كانت تلك الرسالة كفيلة بأن تقلب القصر رأسًا على عقب: “أنا بالفعل متحمس لدعوة الأميرة، لذلك سأكون متفرغًا عند الظهيرة.”
لا تفاصيل. لا مجاملات. فقط جملة واحدة، لكنها كانت كافية لتجعلني أستعد وكأنني أمام حدثٍ إمبراطوري مصيري. لم يكن أحد يصدق أنه، جلالته بكل انشغالاته، سيترك كل شيء ليزورني… أنا. الخادمات بدأن بالتحرك كما لو كانت معركة وشيكة، والفرسان اصطفوا بمحاذاة الممرات، يريدون أن يظهروا كأنهم تماثيل من الولاء والإخلاص.
الجميع أراد أن يترك انطباعًا لا يُنسى أمام الإمبراطور. كان الاستعداد أقرب إلى احتفال رسمي لا مجرد لقاء. في الجهة الأخرى من القصر، كان نيكولاي ممددًا بإرهاق على الأريكة، عابسًا من تصرف ريموند الذي بدا غير منطقي.
“جلالتك، أنت تفاجئني… كيف تترك مقابلة الدوق ونتر؟ كان موضوعًا خاصًا بمنجم الألماس.”
لكن ريموند، وعلى غير عادته، لم يُعره الكثير من الاهتمام، وأجاب بهدوء وهو يُغلق أزرار قميصه: “أظن أن مقابلتي للأميرة الآن أفضل.”
حدّق في النافذة بصمت، متجاهلًا الحواجب المرتفعة والتعليقات الساخرة.
“لكنها مجرد مسرحية، والجميع يعلم أن الأمير هوغو لا يرغب بها. لماذا هذا الحماس؟”
قالها نيكولاي بوضوح. عندها فقط، انعكس شيء مختلف في عيني ريموند الزرقاوين، وأجاب بحدة: “قبل أن تكون زوجة لهوغو، هي أميرة من دولة أخرى. صداقة دولتنا معها تعني الكثير، أما هوغو… فهو فقط طفل شقي سيقتنع مع الوقت.”
لم يجد نيكولاي ردًا مناسبًا. كلام ريموند كان منطقيًا… على الأقل سياسيًا.
⸻
تجوّل ريموند في أرجاء القصر دون حراسة، لا رغبة له بخنق الجو بالمراسم. رغم مظاهر البرود التي كانت تكسو وجهه، لم يستطع أن يُخفي مشاعره المتناثرة داخله. خاصةً وهو يمر أمام الحرس الذين انحنوا فور رؤيته، وجوههم بيضاء من رهبة حضوره. لكن ريموند لم يكن يفكر بهم، بل بالمرأة التي دخلت القصر بزيّ الحداد. وبينما كان يسير في الرواق المطلّ على الحديقة، لمحها أخيرًا. كانت جالسة هناك، على طاولة صغيرة، ترتشف الشاي بهدوء.
لم تعد مرتدية السواد، بل فستانًا أزرق فاتحًا أبرز بياض بشرتها. لمسة خفيفة من اللون الأحمر زيّنت شفتيها، وعيناها الحمراوان تنظران برقة للمحيط حولها. جميلة… بطريقة تثير الدهشة.
“جلالتك!”
هتف الفارس والخادمة بجوارها في ذعر، حين أدركا حضوره. انحنيا بسرعة، بينما التفتت الأميرة نحوه، بدهشة خفيفة.
“يبدو أن جلالتك قد حضر. أودّ أن تتركا المكان.”
أمرتهما بلطف. أخلاقها كانت نزيهة حتى في الأوامر. غادرا، وتركت له المشهد: الأميرة في قوامها الصغير، وقفت أمامه لأول مرة. فارق الطول كان شاسعًا، لكنها بدت كأنها كلعبة صغيرة تملك همة جبّارة.
“تحياتي، سموك الملكي. اعذرني على دعوتي المفاجئة.”
انحنت قليلاً وهي تمسك أطراف فستانها، كجنية من قصص الأساطير. ردّ بابتسامة خفيفة، واضعًا يده على صدره: “على العكس تمامًا… إنه لشرف لي دعوة الأميرة.”
جلسا قبالة بعضهما، وبدأت فيليا بسكب الشاي.
“لـ… لحظة!”
قال فجأة. رفعت نظرها، مستغربة.
“لماذا الأميرة هي من تسكب الشاي؟ أليس هذا عمل الخادمات؟”
زمجر، وبدا الغضب في صوته. شعرت فيليا بالقشعريرة تزحف على عمودها الفقري، لكنها تمالكت نفسها.
“أنا من طلبت ذلك.”
نظر إليها بريبة، فأجابت بهدوء: “هذا الشاي… كانت والدتي تحبه. تعودتُ على صبه بنفسي. يمنحني دفئًا خاصًا.”
سكت لبرهة، ثم قال: “أوه.”
ارتخى وجهه، وانخفضت نظراته. بدا مرهقًا، كأنه لم ينم منذ أيام. مدت يدها ووضعت الفنجان أمامه. رفع الفنجان، تنشّق رائحته، ثم ارتشف منه.
