دفعتُ خصلة شعرٍ كانت على وشك السقوط في كوب الشاي خلف أذني وأجبتُ بهدوء:
“إيڤانجيلين مينِس. هل تتذكّرها؟”
“بطلة بطولة المبارزة قبل عشر سنوات؟ السيّدة الجديدة لعائلة مينِس؟”
“نعم.”
لم أكن أراها إلا كدائنةٍ خفية، ولكنّ الآنسة التي كانت تردّد اسم إيڤاجيلين مينِس مرارًا وتكرارًا أومأت ببطء.
“صحيح… هناك كثير من الحرفيين المهرة في أراضيها. كما أن معظم تجّار الأسلحة الذين يوردون للعائلة المالكة يقيمون هناك أيضاً.”
“…”
“وفوق هذا، فهي بنفسها من أشهر المبارزين في المملكة. لذا إن شاع أن السيف الذي نُقدّمه هو السيف الذي تستخدمه تلك السيدة، فسيكون الأثر الدعائي كبيرًا بلا شك.”
“بالضبط. يُقال إنها تخلّت عن السيف، لكن اسمها ما زال يُذكر كلما تحدّث الناس عن أساطير المبارزة.”
كونها متقاعدة لم يكن أمرًا سيئًا على الإطلاق.
فالماضي يسهل تجميله دائمًا.
‘لم أكن أعلم أنها مشهورة إلى هذا الحد.’
من كان يظن أن امرأةً عبثت بمتزوجٍ تملك مثل تلك الموهبة الفذّة؟
“وبصفتها وريثة، فلا شك أنها تعرف عددًا من الحرفيين الجديرين بالثقة. يمكننا طلب المشورة منهم عن طريقها.”
“لو كان الأمر بهذه السهولة، لكان رائعًا…”
انكمشت شفتا الآنسة المفعمتان بالحماسة قليلًا، فيما تولّى يوت توضيح الموقف بدلًا منها.
“العلاقة بين آل جيفرايت وآل مينِس ليست على ما يرام.”
“هذه أول مرة أسمع بذلك.”
“إنها من الحقائق المعروفة في الطبقة العليا. أمرٌ بديهي لدرجة أن أحدًا لم يعد يتحدث عنه.”
هزّت الآنسة رأسها بقوة لتؤكّد.
“بما أنهما في الإقليم الشرقي نفسه، فمن الطبيعي أن تتصادم مصالحهما التجارية.”
“هممم…”
“من حيث المكانة، اللقاء ممكن. لكن إن تم، فعلى الآنسة أن تلتقي بها بصفتها روبي جيفرايت.”
كان علينا إبقاء هوية الآنسة المزوّرة سرًا تامًّا،
فكل شخصٍ إضافي يعرف الحقيقة قد يعني خطرًا جديدًا.
“وماذا لو أبقت إيڤاجيلين مينِس الأمر سرًا؟”
“حينها يمكننا المحاولة… لكنّ المجازفة كبيرة.”
“هل لديكِ طريقة محددة؟”
انحنت الآنسة للأمام وقد تلألأت عيناها فضولًا.
“وكيف إذًا؟ إيڤاجيلين مينِس لم تظهر في أيّ حفلات ملكية منذ سنة أو سنتين.”
“بما أن الأمر صعب عليكِ وحدكِ، فماذا لو حاولنا الوصول إليها عن طريق شخصٍ يصعب عليها رفض طلبه؟”
بالطبع، لا يمكن الجزم إن كان ذلك الشخص سيتعاون معنا أم لا.
لكن يوت، الذي فهم على الفور ما كنت أفكر به، فتح فمه قليلًا دون أن يصدر صوتًا.
“لا تقولي إنك تقصدين… تلك السيدة؟”
“لا أستطيع أن أضمن شيئًا.”
مجرد خادمةٍ لم تُكمل سوى عامٍ في الخدمة.
‘لكنّ السيدة… لا، الكونتيسة كانت تسعى جاهدةً لتوسيع نفوذها في المجتمع المخملي.’
فالتعاون الخارجي مع زوجة ماركيز لن يكون ضررًا عليها بالتأكيد.
‘حتى وإن كانت سمعتها بين السيدات في الحضيض.’
لكن تلك السمعة المتدهورة كانت البطلة تعمل على إصلاحها بجهدٍ شديد.
‘خصوصًا بعد حادثة قطار السطو الأخيرة، تحسّنت صورتها كثيرًا.’
تحوّلت من مستهترةٍ فوضوية إلى مستهترةٍ تحمل حسّ العدالة.
على أية حال، فكونتيسة إديويل أجنبية، لذا فهي تحتاج إلى دعمٍ من العائلات النبيلة أكثر من غيرها.
“هل تظنين أن هذا سيكون مجديًا؟”
“نعم. ما دمتِ أنتِ من تطلبين، لا أظنها سترفض.”
لماذا بدا السياق عاطفيًا إلى هذا الحد؟
كنتُ على وشك تدارك الموقف، لكن الآنسة قطعت الطريق أمامي بنظراتها الحادة.
“كفاكما تبادل النظرات المشفّرة! كيف بالضبط سنفعل ذلك؟”
“في الوقت الحالي يا آنسة… فقط افعلي ما يمكنك فعله الآن.”
“حسنًا. ومن أين أبدأ؟”
بماذا يمكن أن نبدأ غير ذلك يا آنسة…
التحضيرات للحفل، طبعًا.
بعد شهرٍ واحدٍ بالضبط، سيحلّ عيد ميلاد روبي جيفرايت.
‘كنتُ أظنّ تنظيم حفلات الميلاد أمرًا سهلًا بعد كل تلك المرات…’
لكنني كنت مخطئة تمامًا.
ففي قصر آل جيفرايت، كان تنظيم الحفلات بالنسبة للخادمات مهمةً مرهقة إلى أقصى حد.
إذ بالكاد يوجد من يُساعد — القائمة السوداء للخدم في القصر تضمّ أسماءً أكثر من قائمة العاملين! —
وفوق ذلك، قلّة النساء بسبب الابن الأصغر.
لذا…
كل ما له صلة مباشرة بالآنسة يقع على عاتقي وحدي.
والمقصود بـ’صلة مباشرة’ هو كل ما يتعلّق بها من قريب أو بعيد، حتى أمورٍ كهذه:
“آه! ذاك ال… ال… ال-الخااادمة!”
“نعم، يا سيدي الصغير.”
“أخبري روبي أن تتناول العشاء معنا هذا المساء. عشاءً عائليًا.”
“حاضر يا سيدي.”
حتى التنسيق بين رغبات أفراد العائلة والآنسة من مسؤوليّاتي.
فمنذ عودتنا من الشمال، أصبح كلٌّ من الماركيز وابنه الأكبر متعلّقَين بالآنسة إلى حدٍّ مبالغ فيه.
التعليقات لهذا الفصل "89"