7
“سأراقبكِ عن كثب من الآن فصاعداً.”
حقًا، هل هذا ضروري……؟
أكثر ما لا فائدة منه في الحياة الوظيفية هو ‘اهتمام صاحب العمل’.
نظر إليّ الكونت بعينين موحشتين قبل أن يستدير مغادراً الغرفة.
‘يا إلهي، ما هذا القدر من الرهبة…….’
كأنه يحقق مع مجرمٍ خطير، لا خادمة مسكينة!
لم أتنفس الصعداء إلا بعد أن اختفى تماماً. راحت كفاي تتصبّبان عرقاً.
“هل أنتِ بخير، سونِت؟”
“أنا بخير، سيدتي.”
“رغم أنه عادةً بهذا القدر من البرود، إلا أنه ربما اليوم… آه، ربما لم يكن يقصد…”
كانت الكونتيسة تتمتم بكلماتٍ غامضة، ثم أمسكت بكلتا يديّ بقوة.
رفّت رموشها البيضاء الطويلة كأجنحة فراشة.
“إن تعرّضتِ لأي أذى، فعليكِ أن تخبريني فوراً، فهمتِ؟ سأساعدكِ مهما كلف الأمر.”
“أشكركِ على اهتمامكِ، سيدتي.”
“سونِت هي منقذتي، بعد كل شيء.”
“لكن… هذا أول يومٍ لي في العمل هنا.”
“هناك أمور لا تحتاج إلى وقتٍ لتُفهم. هيهي.”
لماذا هذا الابتسام المليء بالأسرار الذي لا يفهمه غيرها؟
‘هل هذا طبيعي فعلاً؟’
أردت أن أصرخ وأسأل أحد الرجال المقيمين في القصر: ‘هل ما يحدث الآن منطقي بحق السماء؟’
لكن، على الأقل، بدا أن الأمور تسير في صالحي.
‘إن استمر الحال هكذا، فلن يكون التقرب منها صعبًا أبداً.’
كنت قلقة في البداية حول كيفية التقرب من سيدة نبيلة مثلها، لكن الآن…
يبدو أنها سبقتني بخطوات، وراكمت لي رصيدًا من الودّ لا أعرف كيف ولا لماذا.
‘وإن كان هذا يبعث على القشعريرة بعض الشيء.’
لكن، ما دامت النتيجة جيدة، فلا بأس.
‘لو تظاهرت بالصدفة والتقيتُ بها كثيرًا، واغتنمت الفرصة للدردشة قليلاً كل مرة، سنصبح قريبتين بسرعة.’
ذلك اليوم… كنتُ أؤمن بهذا تمامًا.
دون أن أدرك أن هناك مشكلة ‘حقيقية’ بانتظاري.
—
“أنتِ هناك! لم تنتهِ بعد؟”
“انتهيت الآن!”
“أيتها الصغيرة!”
“نعم!”
“لماذا لم تأتِ بعد؟ كم مرة ناديتك؟!”
“قادمة، قادمة!”
نعم، تلك هي المشكلة الحقيقية.
أنا… ‘مشغولة لدرجة الموت.’
‘هل هذا المكان مجنون؟!’
لقد عملتُ في قصورٍ يخدمها عشرة أشخاص فقط، لكن قصر الكونت هذا… كان من ‘عالمٍ آخر.’
‘ولماذا يوجد كل هذا العدد من الضيوف طوال الوقت!’
بسببهم، لم يُسمح لي منذ اليوم الأول بخدمة مائدة الكونتيسة أبداً.
‘في القصور السابقة لم يكن الوضع بهذا السوء!’
حين تذكّرت مكاني السابق، حيث بالكاد كان أحد يدخل، شعرت بوخزة حنين.
‘كان المكان هادئاً جداً لدرجة أن الغرباء لم يكونوا يعرفون إن كان أحد يسكنه أصلاً.’
ورغم ذلك، كان العمل هناك مريحاً.
‘على الأقل حتى زواج السيدة الجديدة.’
بعد أن جاءت العروس الجديدة، صارت كل وجبة تتطلب وصفة مختلفة تماماً.
لا يُسمح بتكرار المكونات، ولا يُسمح بتكرار طريقة الطبخ…
‘لقد شددت علينا ألا نكرر أي طبق خلال شهر كامل.’
وهكذا، خلال نصف عام فقط، أصبحتُ خبيرةً في تنظيف وتحضير كل أنواع المكونات.
لكن مسيرتي المهنية تلك انتهت… مع طبق القرنبيط المشؤوم.
“أيتها الجديدة! هل فقدتِ عقلك؟ متى طلبتُ منكِ تحضير المكونات؟!”
“ها هي هنا!”
خطف أحدهم سلّة البطاطا الصغيرة التي أعددتها بعناية.
