80
“سألتِ لماذا تكرهني عائلتي إلى هذا الحد.”
لم يكن هناك أي تمهيد.
نظرته التي تنقلت بيني وبين لابيس كانت هادئة كالعادة، تتقوس في ابتسامة وديعة.
“السبب نفسه. قبل بضع سنوات، حدثت مشكلة شبيهة بسببي.”
“مشكلة؟”
“شيء مثل نزاع عاطفي.”
كانت الحكاية بسيطة.
أو ربما بدت بسيطة فقط لأنني سمعتها منه الآن.
‘يلهو بهنّ ثم يرميهنّ، واحدة تلو الأخرى. لا أحد في الإقليم لا يعرف عن تلك العادة السيئة.’
كان صوته يحمل نبرة ضجر.
ضجر أقرب إلى التعامل مع غسيل متسخ تُرك طويلاً في الزاوية أكثر من كونه حديثاً عن عائلة.
“أنا حقاً… لا أعتقد أن الإنسان يحتاج سبباً خاصاً ليكون لطيفاً مع الآخرين. لم أكن أعلم أنهم سيسيئون فهم تلك اللطافة بتلك الطريقة… ”
تجعد جبينه الأبيض بملامح حزينة.
“ولم أتخيل أن تلك الفتاة ستنشر تلك الشائعات عني.”
“أي شائعات؟”
“أنني طلبت الزواج منها، مثلاً. وهناك من قال إنني كنت أواعد ثماني فتيات في الوقت نفسه. كانت هناك شائعات كثيرة.”
“…….”
“حتى لو لم تكن تلك القصة، فقد بدأت سمعتي تتدهور شيئاً فشيئاً. تلك الحادثة فقط كانت القمة.”
“وعائلتك صدقت كلامهم؟”
“إنهم يؤمنون بالإنصاف. يحبون أهل الإقليم.”
“وأنت؟”
“أنا… من يدري. شعري بني، لذا ربما كنت دائماً في المرتبة الثانية.”
أصلح بأصابعه الطويلة شعره المصبوغ بلون فاتح.
فضيّ دافئ.
كنت أعرف لون شعره الأصلي، لون الخريف الجميل الذي يشبهه تماماً.
“اسمي كان دائماً على الألسنة. ومع انتشار الشائعات، بدأ البعض يقترب مني فعلاً بتلك النوايا. كانت فوضى. والدي كان منزعجاً للغاية.”
“…….”
“وفي النهاية، طُردت بعد التخرج دون أن أملك حتى عملة واحدة. كنت أفكر بالرحيل على أي حال… انتهى الحديث.”
أنهى يوت كلامه… وابتسم.
ابتسامة خالية من العمق، كأنه يروي شيئاً تافهاً.
لم أجد ما أقول. أي كلمة كانت لتخرج مني مشوبة بالشتائم.
بينما كنت أفتح فمي وأغلقه بلا صوت، بادر لابيس، بنبرة باردة كالعادة.
“بعكس بعض الناس، أنا لا أقدّم لطفاً بلا سبب.”
“أعرف.”
“آه، بحق السماء! على كل حال، على ما يبدو… أنت فقط لم تكن محظوظاً.”
تاهت عيناه الذهبيتان المرتبكتان.
ذلك الفتى الذي لم يبلغ العشرين بعد لم يعرف كيف يضع يديه.
“أعني، بعد بضعة أشهر من معرفتك، واضح أنك لا تملك دهاء من يخدع الناس.”
“…….”
“إذن، ربما عائلتك… هم من يفتقرون إلى البصيرة، أليس كذلك؟”
عينا يوت الخضراوان ترقرقتا.
ولأن لابيس لم يكن قادراً على النظر إليه مباشرة، التفت بنفاد صبر.
“لماذا… تنظر إليّ هكذا؟”
“لابيس!”
كانت حركته سريعة مثل طائر الرفراف.
الطاولة الكبيرة بينهما لم تكن عقبة على الإطلاق.
في لحظة، اقترب يوت واحتضن الفتى الأقصر منه بنصف كفّ تقريباً بقوة.
“الآن فهمت لماذا الناس ينجبون الأطفال!”
“آه! تبا! مقزز! دعني! لا أريد أن أُحتضن من رجل! سونيت! سونيت!”
يا إلهي، حتى أنا رغبت في احتضانه تلك اللحظة.
‘ربما كان عليّ أن أقول له شيئاً على الأقل.’
لكن مهما فكرت، لم أجد ما أقوله دون أن ألعن أحداً.
عضضت لساني لأكبح الغضب الذي يغلي في صدري.
‘حين سمعت كلام أولئك الناس، ظننت أنهم يبالغون… لكن أن يكون هذا هو السبب فعلاً؟’
كان الأمر سخيفاً لدرجة أذهلتني.
“شكراً على مواساتك.”
“لم أواسِك! ابتعد عني! قلت ابتعد!”
“لكنني بخير حقاً الآن.”
“آه، كفّ عن هذا! أنا لست بخير! كيف لطبيب أن يكون بهذه القوة!”
“وجودي معكما يجعلني أشعر أنني بخير حقاً.”
ابتسامته المشرقة لم تحمل أدنى ظلّ من حزن.
حتى لابيس، الذي تخلص أخيراً من ذراعيه وارتجف، لم يجد ما يقوله.
أمسك يوت بيدي وبيد لابيس معاً وقال باقتراح هادئ:
“بما أننا قطعنا كل هذا الطريق إلى الشمال، لماذا لا نذهب لنرى مهرجان الصيف؟”
—
كان مهرجان الصيف أكبر احتفالات إيودرانكا.
“في هذا الوقت يكون الناس أكثر من مهرجان التأسيس نفسه.”
“حقاً؟”
“الصيف هنا قصير، لذا الجميع يخرجون وكأنها آخر فرصة. حتى الغرباء يأتون بأعداد كبيرة.”
سماء صافية بلا غيوم.
اقترب يوت مني حتى لامس كتفيّ وهمس:
“وأين لابيس؟”
“ذهب ليغازل فتاة قبل قليل.”
“مرة أخرى؟”
نظره الذي كان يتتبع مكان لابيس عاد إليّ ببطء.
“قدرته على التعافي مدهشة… لا، هل يُعتبر هذا نوعاً من المرونة العاطفية؟”
“مرونة، ماذا؟”
“لا، إذن سنقضي وقتًا ممتعًا نحن الاثنان فقط.”
“آه، نعم. صحيح. نحن الاثنان… نستمتع.”
“إنها أول مرة آتي فيها إلى مهرجان الصيف مع صديق.”
ذلك “الصديق” لم يكن ليشمل من ظنّ يوماً أنه كذلك،
ذلك الذي أساء فهم صداقته كحب، ثم انتهى به الأمر بلومه وقطع صلته به.
الدفء الذي غمر يديّ كان حذرًا.
وعيناه الخضراوان، المفعمتان بالثقة النقية والمودة، كانتا أكثر بريقًا من شمس الصيف.
“من أين نبدأ جولتنا؟ هنا خريطة أيضًا.”
“همم، أنا…”
‘تكلّمي، سونِت فوسا.’
‘هل تستطيعين خيانة هذا الإيمان؟’
‘كيف لي أن…؟’
كيف أستطيع ذلك؟
يد يوت التي أمسكت بيدي بعفوية، لم تكن سوى لئلا نفترق وسط الزحام.
كاد صوت دقات قلبي يخنقني من شدته.
لكن مع مرور الوقت، حين لم تفترق الأيدي، بدأت أعتاد الأمر،
وفي الوقت نفسه عادت حواسي المرهفة بعد طول خمول.
‘ما بال الأنظار تتجه نحونا باستمرار؟’
صحيح أن وجود ملاك في الشارع أمر يلفت الأنظار،
لكن ما يملأ الجو لم يكن مجرد دهشة بريئة أو نعومة لطيفة.
‘بل إنهم يتهامسون أيضًا.’
نظراتهم كانت واضحة الوجهة.
ابتسم يوت بخجل وقال:
“على الأقل، بسبب تغير لون شعري، لا أحد متأكد تمامًا.”
“…….”
“صبغته بعد أن وصلت إلى العاصمة. لذا هم مترددون، لا يجرؤون على قولها بصوت عالٍ.”
إذن، إن عرفوا أنك حقًا هو، فسيقولونها جهارًا؟
‘يا للسماء، أي معاناة مرّ بها هذا الطفل في موطنه! من يمكن أن يؤذي مخلوقًا كهذا؟’
منذ وصولنا إلى إيودرانكا، كان يوت يتلقى برود الناس بصمتٍ جاف، دون تبرير أو احتجاج.
