كان الصوت المنخفض المتردّد في الغرفة مشحونًا بالغضب. وقفت إليانا لمواجهة فلينت. من ملابسه بدا أنه جاء مباشرة دون تغيير لم يكن يرتدي زيًا رسميًا أو ملابس يومية، بل ملابس عادية. جاء لتفقد القصر، لذا كانت زيارة متخفية.
مرت نظرة فلينت على إليانا، ثم استقرت على الأشخاص داخل الزنزانة ذات القضبان الحديدية. عندما رأى الخدم، بأطرافهم المقيدة بالأغلال، وعليهم علامات تعذيب واضحة، والجثث الملطخة بالدماء ملقاة على الأرض، بدا عاجزًا عن الكلام للحظة.
كان الموقف قابلاً لسوء الفهم بسهولة. في حال ظن فلينت أن إليانا تعذب الخدم بقسوة لمجرد نزوة، أوضح أوليفر سريعًا.
“صاحب السمو الدوق الأكبر. هؤلاء جواسيس تسللوا إلى قلب الشمال. أرسلهم جماعة مجهولة الهوية تدعى البرسيم، وأُلقي القبض عليهم متلبسين بنقل معلومات عبر الحمام الزاجل.”
“هذا لا يبدو وكأنه تفسير مناسب.”
أجاب فلینت بصوت بارد.
“هذا شيء كان بإمكانكَ التعامل معه بنفسكَ دون الحاجة إلى إشراكها!”
لم يُعجب فلينت وجود إليانا في مكان مظلم كهذا، تجري استجوابات مع الجواسيس. ظن أنه من السخافة أن يناديها لأمر تافه كهذا. بمجرد عودته، رأى فلينت جين تُحمل من القبو بين ذراعي خادمة إلى غرفة، مما دفع فلينت إلى التوجه إلى إليانا مسرعًا. كانت جين دائمًا بجانب إليانا، مما يعني أنها كانت في الزنزانة. لو أن جين أُغمي عليها، فلا بد أن أمرًا خطيرًا قد حدث لإليانا.
“لقد بدأتُ هذا، لذلك يجب أن أبقى.”
دوى صوتها الناعم الواضح، فدار رأس فلينت. ابتلعت إليانا ريقها حين التقت بنظراته الثاقبة.
تخيلت تقريبًا ما ستقوله ربما سيوبخها على أمرهم بمثل هذا التعذيب القاسي. لم تكن إليانا تعرف كيف تعاملت عائلة الدوق الأكبر هوارد مع الجواسيس. ربما يشمئز من التعذيب القاسي.
وعندما كانت شفتي فلينت على وشك التحرك، تقدمت إليانا للأمام.
“يؤسفني أنني اتخذتُ قرارًا بهذه الأهمية دون استشارة سمو الدوق الأكبر. لكن اليوم كان الوقت المناسب، والقبض على الجواسيس المتسللين إلى المنزل أمر ملح.”
تابعت إليانا بتوتر طفيف.
“إذا أصبح معروفًا أن هناك جواسيس من الخارج في بيت الدوق الأكبر هوارد الذي يقوم بتربية الأمير، فلن يكون ذلك جيدًا لسمعة سموكَ.”
ظنت إليانا أن هذا تفسير كاف، فانتظرت رد فعل فلينت. تنهد فلينت بعمق ثم تحدث بسرعة أكبر من المعتاد.
“حتى لو خططتِ لذلك، لكان من الممكن تفويضه إلى أوليفر أو الفرسان. هناك إداريون أيضًا. لن يكون هذا المشهد جيدًا لجسدكِ وعقلكِ. كم كنتِ متفاجئة……”
ارتفع صوت فلينت بحدة. رمشت إليانا مندهشة من رد الفعل غير المتوقع.
بدا فلينت عاجزًا عن تحمل الوضع، فوبخ المسؤولين بلغ به الغضب حد إطلاق اسمها المفضل عليها.
“ماذا فعلتم لعدم منع ليا؟ لو كنتم محل ثقة، هل كانت ليا ستأتي بنفسها؟”
أدرك المسؤولون، الذين كانوا مع فلينت لفترة طويلة، فورًا سبب غضبه. كان الدوق الأكبر قلقًا بوضوح من أن تصدم الدوقة الكبرى من شدة التعذيب. لكن في أعماقهم، شعروا بمعاملة غير عادلة، لأن الدوقة الكبرى لم تُعجب إطلاقًا بالتعذيب العادي وأخبرتهم العديد من أساليب التعذيب الجسيمة. صُدموا من القسوة، كما لو أن الدوقة الكبرى السابقة عادت إلى الحياة.