مسحت العرق عن جبهتي وركضت بين أطراف المطبخ المزدحم.
“خذ هذه!”
“هيه، انتبهي!”
“أنتِ هناك، بسرعة!”
كل يوم في المطبخ كان فوضى حقيقية.
‘لا عجب أن الجميع يستقيل بعد يومٍ واحد!’
لم أسمع السبب الدقيق، لكنني، بعد سبع وظائف في قصور مختلفة، كنت واثقة تماماً:
هذا المكان ينافس على المركز الأول في قسوة ظروف العمل.
‘الآن أفهم لماذا تم توظيفي على عجل.’
حتى المطبخ وحده كان يفتقر بشدة إلى الأيدي العاملة.
‘لكن هذه ليست المشكلة الوحيدة.’
المشكلة الحقيقية كانت في ما ‘يزيد’ من صعوبة العمل الجنونية.
‘يبدو أنه أوانها الآن.’
بعد انتهاء إعداد الوجبة، دخلت إحدى خادمات القصر الرئيسي وهي تدفع عربة طعام.
“ما هذا…؟”
“وجبة السيدة.”
نهض جميع العاملين الذين كانوا مستندين إلى الجدران في الحال.
أسرع أحد الخدم ورفع غطاء الصينية الفضية.
توجّهت عشرات العيون نحو الطعام المكشوف.
“لا تقل لي إن… مرة أخرى؟”
“لااا، أرجوكِ، ليس مجددًا… أريد عطلة ولو ليومٍ واحد فقط…”
بين الدعوات والهمسات، تكلّم رئيس الطهاة بنبرةٍ ثقيلة.
“لقد… تركت معظم الطعام مجددًا.”
انطفأت ملامح وجهه وهو يتنهّد.
ولم يكن وحده—سحابة من الكآبة خيّمت على وجوه الجميع في المطبخ.
‘حتى تحضير طعام جنازة سيكون أكثر حيوية من هذا الجو.’
مرّر رئيس الطهاة يده الكبيرة على وجهه بإحباط.
“هاه… هذا جنون. ما الذي يحدث معها بالضبط؟!”
لكن قبل أن يتمّ جملته، تجمّدت شفتاه فجأة.
‘تصفيق، تصفيق!’ دوّى صوت التصفيق القوي في أرجاء المطبخ.
“كل هذا لأننا لم نبلِ بلاءً حسنًا، أليس كذلك؟ ربما لم تعجبها الكريما؟”
“هل نجرّب تغيير التوابل هذه المرة؟”
“فكرة جيدة! لدينا بعض الهدايا الجديدة يمكننا استخدامها.”
أومأ رئيس الطهاة بجدية ثم قال إنه سيجري “بحثاً تجريبياً”، وغادر المطبخ بخطواتٍ ثقيلة.
أما من بقوا، فانتشروا في أرجاء المكان كجثثٍ منهكة، يتمتم كلٌّ منهم بشيءٍ مختلف.
“آه، مجدداً…….”
“ألا يمكن لأحد أن يسألها مباشرة؟”
“وإن سمع الكونت بذلك؟ تريدين الموت؟”
هاااااه……
ترددت تنهيدات الإحباط في كل زاوية من المطبخ.
العامل الأول الذي يجعل حياة الطهاة في هذا القصر جحيماً كان ‘مزاج السيدة الغريب تجاه الطعام’.
‘في الحقيقة، لا يُسمّى هذا حتى انتقائية.’
فهي بالكاد تأكل عُشر ما يُقدَّم لها.
ومن يستطيع إجبار شخصٍ بالغ على الأكل إن لم يُرِد؟
‘المشكلة أن الكونت يلوم رئيس الطهاة في كل مرة.’
ثم يُفرغ رئيس الطهاة غضبه على الطهاة المساعدين،
وهؤلاء على مساعديهم،
وهكذا تستمر سلسلة التوبيخ اللانهائية.
وبالتالي، أنا أيضاً……
“تأكدي أن تنهي كل هذا قبل الساعة الرابعة صباحاً!”
“حاضر!”
وبمجرد أن خلت القاعة من الجميع، تُركتُ وحيدةً مع *ثلاثمئة بصلة.’
“يبدو أنهم يريدون أن يستخلصوا آخر قطرة من روحي.”
قلة الأيدي العاملة والوقت جعلتهم يقررون ‘عصر’ الخادمة الجديدة حتى آخر رمق.
‘حقاً، إنه الخيار الأكثر توفيراً من وجهة نظرهم.’
بدأت أغسل وأقشّر وأقطّع البصل الواحد تلو الآخر.
مهارة تقشير البصل صارت شيئاً أفعله وأنا مغمضة العينين.
لكن العدد… كان الكارثة الحقيقية.
