لكن على الوجه الجميل للسيدة *كلارا إديويل* ارتسمت غمامة من القلق.
أمام زوجها المحب، لم تستطع إلا أن تزفر تنهيدة تلو أخرى.
“ما الأمر يا كلارا؟”
“أتساءل… هل سونِت بخير؟”
سونِت.
ذلك الاسم المألوف حتى الإزعاج جعل ملامح الكونت تتصلب على الفور.
حتى الخادمة الواقفة بعيدًا شعرت بالبرودة التي سرت في الجو،
لكن الكونتيسة تابعت كلامها ببرودٍ لطيف.
“لقد مضى عام كامل، ولم تصلنا منها أي رسالة…”
“ربما مشغولة جدًا.”
“حتى لو كانت كذلك! أعلم أن لديها عملًا كثيرًا، ولكن مع ذلك…”
كلما ازدادت قتامة ملامح الكونتيسة،
كلما ازداد ظهر الخادمة الجديدة رطوبةً من العرق.
‘ماذا فيها تلك الفتاة ليبحثوا عنها بهذا الشكل المبالغ فيه؟’
كانت خادمة ماهرة لكنها عادية،
ومثلها كثيرات ممن تمرّسن في خدمة الطبقة الأرستقراطية.
‘لم تكن تبدو مميزة إلى هذا الحد.’
تذكرت أنها عملت مع *سونِت فوسا* لفترةٍ قصيرة لتسلّم المهام.
نظراتها الجادة، حركتها السريعة، حضورها الخافت—
لم يكن فيها ما يلفت الانتباه.
‘ليست سيدة يصعب التعامل معها. لطيفةٌ مع الخدم، طيبة القلب.’
وكما قالت سونِت، كانت الكونتيسة بالفعل سهلة المراس.
لكن… إن سُئلت الخادمة إن كان العمل معها سهلًا؟ فالإجابة ليست بهذه البساطة.
“أخشى فقط أن تضع نفسها في المآزق. لديها ميل لذلك.”
“حقًا؟”
“حتى لو كانت تتألم، تنكر ذلك. بل أحيانًا لا تدرك أنها تتألم أصلًا.
لهذا تحتاج إلى من يراقبها ويهتم بها بجانبها…”
انخفضت نظرات الكونتيسة بحزنٍ أمومي،
بينما ازدادت عينا زوجها برودًا.
وكانت الخادمة تتمنى لو ينتهي دوامها فورًا.
‘ليتها تعود فحسب…’
لم تكن الكونتيسة قادرة على نسيان خادمتها السابقة،
مما جعل موقف الخادمة الحالية محرجًا للغاية.
“ألا يعرف كارلايل شيئًا عنها؟”
“من يدري.”
كذِب.
فكيف يعجز كونتٌ مثله عن العثور على فتاةٍ من العامة،
ما لم يكن ببساطة *لا يريد* العثور عليها؟
لكن الكونتيسة لم تدرك شيئًا من غيرة زوجها تلك.
“كانت في عمرٍ لا بأس به حين غادرت. لا داعي للقلق بعد الآن.”
“ومع ذلك… هل يجب أن أذهب بنفسي للبحث عنها؟”
“كلارا.”
“… حسنًا. أعلم، أعلم. لو فعلت ذلك فلن يسعدها الأمر.”
كانت تلك حدود قدرتها في البحث.
فمهما بلغ نفوذها في مجتمع النبلاء،
فالعثور على أثر امرأةٍ من عامة الناس أمر خارج نطاق سلطتها.
انكمش كتفاها النحيلان،
فمدّ زوجها يده الكبيرة وربّت على ذراعها بحنانٍ محسوب.
“تأكدي أن تلك الخادمة ستعيش جيدًا أينما كانت. فلا تقلقي.”
—
“آه، رأسي…”
لم تكن تعرف إن كان الألم جسديًا أم نفسيًا.
لحسن الحظ، توقّف الدم الذي كان يسيل من فروة رأسها بعدما لفّت المنديل بإحكام.
“كم من الفوضى عليّ تنظيفها الآن…”
بقع دماء على السجادة،
زجاج مكسور،
زهور مبعثرة،
وأشياء أخرى متناثرة بلا نهاية.
حتى وهي ثملة، نجحت *روبي جيفرايت* في تحويل غرفتها إلى ساحة معركة.
حقًا، لو أُرسلت إلى الجبهة لربما كانت بطلة قومية.
كم هو مؤسف أن تعيش موهبتها في زمن السلم.
“حسنًا… خطوة بخطوة.”
حتى أكثر المهام يأسًا يمكن إنجازها إن رتّبت أولوياتها.
صعدت إلى السرير وبدأت بتنظيف الآنسة أولًا.
‘كم قطعة مجوهرات ارتدت هذه المرة؟’
كانت كأنها متجر متنقّل:
زمرد، ياقوت أزرق، لؤلؤ، كهرمان، ماس…
نزعت كل تلك القطع غير المتناسقة،
وحين انتهت كان عنقها مبللًا بالعرق.
لكن العمل لم ينتهِ بعد.
مسحت المساحيق الثقيلة عن عنقها،
سرّحت شعرها المتشابك، وألبستها ثياب النوم.
‘عمال الغسيل لن يحبوا هذا المشهد.’
حملت السجادة الملفوفة،
وألقت نظرة على شعرها الذهبي المتناثر على الوسادة.
‘على الأقل لديّ اثنتا عشرة ساعة من الحرية.’
فميزة الآنسة الوحيدة أنها كانت تنام نومًا عميقًا بلا أرق.
