2
«أوه…»
«لماذا تفعل هذا؟»
«ذلك… أعتذر يا صاحب الجلالة، جسد الأميرة ليس بخير.»
لكن بدا أن الأمر لم يكن يعني له شيئًا سواء كنت مقززة أم لا، إذ أجلسني رافِلي على المقعد، بينما كنت أضع وسادتي خلف ظهري بشوق.
ابتلعت ريقي الجاف محاوِلة تهدئة معدتي المحترقة، وكأن شيئًا ما على وشك أن يخرج منها.
وربما لهذا السبب، ساد الصمت الغرفة لفترة طويلة.
الإمبراطور، الذي بدا وجهه وتصرفه غير مريحين، قبض على طرف ثوبه بيده كما لو أنه يعبث به.
«غريب… هل هذه ابنتي؟ لم يكن أيّ من أولادي يومًا يبدو كمن يوشك على الموت. تيـترا، هل هذه حقًا الأميرة؟»
«…نعم، حدث أمر ما يوم وُلدت الأميرة. لقد ألقيت بها هنا ولم تُعرها اهتمامًا، لكنها الأميرة الحقيقية. ابنتكم يا صاحب الجلالة.»
«أرى…»
ألستَ تتذكّر حتى؟
يالها من كلمة بائسة. أن يقول وهو ينظر إليّ: “تلك”. أن يصف إنسانًا بكلمة “تلك”.
لا يمكن أن يحمل أحدٌ مشاعر طيبة تجاه شخص يظهر فجأة ويتعامل مع الناس كأنهم أشياء.
وكأن ذلك لم يكن كافيًا، إذ هبّت ريح مفاجئة جعلت حالتي تزداد سوءًا.
وبعد أن فحصني سريعًا، بدا أن الإمبراطور لم يُبدِ أي انفعال. لم تظهر عليه أي علامات أسف على إهماله لي.
لم أكن أتوقع شيئًا، لكن حين رأيت الأمر بعينيّ، شعرت بالضيق يتصاعد في صدري.
في النهاية صرفت نظري عنه.
«رافِلي… أنزليني، لا أستطيع الجلوس أكثر…»
«لا، في حضرة جلالته الإمبراطور؟ كيف لي أن…»
يا للسخرية. ليس لأنك تشعرين بالاشمئزاز، بل لأن وجهك يبدو كذلك.
شعرت بأن لون وجهي قد تلاشى، ورافِلي، التي لم تكن تستمع لي من قبل، ازدادت إصرارًا.
الإمبراطور، الذي كان يراقبنا، نقر بلسانه وهز رأسه.
«تِسْ، لا أظنها ستكون ذات فائدة. إنها على وشك الموت.»
صحيح، أنا على وشك الموت.
الشخص الذي سيفارق الحياة قريبًا، لو أن الأمر بيده، سيكون أنا.
فقط دعوني وشأني.
لم أعد أستطيع سماع صوته بوضوح، فحتى كلماته باتت تتلاشى في أذنيّ.
كلما مرّ الوقت شعرت بأن طاقتي تتبدّد أكثر فأكثر.
لماذا كل هذا الآن؟ حلمي الوحيد أن أموت بسرعة وأتحرر من هذا الجسد. أنا عجوز يملأني الألم والرغبة في الانتهاء من كل شيء.
«نعم، لذلك… كُح…»
كنت على وشك أن أقول: «لا تقف هناك بوجهك الذي يفيض كرهًا لوجودي ذاته، فقط ارحل»، لكن فجأة سمعت صوتًا مريعًا.
إذ بدأ سعالي اللين يتحول إلى حادّ، وتدفّق الدم من فمي.
«كُح… كُح… كُح!»
نوبات السعال المتكررة في ذلك اليوم ملأت الهواء وتلطخت بها ثيابه.
في تلك اللحظة تجمّد وجه الإمبراطور، وتحول نظره نحوي كمن يوشك أن يقتلني.
شعرت بالبرد يسري في عروقي، أسرعت بإغلاق فمي والتقت عيناي بعينيه.
وبينما كنت أمسح الدم عن فمي بخشونة، خرج صوت متقطع من بين شفتيه.