“الإنسان الطبيعي ينام ليلاً، أليس كذلك……؟”
كانت عيناي تحترقان، والدموع تنهمر بلا توقف،
لكن كومة البصل لم تنقص حتى مقدار قبضة يد.
‘أي بطلة رواية هذه التي لا تأكل طعامها؟’
أليست بطلات القصص عادةً مثاليات بلا عيوب؟
‘ما الذي كان يدور في رأس يوت حين قال إن هذا العالم منطقي؟’
رغم أننا نعمل في القصر نفسه، إلا أنني لم أره ولو مرة واحدة.
‘على كلٍّ، لا بد أنه يخطط لشيءٍ ما…….’
لكن الآن، أولويتي هي إنهاء هذه البصلات الثلاثمئة بسلام.
‘عندما أقترب من السيدة أكثر، سأعرف ما تحب أن تأكل. عندها ربما أتخلّص من هذا الجحيم.’
ومع مرور الوقت، حلّ المساء وسكن الصخب.
لم يبقَ سوى صوت البصل يتقشّر تحت أصابعي.
لكن فجأة، سُمع وقع خطواتٍ غريب.
‘طقطق. طقطق. طقطق-طق.’
اقترب الصوت شيئاً فشيئاً.
انفتح الباب المتهالك قليلاً، وتسللت منه إضاءةٌ حمراء دافئة.
شخصٌ صغير القامة كان يلتفت يمنة ويسرة قبل أن يتجه نحوي.
‘إنها ستدهس كل البصل بهذا الشكل!’
“عفواً—”
“كياااااااا!”
“……هاه.”
أضعتُ حتى فرصة الارتباك.
اقترب الضوء الأحمر إلى حدٍّ أوجع عيني.
كانت امرأة ترتدي ثوب النوم، يداها ترتجفان وهي تهذي بكلماتٍ غريبة.
“شبح؟ أهو الشبح الذي يتجول ليلاً في القصر؟ لا، لا… ربما أنا الشبح!”
“…….”
“نعم، هذا منطقي! أنا الشبح، لذا لا داعي للخوف… صحيح؟”
“سيدتي، أنتِ بشر.”
“آآآآه!”
تراجعت خطوة للخلف قبل أن تفتح عينيها جيداً وتتمتم،
“سو، سونِت؟”
“نعم، سيدتي.”
“ما الذي تفعلينه هنا؟ ولماذا وجهكِ بهذا الشكل؟”
“إن كان مظهري يزعجك، يمكنني أن أدير ظهري—”
“ليس هذا ما أقصده! وجهكِ مبلل بالدموع! من الذي جعلكِ تبكين، ها؟”
أمسكت وجهي بيدٍ ناعمة، ومسحت دموعي بإبهامها بخفةٍ حانية.
“كنت أقطع البصل، سيدتي.”
“بدون إضاءة؟”
“لم أطفئ الأنوار، فقط لم أشعلها.”
“ولماذا؟ لا تقولي إنهم أمروكِ بالعمل في الظلام أيضاً؟”
“يمكنني القيام بذلك حتى دون أن أنظر. لكن… ماذا عنكِ، سيدتي؟ لماذا جئتِ إلى هنا في هذا الوقت؟”
“أنا… في الحقيقة، كنتُ فقط…”
كانت وجنتاها تشتعلان تحت ضوء المشعل الخافت.
ورفّت رموشها البيضاء ببطءٍ ساحر.
“……شعرت بالجوع.”
‘كلي طعامكِ بانتظام يا سيدتي.’
‘ها أنتِ تتضورين جوعاً لأنك تتركين وجباتك كل مرة.’
مسحت دموعي سريعاً ودعوتها للجلوس على الكرسي الخشبي القريب.
“تفضلي بالجلوس هنا، سيدتي.”
“همم؟”
كنت قد خبّأت القليل من الحلوى الليلية لنفسي تحسباً لمثل هذه الليالي.
أخرجت قطعة ‘بودينغ’ أعددتها قبل أيام من بقايا المكونات،
ووضعتها أمامها على الطاولة.
الكراميل اللامع على السطح كان يتلألأ برائحةٍ حلوة تُسيل اللعاب.
“تفضلي، كلي هذا أولاً.”
“…….”
“خذي وقتكِ، وأنا سأعدّ لك شيئاً خفيفاً في أثناء ذلك… سيدتي؟”
كانت الدموع تملأ عينيها من جديد، تتساقط قطرةً بعد أخرى على وجنتيها الورديتين.
ثم همست بصوتٍ مبحوحٍ مرتجف:
“كنتِ تعلمين كل شيء، أليس كذلك؟”
أنا؟ ماذا؟
‘ماذا كنتُ أعرف بالضبط؟’
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 7"