وضعت السجادة في المغسلة وخرجت،
لكن رؤيتها تذبذبت فجأة.
“آه…”
لم تكن قد أكلت أو نِمت جيدًا اليوم.
ما كان بوسعها أن تفعل، فآنستها قد تعود في أي لحظة.
كانت تفكر: هل تتجه إلى المطبخ أم تغفو قليلًا؟
لكن صوتًا مرحًا جاء من خلفها.
“سونِت!”
ذراعان خفيفتان التفّتا حول كتفيها بخفة.
“كيف حالكِ؟ لم تؤذكِ أختي، أليس كذلك؟ كان يجب أن أكون هنا،
لكن كان عندي لقاء خريجين…”
“لا بأس، لم يحدث شيء يدعو للقلق.”
عندما مالت برأسها قليلًا،
تردد ارتعاشٌ على شفتي *لابيس*،
ورفرفت رموشه الطويلة بسرعة.
“لماذا… لماذا تخاطبيني بلهجة رسمية؟”
“لأنك الآن السيد الشاب.”
“لقد اتفقنا ألا نحصر علاقتنا في مثل هذه الأطر، أليس كذلك؟”
كانت نظراته الحادة تنخفض ببطء وهو يتقرب مثل عصفور صغير.
“حسنًا، إذًا.”
“استمر في مناداتي هكذا، اتفقنا؟”
“حسنًا.”
“بما أنها فرصة، هل تود الخروج في نزهة قصيرة؟”
ابتسم برقة.
كانت نبرته توحي بالاقتراح، لكن عينيه لم تحتمل الرفض كخيار ممكن.
وحين أومأت برأسي، ابتسم لابيس وبدأ يسرع خطواته.
“كما تعلمين، يمكنكِ التجول بحرية في الحديقة. نحن لا نهتم بمثل هذه الأمور.”
“حقًا؟”
“نعم. فقط تجنب أختي، وستكون بخير. هل تحب الزهور؟”
لم يتوقف لابيس عن الكلام ولو للحظة.
‘حتى في الاجتماع، لابد أنه ظل يتحدث مع الناس دون توقف.’
كان مفعمًا بالنشاط.
ظل الفتى يتحدث طويلًا، ثم توقف فجأة.
أصابعه الطويلة أمسكت بخفة أطراف شعري.
“ما بك؟”
“لا شيء، فقط لاحظت أن شعرك سليم.”
“وما الغريب في ذلك؟”
“أحيانًا يحدث أن تُنتَف خصل الشعر أو تُقص بالمقص…”
لم يذكر الأسماء، لكن المعنى كان واضحًا.
انخفضت حاجباه المنتظمان قليلًا.
“إن فقدت سونِت شيئًا من شعرها الجميل، فسأكون في غاية الحزن.”
“الشَّعر يمكن قصه متى شِئت.”
“يا لها من كلمات حزينة. سونت، إن حدث أي شيء، يجب أن تخبريني، حسنًا؟”
“حسنًا.”
“حقًا لم يحدث شيء، أليس كذلك؟”
“قلت لك لم يحدث.”
ومع ذلك، ظل لابيس يبدو غير مقتنع تمامًا.
لكن الحديث انقلب فجأة إلى أمر لم أتوقعه أبدًا.
“لقد وقعتُ في حبّكَ منذ اللحظة الأولى التي رأيتُكَ فيها!”
الصوت القوي دوّى قريبًا مني.
وبردة فعل تلقائية، سحبتُ معصم لابيس وأخفيتُ جسدينا خلف شجرة.
ضيّق عينيه الذهبيتين بحدة.
“تلك الفتاة…”
“تعرف من هي؟”
“لا، ليس لي اهتمامٌ بها إنّها ليست نوعي. لكنها على الأرجح إحدى العاملات هنا، أليس كذلك؟”
كان هناك شخصان يحتلان منتصف طريق الحديقة.
حتى لو لم أعرف أحدهما، فإن الآخر كان مألوفًا جدًا.
“آسف، لا أستطيع قبول اعترافكِ.”
“لِماذا…؟ ما الذي ينقصني؟”
“ليس الأمر كذلك، فقط… لا أريد الدخول في علاقة الآن. مع أي أحد.”
ابتسامته المهذّبة كانت متعبة.
تحدث يوت بصوت جاف وكأنه يقرأ نصًا محفوظًا:
“آسفٌ لأني لا أستطيع مبادلتك مشاعرك.”
لم يمر سوى أسبوع منذ أن بدأ عمله، لكن هذا كان على الأقل الاعتراف الخامس الذي سمعه.
تمتم لابيس، وهو يختبئ إلى جانبي ببرود واضح:
“تافه…هو لا يهتم باعترافات الحب من النساء.”
“قد نراه كثيرًا من الآن فصاعدًا.”
“لهذا السبب، لماذا في العالـ—”
طرطشة.
كنت على وشك الخروج من مخبئنا حين شعرت برطوبة دافئة تسيل على خدي.
‘هل تمطر؟’
لكن السماء كانت صافية تمامًا، بلا غيمة واحدة.
كانت الشمس قد ارتفعت تمامًا، وأشعتها تتسلل بين أوراق الأشجار بهدوء.
حين مررت كفي على خدي، سقطت بضع قطرات أخرى.
طرطش… طرطش.
‘أحمر…’
لم أحتج إلى التفكير طويلًا.
لأن ما كان يسيل لم يكن من السماء، بل من رأسي.
التعليقات لهذا الفصل "65"