98
“تحدث أنت أولاً.”
“لا، لا. أنت أولاً.”
“إذن…”
لم يكن يُوت سعيداً بأن الدور عاد إليه أولاً. لأنه أيّاً كان ما سيقوله بعد ذلك…
‘وما المشكلة لو أحببتها؟’
دون حياءٍ أو خجل.
‘بكلمة واحدة، يُوت يقصد أنه يريد أن يواعد سونِت، أليس كذلك؟’
كم كان سيكون الأمر سهلاً لو أمكن إنهاؤه بتلك البساطة.
شخصان تائهان يدركان مشاعرهما تجاه بعضهما في النهاية ويصبحان سعيدين.
نهاية كلاسيكية، لكنها محبوبة بقدر كلاسيكيتها.
لكن يُوت لم يكن قادراً على ذلك.
لم يكن مسموحاً له بذلك.
“ما الذي يجعلك تتردّد هكذا؟”
“ليس من السهل أن أرتّب أفكاري.”
تحت نظرات سونِت التي كانت تراقبه بعناية، كاد يُوت يبكي.
لكنه لم يَفعل.
لقد اعتاد إخفاء مشاعره وتزيينها بمظهرٍ متماسك.
“ترتّب أفكارك؟”
“هناك شيء أود أن أسمعه منك.”
“…”
“كلماتٌ لا يكون لها معنى إلا لو قلتِها أنت.”
لبعض الوقت، أراد أن يكون الشيء الوحيد الخاص بها.
وجوداً لا يمكن استبداله، دون حاجةٍ إلى وعود طفولية تربط الأصابع.
‘لا، في الحقيقة…’
لا يزال يريد ذلك.
لكن يُوت لم يكن يستطيع.
‘إن كان فيّ ذرةٌ من ضمير، فلا ينبغي أن أفعل. لا ينبغي لي أبداً.’
“الوحيد”…
كلمةٌ جميلة تُستخدم في قسم الحب الأبدي.
لكن…
‘أرجوك، دعني أعود.، أرجوك، يجب أن أعود.’
تذكّر يُوت اليوم الذي قضاه في المصلى، يصلي بجنونٍ دون توقف.
يتوسّل ويصرخ، يخدش الأرض بأصابعه، يوقد كل شمعةٍ أمامه وهو يبكي.
‘أريد أن أعود…’
إن أصبحتُ الشيء الوحيد الذي يملؤك،
“سونِت.”
“نعم؟”
فيوماً ما، سأصبح الفجوة التي لا يمكنك سدّها.
‘لا أريد ذلك…’
الغريب لا بد أن يعود.
“قولي إنك لا تحبينني على الإطلاق، ولن تحبيني أبداً، حسناً؟”
كان عليه أن يعود.
—
“تطلب مني ألا أحبك؟”
“نعم.”
“لكننا أصدقاء. وأنت قلت إنك تحبني أيضاً، كصديق طبعاً. فلماذا لا أستطيع أن أحبك؟ أعني، كصديق.”
لسببٍ ما، بدأت كلماته تتعثر.
ارتسمت على شفتي ابتسامةٌ محرجة، كطفلٍ حاول أن يمزح ولم يعرف كيف.
“أعني من الناحية ‘العاطفية’.”
“…”
“أعرف أنك لست من هذا النوع، أعلم، لكن… أردت التأكد فقط.”
كان يتحدث الآن بترددٍ، كما لو كان تلميذاً يقرأ من كتابٍ أمام معلمه.
“لو ظهرت مثل هذه المشاعر، فسيصبح الأمر… معقداً. أردت فقط التأكد! للتأكد فحسب!”
“معقداً…”
“أعرف أنك قلتِ بنفسك إنه لا يمكن أن يكون بيننا شيء من هذا النوع، لكن… بدافع القلق فقط. سونِت، أنتِ لا…”
“…”
“أنت لا تحبينني، صحيح؟”
كنت أعلم أنه لا بأس إن لم تحبني.
‘لكن هذا… أمر مختلف تماماً.’
لماذا، في هذه اللحظة بالذات، يُوت بيلفيت يسألني مثل هذا السؤال؟
لم يكن مهماً إن بدا سؤاله استفهامياً، لأنني كنت أعرف أن هناك إجابةً واحدة فقط يمكنني قولها.
حين ينظر إليّ بتلك النظرات، لا أستطيع أن أرفضه أبداً.
‘لا بأس ألا تحبني.’
كنت أكره أن أراه قلقاً،
أن يلوم نفسه دوماً،
أن يشعر بالذنب،
أن يبتعد عن ما يستحقه فعلاً.
لذلك، إن كان بإمكاني أن أجعله يبتسم ولو قليلاً، براحةٍ حقيقية…
“حسناً، يُوت، ما الذي تريد أن تسمعه بالضبط؟ أنا لا…”
الضوء البرتقالي للغروب تلون به وجه يُوت.
أذناه، أنفه، مفاصل أصابعه الطويلة — كل ما أحببته فيه كان يكتسي بحمرةٍ دافئة.
“أنا لا…”
لا بأس ألا تحبني.
فذلك حريتك.
ظننتُ أن الأمر مجرد وهم، احتمال بعيد.
لكني كنت قد تخيلته بالفعل.
“أنا لا…”
أحبّني، من فضلك…
“لماذا تسألني شيئاً كهذا فجأة؟”
في النهاية، خرج من فمي سؤالٌ لا هو نفي ولا اعتراف.
“لقد تحدثنا عن هذا من قبل، أليس كذلك؟ مرّت سنوات منذ ذلك الوقت، فلماذا الآن؟”
كان الكذب سهلاً جداً.
لكنني لم أرد أن أكذب عليه.
“لأنني… لا أريد أن أكون مخطئاً؟”
“ليس فقط لذلك، بل أنا…”
قدّرت طول الصمت الذي ابتلعه يُوت. ثم أجاب أسرع من المرة السابقة:
“لأنني يجب أن أعود.”
“إلى أين؟”
“إلى مكاني الأصلي.”
“هل يمكنك العودة؟ أعني… قلت إن هذا عالمٌ آخر.”
“هل تتذكرين العقد الذي كتبناه أول مرة؟”
بدأت أستعيد في ذهني تلك الأوراق القابعة في أسفل حقيبة السفر.
*سونِت فوسا تتعاون مع يُوت بيلفيت لإتمام قصة رومانسية حتى نهايتها…*
وفي المقابل، تحصل على منزلٍ تُقدّر قيمته بسعر السوق.
كنت أحاول أن أربط بين الشروط التي أتذكرها بشكل متقطع، لأفهم غاية يُوت الحقيقية.
“كنا قد كتبنا شروط إنهاء العقد، أليس كذلك؟”
“نعم… كتبناها، صحيح.”
لم أكن أتذكر الكثير وقتها، فقد كنت في حالة شرودٍ تام.
أومأت تقريباً دون تفكير، مسايرةً لإيقاع الحديث.
“وما علاقتها بما تقول؟”
“عددها ثلاثة. كان الشرط أن أُتمّ ثلاث قصص بالكامل.”
“…”
“ولم تسأليني وقتها ولا الآن، لماذا ثلاث قصص بالضبط.”
“هل… يمكنني أن أسأل الآن؟”
“بالطبع. فبمن يمكنني أن أثق لأتحدث عن هذا غيرك؟”
كان في صوته دفءٌ عميق، حبّ صادق يملأ الحروف.
لم أكن أفهم الحب الحقيقي الذي كانت أمي تشيد به دائماً،
لكنني كنت أعلم جيداً أن يُوت يحبني بشدة.
لا أعرف كم يختلف ذلك الشعور أو نوعه عن مشاعري أنا، لكنني كنت أدرك ثقله.
“ذلك الشرط هو السبب الذي جعلني أصل إلى هنا.”
“وهنا… تعني هذا العالم؟”
“نعم. هذا العالم. أن أصبح يُوت بيلفيت، وأن أُنهي القصص المبعثرة التي كان يجب أن تُغلق، ومن ثمّ…”
“تعود إلى عالمك الأصلي؟”
“… نعم.”
“ولكي تفعل، يجب أن تُكمل القصص الثلاث؟”
تحرك رأسه الفضي صعوداً وهبوطاً.
تذكرت ذلك اليوم الذي شعرت فيه بشيءٍ غامض من الحزن والعجز،
حين كان يُوت لا يخبرني بالكثير.