“إنه لذيذ للغاية.”
ابتسم، وأغمض عينيه، بينما كان وجهه يفيض بالرضا. تحمّست فيليا فجأة، وبدأت بالشرح بحماس: “أليس كذلك؟ إنه شاي اللافندر، رائحته عطرية، وطعمه رائع، ويُساعد على الاسترخاء!”
لم تكن تنوي التحمّس بهذا الشكل، لكنها لم تستطع التوقف. رفعت عينيها نحوه بحرج، لكنها وجدته ينظر إليها بهدوء، مستمعًا بعناية.
“إذن… ما هو طلب الأميرة؟”
خفضت رأسها قليلًا، وتذكرت سبب اللقاء. “أمران… الأول: أودّ إرسال رسالة إلى عائلتي.”
لحظة صمت. ثم “طَقّ” خافت صدر من بين أصابع الإمبراطور، وقد تحطّم قليلاً مقبض الفنجان دون وعي منه.
“لماذا؟”
“لإبلاغ عائلتي روزي وروديون بما حدث… فقط ذلك.”
صمت للحظة، ثم أجاب: “بالطبع… لكِ ذلك.”
“والأمر الآخر… أردتُ أن أشكر جلالتك.”
قدّمت له أكياس شاي صغيرة.
“هدية. أعلم أن جلالتك يعمل كثيرًا… وهذا الشاي مهدّئ.”
ابتسم وهو يتأملها: “لكنه جيدٌ جدًا لدرجة لا أريد أن آخذه فقط كهديّة. لماذا لا تدعينني لشرب الشاي مجددًا؟”
“لكن جلالتك مشغول دائمًا… لا أرغب بإزعاجك.”
“ما رأيكِ بيومين؟ سأخصص وقتًا لزيارة الأميرة يومين في الأسبوع.”
“يومان؟”
“أليس هذا مشابهاً للشهرين؟”
رفع حاجبه بابتسامة ساخرة، يُذكّرها بعقاب ديلان السابق. ضحكت، رغمًا عنها. لم تستطع كتم الضحكة.
“لماذا تضحكين؟”
سأل، مستغربًا. لكنها لم تُجب. فقط ضحكت.
⸻
بعد هدوءٍ طفيف، قال بصراحة: “يبدو أن الأميرة اختارت مرافقيها.”
“أجل. يوري وروف مناسبين جدًا لي. ما رأيك بهما؟”
“يوري؟ لا أعرفها بعد. لكن روف… فارس متميز جدًا.”
شعرت بالفخر. كان اختياري موفقًا. “شكرًا لك، جلالتك.”
“لا تكوني رسمية… فأنتِ ستكونين زوجة أخي قريبًا.”
نظرت إليه بصمت. رغم كل ما قيل، لا يبدو أن هوغو حتى يرغب برؤيتها. ومع كل هذا، لم تستطع إلا التفكير: “إنه وسيم جدًا… عضلاته، طوله، ذلك الوجه… من المستحيل أن يكون شاذًا. إنها مضيعة.”
“هل هناك شيء على وجهي؟”
سحقًا.
“لا… لا شيء أبدًا.”
تلعثمت، وهي تهز كتفيها بتوتر. انتهى اللقاء، لكنها لم تستطع نسيان دفء حديثه، ولا هدوءه. بدا مختلفًا عن كل من عرفت.
“ربما السبب في أنني مرتاحة له…انه حقاً غير مهتم في النساء”
قالتها في الليل، وهي تغوص في الوسادة.
⸻
في الصباح التالي، كان نيكولاي يراقب ريموند بدهشة.
“جلالتك، تعمل بسرعة اليوم. هل حصل شيء جيد؟”
أجاب وهو يمسح على أنفه بفخر: “لم أتوقع أن الشاي سيكون فعّالًا لهذا الحد… لم أعاني من الكوابيس الليلة الماضية.”
“هل اقتربت من الأميرة إلى هذه الدرجة؟”
“لست قريبًا… فقط أوثّق العلاقة بين الدولتين.”
لم يكن نيكولاي مقتنعًا إطلاقًا.
⸻
وفي ساحة التدريب في اندروميد، كان الأمير لوسيو يلتقط أنفاسه، يعلوه العرق وتلهث أنفاسه.
“رسالة، سموك.”
قالها روبرت، خادم العائلة، وهو يقدّم له ظرفًا مختومًا.
“من…؟” “من الأميرة.”
تجمّد لوسيو، ثم ركض بأقصى سرعة، مزّق الظرف، وبدأ يقرأ: “مرحبًا أخي الصغير… في طريقي إلى روفيل، تعرضنا لهجوم. روزي وروديون… توفيا. أبلغ عائلتيهما. لقد دفنا هناك.”
ارتجف جسده. زمجر، وصرخ وهو يطوي الورقة بين يديه: “بحق الجحيم… هل روفيل تطمح للحرب معنا”
يتبع…. بقلم: ميف
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 9"