في الصباح الباكر، دخلت فيليسيا إلى غرفة ليونارد وهي تحمل ماء الغسل.
كان ليونارد قد استيقظ بالفعل، ويبدو أنه كان يتدرب منذ الفجر، إذ كانت ملابسه مبللة بالعرق. حدّق ليونارد في فيليسيا بنظرة عابرة، ثم خلع قميصه على الفور.
على عكس ملامح وجهه الحادة، كان جسده ناصع البياض، بعضلاتٍ منحوتة بعناية كما لو أن نحّاتًا نحتها بإتقان، وبذراعين طويلتين، وخطوطٍ تمتد من الترقوة إلى العنق بشكل مثير.
كان امتياز مشاهدة صدر ليونارد العاري كل صباح مجانًا هو الفائدة الوحيدة تقريبًا في خدمته اليومية.
“ما الذي يجعلك تحدقين هكذا بفم مفتوح؟ أعطني الثياب بسرعة.”
وبّخها ليونارد، فتمتمت فيليسيا بشفتيها منزعجة، لكنها سرعان ما غيّرت ملامحها إلى ابتسامة وقدّمت له ملابسه.
“جلالتك، ما هو برنامجك اليوم في سايفيس؟”
عقد ليونارد حاجبيه.
“ولِمَ تريدين أن تعرفي ذلك؟”
“لأن هناك مكانًا أودّ أن أوصيك بزيارته يا جلالتك.”
كانت قد طلبت من جيرارد أن يحضر خريطة سايفيس، وكما تباهى بمهارته، جاء في الصباح الباكر وألقى الخريطة في مسكنها.
درست فيليسيا الخريطة وسألت الخادمات أثناء عملهن منذ الفجر، حتى وجدت الموقع الأمثل.
وبعد أن حددت المكان، أرسلت جيرارد فورًا ليستكشفه. وبالوقت الحالي، كان على الأرجح هناك يتفقد التضاريس المحيطة.
باختصار، قضت فيليسيا وجيرارد صباحهما يتنقلان بلا توقف من أجل تنفيذ الخطة.
“توصية؟”
“سمعت من الخادمات أن هناك منحدرًا قريبًا يُقال إنه جميل جدًا.”
“آه، تقصدين منحدر لاتيو؟”
“يا إلهي، أتعرفه؟”
“من زار سايفيس عدة مرات لا يمكن أن يجهله.”
“يقال إن هناك أزهارًا لا تتفتح إلا في هذا الوقت من السنة. وبما أن جلالتك ستمكث في سايفيس يومين إضافيين، ما رأيك برحلة على الخيل إلى هناك؟ يمتد سهل واسع حتى المنحدر، وتلك الزهور التي تغطيه منظرٌ خلاب.”
“لماذا تتحدثين بهذه الطريقة المتملقة؟ أسلوبك اللزج يثير ضيقي.”
كادت نظرات فيليسيا تصبح وقحة من انزعاجها من صراحته المفرطة، لكنها سرعان ما كبحت نفسها. فقد كانت تكرر في ذهنها ‘أنا محترفة’ مرارًا حتى تمكنت من التماسك.
“أنا فقط أحب مشاهدة الأزهار كثيرًا. وإن سمحت لي، كنت سأذهب بنفسي.”
على أية حال، ما كانت تريده فيليسيا هو شيء واحد: أن يكون هناك من يشهد سقوطها المزيّف من منحدر لاتيو بعد إصابتها بسهم. وإن كان ذلك الشخص هو ليونارد، فذلك أفضل، وإن لم يكن، فلا بأس.
“ركوب الخيل ليس فكرة سيئة. رتّبي الأمر.”
بمجرد أن أذن ليونارد، ابتسمت فيليسيا بفرح. كانت قد علمت مسبقًا أنه يحب الأنشطة الخارجية، لذا بدا أن بداية عملية الزهرة المتساقطة تسير بسلاسة.
“سأنقل إلى القائد كارتر خبر استعداد جلالتك لرحلة إلى منحدر لاتيو.”
انحنت لتحييه وغادرت، بينما عاد ليونارد ليتفحص الرقاع المكدّسة على مكتبه دون أي شك.
كان بالقرب من منحدر لاتيو، المعروف كأحد أشهر معالم سايفيس، سهلٌ واسع مثالي لركوب الخيل.
كانت أزهار الغرينتيا البنفسجية تغطيه بكثافة في مشهد خلاب بدا كما لو صُمّم بعناية.
