الفصل 34
«ليس الماء، ولا الشمس، ولا السماد! كوووووووووو!!»
في اليوم الثالث بعد زيارة كانتا، نفد صبر فينوس تمامًا.
استلقى على أرضية مبنى البحث وهو يتذمّر ويلوّح بذراعيه وساقيه كطفل.
«إذًا ما هو؟ ما الذي يجب أن يمتصّه بالضبط؟!»
«إييي، أنت تعيقني.»
كان فينوس يزعج روزيل. دفعته بقدمها بلا مبالاة إلى الجانب وواصلت بحثها.
«همم… لا يبدو أن الحموضة هي السبب أيضًا…»
جرّبت كل شيء ممكن لمعرفة شرط الإنبات، لكن دون نتيجة تُذكر.
ألقت روزيل قشر الليمون في سلة المهملات وهي تتذكّر السطر الغامض في الموسوعة النباتية.
=========
– إذا أُنبتت (؟؟) بعد أن تمتصّ كمية وافرة من (؟؟)، فإنها تنمو نادرًا كنبات سحري بأوراق ذات لون (؟).
==========
أي أن البذرة التي تمتص شيئًا ما ستنمو كنبات سحري بأوراق ملونة…
شدّت روزيل شعرها الأحمر الكثيف حتى تكاد تقتلعه من شدّة التوتر، فانتشرت خصلاتها المتموّجة كأنها تعرّضت لانفجار.
طق طق.
«هل أنتم داخل؟»
«نعم، ادخل!»
الصوت الجهوري المنخفض الذي جاء مع الطرق على الباب كان لتورنت.
كان قد عاد قبل فترة من منزل فيكونت غريغوري، وكما توقّعنا، جاء بالرفض المتوقع من السيدة غريغوري. منذ ذلك الحين، أصبح منزلنا في حالة طوارئ أكبر.
جاء تورنت إلى مبنى البحث على الأرجح من أجل زهرة أرمادالين. مؤخرًا، صار يزورنا كثيرًا لدرجة أن مخزون الأعشاب في القصر بدأ ينقص بشكل ملحوظ.
«مرحبًا، السيدة روزيل، السيد فينوس.»
«مرحبًا! تورنت. هل تحتاج زهرة أرمادالين اليوم أيضًا؟»
«نعم. هل لديكم ما تبقّى؟»
«بالطبع! نجحتُ مؤخرًا قليلاً في زراعة زهرة أرمادالين.»
«تهانيّ الحارة!»
انتفخت روزيل صدرها كطائر صغير ينتفخ بفخر، ثم ضربت صدرها بقوة كجنرال شجاع.
كانت قد اكتشفت طريقة الزراعة مسبقًا لأنها لم تكن تعرف كم سيلزم تورنت، ورغم صعوبة الزراعة بكميات كبيرة، إلا أنها تكفي لاحتياجات غرايب.
«لديّ ما يكفي لك، فتعال متى شئت.»
«شكرًا جزيلاً.»
«لا داعي للشكر! انتظر لحظة…»
تركت تورنت الذي يبدو متعبًا وهرعت إلى دفيئة الزجاجية.
داخل دفيئة، كانت أشعة الشمس الحارقة تخترق الزجاج.
جمعت أربع زهرات أرمادالين الثمينة بعناية، لفّتها بقماش نظيف، ثم عادت إلى المكتب.
ما إن فتحت باب المكتب المزيّن بنقش زهرة اللوتس حتى رأت فينوس يندفع نحوها بوجه مرعب.
«يا! يا! يااااااااا!»
«ما بالك؟ ما الذي حدث؟»
تراجعت روزيل مذهولة من هجومه كالثور. لكن فينوس لم يستسلم، اقترب بوجهه أكثر فلم تجد بدًا من أن تدفعه بكفّها.
«آخ! لماذا تدفعينني؟»
«جرب أنت مكاني، هل ستتركني أقترب هكذا؟»
عبست عندما لامس كفّها شفتيه، ثم مسحت كفّها بقميص فينوس كأنها تلمس شيئًا قذرًا.
«الآن ليس وقت مسح اليدين! لقد اكتشفتُ للتو طريق طريقة إنبات محتملة جدًا! »
«ماذا؟ كيف؟»
«تورنت هو من أخبرني.»
اقترب تورنت الذي كان يبتسم بهدوء.
«سمعت أنكما تبحثان عن نبات سحري للسيد غرايب.»
«نعم! نحن نعمل بجد.»
«أن تتحرّكا بهذا الشغف من أجل الأخ الأصغر… لم أكن أعلم. كلاكما رائعان حقًا.»
لم يبدُ واثقًا بنجاحنا، وهذا مفهوم؛ فلم يُكتشف علاج نهائي لمرض المانا منذ قرون.
لكنه ربت على رأس روزيل برفق، كأنه يُقدّر على الأقل حرصنا على غرايب.
«لا ينبت أي نبات سحري بدون مانا. يجب أن يمتص المانا بكمية كافية ثم نُبادر الإنبات.»
«آه!»
شعرت روزيل كأن أحدًا ضرب مؤخّرة رأسها.
كان هناك سطر دائمًا في موسوعة النباتات السحرية: «حتى ينمو، يجب تزويده بكمية معيّنة من المانا خلال دورة النمو».
