1
المقدمة
الرومانسية، أهم ما فيها هو البداية.
كان من أحببته طويلًا يقول ذلك دومًا.
نعم، ذلك الشخص.
الرجل الذي كان يسير بخفةٍ، والشمس الغاربة خلفه، كان دائمًا كما هو — مبهِرًا.
‘كان عليّ أن أرتدي نظارات شمسية.’
ما زال وجهه فائق الجمال إلى حدٍ غير معقول. حاولت جاهدًة أن أتماسك، فقلّصت عينيّ قليلًا.
‘مع ذلك… ما زال وسيماً جداً.’
لم يجدِ ذلك نفعًا.
شعره الفضي كأنه صيغ من لمعان أمواج البحيرة، وعيناه الخضراوان أعمق من غابةٍ في يونيو، وابتسامته الرقيقة اللطيفة…
‘أحبه كثيرًا.’
جماله المفرط كان امتحانًا لصبر الإنسان.
هل أقولها؟
هل أعترف له فجأة؟
‘نعم، فلأعترف.’
حتى لو رُفضت، لا بأس.
‘على أي حال، المواعدة معه ستكون مكلفة للغاية.’
جميع الأبطال في القصص متشابهون، لا يستطيعون كبح مشاعرهم فيحجزون مراكز التسوق، ويصنعون بحيراتٍ اصطناعية، ويغلقون مدنًا كاملة.
‘كم يا تُرى كل هذا يكلّف؟’
آه، الرومانسية… إنها أمرٌ جنوني بحق.
‘لكن مع ذلك…’
إن كان الأمر يخصه هو، فلن يكون من المؤسف أن يُنفق ربع ثروته، لا، حتى نصفها.
‘وربما، فقط ربما، لو أن يوت أيضًا يحبني!’
النصف… سأكون موافقة تمامًا!
قبضت راحتيّ المتعرّقتين ثم بسطتهما.
‘حتى إن لم يكن كذلك، فالمهم أن أعبّر بصدق!’
“ذلك…”
“ذلك…”
آه. يا لها من مصادفةٍ مضحكة.
الشخص الذي أحبّه كثيرًا ابتسم بخفة، وأشار لي بعينيه.
“تحدثي أنت أولاً.”
“لا، لا، أنت أولاً.”
“إذن…”
لكنه لم يتكلم بسهولة هذه المرة.
على غير عادته التي يُجيد فيها استمالة الناس بسلاسة.
“ما الذي يجعلك تتردد هكذا؟”
“الأمر ليس سهلًا أن أرتّبه.”
“أن ترتّبه؟”
“هناك شيء أود أن أسمعه منك.”
“……”
“لن يكون ذا معنى إلا إن سمعته منك أنتِ.”
هدباه المرسومان بهدوء كانا يتلألآن.
لا يُعقل… هذا الإحساس، هذه الأجواء!
“اسمعي يا سونِت.”
“نعم.”
قال الرجل الذي أحبّه حدّ الامتلاء، مبتسمًا بأجمل ابتسامةٍ في الدنيا:
“هل تقولين لي إنك لا تحبينني إطلاقًا، ولن تحبيني أبدًا؟”
أيها الـ… اللعين.
—
الفصل الأول
فيييينغ!
شيء أزرق باهت رسم قوسًا جميلًا في الهواء وطار بعيدًا.
ما ذاك؟
أنا أعلم الجواب.
“وسادتي…”
إذن ما الذي سقط في الاتجاه المعاكس؟
“سريري…”
هل يمكن لبيتي أن ينهار من تلقاء نفسه دون أن أدري؟
كن مستعدًا، فالأمر قد يحدث حقًا.
“هل هذا… حلم؟”
قرصت خدي.
كان يؤلمني.
جذبت شعري.
كان يؤلمني أيضًا.
فتحت كيس نقودي وغرست أنفي فيه.
“قطعتان فضيتان وسبع نحاسيات.”
رائحة المعدن الحقيقية تلك — بلا شك هذا واقع.
ثم دوّى صوت:
كواااانغ! كواااانغ! كواااانغ…
بيتي يتحطم كقطع الليغو التي داسها أحدهم.
