خارج النافذة المغطاة بالصقيع، كانت الأمواج تعوي بعنف.
الشخص الذي كان يتحرك بنشاط داخل المطبخ قال دون أن يلتفت:
“استيقظت؟”
“أوه، هل يمكن أن تتوقف عن الحديث بصوتٍ دافئ منذ الصباح؟ أشعر أنني سأتقيأ.”
“ما الذي جعلك تستيقظ باكرًا اليوم؟ هل ستتناول الفطور؟”
الرجل الذي كان يقف متجمدًا في وسط غرفة المعيشة قطّب حاجبيه بقوة.
فرك شعره الأشعث بعنف وردّ بحدة:
“أكره سماع مثل هذا الترحيب الصباحي المقرف حالما أفتح عيني.”
“وماذا عساي أفعل إن كنتُ مولودًا بطبعٍ لطيف؟”
هزّ الطاهي اليومي كتفيه ببساطة، بينما كان يحرك الملعقة ويخفض النار بخبرة.
“أعلم أن شخصًا حرّ المزاج مثلك، يا لابيس، لا يستطيع تفهّم ذلك.”
“أنت حقًا مزعج…”
“إذًا، هل ستأكل؟ لقد أعددت كميةً كافية.”
“حقًا… ما القائمة اليوم؟”
“حساء البطاطا.”
“لا أريد.”
“حسنًا إذن، سأتناوله أنا وسونِت سويًا.”
اشتعلت عيناه الذهبيتان بنظرةٍ حادّة، لكن يُوت لم يعبأ بها، بل غيّر الموضوع بهدوء:
“أظن أن وقت وصول الجريدة قد حان.”
“أية جريدة؟”
“ألا تتذكر؟ تلك التي جاءت قبل شهر.”
“آه، تلك. إن كنتَ فضوليًا، تفقد صندوق البريد بنفسك.”
“يجب أن أحرّك الحساء حتى لا يلتصق. هل يمكنك أن تذهب بدلًا عني؟”
“اذهب أنت، الجو بارد للغاية.”
كان المسكن العتيق يسمح بدخول الريح من الجدران الرقيقة.
وبينما كان الشاب القادم من الشرق يبحث عن بطانية، دوّى صوت درجات السلم الخشبية.
“لابيس؟ غريب، لم تَنَم أكثر من المعتاد؟”
جاء الصوت صافياً، خالياً من أثر النعاس.
والتفت الاثنان اللذان كانا يتشاحنان منذ الصباح نحو مصدر الصوت.
“استيقظتُ باكرًا لأنني أردت السباحة في الأمواج المنعكسة في عيني سونِت.”
“هل سنفطر جميعًا إذًا؟”
“إن كنتما تسمحان لي بشرف الانضمام.”
“حسنًا، لقد نحفت مؤخرًا.”
“لم يقل لي أحد ذلك من قبل…”
ظهر على وجهه البريء ابتسامة خجولة متوترة.
تجاوزته سونِت بخطوات هادئة ودخلت المطبخ.
“هل أساعدك بشيء؟”
“لا داعي، اجلسي وارتاحي.”
لكن رغم رفض يُوت اللطيف، أشعلت سونِت موقد الشاي بنفسها.
حركاتها وهي تُخرج ثلاثة فناجين كانت دقيقة ومنظمة.
“أظن أن وقت وصول الجريدة قد اقترب، أليس كذلك؟”
“سأتحقق منها بنفسي.”
انسلّ الرأس الأشقر من تحت البطانية وخرج إلى الخارج.
كانت حركته سريعة بشكلٍ ملحوظ مقارنة بما كان عليه قبل خمس دقائق، مما جعل يُوت يضحك بخفوت.
بعد لحظات، هرع الشاب العائد من الأكاديمية نحوهم، يلهث بحماس:
انتشرت الجريدة ذات اللون العاجي على طاولة غرفة الجلوس.
وعنوانها المطبوع بوضوح كان: **”الحارس الشهري”**.
جريدة تصدر عن الجيش وتُوزع على الجنود.
وفي كل عدد، تُجرى مقابلات مع أولئك الذين لبّوا نداء الوطن في مناطق مختلفة.
قبل أربعة أسابيع، تم اختيارهم هم الثلاثة كضيوفٍ لذلك العدد.
تصفّحت سونِت الجريدة بسرعة حتى توقفت عيناها فجأة:
“ها هي… هنا، أليس كذلك؟”
> **〈سفينة كل نصف شهر، السوق على بُعد ساعتين… “لكن العمل مُجزٍ رغم كل شيء”〉**
ارتفعت حاجباها المتهدلان بدهشة.
“من قال إن الأمر مُجزٍ؟”
“أنا لم أقل ذلك.”
“ولا أنا أيضًا.”
إذًا من الذي قالها؟
تبادل الثلاثة النظرات، وواصلوا قراءة المقال بفضول.
**سؤال:** هل هناك حادثة لا تُنسى بالنسبة لك؟
**جواب:** حدث ذلك في الصيف. انتشرت البعوضة حتى داخل المسكن، ولم أعرف ما أفعل. لكن بفضل كلمات زميلي تمكنت من تجاوز الصيف. *(لابيس)*
**سؤال:** ما كانت تلك الكلمات؟
**جواب:** قال لي إن كل كائنٍ حي له معنى في الحياة، لذا لا أغضب منها كثيرًا. *(لابيس)*
“أنا قلتُ هذا؟!”
قال لابيس مشيرًا إلى نفسه في ذهول.
“حتى لو كانت جريدة عسكرية مبالغًا فيها، هذا كثير… آه.”
“ماذا؟”
فرك رأسه بتوتر وكأنه أدرك الحقيقة فجأة.
“كان ذلك عندما لم تكن سونِت هنا. كنتُ أشتكي لأن البعوض يعضني باستمرار، فقال يُوت إن كل بعوضة تمتص الدم أنثى، فتلقيت اللدغات بتواضع كما قال!”
ظهرت حمرة خفيفة على وجنتيه اللامعتين.
أدارت سونِت عينيها فقط بين زميليها المحرجين.
لكن الجو الدافئ لم يدم طويلًا.
**سؤال:** كيف هي علاقتك بزملائك؟
**جواب:** أنا ممتنة لكليهما. *(سونِت)*
بفضل سونِت أستطيع الوقوف في نوبات الحراسة مطمئنًا. *(يُوت)*
أعتقد أنني التحقتُ بالجيش مبكرًا فقط لأؤدي واجبي الوطني إلى جانب سونِت. *(لابيس)*
“هل قررتما حذف وجود بعضكما من الإجابات؟”
“وجود سونِت نعمة حقيقية.”
“أشكرها كل صباح.”
كانت الإجابات مختلفة في طابعها، لكنها في النهاية تحمل المعنى نفسه تقريبًا.
على سبيل المثال…
**سؤال:** ألا تشتاقون إلى عائلاتكم؟ كم مرة تتواصلون معهم؟
**جواب:** لا أتواصل معهم كثيرًا، فالمسافة بيننا طويلة. *(سونِت)*
لا أتواصل. *(يُوت)*
الآن بعد أن ذكرتَ الأمر… نسيتُ تمامًا. *(لابيس)*
نظر الثلاثة إلى بعضهم في الوقت ذاته.
قالت سونِت ببرود:
“إن حدث شيء مهم، سيتصلون أولًا على أي حال.”
“كما يُقال، لا خبر يعني أن الأمور بخير.”
“ولا داعي لإزعاج أناسٍ مشغولين. على الأرجح لا يفتقدوننا كثيرًا أيضًا.”
كانت البيئة تجعل من الصعب السفر إلى البر حتى أثناء الإجازات.
وفي أيام العطلة، كان الثلاثة ينامون لتعويض الإرهاق، أما البريد الوحيد الذي كان يصل إلى مسكنهم فكان هذه الجريدة الشهرية.
**سؤال:** وأخيرًا، كلمة أخيرة لزملائك في الفريق.
**جواب:** أنا حقًا سعيدة لوجودكما معي. رغم أنكما تخافان الأشباح والحشرات أكثر مما ينبغي… فلنواصل حتى نهاية خدمتنا. *(سونِت)*
دعونا نحافظ على صداقتنا هذه إلى الأبد. *(يُوت)*
بفضل سونِت، كانت فصول الربيع والصيف والخريف والشتاء جميعها… (اختصار في النص)… يُوت، عش حياتك جيدًا كما تفعل دائمًا. *(لابيس)*
[▲من اليسار: لابيس، سونِت، يُوت]
كانت الإجابات—بل وحتى الصورة المطبوعة أسفلها—تعكس شخصياتهم بوضوح.
لابيس الذي بدا كأنه يحاول ألا يقترب من يُوت أبدًا، ويُوت الذي يحاول بشتى الطرق وضع ذراعه على كتف لابيس، وسونِت التي تبتسم في الوسط كأن لا شيء يحدث.
أغلقت سونِت الجريدة تمامًا وضحكت بخفة.
“إذًا، أين الجملة التي قالت إن العمل مُجزٍ؟”
—
كان اليوم الأول من السنة الجديدة.
لم ننم طوال الليل كي نرى شروق الشمس.
‘مر وقت طويل منذ آخر مرة قمنا فيها بشيءٍ كهذا.’
كان الدعاء أمام البحر مع شروق العام عادةً معروفة في الجنوب.
تطلعتُ إلى البحر بينما ضممتُ يديّ، ثم ألقيتُ نظرة جانبية على زميليّ الواقفين بجانبي.
تسللت أشعة الصباح الزرقاء من بين جفوني المغلقة.
‘ها هو عام آخر يمر.’
لم يبقَ سوى القليل على نهاية الخدمة العسكرية.
وحين تنتهي…
ركل يُوت بطرف حذائه الأسود بعض الحصى السوداء على الشاطئ، ثم قال بجدية دون أن يرفع نظره عن الأرض:
“لابيس.”
“نعم؟”
“قد تجعل كلماتي هذه علاقتنا محرجة بعض الشيء، لكن أرجوك استمع دون تحيّز.”
“أياً كان ما ستقوله، فلن يكون أكثر إحراجًا مما سمعته الآن.”
انعوجت زاوية فم لابيس بسخرية حادة.
كانت إجابةً جافة، لكنها بالمقارنة بما كان عليه سابقًا من التجاهل البارد، كانت تقدمًا كبيرًا.
ومع استمرار الصمت المتعمد، بدا شعر يُوت الفضي فوضويًا من نفاد صبره.
“آه، هيا، ما الأمر؟”
“دعني أعمل في قصر عائلتك.”
التعليقات لهذا الفصل "60"