ارتسمت على فمه ابتسامة خفيفة قبل أن يخطو نحوي خطوةً واثقة بقدمه البنية اللامعة.
“زبونتي العزيزة.”
“…….”
“من كان زبونًا مرة، يبقى زبونًا إلى الأبد. والثقة أهم ما في أيّ صفقة.”
“وماذا بعد؟”
“كنت فقط أتساءل إن كنا قد بنينا أساسًا بسيطًا من الثقة بيننا، هذا كل ما في الأمر.”
‘ما الذي يهذي به هذا الرجل؟’
ومع ذلك، لم أكن في موضعٍ يسمح لي بالرحيل فورًا.
‘فلأرَى إلى أين سيصل بهذه المهزلة.’
ل
كن لو تحوّل الحديث إلى دعوةٍ لطائفةٍ غامضة، فلن أتردّد في ركله على ساقه والهرب فورًا.
“تذكّري كم كان اتفاقنا الأول جيدًا. أنا أعطيتك ما احتجتِ إليه، وأنتِ أعطيتِني ما أردتُ.”
“ونهايةً جميلة ختمت تلك الصفقة، أليس كذلك؟”
“خِتام؟ بل كان بدايةً فقط.”
“…….”
“كلانا أدرك أن الآخر صادق بقدرٍ كافٍ ليضمن ألّا يُخدَع، وهذا مكسب كبير.”
“ثمّ تطلب الآن أن نصبح أبًا وابنة؟ أليس هذا قفزًا مبالغًا فيه؟”
“وهل تظنين أنني أعنيها حرفيًّا؟”
“إذن ماذا تقصد؟”
“كل ما في الأمر أنه لأجل العمل، لنقل إنه تمثيل مؤقت.”
رغم ابتسامته المتغطرسة، جاء صوته معتدلًا، كأنه يتحدث عن أبسط الأمور.
“تمثيل؟”
“أمام الناس فقط. سأقول: هذه ابنتي. لم تشاركي في مسرحٍ من قبل؟”
“لن أشارك في أي عملٍ مشبوه.”
“مشبوه؟ العكس تمامًا، إنه مشروع نظيف أكثر مما ينبغي!”
“…….”
“حقًا. تعلمين أن التجارة تقوم على السمعة، أليس كذلك؟”
“أجل……”
“ولكي أفتح مشروعًا جديدًا في بلدةٍ صغيرة، عليّ أولًا أن أكسب ثقة السكان. وأيّ وسيلةٍ أفضل من أن يروني رجلًا عائليًا له ابنة؟”
كانت الفكرة بسيطة بقدر ما هي سخيفة.
فالبلدة التي ينوي العمل فيها لا تضمّ إلا عائلاتٍ متزوجة لها أطفال.
ولكسب القبول بينهم، يحتاج إلى نقطةِ شبهٍ معهم — ابنة.
خفض حاجبيه قليلًا وقال بجدية:
“يومٌ واحد فقط. يومٌ واحد تكونين فيه ابنتي، وأعطيكِ ما تريدين معرفته.”
“…….”
“وأنتِ أدرى مني كم تساوي هذه المعلومة.”
نعم، أعلم.
فلو تعطّل الأمر هنا، سيتشابك كل ما خطّطت له بعناية.
خلف الزجاج الشفاف، كانت موظفة المخبز تبتسم ابتسامةً ملساء — وجهٌ يحسب الربح والخسارة كما يفعل هو تمامًا.
“وماذا بالضبط عليّ أن أفعل؟”
—
“تغادرين باكرًا.”
ما إن حاولت الخروج بهدوء من الباب الخلفي حتى سمعت صوته الهادئ.
كان «يـوت» واقفًا هناك، يضغط بإبهامه على عظمة حاجبه، وعيناه محمرّتان من قلة النوم.
“هل جئت لأجلي؟”
“أودّ توديعك.”
“لكنّك سهرت حتى الليل تدرّس الآنسة. لا بد أنك مرهق، كان عليك أن ترتاح أكثر.”
ملء رأسٍ فارغٍ بمستوى خريجي الجامعة لم يكن عملًا سهلًا.
و«يـوت» كان يتولّى تلك المهمة الصعبة.
“على أيّ حال لا أنام جيدًا أصلًا. خذي هذا.”
“ما هذا…؟”
كان مسحوقًا أبيض معبّأ بعناية.
يُشبه السكر أو الملح، لكنه ليس أيًّا منهما.
‘مسحوق الإغماء.’
الذي استخدمته يومًا عندما كانت تزوّر الأختام خفيةً وتذرّه أمام الأبواب.
أمسك «يـوت» بكفي وأغلقها حول الكيس، قائلًا بجدية:
“إن حصل أي طارئ، رُشيه باتجاه أنف الخصم واهربي فورًا.”
“حسنًا.”
كرر تنبيهاته عدة مرات قبل أن يلوّح لي مودّعًا.
فتحت الباب الجانبي الصغير وخرجت — كانت هناك عربة بلا ختمٍ تنتظرني.
ومن خلال الباب نصف المفتوح امتدّت يدٌ مرتدية قفازًا أبيض.
تجاهلت تلك اليد التي امتدت لتساعدني وصعدت العربة بنفسي.
“صباح الخير، يا ابنتي العزيزة.”
“يسرني التعامل معك.”
“تسك، لا تكوني جامدة هكذا. قوليها بلطف، ‘أبي’.”
“لسنا في تلك المرحلة بعد.”
“ألا تعلمين أن الانغماس في الدور هو الأساس؟ لنبدأ من الآن.”
