“يا إلهي، حقًا؟”
“مستحيل! سيدنا هو؟”
“قلت لكِ، صحيح! ……لكن لا تنطقن بهذا لأحد، مفهوم؟”
ثم امتدّت الشائعة حتى وصلت إلى الحديقة.
في غضون أربعة أيام فقط، كانت القصة التي نشرتها كارِن قد انتشرت في أرجاء القصر بأكمله.
‘بما أنها وصلت إلى الحديقة، فلا شك أنها بلغت الطاقم الطبي أيضًا.’
كان البستانيون، بطبيعتهم، قلّما يختلطون ببقية العاملين.
فإذا وصلت الشائعة إليهم، فهذا يعني أن كل من في القصر قد علم بها.
“……فلهذا السبب حدث الأمر هكذا!”
“واو، لم أكن أظنه من النوع العاطفي، يا لها من رومانسية خفية!”
“هشش، أحد قادم.”
انخفضت الأصوات فجأة.
واتّسعت عينا البستانيين حين رأوني.
“……هل سمعْتِ كل شيء؟”
“ماذا تقصد؟”
تراخت أكتافهم المتشنجة، فابتسمت بخفة وسألت بنبرة عادية:
“ما الأمر؟”
“لا، لا شيء. لا علاقة لكِ بالأمر أصلًا.”
“صحيح! أنتِ وصيفة السيدة الخاصة، فلا شأن لكِ بهذا!”
‘يبدو أنهم يدركون أن الشائعة لا ينبغي أن تصل إليّ.’
لكن ذلك لم يهم.
بدلًا من الإلحاح بالسؤال، غيرت الموضوع قائلة:
“هل كل شيء بخير في الحديقة؟”
“ما الجديد عندنا؟ لا شيء تقريبًا. ولماذا تسألين؟ حصل شيء؟”
رغم تظاهرهم باللامبالاة، كانت أعينهم كلها تراقبني باهتمام.
يا لهؤلاء العاملين في القصر، لا يشبعون من القيل والقال!
كل هذا لأنهم لا يخرجون في إجازات، محبوسون هنا طوال الوقت.
يرون الوجوه نفسها كل يوم، فلا عجب أنهم يتلهّفون لأي مثير.
تنهّدت متعمّدة.
“ليس هناك شيء، لكن منذ قدوم الزائرة الجديدة أشعر ببعض القلق لا أكثر.”
“همم، حقًا؟”
“حتى إن بدت سيدتي هادئة، فلا شك أن في قلبها قلقًا.
وإن كان صحيحًا أن اللّيدي ايفانجلين هي حبّ السيد الأول…”
“لـ، لـ، لا أظن أن هذا صحيح!”
‘هاه، اصطادتهنّ.’
كتمت ابتسامتي، ورفعت حاجبيّ بجدية مصطنعة.
“ليس صحيحًا؟”
“أعني، أنها ليست هي! تلك الضيفة ليست حبيبته الأولى!”
البشر لديهم ميل غريزي للتفاخر بالمعرفة.
ولهذا، بدلًا من أن أسأل مباشرة، رميت إليهم بمعلومة خاطئة.
“إذًا، من هي؟”
“حسنًا، هذا…”
الرغبة في تصحيح الآخرين أقوى من الصمت.
“سمعتُ أن السيد… اقتربي قليلًا.”
ترددت البستانية لحظة، ثم قالت بنبرة سرية:
“يُقال إن السيد جمع كل الجرائد التي ظهرت فيها سيدتك! كلّها، في القصر الريفي!”
“يا للعجب، حقًا؟”
“أجل! بل وقصّ الصور منها ولصقها على الجدار أيضًا!”
“……ماذا؟”
‘لم يكن هذا جزءًا من الخطة.’
لكن الشائعات، كما هو معروف، تتضخّم كلما انتقلت من فمٍ إلى آخر.
“ويقال إنه يقبّل الصورة كل ليلة قبل أن ينام!”
“…….”
“بل ويضع أجمل صورة في جيب صدره أينما ذهب!”
‘حسنًا، هذا لم أكن أنويه، لكن… لا بأس. الشائعة تعمل في صالحنا.’
بعد أن أنهت البستانية كلامها المثير، سعلت بخجل وقالت:
“على كل حال، لا تثرثري بهذا كثيرًا، مفهوم؟”
“بالطبع.”
هززت رأسي مطمئنة، وغادرت بخطواتٍ خفيفةٍ وسعيدة.
“سيّــــدتي!”
توقّف القلم الذي كان يتحرك بسرعة فوق الورق، ثم قلبت سيدتي الصفحة وابتسمت بلطف.
“هل أنهيتِ الغداء؟ لماذا هذا الاندفاع؟”
“انتهيت من الغداء تمامًا، لكن… سمعتُ شيئًا طريفًا جدًا.”
“حقًا؟ ما هو؟”
‘إلى أي حدّ عليّ أن أُفشي القصة؟’
‘الحقائق الحقيقية لا تتعدّى واحدًا بالمئة منها.’
لكن ترددي لم يدم طويلًا.
“يُقال إن السيد جمع كل الجرائد التي احتوت على صور سيدتي،
علق بعضها على الجدار، ويقبّلها قبل النوم، بل ويحمل أجملها في جيبه دائمًا!”
“مـ، ماذا؟ أعيدي ما قلتِ! الكونت؟!”
“تمامًا كما سمعتِ! هذا الخبر منتشر في القصر كله!”
بدأت أعيد روايتي بحماس وعددت على أصابعي ما قيل.
أما وجنتاها فاحمرّتا حتى صارتا كزهرتين متفتحتين.
“هذا، هذا هراء بالتأكيد. لا يمكن أن يفعل الكونت شيئًا كهذا.”
“ومن يدري؟ لعلّكما التقيتما سابقًا في روندا؟”
كانت تلك فكرة يوت بيلفيت في الأصل.
وضعت سيدتي يديها على خديها، وقد احمرّ وجهها أكثر.
“مستحيل! لو كنت قد رأيتُ رجلاً بتلك الوسامة لما نسيته أبدًا.”
لكن كلماتها لم تخفِ الاضطراب في ملامحها.
‘حسنًا، هذا يكفي.’
في النهاية، أساس الحب هو السيطرة على زمام المبادرة.
‘يمكننا جعل الأمر أكثر حسمًا، أليس كذلك؟’
‘وكيف يكون ذلك؟’
‘الطريقة التي قالها يوت ليست سيئة، لكنها لن تغيّر جو القصر تمامًا.’
بدأ انقسام القصر من غموض موقف كارلايل إديويل نفسه.
‘ربما تُحسِّن مزاج سيدتي قليلًا، لكن هذا كل ما في الأمر.’
كان لا بد من إسقاط الفرضية ذاتها القائلة: “الكونت يهتم بالليدي ايفانجلين.”
ولكي يحدث ذلك… كان الجمهور المستهدف للشائعة يجب أن يكون من الأسفل، لا من الأعلى.
القصر كان يغلي أصلًا بـ‘العاطفة السرية التي يُخفيها السيد’.
وسرعان ما ستبدأ سيدتي في الوعي بتلك الشائعات شيئًا فشيئًا.
كل شيء يسير كما خُطّط له.
نهضت فجأة، أنظر إلى الكونتيسة التي كانت تدور في المكان نفسه، متوترة،
وشعور أكيد بالانتصار يملأني.
—
“يكفي أن يسيرا معًا في الممر ليصبح نظر الجميع غريبًا.”
“حتى العيادة تضجّ بالحديث عن الأمر. صار الجميع مقتنعين الآن أن البطل يحب البطلة فعلًا.”
أنا ويوت بيلفيت، كنا نشعر بالتغييرات بوضوح.
مثلًا، أصبح عدد الراغبين في خدمة الطعام في قاعة العشاء أكثر من المعتاد.
“الأمور تسير جيدًا. ربما نرى النهاية قبل نهاية هذا العام.”
“النهاية؟ وكيف تعرف أنها اقتربت؟”
“تُحسّها فقط حين تراها.”
خلّفَت أهدابه الكثيفة ظلًّا رماديًا خفيفًا على وجهه.
النهاية، قال؟
أيّ نهاية يقصد؟
ومن الذي يقررها أصلًا؟
‘إذا جمعت كل الإشارات، فالأمر ليس بيد يوت وحده لينهيها متى شاء.’
عينا الزمرد الهادئ لم تُبحا لي بأي جواب.
‘ماذا لو أنني أنا….’
طرق، طرق.
دخل أحد الخدم، قاطعًا الصمت القصير.
“ا، السيد بيلفيت، الكونت يستدعيك.”
“الكونت؟ هل ذكر السبب؟”
“لا، فقط قال أن تأتي فورًا.”