امتطت فيليسيا وليونارد، ومعهما كارتر وعدد من الحرس الملكي، خيولهم نحو المنحدر.
كان المنحدر شاهقًا ومنحدرًا بحدة، يُشبه منحدر الحب في غوام، ويستحق الزيارة حقًا. وعلى حافته تنمو أشجار ضخمة تشبه الصنوبر، تضيف إلى المنظر جمالًا خاصًا.
وبالنسبة لفيليسيا، التي ستقفز بالحبل وفق الخطة، لم يكن هناك مكان أفضل من هذا.
عندما توقّف ليونارد عند حافة المنحدر، أوقفت فيليسيا حصانها بجانبه.
“جلالتك، هل ترغب في الاستراحة قليلًا؟”
قالت فيليسيا بمرح وهي تقفز أولًا من على ظهر الحصان، فنزل ليونارد بعدها وربط حصانه بأقرب شجرة.
بدأت فيليسيا تبحث عن الشجرة التي وضع عليها جيرارد العلامة، حتى وجدت واحدة ضخمة لا يمكن احتضانها إلا بذراعين ممتدين.
وعند جذعها، رأت الحبل الذي أخبرها عنه جيرارد.
كان ليونارد يحدق في الأفق، بينما كان كارتر والحرس منشغلين بربط الخيول.
كانت فيليسيا ترتدي معطفًا أطول من جسدها عمدًا لإخفاء الحبل تحته.
تظاهرت بأنها تربط الحصان، وجلست على الأرض ولفّت الحبل حول خصرها.
بعد أن أتمّت استعدادها، نظرت إلى وجه ليونارد الجانبي. ورغم قصر الوقت الذي أمضياه معًا، شعرت وكأنهما عاشا زمنًا طويلاً.
وخطر ببالها فجأة: ‘هذا الرجل وُلد ليكون إمبراطورًا، لكن هل لديه هو الآخر ما يتمناه؟’
وبما أن عليها كسب الوقت حتى يُكمل جيرارد استعداداته، قررت طرح سؤالها فورًا.
“جلالتك، لدي سؤال.”
“ما هو؟”
لم يلتفت ليونارد إليها، بل أبقى نظره مركّزًا على نهر أورا الذي يجري بعيدًا.
اقتربت فيليسيا قليلًا متعمدة أن تضع نفسها في موضع مكشوف ليسهل على جيرارد التصويب عليها من مكان ما.
“ما الميزة في أن تكون إمبراطورًا؟”
عند سؤالها، حوّل ليونارد نظره إليها. كانت عيناه خاليتين من التركيز، وكأنه لم يفكر في هذا قط من قبل.
“ولِمَ تسألين؟”
“فقط لأنني أتساءل. حتى لو كنت الإمبراطور، فلا بد أنك حلمت بحياة أخرى. أنت تتعرض لتهديدات اغتيال دائمة، وقد قُتلت زوجاتك… لا أظن أنك تستطيع حتى أن تحلم بحياة عادية.”
“صحيح.”
أجاب ليونارد بهدوء. ورغم هيبته، لم تشعر فيليسيا نحوه وقتها بأي استعلاء.
في بعض الأحيان، بدا وكأنه يتحدث بفظاظة، لكنه حين يحين الموقف الذي يبرر الغضب، يتجاوزه بسهولة. بدا أنه لا يغضب بسهولة، لا لأنه خالٍ من المشاعر مثل سيا، بل لأن قلبه واسع للغاية منذ البداية.
“أنتِ أول من يطرح عليّ مثل هذا السؤال.”
“ألستَ تشعر أنك أضعت حياتك؟ ألا يوجد لديك صديق واحد يجرؤ على سؤالك هذا؟”
قالت سيا ذلك وهي تفكر أنها ربما ستكون الأخيرة التي تفعل ذلك، فوجهت إليه شيئًا من التوبيخ.
تألقت عينا ليونارد ببريق يدل على اهتمامه المسلي.
“يبدو أنكِ لا تخافين. تقولين ما تشائين للإمبراطور.”
“ليس الأمر أنني لا أخاف، بل…”
“لا أقول إن هذا خطأ. لكني أفضل هذا منكِ أكثر من محاولاتك السابقة لإرضائي بلطف مصطنع.”
تجاوز ليونارد كلمات سيا الجريئة بابتسامة صافية، بل بدا وكأنها راقت له أكثر.