“كيف يعقل أنكم لم تقبضوا على جاسوس واحد وتأتون بها إلى هنا، وكان من الممكن أن تمارسوا التعذيب بعدها ألا تفكرون في هذا الأمر أصلًا؟”
عند سماع صوت فلينت الغاضب احنوا رؤوسهم أكثر. كانوا يعلمون أنه من الحماقة أن يصرخوا بأن الدوقة الكبرى ليست ضعيفة كما ظن الدوق الأكبر.
لم تتمكن إليانا من إخفاء حيرتها وقالت.
“لا تفعل ذلك. هذا كل شيء، من البداية إلى النهاية، أنا….”
توقفت إليانا عن الكلام. قول ذلك أشبه بإعطائه جميع التعليمات المفصلة للتعذيب. كان ذلك محرجًا بعض الشيء لها.
فكرت إليانا: “ماذا لو اعتبرني قاسية وتجنبني؟”
“ليا، لنخرج من هنا أولًا. دعي الباقي لي.”
لم يبدو على فلينت قلق كبير. تنهدت إليانا في داخلها وأجابت.
“لا، أريد أن أرى كل شيء من البداية إلى النهاية. أجد من غير المريح أن تُدون حياتي الخاصة بالتفصيل.”
تأوه فلينت عند سماع كلمات إليانا. كان يدرك تدريجيًا مدى عنادها.
“وأنا… لستُ ضعيفةً كما يظن صاحب السمو فلينت. رؤية الناس يموتون أمامي لا تؤثر بي إطلاقًا.”
فحص فلينت وجه إليانا عن كثب. ولأنها بارعة في إخفاء مشاعرها، كان عليه أن يراقبها عن كثب أكثر. أشاحت إليانا بنظرها عن نظراته الملحة، لكن نظرة فلينت كانت مثابرة. حتى أنه أمسك بمعصمها ليفحص نبضها، خفضت إليانا رأسها من هذا التلامس الحميم.
“نبضكِ أسرع من المعدل الطبيعي.”
فكرت إليانا: “يا له من رجل شامل. من الطبيعي أن يخفق قلبي بسرعة لرؤية مشاهد التعذيب الوحشي.”
“إذًا ليا.”
توقف فلينت عندما رأى إليانا ترفع رأسها شعرها الوردي انسدل بنعومة، كاشفا عن تعبير خجول.
“كيف لا أرتجف عندما ينظر إلي زوجي الحبيب بهذه النظرة الثابتة؟”
في تلك اللحظة، تصلب وجه فلينت انخفضت عينا إليانا، ولم تستطع رؤية تعبيره.
“نعم.”
أرخى فلينت معصم إليانا وأجلسها على الكرسي، حتى أنه خلع عباءته التي كان يرتديها على كتفيه ووضعها على كتفي إليانا. كان هواء الزنزانة باردًا جدًا. يداها أيضًا كانتا باردتين، مما يدل على أنها كانت هناك لفترة طويلة. أمسك فلينت يدي إليانا بيديه الكبيرتين وقال.
“يداكِ باردتان لننهي هذا بسرعة.”
دخل فلينت الزنزانة واستلّ سيفه الطويل. أما بقية مجموعة الجواسيس الذين فقدوا ثلاثة من رفاقهم بسبب التعذيب، فقد شعروا ببعض الارتياح عندما تدخل فلينت مباشرة.
تجولت هذه الأفكار في ذهن الجواسيس: “كانت الدوقة الكبرى، القاسية والملمة بأساليب التعذيب المريعة، مصدر إزعاج. ولكن ما مدى معرفة الدوق الأكبر هوارد، الذي كرّس حياته لقطع رؤوس الأعداء في ساحة المعركة، بالتعذيب؟ اضافة الى ذلك، كان محاربًا يُفضل إعدام الجميع على استخدام أساليب التعذيب في الجيش.”
وصل سيف فلينت الطويل إلى رقبة أحد الجواسيس.
