قالها الإمبراطور، طاوياً فخذيه القويين كمن لم يهجر الرياضة يوماً، بنبرة بدت متململة أكثر منها مهتمة. كان من الواضح أنه لم يرق له طلبي. تنفستُ بعمق وبدأت الكلام بثبات:
“عقاب الفرسان مثالي بالنسبة لي، ولا أعترض عليه مطلقاً. واجب الفارس هو حماية سيده، وهم لم يؤدوا واجبهم الموكَل إليهم.”
لم يقاطعني، بل هدأ على غير المتوقع، وأصغى بانتباهٍ يحفزني على مواصلة حديثي.
“أما ديلان، فهو مساعد جلالتك، ووظيفته كانت توجيهي في الرحلة. وقد قام بعمله على أكمل وجه. لم يكن مسؤولاً عن الفرسان ولا عن تصرفاتهم أو مشاعرهم.”
بصقت الكلمات دفعة واحدة. لم يكن الأمر شفقة على ديلان، لكنه من أنقذني حين أيقظ الفرسان عند سماع صوت الهجوم، لذا فهو منقذي أيضاً.
“إذن، هل تريد الأميرة أن يخرج دون أي عقاب؟”
قطع سكونه المفاجئ بنبرة غاضبة جعلت قشعريرة تسري في ظهري. تماسكت قدر الإمكان كي لا يخذلني مظهري.
“شهران.”
رفعت يدي مشيرةً بإصبعيّ إلى الرقم اثنين، وثبّتُّ نظري عليه بثقة، بينما عيناه الزرقاوان تحدقان في أصابعي المرفوعة.
“ليجعله جلالتك يعمل دون مقابل لمدة شهرين.”
“ولماذا شهران بالضبط؟”
كان يضغط عليّ بأسئلته. رجل يحسن استخدام كلماته، ويجعلها تبدو كأنها سهام.
“أليست مدة جيدة؟ وكما قلتُ، ديلان لم يرتكب خطأً يستحق عليه العقاب من الأساس.”
هرب بصري للحظة نحو حاجبيه المعقودين بانزعاج. وسألني: “ولمَ تدافع الأميرة إلى هذا الحد عن ديلان؟”
يا للسماء! هل هذا هو موضوعنا الآن؟! أومأت بيدي نافية بسرعة.
“ليس الأمر كذلك، ديلان أنقذ حياتي في السفينة، لذلك أشعر أنني أرد له ديناً، وأريد التصرف بصدق لا أكثر.”
رميتُ حديثي مباشرة، ثم شعرت بشيء غريب… هل اهتز فك الرجل؟ أم أنني أتخيل؟ لكنّه صمت وأومأ، موافقاً على مضض. نظرتُ إليه دون إرادة… هل هو من سأتزوجه؟ لم يبدُ كشخص سيئ، بل تصرف بلطافة واتزان، وكأنني لم أكن غريبة أو من أندروميد. كان حديثه ونظرته، بل تعامله كله خالياً من الاشمئزاز. لم تحكمه عاطفة، بل اتزان عقل. وقطع أفكاري حين قال:
“لا بد أن الأميرة عانت كثيراً في هذه الرحلة. أرجو أن تجد الراحة في القصر المنفصل… أما بالنسبة للخدم والحرس، فقد اخترت النخبة خصيصاً لخدمة الأميرة. بإمكان الأميرة اختيار الفارس والخادمة المناسبين لها.”
كان فخوراً، يطوي يديه وهو يُلقي بمفاجأة تلو أخرى. لطيف… بل أكثر من ذلك.
“…”
صمتُّ، فاستمر بالكلام: “أرجو أن تتفهم الأميرة أن الأمير هوغو لا يزال في الأكاديمية. يبدو أن اللقاء سيتأخر قليلاً.”
تجمدت. اهتز لوح كتفي. إذًا، هو ليس الشخص الذي سأتزوجه؟ هذا يؤكد الشائعات إذن… تنهدت بصمت، وانحنيت بأدب:
“أشكر جلالتك على كرمه الخاص معي.”
لم أُخفِ دهشتي، لكن ربما الأمير هوغو يشبه أخاه. ليس الجميع سيئاً في روفيل.
“بالطبع، هذا أقل ما يمكنني فعله لزوجة شقيقي المستقبلية.”
ابتسم نحوي، مطولاً، بابتسامة لم أفهم مغزاها. انحنيت مجدداً، واستعددت للمغادرة. فتح الحراس الباب الضخم مجدداً عند استشعارهم خروجي. لكن ظلًّا طويلاً ظهر أمامي فجأة على عتبة الباب، جعلني أتوقف في مكاني. كدتُ أن أرتطم به لولا أن تمالكت نفسي. رفعت عيني بتململ لأرى رجلاً طويل القامة، بعينين زمرديتين صافيتين ومميزة.
مظهره أنيق، ملابسه فاخرة… بلا شك، هو أحد نبلاء روفيل. انحنى بانحناءة راقية واضعاً راحة يده على صدره:
“تشرفت بمقابلة سمو الأميرة. أنا وزير جلالته… نيكولاي ويستاش، خليفة الدوق ويستاش.”
خليفة؟ بدا واثقاً جداً. كنت قد درست بعض الأمور عن روفيل قبل مجيئي. الدوق ويستاش لديه ثلاثة أبناء، الأكبر ذكي وضعيف، والثاني قوي وغبي، أما الثالث فهو المميز. نيكولاي، الابن الثالث… الجميع يعرف أن الخلافة محسومة له، رغم أن الحرب مستمرة في الخفاء.
انحنيتُ بأناقة مماثلة وقلت: “تشرفت بلقاء خليفة الدوق… أنا الأميرة الكبرى فيليا أوردو دي أندروميد.”