حقًا، ذوقه غريب. أن يفضّل من يكون لسانه كالشوك على من يلين له الحديث كاللسان في الفم.
“إذًا، ما الذي يعجبك في كونك إمبراطورًا؟”
“لا شيء على ما يبدو.”
“إذًا لماذا تكون إمبراطورًا؟”
“لأنه لا يوجد غيري يمكنه أن يكون الإمبراطور.”
كانت تلك عبارة لا تخلو من الغطرسة، لكنها في الوقت ذاته بدت صادقة تمامًا. لم يكن الأمر أنه يصرّ على أن يكون الإمبراطور، بل لأنه لا يوجد أحد غيره يستطيع أن يقود إمبراطورية أكيلا كما يفعل.
في تلك اللحظة، لمحت سيا شيئًا يلمع تحت أشعة الشمس من بين الأدغال البعيدة، فحدّقت بعينيها نحوها.
‘هل بدأ الأمر؟’
ولتمنع ليونارد من ملاحظة الأدغال، حوّلت سيا نظره عمدًا إلى جهة أخرى، ومدّت يدها كأنها تشعر بنسيم الهواء، محرّكة أصابعها بخفة.
كما أرادت، اتجه نظر ليونارد نحو أطراف أصابعها.
نظرت سيا بطرف عينها نحو الأدغال.
في مكان نمت فيه أزهار الغرانتيا حتى صارت بطول قامة إنسان، لم يكن المكان سيئًا ليختبئ فيه جيرارد أو يفرّ منه، ولهذا أعدّا الخطة معًا في وقت قصير.
فالوقت ضيق، فبعد تجاوز منطقة سايفيس، سيصلان إلى العاصمة خلال أسبوع، وإن لم ينفذا الخطة الآن فلن تسنح لهما الفرصة مجددًا.
وبينما كانت سيا تشتّت انتباه ليونارد، ظهر رأس سهم فجأة من بين الأدغال.
لكنه لم يكن موجّهًا نحوها، بل نحو ليونارد. عقدت سيا حاجبيها وهي لا تفهم ما الذي يفعله جيرارد.
ظنت أولًا أنها تتوهم بسبب البعد، لكنها سرعان ما أدركت أن ظنها لم يكن وهمًا.
“ابتعد!”
اندفعت سيا غريزيًا بجسدها نحو ليونارد. لم تعرف لماذا كان السهم موجّهًا نحوه، لكنها تصرفت فورًا.
كان ذلك ضمن خطة “الزهرة المتساقطة”، فقفزت لتتلقى الضربة بنفسها، وشعرت بشيء يخترق جسدها.
رغم أنها لم ترتدِ درعًا واقيًا، فقد حشَت تحت ملابسها القطن السميك وأمعاء خنزير لتخفيف الصدمة.
لم تستطع امتصاصها تمامًا، لكنها خففتها قليلًا، ومع ذلك كانت الآلام مبرّحة إلى درجة جعلت التنفس صعبًا.
وبحسب الخطة، تدفق الدم الأحمر بغزارة قرب موضع قلبها.
وحين أمسك ليونارد بها، عضّت شفتها السفلى بعصبية. خطر ببالها أن تلقي بنفسها نحو الجرف بسرعة، لكنها لم تستطع لأن ليونارد أمسكها بقوة.
كل شيء انهار. الخطة المثالية لم تكن سوى خطة. أما الواقع فمليء بالثغرات. والأسوأ أن ما اخترق جسدها لم يكن سهمًا.
لقد أُصيبت برصاصة.
“ما الذي تفعلينه؟!”
رأى الحرس الإمبراطوري كيف اندفعت سيا بجسدها لتحمي ليونارد. لكن ما أطلق نحوها لم يُرَ بوضوح، بدا كسهم لكنه كان غير مرئي تقريبًا، مما جعلهم يزيدون الحراسة فورًا.
أدركت سيا أن الفرار بات مستحيلًا، فأدخلت يدها تحت رداءها بسرعة، وفكّت الحبل المربوط حول خصرها.
لحسن الحظ، لم تُصب في القلب، بل في الكتف الأيسر.
أما الدم، فكان ناتجًا عن انسكاب النبيذ الذي خبأته داخل أمعاء الخنزير. لكن الألم كان فظيعًا للغاية.
“أنا بخير، فلا تصرخ.”
أجابت بعصبية وهي تنظر حولها. كان الأمر غريبًا فعلًا.