لماذا جئت لتصنع كل هذا؟
لم يكن عليك أن تأتي. لا تمنحني أملاً كما في السابق، لا تمنحني حتى أملاً ضئيلاً.
«أ…أميرة…»
في تلك الأثناء، حاول رجل يُدعى تيـترا أن يقترب مني بملامح جادة، لكن الإمبراطور أوقفه.
«لنذهب.»
«يـ… يا صاحب الجلالة، أتنوي ترك الأميرة هكذا؟!»
لكن لم يصدر منه أي جواب.
لا انتظار، لا فرح، لا شيء سوى الحقيقة الباردة.
تلاشت الحماسة لرؤيته، وأي بصيص أمل بأنه قد يعود مجددًا انتهى اليوم.
الإمبراطور، والد هذا الجسد، الذي لم أره سوى مرة واحدة منذ وُلدت من جديد، جاء ليُري وجهه كآخر ما أراه قبل موتي.
ظننت أن هذه هي النهاية، أنني لن أراه مجددًا.
فحياتي كانت تمر بلا أحداث تُذكر، مثل كل يومٍ مضى.
لكن بعد ساعات من مغادرته، بدأ الناس يتوافدون بلا توقف، وتحوّل الروتين إلى رماد.
كل شيء بدأ يتهاوى من تلقاء نفسه.
—
بعد خروج الإمبراطور، لم أستطع النوم طويلًا.
الضجة المفاجئة أيقظتني رغم إرادتي.
كانت الغرفة، التي لطالما بدت كأن لا أحد يعيش فيها، تضج الآن بالغرباء.
وبينما كنت أرمقهم بنظرات شاردة، تقدّمت امرأة طويلة القامة خطوة للأمام.
«بأمرٍ من صاحب الجلالة الإمبراطور.»
هي والباقون كانوا ينظرون إليّ ببرودٍ جليّ.
وجه رافِلي، التي كانت تُسيء إليّ علنًا منذ غادر الإمبراطور، ازداد تصلبًا، وكذلك وجهي.
رافِلي لم تهدأ منذ مغادرته، كانت في نوبة غضبٍ مستمرة.
قالت إن تعبير الإمبراطور لم يكن جيدًا، وإنه غادر قائلاً بأنني سأموت قريبًا، طالبًا منهم ألا يسببوا الأذى.
كان صوته مليئًا بالضجر.
وأثناء استماعي، شعرت بعدم الارتياح وأنا أرى النساء اللواتي دخلن قائلين: «باسم الإمبراطور».
أوه… هل وصل الأمر إذًا؟
كنت قلقة من أن الدم الذي تطاير على ثوبه نال من ثوب الإمبراطور، ويبدو أن العقوبة على ذلك قد نزلت.
تقول رافِلي إن الإمبراطور طاغية، وقد نُقتل لهذا السبب.
لكن لا بأس… أفضل أن أموت. لا أريد عقابًا جزئيًا.
في تلك اللحظة، رغبت فقط بأن تنتهي حياتي تمامًا.
فجمعت أنفاسي بسلام وانتظرت ما سيقولونه.
وسط الصمت المشحون، ساد الهدوء كأن الهواء اختفى من الغرفة، ولم يُسمع سوى صوت بلع رافِلي ريقها.
«الأميرة تيتانيا ميدفيل دي روستيبِت لا…»
«لستُ المخطئة.»
حدث ذلك فجأة.
رافِلي، التي كانت تشد أظافرها بتوتر، خرّت على الأرض أمامهم.
«مَن أنتِ؟»
تجعد جبين المرأة الواقفة في المقدمة بانزعاج من مقاطعتها، لكن رافِلي بادرت بالكلام سريعًا.
«أنا لا علاقة لي بهذه الأميرة! لقد جئت إلى هنا كعقابٍ فقط! لذا أرجوكم لا تُقحموني مع تلك الأميرة. لم يكن ذنبي أن الأميرة تقيأت دمًا وأفسدت ثيابكم! أجل، أنتنّ تعلمن هذا!»
يا لها من خائنة بائسة.
تتكلم بسرعة لدرجة أنني ظننتها تؤدي “راب ورق صنفرة”.