شيءٌ معدني ضخم كان يدمّر منزلي بجدٍّ واجتهاد.
صحيح أنه ليس ملكي قانونًا،
لكن…
‘المنزل الذي عملتُ لسنواتٍ كالحيوان لأدفع إيجاره!’
ينهار…
كالغبار…
حدّقتُ مذهولةً بما طار في الهواء وارتطم بالأرض.
كانت قطعة أثاثٍ رخيصة كأيٍّ في أيّ منزل، لكني عرفتُها فورًا.
تلك كانت الطاولة التي اشتريتها احتفالًا بمرور ثلاثة أشهرٍ على عملي.
أو بالأحرى… كانت طاولة.
تَكْسِير!
الآن لم تعد سوى شظايا.
“يا إلهي، ما كل هذا الخراب؟”
“آه، البيت ينهار بالكامل!”
كان الناس يتجمعون على مسافةٍ آمنة من الآلة الثقيلة ويتحدثون همسًا.
يا لثمنها الباهظ — فقد أزالَت عمارة بثلاثة طوابق في لحظة.
وكذلك انهارَت حالتي النفسية في لحظة.
“لكن لماذا يهدمونها فجأة؟”
“ألَم ترِ قبل قليل؟”
“ماذا؟”
“الدوق مرَّ من هنا!”
هاه؟
‘لماذا يأتي أحد النبلاء الكبار إلى حيٍّ سكني كهذا؟’
ألا يفترض أن يكون في القصر أو في داره الفخمة؟
قبضت على كيس نقودي وأخذت نفسًا عميقًا.
“الدوق أمر بهدم كل شيء من هنا إلى هناك! يقولون إن السبب زوجته الجديدة!”
“ماذا؟ زوجته؟”
“نعم، زوجته! ألم يكن البيت كلّه في ضجةٍ لأن أحد فروع بيت الدوق تزوّج مؤخرًا؟”
بلى، كانت فوضى حقيقية.
‘بفضل ذلك، اضطر كل العاملين في القصر إلى العمل فوق طاقتهم لأشهر.’
فكلّما أقام أحد النبلاء حدثًا كبيرًا… كانت الكارثة تبدأ من جديد.
‘الحديث عن الهدايا والملابس الرسمية وكل ما يتعلق بالسيدة الجديدة… لقد عانينا كثيرًا في الجهة الأخرى.’
تغيّرت أوقات الوجبات، وكذلك أوقات التنظيف.
لكن هذا لم يكن أمرًا كبيرًا في الحقيقة.
فالنوم بعد السيد والاستيقاظ قبله، هو قدر كل خادم.
لكن، لماذا إذًا…
“أعتقد أن الدوق واقع في حبّ الدوقة الجديدة تمامًا.”
“ماذا تعني؟”
“لقد مرّ من هنا فجرًا وتفحّص المكان كله، ثم قال شيئًا كهذا…”
تنحنح الرجل وخفض صوته أكثر.
“‘ليست منظراً يليق بعينيّ زوجتي. اهدموه.'”
فيييينغ!
آه، تلك المرتبة التي اشتريتها قبل أربعة أيام على ثلاث دفعات شهرية…
‘يا للعجب، كم في هذا العالم من الحمقى المهووسين.’
كان شعورًا وكأن كرةً حديديةً اصطدمت برأسي.
كواااانغ! كوااااانغ! كواااااانغ…!
“حسنًا… لنعُد إلى العمل.”
كل ما يمكن أن يطير في الهواء قد طار بالفعل، ولا يمكنني الوقوف هنا إلى الأبد.
‘الوقت مال.’
التقطت الكيس الورقي الذي كنت قد أسقطته، وسرت بخطواتٍ ثابتة.
‘سأضطر للنوم مؤقتًا في سكن الخدم.’
هذه إحدى حسنات العمل في منزلٍ نبيل.
‘في بعض الأماكن، ينام الخدم على الأرض لأن الغرف ممتلئة.’