إن كانت قد أُصيبت برصاصة حقيقية… فالرصاص أخطر بكثير من السهام. وبحسب تقديرها للمسافة، فقد كانت قريبة جدًا.
فالأدغال التي خرجت منها الرصاصة لم تبعد أكثر من خمسمئة متر. اشتد توتر أعصابها.
“هناك! رأيت شيئًا يلمع في تلك الأدغال!”
صرخت سيا وأشارت بإصبعها لكارتر نحو المكان الذي انطلقت منه الرصاصة.
“قلتُ، ما الذي تفعلينه؟ من سمح لكِ أن تعترضي طريقي كما تشائين؟”
صرخ ليونارد بغضب شديد في وجه سيا. بدا أنه يكره بشدة فكرة أن يضحي أحد بحياته من أجل إنقاذه.
“جلالتك، أليس من المفترض أن تشكرني بدلًا من الغضب الآن؟”
“هل أبدو لكِ شاكرًا الآن؟”
قال ليونارد ذلك ثم رفع سيا بين ذراعيه. أدركت سيا أنه ينوي العودة بها إلى المكان الذي ربطت فيه الخيول، فارتبكت.
“ما الذي تفعله؟! ماذا لو أنطلقت رصاصة أخرى؟ انحنِ بسرعة!”
طالبت سيا ليونارد بأن ينخفض، لكنه تجاهل كلامها تمامًا، وكأنه يتحدى السهام والرصاص لتصيبه.
عضّت سيا شفتها السفلى وهي تشعر بالسخف لأنها وحدها المتوترة، وبدأت تحاول الإفلات من بين ذراعيه.
بصراحة، لم تمانع أن يقترب منها إلى حد الإمساك بمعصمها أو الوقوف قربها، لكن أن تُحمل هكذا وتلتصق به تمامًا كان أمرًا مزعجًا للغاية.
شعرت وكأنها أصبحت الطرف الضعيف، وكأنها بحاجة إلى حماية، وذلك جعلها غير مرتاحة.
“أتركني! أستطيع المشي بنفسي. لقد أصبتُ في ذراعي، لا في ساقي!”
“كان يجب أن تُصابي في فمك.”
قالها ليونارد بغضب دون أن ينظر إليها، ثم وضعها على سرج حصانه، واعتلى هو خلفها مباشرة.
“كارتر، سنعود أولًا إلى سايفيس. نظّم الوضع وأمسك بالفاعل حتمًا!”
استجاب كارتر فورًا لأوامر ليونارد، فانطلق معه اثنان من الحرس الإمبراطوري، بينما توجه الباقون مع كارتر نحو موقع أزهار الغرانتيا.
في وقتٍ لاحق من تلك الليلة، كانت سيا مستلقية على سريرها، وكتفها ملفوف بالضمادات بإحكام، وذراعاها متشابكتان على صدرها.
فُتح الباب المؤدي إلى الشرفة، وظهر جيرارد هناك.
“أخي، ألم ترَ الشخص الذي أطلق النار؟”
قالت سيا ذلك بغضبٍ واضح، وكأنها كانت تتوقع ظهوره.
تنهد جيرارد بعمق وجلس على طرف السرير بجانبها.
“لم أره. كنتُ أُطارد، فاضطررتُ لمحو الآثار ورائي، ولهذا تأخرت في الوصول إليكِ.”
قبضت سيا على يدها بقوة وعضّت شفتها.
“كان هناك شخص ما.”
“أعرف. كان يوجه فوهة السلاح نحوكِ، وقد رأيتُها بنفسي من مسافة لا تتجاوز خمسين مترًا.”
اشتعل الغضب في وجه سيا أكثر بعد سماع كلامه.
“كيف علم بأننا سنجذب الإمبراطور إلى هناك؟”
“يبدو أنه كان يتتبع خطاه.”
اتسعت عينا سيا بدهشة.
“إنه محترف إذًا.”
“صحيح. محترف حقيقي. يتعقب بصمت، ويطلق رصاصة واحدة لا تُخطئ. لولا أنكِ اندفعتِ نحوه، لكان مات فورًا.”
أخرجت سيا الرصاصة التي اخترقت كتفها وأظهرتها لجيرارد وهي ممسكة بها في كفها.
“ترى هذه؟ إنها رصاصة مصنوعة يدويًا. من الواضح أن مطلقها يصنع أسلحته وذخائره بنفسه. لم أسمع أن الأسلحة النارية اختُرعت في هذا العالم بعد. ولو كانت موجودة، لما ظلوا يستخدمون السيوف والسهام.”