‘حقًا، هذا الرجل يجرب كل شيء…’
لكن كلامه لم يكن خطأ تمامًا.
وضعت يديّ المتشابكتين على صدري ورفعت صوتي قائلة:
“أبي، أنا سعيدة لرؤيتك بعد زمن طويل!”
“…….”
“يا للعجب، لم أتخيل أن أكون معك وحدنا هكذا! أهذا حلم؟”
رفرفت جفوني بخفة وأنا أتخيل أجمل وجه رأيته في حياتي، فما كان منه إلا أن تجمّد تعبيره المتراخي بامتعاض.
“……لم أقل لك أن تبالغي إلى هذا الحد.”
“وماذا أفعل يا أبي؟”
كانت العربة التي نركبها تبدو عادية من الخارج، لكنها مريحة جدًّا من الداخل.
اتكأت على المقعد ونظرت من النافذة.
ظننت أننا سنسافر بصمت على الأقل، لكن “المرشح الثاني للأبوة” لم يمنحني تلك الراحة.
“لابد أنك متعبة، فقد استيقظتِ فجرًا.”
“لا بأس، أنا معتادة على الاستيقاظ باكرًا.”
“صحيح، النملة المجتهدة دائمًا ما تجد مكانها المناسب. ماذا قلتِ في القصر؟”
“قلتُ لهم إنني في إجازة.”
في الحقيقة، كانت المهمة مسجلة كـ”خروج بأمر من الآنسة”،
لكن لم تكن هناك حاجة لشرح التفاصيل.
“غادرتِ قصر إديويل، والآن تعملين في قصر فاسد آخر.”
انقبض جبينه المكشوف على نحو طولي.
“أبيك حزين لأن ابنته لا تزور إلا البيوت المشبوهة.”
“…….”
“هل صعبت الحياة إلى هذا الحد؟ لا تجدين عملًا لائقًا؟”
“…….”
“لابد أنك تعلمين أن الآنسة في بيت المركيز ذات طبع سيئ. هل أنتِ مدينة لها؟”
‘لماذا هذا الرجل مهتم دائمًا بعملي إلى هذا الحد؟’
صمتُّ لعلّه يسكت من تلقاء نفسه، لكن مواعظه لم تنتهِ بعد.
“اسمعي يا ابنتي، إن خفضتِ من قيمتك فستخسرين وحدك.”
“…….”
“عليك أن ترفعي ثمن نفسك في المكان المناسب… آه، لقد وصلنا.”
حين أغلق فمه، تنفستُ الصعداء ببراءة،
ولم أدرِ أن هذا مجرد بداية.
“أين نحن؟”
“أوه، لا تقولي إنك لم تشتري ثيابًا من قبل؟”
“بالطبع لا، أقصد أن—”
“لا بأس، لا وقت للشرح. هيا ندخل.”
‘لم نتفق على هذا أصلًا…!’
لكن احتجاجي لم يجد نفعًا. فتح باب المتجر بثقة وقال دون تردد:
“نريد أن نرى بعض الملابس لابنتي.”
“أوه، إذًا لقد أتيتما إلى المكان المناسب تمامًا!”
“ولماذا الملابس—”
“هشش، اتبعي الموظفة وجرّبي هذه يا ابنتي.”
‘اللعنة.’
لم أستطع أن أقول “ما الذي تفعله يا عمّ؟” أمام الناس.
ابتسمت مجبرة، وتبعت الموظفة لأبدّل ثيابي.
“ابنتك تشبهك كثيرًا، الثياب تليق بها حقًا.”
“هاها، أترين؟”
“نعم، أطرافها طويلة ومتناسقة، والألوان الفاتحة تبرز جمالها.”
“همم… التنورة والبنطال كلاهما يليقان بك يا ابنتي. هلا استدرْتِ قليلًا؟”
‘ما الذي يحدث بالضبط؟’
لكن قدماي تحركتا عكس إرادتي، فاستدرت بخفة كأنني دمية.
“هكذا يا أبي؟”
“رائعة، من يرى يقول إنك ابنتي فعلًا. سنأخذ هذه ونغادر.”
خرجتُ وأنا مختلفة تمامًا عن تلك التي دخلت.
ولم تتوقف تصرفاته الغريبة عند هذا الحد.
“هل هناك طعام لا تحبينه؟”
“لا، لا يوجد.”
“هل تعانين من حساسية؟”
“لا، لكن إلى أين نحن ذاهبون—”
“ممتاز. هناك مطعم قريب أرتاده دائمًا.”
تصفحت قائمة المطعم فوجدت الأسعار أعلى بكثير من راتبي.
طلب هو الطعام دون حتى أن ينظر في القائمة.
“كلي جيدًا يا ابنتي. هكذا تكبرين بصحة.”
“لكن، يا أبي، لستُ طفلة بعد الآن…”
“في نظر أبيك ستظلين صغيرة دائمًا، صغيرة.”
‘ما الذي يريد الوصول إليه حقًا؟’
لكن الطعام أمامي لم يكن مذنبًا، فأنهيتُه كله.
نعم،
ملابس جديدة وطعام فاخر — كان المفترض أن أشعر بالسعادة.
لولا أن كل هذا لم يكن ضمن الخطة المتفق عليها مسبقًا.
“ما الذي تفعله الآن بالضبط؟”
كانت التنورة الناعمة تلتف حول ساقيّ وأنا أجلس في العربة من جديد.
العربة تتحرك مجددًا نحو مكان مجهول.
“هذا ليس ما طلبته منك أصلًا.”
“لا يمكن العمل على معدة فارغة.”
“…….”
التعليقات لهذا الفصل "72"