهري بينهم كان في أن كل مباراة كانت صراعًا من أجل البقاء.
ومع ذلك، ظلت الغاية هي ذاتها: صقل المهارة والتنافس أمام جمهورٍ ليُحَدَّد الأفضل بينهم.
لم تكن هناك قيودٌ تتعلق بالمنزلة أو الجنس أو العمر أو الأصل عند الانضمام للمقاتلين. حتى المجرمون سُمح لهم بالمشاركة في ظروفٍ أقسى لتخفيف أحكامهم.
وكما هو متوقّع، كان الرهان على نتائج المعارك أمرًا لا يُستغنى عنه؛ نادرًا ما خرج أحد من الميدان دون أن يضع رهانًا ما.
فكثير من الحاضرين كانوا يغطّون رسوم الدخول من الأرباح التي يجنونها من تلك المراهنات.
كما كانت نسبةٌ من الأموال المجموعة توزَّع كعمولةٍ بين إدارة الميدان والمقاتلين الذين وُضعت عليهم الرهانات.
“هاه… مقاتلي المفضل، صاحب الرقم أربعة، اعتزل أخيرًا. على من أراهن الآن؟.”
“رقم أربعة؟ لقد تغيّر هذا منذ أكثر من شهرين. ولم يمت حتى، بل اعتزل. تلك أفضل نهايةٍ يمكنه نيلها.”
“صحيح، لا بد أنه جمع ثروةً ضخمة قبل أن يرحل. حتمًا يعيش الآن حياةً رغدة. آه… ماذا عن الرقم اثنين وأربعين؟.”
في الحقيقة، بعض المقاتلين تمكنوا فعلًا من تكوين ثروةٍ تفوق خيال العامة ثم اعتزال القتال بعد فترةٍ قصيرة، لكن الأكثرية الساحقة منهم لقوا حتفهم قبل بلوغ تلك المرحلة.
“أوه؟ هل بدأت المعركة بالفعل؟.”
“لا تتعجل. المواجهات الأولى مجرد تمهيد، كلها معارك بين مغمورين. لا يزال أمامنا وقت حتى تبدأ النزالات الحقيقية.”
على بُعد خطواتٍ من الأمواج البشرية المتدافعة أمام لوحة المراهنات المتبدّلة باستمرار، وقفت رايلين وحيدة، كما لو أن جدارًا غير مرئيًّا يفصلها عن الفوضى المحيطة بها.
تجاوزت الحبل الأحمر المخصّص للفصل بين العامة والمقاعد الخاصة، دون أن تضع أي رهان، بل اكتفت بتأكيد اسم المقاتل رقم اثني عشر قبل أن تتجه نحو مقعدها المحجوز في قسمٍ خاص من المدرّجات.
لم يكن ذلك القسم حكرًا على النبلاء، لكن رسوم دخوله كانت باهظة الثمن.
وفيما كانت تشقّ طريقها، دوّى صخب جديد في الساحة، حين انغرز فأس المقاتل رقم خمسة في خاصرة خصمه رقم سبعة عشر، لتنهمر صيحات الجماهير بأشدّها.
“آااه! لقد أصابه! هل سيتمكّن من الوقوف مجددًا بعد هذه الإصابة؟!.”
بدا صوت المذيع أكثر عبثًا من كونه حماسيًّا، يتردّد صداه على جدران الساحة، لكن رايلين لم تصغِ إليه.
كانت تمشي بخطى ثابتة، تغطي وجهها بغطاء معطفها، ثم التفتت قليلًا نحو أحد الأبواب الضخمة على الجانب الآخر من الساحة.
البوابة التي يدخل منها المقاتلون قبل نزالاتهم، والمغلقة الآن بسبب القتال الدائر.
وراء ذلك الباب الملطّخ بالدماء والأوساخ، إلى حدٍّ لم يعد يُعرف لونه الأصلي، يوجد ذلك الرجل.
كيرتان.
رجلٌ لم يتدرّب قتالًا قط، ولم يدرس فنونه، ومع ذلك عُدّ من أقوى خمسة مقاتلين في الإمبراطورية.
وكان أحد أبطال القصة الفرعية الذين أنقذتهم كاثرين.
حبكة مألوفة للغاية: رجل يائس، وامرأة تنقذه.
ومن بين كلمات المفاتيح في رواية ش.م.ت، تلك الكلمة التي تُغذّي عنصر ‘الحريم العكسي’ كانت تشير إلى ثلاثة رجال غير ثيرون، الذين ينتهي بهم المطاف مع كاثرين:
كيرتان، آريان، وروير.
ولأن هدف رايلين كان تفكيك القصة الأصلية، فقد كان من الطبيعي أن تسعى إلى حرمان البطلة من كل ما هو لها، أو تدميره إن لزم الأمر.
ومن بين الذين سيصبحون في المستقبل تابعين أوفياء لكاثرين، كان هؤلاء الثلاثة على رأس القائمة التي يجب إزالتها.
لم تستطع التدخل مباشرة في أمر ثيرون، لكن الثلاثة الآخرين كانوا في مجالها الحر.
قبل أن تلمس مقبض الباب، فُتح فجأة، وتقدّم منه شخص بسرعة.
“رايلين!.”
لم تكد تستوعب ما يحدث حتى وجدت نفسها مطوَّقة بذراعين قويتين، صدرٌ صلب التصق بأنفها، وذراعان أحكما قبضتهما حتى كاد الهواء ينقطع عنها.
“أين كنتِ؟ كنت على وشك الخروج للبحث عنك!.”
“روير… أنت تضغط بقوة، أوجعتني ولا أستطيع التنفس.”
“آه! سامحيني! هل تأذيتِ؟ هل أستدعي الطبيب؟.”
أفلتها على الفور، متراجعًا بخوفٍ صادق.
“هل أصبتِ في مكانٍ ما؟ أخبرتكِ أني سأرافقكِ، هذا المكان خطر. حتى لو أحضرتِ سلاحًا، فالأمر محفوف بالمخاطر.”
بينما كان يفيض قلقًا عليها، دفعته رايلين جانبًا بلطف وقالت:
“أنا بخير. ليست إصابة خطيرة. دعنا نجلس أولًا.”
“حسنًا. هاكِ، أحضرت لكِ الشاي المفضل لديكِ.”
كان هذا الرجل الذي يتصرّف معها كما لو كانت تمثالًا من السكر هو روير جروجيا.
ينحدر من فرعٍ جانبي لعائلة جروجيا، لكنه عُرف بموهبته المميزة وخلقه الرفيع، حتى تبنّاه الدوق رسميًّا ليكون وريثه القادم.
غير أنه كان يعاني ولعًا مفرطًا بأخته.
بطبيعة الحال، لم يكن ذلك إلا جزءًا من حبكة الرواية، أداة تخدم كاثرين.
فروير، الذي أحبّ رايلين كأخته الصغرى، فزع حين علم أن أقرب صديقاتها هي تلك المرأة سيئة السمعة من آل سيليون، فحاول التفريق بينهما، لكنه وقع في نهاية المطاف في سحر كاثرين وأصبح أحد أتباعها المخلصين.
أما رايلين، فكانت تؤيد علاقتهما دون تردد.
لقد قال حينها شيئًا من قبيل:
“سيسعدني أن نصبح عائلة يومًا ما.”
لم تتذكّر الجملة بالحرف، لكنها كانت بهذا المعنى تقريبًا.
فمع كاثرين التي هربت من عائلةٍ مؤذية وكانت تغمرها مشاعر ‘الوحدة’ و’الحزن’، كان من المستحيل ألا يقول مثل هذا الكلام في ذلك الموقف.
قال روير بابتسامة حانية وهو يجلس قربها:
“ألستِ جائعة؟ جربي هذه الحلوى، مون بلان. اخترتها خصيصًا لتناسب ذوقك.”
تذوّقت رايلين قطعة صغيرة بطاعةٍ مصطنعة، ثم قالت:
“تذكر ما أخبرتك به عن الرقم اثني عشر، صحيح؟.”
“طبعًا. من تظنينني؟ تذكّري، جئتُ معكِ خصيصًا لأننا سنُخرجه من هنا.”
نطق كلمة “معكِ” بتأكيدٍ مقصود، وعيناه الخضراوان تشعّان بتوقّعٍ طفولي، لكن رايلين تجاهلته ببرود.
“أحضره إليّ. قبل أن تبدأ مباراته.”
“هنا؟ قبل المباراة؟ لماذا؟—.”