تتبرأ مني علنًا.
أجل، يا رافِلي… كنت أعلم أنك ستفعلين هذا منذ البداية.
لكنني لم أعد أغضب في مثل هذه المواقف. فالنساء أمامي أبدين احترامًا بسيطًا منذ لحظة دخولهن الغرفة.
كان من المعتاد عند رافِلي أن تتوسل الرحمة قبل العقوبة، لذا لم أتفاجأ.
وفقط حينها، أشرقت وجوه النساء اللاتي كنّ ينظرن إليها باشمئزاز.
«ما اسمك؟»
«رافِلي. أنتِ جين روزان، خادمة القصر الإمبراطوري، أليس كذلك؟»
«بلى، أنا هي. جميل أنكِ تعرفينني، رافِلي. إذن تقولين إن لا علاقة لكِ بالأميرة تيتانيا الآن، صحيح؟»
«نعم! لا شأن لي بها!»
لم تتردد لحظة.
أجابت بثقةٍ مفرطة، فخرج مني زفير بارد، لكنني تمسكت بالصبر.
حسنًا… عيشي إذًا.
حتى تصلي إلى الحائط، افعلي ما تشائين، التصقي به، ومتّي بسمّ خيانتك.
كل اللعنات التي أستطيع تخيلها دعوت بها في قلبي.
أغمضت عينيّ منتظرة ما سيقولونه بعد ذلك دون أن أُظهر مشاعري.
رافِلي ستنجو… وأنا سأموت.
وبينما أفكر في ذلك، دوّى صوت روزان بنبرة أكثر إشراقًا:
«هذا رائع.»
هاه؟ ما الرائع؟
فتحت عينيّ لحظةً ونظرت إليها بارتباك، كان أول مرة تتحرك فيها عيناي بسرعة كهذه.
«ماذا؟»
«لأن هناك الكثير من الفتيات اللواتي يرغبن أن يصبحن خادماتٍ خاصاتٍ للأميرة.»
خادمة… خاصّة؟
وجه رافِلي ازداد شحوبًا أكثر من ذي قبل.
—
تصلبت ملامحي وأنا أرى روزان تنطق بكلماتٍ لم أستطع حتى استيعابها.
الجو الكئيب انقشع فجأة، والهواء تغيّر تمامًا.
ورغم صدمة رافِلي الظاهرة، مرّت روزان بجانبها متجاهلةً إياها.
ثم انحنت امرأة بشعرٍ ذهبي أمامي بابتسامةٍ ودودة حين التقت عيناها بعينيّ.
«لقد منح صاحب الجلالة الإمبراطور قصرًا للأميرة تيتانيا.»
«قصرًا…؟»
«وليس هذا فحسب، بل سمّاه أودبلوم، وهو اللقب الذي لا يُمنح إلا للشخص الأسمى، المختار الوحيد من قِبل الشمس.»
«أودبلوم!»
صرخت رافِلي مكرّرةً كلمات المرأة بدلًا عني، ووجهها يتحول إلى الرماد.
رافِلي، التي بدت وكأنها ستسقط من المفاجأة، والنساء اللواتي ابتسمن لي، كنّ كأنهن يشهدن على ولادة مأساة جديدة.
بينما كنت أراقبهنّ كغريبة، رفعت نظري إلى السقف. رأسي يؤلمني.
شخصٌ مميز؟ مختار الشمس؟ فردٌ من العائلة الملكية؟ ما هذا الأودبلوم؟
هاه… حتى سماع الاسم يجعلني أشعر أن حياتي لن تكون مريحة بعد الآن.
أغمضت عينيّ بهدوء.
سأموت قريبًا على أي حال، فلا حاجة لي بهذه الألقاب.
ربما كنت لأفرح لو لم أكن مريضة.
وجود الإمبراطور سمح لي بحياةٍ من الرفاهية، وكأنه يقول لي: لن أترككِ بعد الآن.
لكن أي شخصٍ يرى القصر الذي أُهدي لي وتلك الأسماء الغريبة سيظن أنني على وشك أن أُحبس لا أن أُكرّم.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!

إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 2"