المكان الذي أعمل فيه الآن كان من القصور القليلة التي تُعامل الخدم معاملةً جيدة.
‘سأبقى هناك لبعض الوقت، أعمل بجدّ وأوفّر قدر ما أستطيع.’
الحمد لله أن لديّ مصدرًا للمال على الأقل.
لولا ذلك، لجلست في الشارع أبكي حتى أُنهِك.
‘سأعمل بجد.’
شددت من عزيمتي، ودخلت من الباب الخلفي.
لكن مكان عملي الذي عدت إليه… لم يكن كما كان قبل ساعة.
“وماذا سنفعل الآن بعد أن تهدّم البيت؟”
“هل أعود إلى مسقط رأسي؟”
“وماذا عن مدخراتي؟”
“المدخرات؟! أنا عليّ سداد الفائدة الأسبوع القادم!”
لم يكن المطبخ غريبًا على الفوضى.
فالخدم دائمًا ما يقطعون المكونات ويقلبونها ويزيدون النار أو يرشون الماء…
لكن الآن؟ كان المطبخ أقرب إلى مشهد من الجحيم.
“ماذا حدث؟”
“تسألين ما الذي حدث؟”
الخادم الذي عمل هنا لفترةٍ أطول مني عبس وهو يردّ:
“لقد طُردنا جميعًا!”
“هاه؟”
“قلت طُردنا!”
“لماذا؟ ولِمَ؟ هل أنا أيضًا؟ هل الجميع؟”
“وهل أنتِ مختلفة عن الباقين؟!”
رمى الرجل مئزره أرضًا بقوة حتى صدر عنه صوت طَرقٍ حاد.
شعرتُ بنَفَسه الغاضب يكاد يلامس وجهي.
“لكن… لكن لماذا؟! ماذا فعلنا بالضبط؟”
“فعلنا؟ أجل، يُمكن القول إننا فعلنا ما لا يُغتفر.”
“لكن لماذا بحق السماء؟”
كان هو أيضًا منزعجًا، لكني كنت أكثر يأسًا منه.
طردٌ مفاجئ؟
‘لكن لم يقل أحد شيئًا عن هذا في الصباح!’
تبديل كامل للطاقم؟ حتى القصر الملكي لا يُسرّح الناس بهذه السرعة.
وماذا عن راتبي؟ ومكافأة العمل الإضافي التي وعدوني بها؟
بينما كنت واقفةً مذهولة لا أجد ما أقول، تدخلت فتاة تعمل منذ نصف عامٍ قبلي لتوضح الأمر.
“كل هذا بسبب القرنبيط.”
“القرنبيط؟ كيف ذلك؟”
“ألم نقدّم اليوم شرائح القرنبيط على الغداء؟”
أومأت بصمت. كم عانينا في تنظيفها وتقطيعها.
“يقولون إن السيدة الجديدة مصابة بحساسية من القرنبيط.”
“حساسية؟!”
كان من أبجديات العمل كخدم معرفة ذوق السيد وملاحظاته الخاصة.
فإن كان لديه حساسية من شيءٍ كهذا، لا يمكن أن يجهله أحد.
‘ربما نسيَ أحدهم.’
لكن أن ينسى الطاقم كله؟!
كان من الأصدق أن يُقال إن السيد خان زوجته على أن نصدق هذه الحجة.
“لكننا لم نتلقَ أي تعليمات بهذا الخصوص.”
“بالطبع لم تتلقوا، لأن أحدًا لم يُصدر مثل تلك التعليمات من الأصل.”
“……عفوا؟”
“يبدو أن السيدة لم تكن قد تذوقت القرنبيط في حياتها من قبل.”
“لكن إن كانت هي نفسها لا تعلم، فكيف لنا أن نعرف نحن؟”
“وما الفرق؟ المهم أن السيدة أُغمي عليها أثناء الغداء، فاستشاط السيد غضبًا و— آخ.”
العاملة التي كانت ترسم بإصبعها حركة نحرٍ على عنقها، هرعت من المكان بسرعة.
ومن خلفي دوّى صوت امرأة صارم.