لم يتوقف عن التحديق بي. تقوست عيناه بريبة، وكأنّه يقيم وجودي. ابتسامته كانت غامضة، ونظرته فاحصة، لكنني واصلت طريقي بهدوء.
⸻
“واو، الأميرة جميلة حقاً كما تقول الشائعات… حتى بزي الحداد تبدو كملاكٍ أسود.”
كانت أولى كلمات نيكولاي بعد دخوله على الإمبراطور.
“هل قابلت الأميرة؟”
سأل ريموند بتنهيدة منزعجة، واضعاً كفه على فكه. برودة صوته أرسلت قشعريرة في جسد نيكولاي.
“أما أعجبَ جلالتك بجمالها؟”
“أنت أفضل مني في تقييم البشر. ما رأيك بها؟”
حك نيكولاي شعر صدغه الأرجواني، وقال بصدق: “رغم أنها كانت لمحة، لا أظن أنها شخص سيء. لكن، لمَ جلالتك منزعج؟ ألم تكن متحمساً للقائها؟”
هز ريموند كتفه وأشاح ببصره: “متحمس؟ أنا؟ من قال ذلك؟”
“تصرفك كان كوسيط زواج للأمير هوغو، كنتَ متحمساً بشأن هذا اللقاء منذ زمن.”
لم يكن نيكولاي مخطئاً. ريموند أبدى حماساً حقيقياً لقضية زواج هوغو. قال ريموند أخيراً:
“أنا منزعج… الأميرة تتصرف بطيبة مبالغ فيها.”
“وكيف ذلك؟”
“رغم كل ما قيل عنها، كنت أظن أنها ستسعد برؤية ديلان والفرسان ينالون عقابهم… لكنها انزعجت من مبادرتي.”
“هاه؟”
سقط فك نيكولاي دهشة، فهذا لا يتوافق مع صورة الأميرة المتغطرسة المدللة.
“أنا فقط… أردتُ التعامل مع الوضع بحزم. لكن الآن… أشعر بالإحباط.”
حك ريموند شعره الأسود بانزعاج، وقد انقبضت عضلات وجهه الحاد.
⸻
بعد مغادرة القصر الرئيسي، وُجهت إلى فارس ضخم كان بانتظاري عند البوابة.
“أميرة… ت… تحياتي سموك. أنا روف، أحد الفرسان الذين اختارهم جلالته خصيصاً لكِ.”
بدا متوتراً للغاية، وجهه بريء كوجه جرو صغير. هل أنا مخيفة لهذه الدرجة؟
“مرحباً، روف. هل يمكنك إيصالي إلى القصر المنفصل؟”
ابتسمت له بهدوء لتهدئة التوتر، ومددت يدي بمبادرة لطيفة. قفز بحماس وكاد قلبي يسقط من انفعاله.
“بالطبع، بالطبع سموك!”
أمسك يدي وقبّل ظهرها كفارس نبيل. كانت مشاعره صادقة، وربما أول مرة أشعر بأن أحدهم لا يكرهني هنا. رغم لطف الإمبراطور، لم أستطع فهم نواياه. لكن روف… ذكرني بروديون. نفس الحماس، نفس الروح.
مشينا حتى القصر المنفصل، كان قريباً بما يكفي كي لا نحتاج إلى عربة. تجولتُ بعيني في الأرجاء، محاوِلة طرد الإرهاق… دوار البحر، فقدان النوم، الذكريات الثقيلة. حتى رأيت البناء الفخم أمامي، أصغر من القصر الرئيسي لكنه أنيق وله برج منفصل.
لكن… الأبراج! كاد الدم يتجمد في عروقي. كم مرة حُبستُ في أبراج مماثلة؟
“هل تسكن الإمبراطورة السابقة أو الإمبراطورة الأم هنا أيضاً؟”
سألت روف فجأة.
“كلا، سموك. جلالة الإمبراطورة السابقة في قصر الألماس، والإمبراطورة الأم في القصر الرئيسي.”
أطلقت تنهيدة راحة. رائع، لا تداخل بيننا. دخلنا القصر، كانت الزخارف والنقوش دقيقة وفاخرة، اللون الأزرق العميق مع الذهبي، بعض الخطوط السوداء… كلها تشير إلى هوية روفيل، وربما زهرتهم المميزة. الخدم كانوا لطيفين، بل مبتسمين. وكأنهم اختيروا خصيصاً.
“سموك، يمكنكِ اختيار الفارس والخادمة اللذين ترغبين بهما كمرافقين شخصيين.”
غمغم روف بصوت محبط قليلاً. يبدو أنه يأمل أن أختاره.
“لماذا يبدو روف متحمساً لخدمتي إلى هذا الحد؟”
سألته بفضول صريح.
“لأن جلالتكِ رائعة.”
احمرت أذناه وهو يحك شعر صدغه.
“كنتُ متردداً في البداية، لكن بعد سماع ما فعلته جلالتك مع الفرسان… شعرتُ بالحماس الشديد.”
ابتسمتُ بسخرية خفيفة: “لكن روف كان خائفاً مني أول مرة.”
“لا، لا! مستحيل!”
ارتبك وقفز نافياً.
“إذن، ما سبب ارتجافك؟”
أشاح ببصره، وقال بصوت منخفض: “لأنني لم أرَ شخصاً بجمال الأميرة من قبل… شعرت أنها غير حقيقية.”
لم أتوقع هذه الإجابة. هذا الفارس الضخم… بريء جداً. وفي كل لحظة أقضيها معه، يزداد شبَهه بروديون في عيني.
“همم… إذن، هذا هو السبب.”
ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيّ. كنت سعيدة، لثوانٍ فقط… لكن السعادة تلك كانت حقيقية.
يتبع… بقلم: ميف
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 7"