“صحيح. استخدامه للسلاح يعني أنه مثلي ومثلك، تم استدعاؤه إلى هذا العالم. والأسوأ أنه استخدم كاتم صوت. لا بد أنه شخص حذر جدًا وموهوب، مثل تلك المرأة.”
قطّب جيرارد حاجبيه وهو يذكر اسم هاي يون.
كانت لي هاي يون، والدة سيا وجيرارد، قاتلة مأجورة مشهورة، لا ترضى إلا أن تكون الأفضل حتى في أكثر الأمور شرًا.
كانت تصنع أسلحتها وذخائرها وكواتم الصوت بنفسها، بدقة وإتقان جعلت أسلحتها تُتداول سرًا بين القتلة المحترفين.
بل إنها في إحدى المرات، أهدت سيا وجيرارد مسدسات وذخيرة كهدية عيد ميلاد.
“أخي، أعتقد أننا يجب أن نؤجل رحيلنا.”
“أفكر بالشيء نفسه.”
اتفق الاثنان بسهولة، لأن السبب واضح: الفرصة للهرب ضاعت.
فمن الآن وحتى الوصول إلى العاصمة، ستشتد الحراسة، ولن يكون ممكنًا استخدام نفس الخطة مجددًا.
بالتالي، اختفى أي أمل في التسلل أو الفرار سرًا.
“لقد أصبحت الحراسة صارمة جدًا. لم يكن جلالته بهذه الدرجة من الحذر حتى في إمبراطورية أكيلا… لكن منذ إصابتكِ، تغيّر تمامًا. الجنود يفتشون المنطقة بأكملها بدقة. لن يجدوا شيئًا بالطبع، فالمحترف الذي أطلق النار لم يترك ثغرة واحدة خلفه.”
أغمضت سيا وجيرارد أعينهما بتعب. كان فرارهما في الأصل مغامرة خطيرة، والآن صار مستحيلًا.
لو اختفيا فجأة، فذلك سيُعد خيانة لغروفر الذي استدعاهما من البداية.
ورغم علمهما بذلك، كانا قد خططا للهرب لأن البقاء قرب ليونارد كان يعني موتًا لا مفرّ منه بطريقة أو بأخرى.
لقد استدعاهما غروفر إلى أكيلا لاغتيال ليونارد، بل واستدعى شخصًا آخر غيرهما للهدف نفسه.
“السبب ليس فقط تشديد الحراسة. لم يعد بإمكاننا التظاهر بالموت أيضًا. إذًا الخيار الوحيد هو الهرب… لكن ذلك سيجعلنا خائنين في نظر الطرفين. سيظن غروفر أنني انضممت إلى الإمبراطور وسرّبت له خطة تسلل البرابرة إلى قلعة تشيرفيسيا.”
“والإمبراطور كذلك سيشك فينا. فبعد أن توسّلتِ إليه لتبقيه على قيد الحياة مقابل أن تكوني الطُعم، إذا هربتِ الآن، فسيعتبركِ خائنة.”
“أخي، لنكمل طريقنا إلى العاصمة. سننتظر هناك بصمت حتى يتصل بنا غروفر مجددًا. وفي هذه الأثناء، نجمع المعلومات التي تحمينا. سنهرب فقط عندما نتأكد أن الفرار آمن. نحن بحاجة إلى معلومات أكثر، ولن نجدها إلا حيث تتجمع الأخبار كلها. يجب أن نستغل كل من يمكننا استغلاله.”
“وتقصدين الإمبراطور نفسه؟”
“نعم.”
تنهد جيرارد وقطّب جبينه بانزعاج، لأن كلامها كان منطقيًا جدًا.
“من يكون هذا الشخص، فقد دمّر فرصتنا الوحيدة للهروب.”
ارتسمت ملامح الكآبة على وجهيهما معًا.
“حين نصل إلى القصر الإمبراطوري، لن نتمكن من رؤية بعضنا كثيرًا، أليس كذلك؟”
كانا يعلمان أنهما سيفترقان بعد الوصول، فلكلٍ منهما دوره في جمع المعلومات، ولن يتسع وقتهما للقاء.
كما أن سيا ستصبح قريبة من ليونارد، حتى ولو على سبيل التمثيل، مما يجعل لقاءها بجيرارد خطرًا.
“علينا تقليل التواصل حتى نجد شيئًا مفيدًا. لكن لا نتجاوز شهرًا واحدًا.”