“ما الذي يجعلكِ واقفة هناك كأنكِ حجر؟ ألا تخرجين فورًا؟”
كانت رئيسة الخدم.
امرأة لم ألتقِ بها إلا أثناء المقابلة الأولى للعمل.
“أ-أحقًا طُردنا جميعًا؟”
“ما الذي كنتِ تسمعينه قبل قليل؟”
“لم أسمع شيئًا بوضوح…”
تعمّقت التجاعيد بين حاجبيها.
تنهدت بعمق ثم قالت بنبرةٍ قاسية:
“جاء أمر السيد باستبدال كل من يعمل في المطبخ، من الطاهي الرئيسي إلى العامل الذي يسلّم حبة البطاطس أو عود البصل الأخير.”
شعرت وكأن قطعة فحم عالقة في حلقي.
أمسكتُ بسرعة بطرف كمّها.
“لا، لا يمكن! لقد فقدتُ منزلي لتوّي، وإن فقدت عملي أيضًا فسوف أكون…”
“كان عليك أن تتدبّري أمرك قبل أن ترتكبي تلك الحماقة.”
صفعت يدي لتُبعدها عنها بعنف.
“حتى لو أخطأتِ، كيف يمكن أن يكون خطؤك بهذا الشكل الفظيع؟!”
“لكن هذا لم يكن…”
“قبل مئة عام، لَما بقيت رقابكنّ في أماكنها!”
“وماذا عن راتب هذا الشهر…؟”
“هل تدركين مدى— على أي حال، إن كنتِ لا تريدين أن تري ما هو أسوأ، اخرجي حالًا!”
فطُردت.
كان من حسن حظي أنني لم أستخدم سكن الخدم، فلم يكن عليّ حزم أي أمتعة.
“إلى أين أذهب الآن؟”
لا بيت… ولا عمل.
وبعد تفكيرٍ طويل، عدت إلى المكان الذي كان بيتي يومًا ما — الآن صار أطلالًا خربة.
كان هناك منزل… والآن لا شيء.
نظرتُ إلى الأنقاض المدمّرة التي كانت يومًا مأواي.
“يا للأسى، ما الذي يمكن فعله بهذا كله؟”
“يُقال إنهم سيبدؤون ببناء منزلٍ جديد هنا غدًا.”
“بهذه السرعة؟”
“عندما يكون الدوق الثري هو صاحب الأمر، لا يُستبعد شيء.”
تفرّق المارة وهم يتهامسون، إذ بدأت زخّات المطر تهطل بغزارة.
“ها… هاها…”
انحدرت قطرات المطر على أذنيّ ووجنتيّ واحدةً تلو الأخرى.
رجل يهدم بيت غيره فقط ليُرضي زوجته،
وآخر يقطع أرزاق الناس بسبب حساسية لم يكن يعرفها أصلًا.
“أهكذا هو الحب حقًا…؟”
لطالما حلمت بأن أمتلك بيتًا صغيرًا في العاصمة.
كم كنت سعيدة عندما تمكنت، بعد جهدٍ وقرش فوق قرش، من استئجار غرفةٍ بسيطة!
علّقت فيها لوحة صغيرة، ووضعت مرتبة طرية، وفرشت بساطًا أنيقًا.
بيتي، الذي صغته من دمي وعرقي ودموعي وأقساطي الشهرية.
‘منزلي…!’
“آه…”
شعرتُ وكأن معدتي تذوب من القهر.
أطبقت يديّ على بطني وجلست القرفصاء.
والمطر الغزير يضرب جسدي بلا رحمة.
طَق… طَق… طَق…
في تلك اللحظة، بدا صوت المطر وكأنه يتلاشى في البعيد.
رفعت رأسي، فرأيت رجلًا جميلًا كأنه تمثال من معبدٍ قديم، يميل بمظلته نحوي.
عيناه الخضراوان اللامعتان تحت رموشه الفضية تألقتا كبلورتين من الثلج.
“أه… أنتَ…”
ابتسم الرجل بتلك الابتسامة المذهلة حدّ الغثيان، ثم قال:
“هل تؤمنين بالرومانسية؟”
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 1"