“إذا لم تقل الحقيقة، فإن هذا السيف سوف يخترق رقبتكَ.”
الجاسوس المدرب تدريبًا عاليا التزم الصمت وهز رأسه. لم يسأل فلينت أي أسئلة أخرى، بل لوح بسيفه بسرعة، وغرزه في رقبته. اهتز الجواسيس لرؤية رفيقهم يسقط ميتًا مهما حاولوا الانتحار، كانت رؤية شخص يموت أمام أعينهم كافية لبث الرعب في قلوبهم.
سحب فلينت سيفه ولاحظ على الفور تعبير وجه إليانا. كان وجهها هادئًا.
التفت فلينت فورًا إلى الجاسوس التالي. وجّه سيفه نحوه وسأله السؤال نفسه، لكنه لم يتلق إجابة. كان الأمر واضحًا. لم ينزعوا الكمامة التي وضعوها عليهم بعد انتهاء التعذيب.
لكن إليانا لم تعترض. لقد أتقنت أسلوب فلينت إظهار الموت عن قرب لإثارة الرعب في قلب من يقابله.
فكرت إليانا وهي تبتسم:” المحارب الذي يهيمن على ساحة المعركة هو بالتأكيد مختلف. كان ينبغي لي أن أفعل هذا منذ وقت طويل.”
استمر سيف فلينت في التأرجح. في لحظة، أُزهقت أرواح ثلاثة. بدأ الخوف يتجلى بوضوح على وجوه الجواسيس المتبقين الذين رأوا رفاقهم يموتون أمامهم. رغم تدريبهم المكثف واستسلامهم للموت كانوا قد اعتادوا على حياة الرفاهية. فقدوا كل وسائل الانتحار، وأفقدهم التعذيب القاسي صوابهم. مع أنهم صرخوا “اقتلوني حالا!”، فمن ذا الذي يستطيع حقًا أن يتجاهل الموت؟ قلة من الناس استطاعوا أن يلتزموا الهدوء التام عند رؤية شخص يموت فورًا.
وكما هو متوقع، كان هناك رد فعل أشار الجاسوس التالي بكامل جسده مشيرًا إلى أنه سيتحدث.
قال فلينت بلا مبالاة.
“لقد نسيتَ إزالة الكمامة.”
بينما تحدث فلينت، اقترب منه مايسون بسرعة وأزال الكمامة من فمه لكن دون جدوى.
“لن أتكلم لن يقول أحد منا شيئًا عن البرسيم…..”
لم يكمل الجاسوس جملته قبل أن يُلاقي حتفه. ربما بدافع الوقاحة، لوح فلينت بسيفه وقطع حلق الجاسوس. تدحرج رأسه وارتطم بالقضبان الحديدية.
ارتجف الكثيرون، لكن إليانا لم ترمش. حتى عندما استدار فلينت مرة أخرى قالت إليانا.
“لا بأس إن قطعته إلى قطع حية، هيا. لا يزال هناك الكثير منهم، أتعلم؟ وإلى جانب ذلك….”
أضافت إليانا بمعنى عميق.
“المهم هو الأحياء، الموتى فقط هم من يستحقون الشفقة.”
أدرك بيشوب وأوليفر فورًا أنها كانت تقصد ميلز. أما فلينت، فقد فهم بشكل مبهم معنى كلمات إليانا.
“أخبرني من هو الشخص المهم.”
في اللحظة التي أزال فيها مايسون الكمامة، تقيّأ الجاسوس الكلمات، لكن إليانا اعتقدت أنه، نظرًا لنظرته الساخطة، لن يحققوا النتيجة المرجوة.
“تلك المرأة قطعت أذني ولم أعد أستطيع سماع أي شيء!”
رمشت إليانا وقالت ببراءة.
“لم أقطعها. أشعر بالظلم يا صاحب السمو.”
“هاااه يا امرأة شيطانية أنتِ من طلبتِ ذلك!”
عبّس فلينت ولوح بسيفه سقط رأس آخر على الأرض. لقي الجاسوس التالي حتفه دون أن يتاح له حتى فرصة الكلام. شهق الجاسوس الذي بجانبه.
استل فلینت سیفه بوجه جامد واقترب من الجاسوس التالي الذي ارتجف خوفًا. وما إن ارتفع السيف الطويل إلى السماء حتى صاح الجاسوس.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 134"