هزّ يوت رأسه بهدوء ووقف من مقعده.
“عليكِ أن تعودي الآن يا سونِت.”
“هل أنت بخير؟”
“لن يحدث شيء، لا تقلقي.”
رفع إبهامه بابتسامة مطمئنة ولوّح بيده بخفة.
كان في منتهى الهدوء، بل يكاد يكون مسترخيًا تمامًا.
‘بينما الرجل الذي جاء يستدعيه يرتجف من الخوف.’
ألم يشعر بالخطر؟
في مثل هذا الوضع، لم يكن هناك سبب منطقي يدفع الكونت لاستدعاء طبيب بسيط.
‘لابد أنه سمع بالشائعة.’
بعد أن وصلت إلى هذا الحد من الانتشار، سيكون من الغريب ألا يعلم.
‘عدد الذين يدخلون مكتب الكونت محدود جدًا.’
وبتضييق الدائرة، كان يمكنه بسهولة معرفة من أين خرجت القصة.
من حيث المبدأ، نحن مذنبان فعلًا.
فالتحدث عن حياة السيد الخاصة ليس من شيم الخدم.
لكن!
‘ومن السبب في هذا كله أصلاً؟’
لو أنه فقط اعترف بحبه منذ البداية وأنهى الأمر بوضوح!
أي نوع من الناس يجعل الحب يبدو وكأنه مؤامرة اغتيال؟
قال يوت إن الأمر سيمر دون مشكلة.
لكن…
‘أنا أثق بيوت، لكني لا أطمئن.’
فالكونت لم يكن أبدًا رجلًا مريحًا أو يسهل التعامل معه.
‘ماذا لو استشاط غضبًا وبدأ بالبحث عن كبش فداء؟’
غضب السيد لا يشبه تضايق الخدم العادي.
‘لكن ماذا بوسعي أن أفعل؟ أنا مجرد خادمة عادية….’
‘هذا العالم رواية رومانسية.’
رومانسية.
إن كانت هذه مجرد أداة في حبكة القصة، فلابد من تحريكها كما يجب.
أخذت نفسًا عميقًا، وشددت قبضتي على تنورتي.
فالخادمة الحقيقية يجب أن تعرف كيف تركض في الممرات دون أن يُسمع لها صوت.
وبما أن الحبكة تقتضي ذلك،
صرخت من أعماقي:
“سيّدتي!”
في القصص، دائمًا ما تكون هناك بطلة عاقلة تشدّ بطلًا مختلًّا اجتماعيًا إلى أرض الواقع، أليس كذلك؟
‘يجب أن آخذ سيدتي إليه بنفسي.’
جلست عند قدميها وهي تحدّق في السماء بشرود،
وضممت يديّ أمام صدري، فالتقت نظراتنا.
“الجو جميل اليوم، أليس كذلك؟
ما رأيكِ في نزهة صغيرة مع السيد؟”
“همم؟ لكن لم يُحدَّد موعد مسبق.”
“يمكننا تحديده الآن! هو بالتأكيد في مكتبه كالعادة!”
“ألا يبدو الأمر مفاجئًا أكثر من اللازم؟ قد يكون مشغولًا.”
“بالعكس! اللقاءات غير المتوقعة هي الأكثر إثارة!”
اللعنة، سيدتي لم تقتنع بسهولة.
‘ومن الواضح أنها *تريد* لقاءه.’
دفع السادة برفق نحو ما يريدونه فعلًا هو من واجبات الخدم.
فقلت في النهاية:
“ثم إن لديكِ ما تودّين مناقشته معه بشأن إعادة تنظيم القصر، أليس كذلك؟”
“آه…!”
انفرج وجهها فجأة بابتسامة مضيئة.
“صحيح، لا بد أن أبلغه بالأمر قبل أن ينشغل أكثر!”
“بالضبط، إنه موضوع عاجل.”
“أجل، عاجل جدًا!”
جمعت تنورتها ونهضت بنشاط.
وبفضل ذلك، استطعت الوصول معها حتى باب المكتب الكبير.
“سيدي، الكونتيسة جاءت لرؤيتك.”
“ماذا؟!”
دوّي صوت ارتطام حاد من الداخل.
‘ما الذي يحدث هناك؟’
هل كان يصرخ في أحد؟
شعرت بالعرق يتصبب من ظهري.
ثم ساد الصمت لبرهة، قبل أن يُفتح الباب الثقيل ببطء.
التعليقات لهذا الفصل "31"