‘لو كنتُ أكثر ثقةً بنفسي وقتها…’
كنت أعرف أنه لا مفرّ من بعض الأمور، ومع ذلك ظللت أطرح على نفسي تلك الافتراضات العقيمة.
أما الآن، فقد تغيّر كل شيء: الموقف، والعلاقة.
وصار يُوت يبوح لي بأسرارٍ لم يكن يستطيع كشفها من قبل.
كنت أتمنى منذ زمنٍ أن يأتي هذا اليوم…
“ومن الذي يضمن لك ذلك؟”
“العُليا.”
“هاه؟ العُليا؟”
“نعم، كانت بيني وبينهم اتفاقية. لولا تدخّلهم من البداية، لما تبدّلت الأرواح أصلاً.”
“تبدّلت؟ يعني… في جسدك السابق، توجد الآن روح يُوت بيلفيت الأصلية؟”
“ربما… احتمال وارد.”
“ولماذا أنت؟ أعني، لا أفهم سبب تبديل الأرواح من الأساس، لكن… لماذا اختاروك تحديداً؟”
كنت أظن أنني اعتدت الأحاديث الغريبة عن العوالم الأخرى،
لكن هذه المرة كان عقلي يزداد ارتباكاً كلما حاولت ترتيب الفكرة.
انتظر يُوت حتى أستوعب قليلاً، ثم أجابني بهدوء:
“لا أعرف تماماً، لكن قيل لي إنني الأنسب.”
“الأنسب لأي شيء؟”
“لإصلاح القصص الرومانسية التي تُركت بلا نهاية، بلا خطة محددة.”
“…”
“لا أعرف التفاصيل، لكن يبدو أن حتى المسؤولين عن هذا العالم لهم قوانين محددة.
وهذا العالم تحديداً… مشبعٌ بالقصص الرومانسية.
ومن الأعلى، يبدو وكأن أي شرارة صغيرة قد تسبب تصادماً كارثياً.
لذلك…”
“أنت مَن اختير لإصلاح كل ذلك؟”
“باختصار، نعم.”
“وإن أتممت ذلك، يمكنك العودة إلى عالمك الأصلي كمكافأة.”
لم أستوعب الفكرة تماماً، لكنها بدت منطقية فجأة.
كانت كالمعادلة التي تتطابق أرقامها بدقة.
‘دعوا أحداً من عالمٍ آخر يقوم بالعمل ثم يمنحوه العودة كمنّةٍ مشروطة… ما أقسى ذلك.’
تذكرت نظراته البعيدة،
تلك النظرة العميقة المليئة بالحنين التي كانت تخيفني بقدر ما تؤلمني.
“آسف، لأنني لم أخبرك مسبقاً.”
“قلت لك لا تعتذر على شيءٍ لم تخطئ فيه.”
“لكن هذا…”
“حين كتبنا العقد، لم يكن هناك وقت لمثل هذه الأحاديث.
كل شيءٍ كان واضحاً: ما سيُعطى، وما سيُؤخذ.”
حدّقت في عينيه اللتين التقطتا شظايا ضوء الشمس.
عينان كغابةٍ زرقاء تحمل أثر الخريف في داخلها.
“حتى لو قلتَ لي وقتها، ما كنتُ سأفهم.
بل كنتُ سأراك غريباً مجنوناً وأرفض التوقيع تماماً.
لذلك…”
“…”
“سأستمر في مساعدتك، كما نصّ عليه العقد، وكصديقةٍ أيضاً.”
رفعت صوتي قليلاً بابتسامةٍ مشرقة وسألت:
“وحين تعود… ستلتقي بأختك؟”
“… نعم.”
“هذا رائع. كنتما مقربين، أليس كذلك؟”
“نعم، كنا كذلك. لم يكن لدينا سوى بعضنا.”
“اثنان فقط؟ هذا يجعلكما أكثر ترابطاً.
أنا أيضاً كنت أعيش مع أمي وحدنا، لذا أفهم الشعور قليلاً.”
كانت يداه أكبر من أن أستطيع الإمساك بهما بالكامل،
لكنني تشبثت بهما بكل قوتي.
تذكرت ذلك اليوم من الصيف،
حين لم أستطع أن أسأله السؤال الذي أردتُه أكثر من أي شيءٍ آخر،
واكتفيت بكلماتٍ أخرى تخفي قلبي المرتجف.
التعليقات لهذا الفصل "98"