وقبل أن يتمّ سؤاله، رسمت رايلين على شفتيها ابتسامةً مشرقة كالشمس وقالت بنغمةٍ ناعمة:
“لأنك إن فعلت، فسأكون في غاية السعادة.”
لم يحتج روير إلى مزيدٍ من الإقناع؛ رؤية ابتسامة أخته كفت لأن ينطلق مسرعًا وهو يقول بحماس:
“اتركِ الأمر لي!.”
ركض كجروٍّ مفعمٍ بالحماس، متحمّسٍ لأن يُكافأ بنزهة.
قد يبدو ساذجًا، لكنه كان في الواقع إداريًّا بارعًا، متمكّنًا في السياسة، لا يعرف الفشل طريقًا إليه.
وما إن اختفى شعره الذهبيّ، الأغمق قليلًا من شعرها، حتى تمتمت رايلين وهي تضحك بخفّة:
“إنه حقًّا لطيف.”
كلا، لم تكن لتسمح لذلك الأخ الرائع بأن يقع فريسة لتلك المجنونة التي تعاني من وهم الارتباط المرضي.
في القصة الأصلية، انجرف روير في طريق كاثرين لأنها كانت صديقة رايلين المقربة، أما في هذه الحياة، وقد أصبحتا عدوتين لدودتين، فلن تسمح أن يتورط معها أبدًا.
حتى دون تدخّلها، كان احتمال التقائهما قائمًا…
“؟”
قبل أن تكمل تفكيرها، اتسعت عينا رايلين دهشةً وتجمدت في مكانها.
وقف أمامها شخص يرتدي عباءة سوداء داكنة، يخبئ وجهه تحت غطاءٍ منخفض.
لم تسمع خطواته، ولا أحسّت بوجوده قبل أن يظهر.
فتحت فمها لتتحدث، ثم أطبقت شفتيها بسرعة.
خفق قلبها بجنونٍ كفرسٍ جامح، لكنها لم تشعر بخطرٍ حقيقي.
لم يكن ذلك بسبب ثقتها في حراسة الميدان الصارمة التي يعتمدها حتى النبلاء حريصو الأرواح، بل لأنها كانت تعرف أن القلّة القادرة على التسلل هكذا معدودة.
وفوق ذلك، كانت الكلمة التي طافت بجانبه، في فضاء إدراكها الخفيّ، كلمة واحدة باهتة:
—دهشة.
من جاء ليؤذيها، هل كان سيحمل شعورًا كهذا؟.
وقفت رايلين، أصلحت وضع تنورتها، ثم انحنت قليلًا تحيةً وقالت:
“أحيّي صاحب السموّ، وليّ العهد.”
قال بصوتٍ هادئ من تحت غطاء العباءة:
“رأيتُ وريث آل جروجيا فظننت أن هناك احتمالًا… وها أنتِ فعلًا هنا.”
“أوه، إذًا التقيتَ بأخي… لا، هذا لا يبدو منطقيًا.”
“كما ترين، أنا في مهمةٍ سرّية. لم أكن أعلم أن لديكِ مثل هذه الاهتمامات.”
أمال رأسه قليلًا وكأنه مستغرب.
“ليست لي اهتماماتٌ كهذه. حضرتُ اليوم لسببٍ واحد فقط، أبحث عن شخص.”
ورغم أن هذا العالم يحتمل جميع الأذواق والهوايات،
لم ترغب أن تُفهم خطأ على أنها من عشّاق الدماء والمقامرة، فبادرت إلى نفي الفكرة بحزم.
“تبحثين عن شخص؟ هل تنوين رعاية أحد المقاتلين؟ ذلك بلا جدوى إن لم تشاهدي معركته بنفسك.”
“كما قلت، لا شأن لي بهذا المكان. لم آتِ لأرعاه بل لأنهي مسيرته.”
راقبها أيغر للحظة، ولانت نظرته تحت الغطاء قليلًا،
لكن وجهه ظلّ خفيًّا عنها، كما أن مشاعره لم تكن قوية بما يكفي لتتجسد في كلمات كـ ‘فضول’ أو ‘سرور’،
فشعرت رايلين كأنها تخاطب جدارًا من جليد.
“ومن الذي تودّين إبعاده؟.”
رمشت رايلين مرةً، ثم أجابت بوضوح:
“الرقم اثنا عشر.”
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 6"