“حسنًا. وجرحكِ؟”
نظر جيرارد بأسف إلى كتفها الأيسر.
“لا تقلق. ستُشفى قريبًا جدًا، ربما أسرع مما تتخيل.”
“وكيف لا أقلق عليكِ؟”
“القلق عليّ مضيعة للوقت.”
قالت ذلك لتؤكد أنها قادرة على الاعتناء بنفسها. لكنه رغم ذلك لم يستطع أن يطمئن، فهي عائلته الوحيدة.
وفجأة، سُمِع صوت من خلف الباب، فأدركا أن عليهما إنهاء الحديث.
“ارتاحي.”
قالها جيرارد قبل أن يسرع إلى الشرفة ويغادر منها.
وبعد ثوانٍ، فُتح الباب ودخل ليونارد مع كارتر.
نظر ليونارد إلى وجه سيا ثم إلى كتفها المصاب، وبدت عليه ملامح الغضب مجددًا.
كان ليونارد، الذي لطالما ظنه الجميع باردًا، يُظهر مؤخرًا مشاعره تجاه سيا بشكل واضح.
“قلتُ لكِ إن التهور مرة واحدة يكفي، أليس كذلك؟”
“لم أفعلها لأجل إنقاذ جلالتك.”
أنكرت سيا بعناد، رغم أن الجميع رأوها تندفع نحوه. بالفعل، بدا تصرفها بطوليًا، لكنه كان بدافعٍ آخر تمامًا.
لو علمت أن ما انطلق نحوه رصاصة لا سهم، لما اندفعت مطلقًا. فهي لم تكن من النوع الذي يضحي بحياته من أجل غيره.
نجت لأنها أصيبت في الكتف، ولأن جسدها يتعافى بسرعة غير طبيعية. لو كانت في كوريا، لكانت ماتت على الفور.
“لا تظني أنني تأثرت بما فعلتِه.”
“لا أظن ذلك. ليس عندي وقت لأوهام كهذه.”
قررت سيا أن ترد عليه بجرأة بعد أن أنقذت حياته.
“كان يجب أن يُصاب فمكِ فعلًا.”
“ولِمَ لا تقول إن عليّ أن أموت فحسب؟ أهذا جزاء من أنقذك؟ بدل أن تؤنبني، ألا يمكن أن تكافئني؟ مال، ذهب، شيء ما؟ لستُ كما تظن، أنا مادية جدًا.”
“تكافئين على ماذا؟ ما فعلتِه خطأ وليس بطولة. وإن حاولتِ تكراره، فلن يهمني إن كنتِ ذات قيمة أم لا، سأطردكِ من جانبي فورًا.”
اشتد غضب سيا حتى شعرت أن ضغط دمها سيرتفع من الغيظ لا من الألم.
كان كتفها الأيسر ما زال يؤلمها بشدة.
“هذا مثل أن تنقذ غريقًا ثم يطلب منك أموالك! كنتُ أود ألا أقول شيئًا، لكنك حيّ بسببي.”
لم يردّ ليونارد، بل ظل صامتًا، ينظر إليها بعينين غاضبتين، وكأنه يؤكد عزمه على التمسك بكلامه.
“كان الأفضل ألا أتكلم أصلًا.”
أدركت سيا أنها لن تربح الجدال، فاختارت الصمت.
فهي لن تستفيد شيئًا من معاداة الإمبراطور.
“أحذّركِ مرة أخرى، أن يضحي أحد بحياته من أجلي أمر يزعجني.”
رغبت سيا أن تقول له إن نيتها لم تكن التضحية بل التظاهر بالموت، لكنها لم تستطع، فاكتفت بهزّ رأسها.
وبعد لحظات من التحديق بها، أشار ليونارد للطبيب ليدخل الغرفة.
“احرص على ألا تلتهب جراحها. فقد نزفت كثيرًا وقد تشعر بالدوار.”
ارتجف قلب سيا خوفًا من أن يكتشف الطبيب أن معظم الدم كان نبيذًا.
كانت تعلم أن جرحها سيلتئم في يوم واحد، لكن لم يكن بوسعها سوى التزام الصمت بينما يعطي ليونارد تعليماته.
وهكذا، وجدت نفسها وقد فشلت مرتين في تنفيذ خطتها بعد لقائها بليونارد.
يقولون إن الفشل هو أم النجاح، لكن بالنسبة لسيا، كان الفشل مجرد فشل لا أكثر.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات