منذ اليوم التالي، لم يظهر فلينت في قاعة الولائم الكبرى، لم يظهر في القصر إلا مراعاة للإمبراطور الذي تخلى عن المكان، لكنه ترك مهمة استقبال الضيوف لولي العهد هيريس، وحبس نفسه في قاعة الضيوف ليقضي وقته في شؤونه الخاصة. منذ اليوم الثالث، لم يذهب حتى إلى القصر بل بقي في مكتبه. ولم يختلف اليوم الرابع. خلال ذلك الوقت بدأ فلينت يتساءل إن كان بإمكانه زيارة إليانا للاطمئنان عليها.
في الليلة الرابعة من مأدبة هوارد استيقظت إليانا، وشربت منشطًا أحضرته لها جين. كان منشطًا يتناوله الخدم عند إرهاقهم من العمل الشاق.
“كيف لي أن أعطي السيدة منشطًا رخيصًا كهذا… أنا خادمة شخصية غير مؤهلة….”
من وجهة نظر إليانا، بما أن طبيبتها لن تتركها بمفردها أبدا، لم يكن أمامها خيار سوى أن تطلب من جين أي شيء يمكنها الحصول عليه. استحمت إليانا بمساعدة جين، وبدأت بالاستعداد ولأن جين اضطرت للقيام بمفردها، وهو ما تفعله عادة عدة خادمات، كانت العملية بطيئة. سألت إليانا، بينما كانت جين تحرك يديها باستمرار، عن مكان عائلتها.
“ذهب أبي إلى صالون ماركيز ألبيتش اليوم، أليس كذلك؟”
“نعم، كان ذلك مع الدوقة، كزوجين سيعودان متأخرًا الليلة.”
استجابت جين بسرعة وأكملت تغيير ملابس إليانا. بدت إليانا جميلة كعادتها. لكن جين أمالت رأسها.
“هل من المقبول الذهاب إلى المأدبة بهذه الطريقة…؟ هل تجرب الآنسة موضة جديدة…؟”
بالطبع، كان الفستان الفضي الذي ارتدته إليانا فخمًا للغاية. كان مصنوعًا من قماش لامع ومطرزًا بنقوش ملونة رقيقة بهذه الجودة، كان أغلى من معظم الفساتين. لكن في النهاية، كان مجرد فستان منزلي. لم يكن به كشكشة يبرز ظهر التنورة، ولأنها سترتدي عباءة، لم تبرز منحنيات الجسم بالطبع، حتى بدون ذلك، كانت إليانا جميلة.
بينما كانت تركز على مكياجها وتفكر في نوايا إليانا، تلقت جين سؤالاً آخر.
“داميان وإيزابيلا؟ هل حضرا وليمة هوارد؟”
“حضرت الآنسة إيزابيلا مأدبة هوارد اليوم، أما اللورد داميان فلم يحضر. أخبرتني بيليتا أنه حضر للحظة إلى صالون ماركيز ألبيتش ثم ذهب إلى ناد اجتماعي… يا آنسة، أغمضي عينيكِ للحظة….. بحسب بيليتا، الشباب في سنه أكثر انشغالًا في الليل، لكنني لا أفهم تمامًا ما تعنيه.”
“يبدو أنه يستمتع بلقاء سري مع ليليانا.”
فكرت إليانا: “داميان، في محاولته إغواء خطيبة ولي العهد ليس في كامل قواه العقلية ولكن ليليانا، في قبوله، ما الذي تفكر فيه…؟”
نقرت إليانا بلسانها ونظرت في المرآة للتحقق من ملابسها. لكونه فستان منزلي خفيف، لم يكن هناك ما يعيبه، كان يصل قليلاً الى الأرض، لكن ذلك لم يشكل مشكلة لإليانا. كانت بارعة في المشي برشاقة، مهما كانت عباءتها تقيلةً أو طويلةً.
“ليس القبعة. سأرتدي حجابًا.”
إليانا، التي تخلت عن القبعة التي اعتادت ارتدائها كرمز، ارتدت حجابًا أسودًا. لمعت أقراطها المصنوعة من حجر الاوبسيديان للحظة وهي تنظر إلى نفسها في المرآة.
سألت جين بفضول.
“آنسة، لا يمكنني التمييز أحدهما الذي خاصتكِ بالفعل، والآخر هو القرط الذي طلبتيه من إليجانت، أليس كذلك؟”
“هكذا هو الحال.”
لطالما ارتدت إليانا القرط الذي طلبته من نقابة أستا. عندما استلمته من أستين، استبدلت الياقوتة المزروعة في الميدالية بحجر أوبسيديان. كان مشهدًا مذهلًا حقًا كيف اندمجت الجوهرة في الميدالية وسقطت بعد لف القرط عدة مرات. اتضح أن هذا القرط هو بالفعل القطعة السحرية التي كانت تبحث عنها بشدة. كان شعرها الوردي الفاتح مخفيًا، فاسوّد دون أن يترك أثرًا. الآن، لم تعد إليانا بحاجة لصبغ شعرها لإخفاء لونه الوردي الفاتح ولا لارتداء قبعة. ربما لأنها تخلصت من الصبغات القاسية، شعرت بصفاء ذهنها، كما لو أن غيوم العاصفة قد تبددت وأشرقت الشمس ساطعة. لكنها لم تجد القرط الآخر. لذا طلبت زوجًا من التصاميم المشابهة وارتدتهما. شعرت بارتياح كبير لأنه لم يكن من الملاحظ أنهما ليسا زوجًا.
“آنسة، انتظري لحظة.”
وضعت جين ثلاث وسائد طويلة تحت لحاف إليانا. مع بعض التعديلات البسيطة بدا وكأن أحدهم ينام هناك.
في هذه الأثناء، وضعت إليانا عباءة سوداء طويلة على رأسها. عندما غادرتا الغرفة، ساد الصمت الممر. ولأنه لم يكن هناك أحد، قادت إليانا جين إلى غرفة منعزلة. لم تتردد لحظة في مشيتها، كما لو كانت تلك وجهتها الأصلية.
كانت الغرفة مليئة بالفوضى وعندما ظنت جين أنها تبدو کمستودع، همست إليانا وهي تحمل شمعة.
“لابد أن يكون هناك باب تحت تلك السجادة.”
وضعت جين شمعتها على الأرض. واتباعًا لتعليمات إليانا، رفعت السجادة، كاشفة عن مقبض صغير اتسعت عينا جين.
“إنه ممر هروب سري في حالة الطوارئ. افتحيه بسرعة.”
“نعم آنستي.”
سحبت جين المقبض بقوة وفتحت الباب، عندما قربت إليانا ضوء الشمعة، ظهر درج. بدأت جين، وهي تحمل الشمعة بالنزول أمام إليانا. بعد نزول الدرج واجتياز الممر المظلم، رأتا بابًا. عندما حاولت جين فتحه، أوقفتها إليانا وأمسكت بيدها. مرتا بعدة أبواب أخرى كان لكل باب لون مختلف قليلاً. وأخيرًا، عند وصولهما إلى النهاية، ظهر باب رمادي.
“تذكري هذا الباب جيدًا. فتح الباب الخطأ قد يوقعنا في مشكلة.”
“نعم أنستي.”
عند فتح الباب الرمادي، فوجئت جين بوجودهما خارج القصر، اتسعت عيناها عند رؤية الممر السري للعائلة النبيلة، والذي لم تسمع عنه.
في الخارج، كانت عربة سوداء تنتظر، مع أنها لم تكن تعلم متى وصلت. على عكس جين المندهشة، بدت إليانا هادئة. ظنت أنها وصلت أبكر مما توقعت، لكن هذا كل شيء.
“جين، ارجعي مباشرة. استخدمي هذا الممر. إنه الباب الأخير، لذا لن يكون الأمر صعبًا.”
“نعم آنستي.”
بعد توديع جين، اقتربت إليانا من العربة السوداء. كان يجلس داخلها شخص.
“الكونتيسة إيفانز.”
مدت إليانا يدها وأمسكتها أديل وساعدتها في دخول العربة.
“سيدة إليانا، ماذا كنتِ ستفعلين لو لم آتِ؟ أنتِ متهورة جدًا.”
“لكنكِ جئتِ. شكرًا لكِ يا كونتيسة. لقد أتيتِ دون تردد.”
بدأت العربة بالتحرك.
“ناديني أديل. وقلتِ إنكِ سنتحدث بشكل غير رسمي في المرة القادمة.”
لم تبد إليانا سوى ثني شفتيها الحمراوين. لم تكن الدوقة الكبرى بعد، ولم تستطع معاملتها باستخفاف. سألت أديل بريبة.
“سيدة روسانا، هل… غيرتِ رأيكِ؟”
“إذًا لن أرسل لكِ رسالة أطلب فيها المساعدة للخروج ليلاً، أليس كذلك؟”
“لا أعرف. يمكن لسيدة روسانا أن تنام مع سيدنا… أعني تقضي الليلة معه ثم تتركه.”
تجاهلت إليانا التعليق المبتذل الذي طُرح في منتصف الحديث، وردت عليها بجهد.
“هل يعني هذا أنه سيء جدًا في السرير لدرجة أنني لا أرغب في قضاء الليلة التالية معه؟ أديل هي من طمأنتني عن الدوق الأكبر بثقة، أليس كذلك؟ ربما أدليتِ بتصريح كاذب؟”
أصبح وجه أديل غريبًا. وعندما عبرت عن تأملها، أضافت إليانا تعليقها الخاص.
“يقولون أن الدوق الأكبر هو المحارب رقم واحد في فيانتيكا، أليس قوياً إلى هذه الدرجة…؟”
هذا ما قالته إليانا بعد تفكير عميق. ضحكت أديل، وقد فهمت المعنى الكامل لتلك الكلمات. قالت إليانا بنبرة أكثر رقيًا.
“لا يهم. هذا ليس مهما على الإطلاق.”
بالنسبة لإليانا، كان الزواج والهروب من قبضة والدها من عائلة دوق روسانا كافياً.
“ماذا تعنين بأنه لا يهم يا سيدة روسانا، هذا مهم جدًا.”
بدأت أديل تصر بشدة على أهمية العلاقات الحميمة. كلما تحدثت أكثر، ازداد شعور إليانا بعدم الارتياح. لكن هذا الشعور لم يكن واضحًا تحت حجابها.
“تخيلي، عليكِ قضاء ليلة واحدة مع شريك واحد طوال حياتكِ، ولا يوجد انسجام حميم…؟ حسنًا، إن لم يكن هناك انسجام، يمكنكِ محاولة التكيف وبذل جهد ولكن إذا كانت الظروف سيئة، فلن تتغلبي على ذلك أبدًا. أبدًا…..”
أعربت أديل عن اشمئزازها، وكأنها قد تعرضت للتو لتجربة رهيبة.
بالنسبة لإليانا التي عاشت حياتها كلها مع رجل واحد فقط، لم يكن هذا موضوعًا تتعاطف معه. ومع ذلك، إذ تذكرت زوجها من حياتها السابقة، الذي عاش علاقات عابرة مع عدة نساء تقبلت فكرة وجود مثل هؤلاء الأشخاص.
“أتمنى لو كان لدى أي شخص مشاكل هناك أن تكون مكتوبة على وجهه. هل تعلمين لماذا لن أتزوج ؟ لأني لا أملك الثقة الكافية لأعيش مع رجل واحد طوال حياتي. سأعيش بحرية هكذا.”
حتى وصلوا إلى قصر هوارد كانت أديل تكثر من التذمر بشأن العزوبة، في تلك اللحظة، تساءلت إليانا للحظة إن كان أديل تريدها ألا تتزوج فلينت.
“أفكر في سيدي، ولا يسعني إلا أن أتوسل إليكِ أن تتزوجيه، يا صاحبة السعادة. سامحيني على صراحتي.”
“حتى لو أردتُ ذلك، وإذا لم يرغب سمو الدوق الأكبر، فإن الزواج لا يمكن أن يتم.”
“لن يجعلكِ أميرنا حزينةً أبدًا، يا صاحبة السعادة.”
عند هذه الكلمات، لم تتمالك إليانا نفسها من الضحك. لم تخف عدم التصديق في صوتها.
“ألا يجب أن تقولي إنه سيسعدني في هذه الحالات؟ أديل، ليس لديكِ موهبة الإقناع. من الأفضل لو لم تقولي شيئًا.”
ما إن اقتربوا من المدخل الرئيسي، حتى تأكدت إليانا من وضع الحجاب الذي يغطي وجهها والعباءة التي تغطيها من رأسها إلى قدميها. كانت أديل، التي شعرت وكأنها تعرضت لضربة مفاجئة، على وشك قول شيء ما عندما كشفت هويتها لحارس القصر.
“مرحبًا بكِ الكونتيسة إيفانز.”
دخلت إليانا دون أي قيود ومرة أخرى، تجلت ثقة الدوق الأكبر هوارد العميقة في أديل إيفانز.
“إنه فارغ بعض الشيء، أليس كذلك؟ اليوم، باستثناء العدد القليل من الموظفين، ذهب الجميع إلى القصر. لكن أميرنا لم يذهب حتى إلى القصر اليوم. إنها مأدبته الخاصة، ما هذا؟ إنه سيدي، لكنه مبهر حقًا.”
تحدثت أديل بهدوء عندما دخلا القصر.
“يبدو أن الحظ في صفنا. لا غيلبرت ولا جورج في الأفق، آه، كلاهما كبير الخدم… أحدهما يدير القصر الشمالي، والآخر هذا القصر الذي نسكنه.”
كانت خطواتهما على الدرج خفيفة، صادفا خدمًا بين الحين والآخر، لكنهم أومأوا برؤوسهم لأديل ثم مضوا.
“صاحب السمو، إنه في غرفة النوم وعندما يدخل أميرنا، سوف يفاجئكِ…”
عبست أديل اشمئزازًا لرؤية رجل عجوز ذي شعر رمادي. اقترب منها الرجل العجوز، الذي بدا كأنه كبير خدم، بهدوء وحياها باحترام. شعرت إليانا أن حركات الرجل العجوز تشبه حركات خادم مخضرم في القصر الإمبراطوري.
“الكونتيسة إيفانز. لقد وصلتِ متأخرًا جدًا.”
“السير جورج ظننتُ أنكَ في القصر… لكنني وجدتكَ هنا.”
“إذا بقي سمو الدوق الأكبر في القصر، فلن أتمكن من الذهاب إليه، مع وجود غيلبرت سيكون القصر بخير.”
شعرت إليانا ببعض الحيرة لسماعها لقب السير مرتبطًا باسم خادم عادي. تذكرت بسرعة أن الإمبراطور قد منحه قصر هوارد في العاصمة، فأومأت برأسها. كان هذا القصر بمثابة قصر صيفي، حيث كان الإمبراطور ليوبولد يقيم كلما زار العاصمة كأمير، ويقال إن ولي العهد ألفونسو جد فلينت، كان معجبًا بهذا المكان أيضًا. فكان من المناسب منح لقب غير وراثي لوكيل أدار هذا الموقع التاريخي طويلًا.
“ولكن من هي الرفيقة التي جاءت معكِ؟ حتى لو كانت الكونتيسة إيفانز، فلا نسمح بدخول شخص مجهول الهوية.”
ارتسمت على وجه أديل علامات الحيرة، لكن إليانا تقدمت رفعت يد بيضاء الحجاب، كاشفة عن وجه جميل.
“أنا إليانا روسانا.”
خلعت إليانا عباءتها، كاشفة عن شعرها بالكامل. تبادل جورج النظرات بين شعر إليانا الأسود وعينيها الزمرديتين قبل أن ينحني، ثنت إليانا شفتيها وقالت بنبرة أنيقة
“بهذا أعتقد أن هويتي مضمونة بشكل كافي.”
“كيف لي أن أشك في ذلك؟ ولكن يا صاحبة السمو الأميرة روسانا، في هذا الوقت المتأخر، لماذا أتيتِ لزيارة الدوق الأكبر…؟”
“لماذا يكون ذلك؟”
فتح الرجل العجوز فمه على مصراعيه عند سؤال إليانا الساذج.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 49"