كيف لم تتذكّره حتى الآن؟
بينما كانت تغرق في الندم، واصل تورنت.
«حتى بعد النمو، إذا انقطعت المانا يموت. لذا التحكّم بالتزويد مهم جدًا.»
«شكرًا جزيلاً يا تورنت!»
«على الرحب. إذن، بالتوفيق. سأنصرف الآن.»
ما إن خرج تورنت حتى أمسك كل من روزيل و فينوس بذرة من بذور التوت الشتوي وبدآ يضخّان المانا فيها فورًا.
* * *
بعد أسبوع، في دفيئة الزجاجية.
كان بندانا جالسًا على ركبتيه يراقب الإنبات بعيون لامعة كأنها نجوم.
«حقًا أصفر زاهية جدًا! أول مرة أرى أوراق التوت الشتوي بهذا اللون الأصفر!»
طرقت روزيل كتف بندانا المنهمك حتى كاد أن يدفن أنفه في التربة.
«ستأكل ترابًا هكذا. كفى مراقبة وأعده إلى مكانه.»
«أليس بإمكاني النظر قليلًا أكثر؟»
كان شغفه بالنباتات كبيرًا، لكن روزيل رفضت بحزم، فلم يملك خيارًا سوى إعادة الوعاء إلى مكانه.
بعد أن رأته يضع الوعاء، لخّصت ما اكتشفوه خلال الأسبوع:
【شروط الإنبات】
1. يجب أن يمتصّ البذرة مانا لمدة ساعة واحدة يوميًا على الأقل لثلاثة أيام متتالية.
2. يجب تزويده بالمانا مرة كل ثلاثة أيام على الأقل.
3. باقي شروط النمو نفسها تقريبًا كشجرة التوت الشتوي العادية.
لقد نبتت بالفعل براعم صفراء زاهية.
المشكلة الآن: متى ستصل إلى مرحلة الإثمار؟
نقرت بالقلم على الورق بقلق.
حاولت التفكير في طريقة لتسريع النمو، لكنها لم تجد شيئًا.
«يا @#!$.»
«همم… طريقة…»
«يا!»
«آااه! متى جئت؟»
أسقطت القلم و الدفتر من يدها، وضعت يديها على قلبها المُفزّع.
نظر إليها فينوس بنظرة «يا لهذه المجنونة».
«جئت منذ زمان. ما بكِ غارقة في التفكير إلى هذه الدرجة حتى لا تسمعين مناداتي؟»
«في كيف نُسرع نموّها طبعًا.»
أشارت روزيل بذقنها إلى البراعم الصفراء القريبة.
«استسلمي. لو جربتِ شيئ غريب قد يفسد كل شيء.»
«همم… صحيح…»
«أنتِ تفكرين كثيراً.»
«و أنت لا تفكر أبدًا؟»
«يا لهذا الرد حتى لما أواسيكِ.»
عبس فينوس وشبّك شفتيه كالطفل الغاضب، فشعرت روزيل أن قلبها يرتاح قليلاً.
أحيانًا يكون عدوًا حقيقيًا، و أحيانًا سندًا لا يُعوّض عنه.
ابتسمت في سرّها، ثم أعادت القلم و الدفتر إلى مكانه، ونفضت الغبار عن ملابسها.
حان وقت زيارة غرايب.
«سأغيب قليلاً! بعد ساعة سأعود، فأنهِ السقاية واذهب للدراسة في المكتب!!»
«حاضر!»
أمسكت روزيل بمقبض باب الصوبة.
«هيا.»
خرجت أولاً، وتبعها فينوس بخطوات سريعة.
سرعان ما وصلا إلى غرفة غرايب.
«غرايب، وصلنا.»
«أختي! أخي الكبير! تأخرتما كثيرًا. اشتقت لكما.»
كان غرايب ككرة قطن الحلوى: ناعمًا وطريًا، حتى كلامه حلو كالحلوى.
اقتربت روزيل منه وهو يدلّل وهزّت خدّيه بقبلة بعد قبلة، فانقلب ضاحكًا إلى الخلف.
بسبب المرض، جفّ جلده ونحلّ وجنتاه، لكنه ظلّ يبتسم ابتسامة الملاك.
ما إن توقفت هجمات القبلات حتى أخرج غرايب كتابًا من تحت الوسادة.
«أخفيتُ كتاب حكايات لأنني أريد من اختي أن تقرأ لي .»
كان يمسك الكتاب بيديه الصغيرتين ويبتسم ابتسامة غمّازات، فكاد قلب روزيل ينفطر من الجمال.
يا جماعة! الملاك ذو الشعر الذهبي موجود هنا!
لم تستطع روزيل مقاومة الهجمة الثانية من القبلات، واستمرّت حتى صاح فينوس مذعورًا:
«يكفي، روزيل!»
«لكنّه لطيف جدًا، ماذا أفعل؟!»
«هذا صحيح لكن… على الأقل توقفي. ستصبح خدّ غرايب كلّها كدمات.»
حدّقت روزيل في فينوس بعينين مشتبِهتين.
«أنت تمنعني لأنك تريد أن تقبّله أنت، أليس كذلك؟»
صفع جبينه بكفه من هول الفكرة.
روزيل حقًا لا يمكن إيقافها.
التعليقات لهذا الفصل " 34"