“هذا جيد.”
“ماذا؟”
“لو عرفوني حقًا، لسببوا لي الإزعاج فقط. وذلك… لا أريده.”
يوت بيلفيت يلفت لم يكن من طينة اللامبالاة.
كان أسمى من ذلك، أنقى، أصفى، وأجمل…
“…أكاليل الزهور.”
الأكشاك كانت تفيض بأكاليل مصنوعة بعناية — بيضاء وصفراء وحمراء.
“هل تودين تجربة واحدة؟”
“ليست لي، أظنها تناسبك أكثر.”
“إذن فلنصنع واحدة معًا؟”
“…ولماذا أنا؟”
“ما المتعة في أن أفعلها وحدي؟ أليس كذلك؟”
مقابل إنفاق لم يكن ضروريًا، سأشهد أول تجربة ليوت مع أكاليل الزهور…
‘فلنشترِها.’
حتى بعد التفكير ثلاث مرات، بقي القرار مربحًا.
قبل أن يقوم بأي حركة، كنت قد اخترت ودفعـت واشتريت.
“جميل…”
حتى وردة بلون وردي باهت لم تستطع أن تخفي جمال يوت.
كتمت أنفاسي المرتجفة ورفعت إبهامي إعجابًا.
“هذا يليق بك جدًا.”
“الزهور؟”
“نعم. الزهور، ضوء الشمس، السماء الصافية، والنسيم العليل. أشياء كهذه.”
لم يكن هناك مكان لعبارات باردة أو تعليقات قاسية.
نعم، لم يكن هناك، أو هكذا ظننت…
“ما هذا؟ أليس هذا يوت إيودرانكا؟”
اخترنا مكانًا هادئًا بعيدًا عن الناس قليلًا، لكن الذباب لا يفهم الخصوصية.
اقتربت الظلال، وانقبض ما بين حاجبي يوت.
“يا إلهي، متى عاد؟”
“ظننت أنه لن تطأ قدماه أرض إيودرانكا ثانية.”
“وما هذا المظهر؟ ولمن تحاول التودد هذه المرة؟ ها، لم تتخلّ عن عادتك القذرة بعد؟”
نظرات الرجال مرّت بي سريعًا، ثم عادت إليه.
كانوا غاضبين بشدة.
“كنت تلهو بقلوب الناس، حتى مع يوريس. سنوات ولم تتغير عادتك.”
“…….”
“كيف تعيش هكذا؟ لو كنت مكانك لمتُّ من الخزي.”
لم تكن لتلك الأقاويل قيمة تُذكر.
جمعوا شائعات قديمة كالنفايات، وأفرغوا غضبهم المشوّه.
سخروا من يوت.
من الشخص الذي أحبه بشدة.
من ملاكنا…
“هاه! ما لك لا تتكلم؟ أأدركت أخيرًا ما معنى الخزي؟”
“قلت مرارًا، لم أعترف لحبيبتك قط.”
“يا عديم الحياء…”
“وأنا لا أتكلم لأنك لا تصغي مهما قلت.”
“…….”
“ما دام لا أحد يصدقني، فلماذا أفتح فمي أصلًا؟”
ارتجفت شفاه الرجال.
ونفخوا أنفاسهم بحدة قبل أن يوجهوا نظراتهم نحوي.
“آنسة، أنصحك أن تكوني حذرة. لقد تورطتِ مع شخص خاطئ.”
“هاها، نعم…”
“ربما أغراكِ وجهه الجميل، لكنه ليس كما يبدو. لا تشعري بالخجل، فالتعرض للدغة الأفعى ليس ذنب الضحية.”
“هاها…”
“فكري فيها كمجرّد حظ عاثر. نحن نقول هذا لأجلك. للأسف، كنا معه في نفس الأكاديمية.”
قبضت على يدي التي لم تكن تمسك بيوت.
‘ما بال هؤلاء الأغبياء جميعًا يتجرأون علي؟’
“لو كنتِ تبحثين فقط عن شريك مؤقت للموعد، فالأفضل أن—”
“اخرسواااااا!”
التعليقات لهذا الفصل "80"