الألقاب التي التصقت بفيليا في روفيل كانت لا تُحصى.
“عنّفت منسقة الفساتين فقط لأن التصميم لم يكن كما طلبت بالضبط، حرقت يد الخادمة بالشاي الساخن لأنها تأخرت في إحضار الكعك، داست على يد عازف البيانو فأنهت مستقبله فقط لأن عزفه لم يرق لها.”
لم تكن هذه المواقف مجرد شائعات. كلها حصلت فعلًا، لكن اليد التي كانت وراءها ليست يد فيليا، بل يد بيريل. الإمبراطورة ليليان غطت على أفعال بيريل، واستعملت اسم فيليا كواجهةٍ للفضائح المسربة، لتُنقل وتُضخم في روفيل. ارتفعت وتيرة الثرثرة بعد ظهور التوابيت:
“انظر لتلك الصناديق الطويلة.”
“بالتأكيد.. إنها مجوهرات الأميرة.”
“أشفق على فرساننا من عناء حملها لأجلها.”
“هل تحاول التباهي بما تملك؟”
لكن الهمسات خمدت فجأة، حين أطلت الأميرة المقصودة. تستند برشاقة على ذراع ديلان، تهبط من السفينة بكل هدوء واتزان. ملامح فيليا، مزيج نقي من وسامة الإمبراطور ذي الشعر الفضي والعينين الحمراوين، وجمال الإمبراطورة الراحلة الذي بدا كجنيات القصص، جعلها تبدو كلوحة مرسومة لا تنتمي للواقع. حتى في ظل الكراهية لأندروميد، لم يستطع أحد إنكار جمال سلالة العائلة الإمبراطورية. لكن ما أن وقعت أنظارهم على فستان الحداد الأسود الذي ترتديه، حتى تصلبت وجوههم وتقلصت عضلاتهم:
“إنها تهيننا بهذا الزي!”
“ترفض الارتباط، وتعلن ذلك علنًا!”
غضبهم كان متأهبًا، حتى لاحظوا أخيرًا أن تلك التوابيت ليست زينة… بل نعوش. حينها، شحب كل وجه. شعروا بالحرج، بالذنب، بالخجل من سذاجة أحكامهم. مرت فيليا من بينهم برزانة وثبات، دون أن تلتفت. نظرتها ظلت للأمام وهي تمسك بذراع ديلان.
⸻
كنت على وشك التقيؤ حين واجهتُ وجوه المدنيين. بالكاد كتمتُ الغثيان، فقط لأتفادى أن أكون مادةً لضحكهم. جلستُ في العربة، التي بدأت تتحرك نحو المقبرة. بعد سؤال ديلان، اخترتُ مكانًا قريبًا من القصر الملكي للدفن.
أزعجني أني لم أستطع دفنهما في أندروميد… سيكونان تحت تراب أرض غريبة، ولن يتمكن أحد من عائلتهما من زيارتهما. كنت مرهقة. لم أنم طوال الطريق، شعوري بالغثيان ازداد، والإرهاق تسلل إلى كل خلية في جسدي. لكن رغم كل شيء، لم أستطع كبح فضولي تجاه روفيل.
من نافذة العربة، رأيت الأسواق تعج بالحياة، والمزارع تمرر زهورًا زرقاء لم أرَ مثيلًا لها في أندروميد. هذا هو سر تفوقهم… القوة، والنظام، وإمبراطورهم العادل: ريموند ويليام دي روفيل. تولى الحكم في العشرين من عمره، ومنذ خمس سنوات، لا تزال الأحاديث عنه ناصعة:
“قوي، وسيم، طيب، عادل، يحب شعبه.”
لكن ظلّ هناك لغز واحد…
“لم يقترب من امرأة قط… لم تكن له حبيبة أو عشيقة.”
ألسنة الناس لم تصمت: “هل يعاني من امر ما ام ان ميوله مختلفة؟”
كل خدمه رجال، ومساعدوه رجال. لكنه لم ينفِ شيئًا، ولم يصرح بشيء. وضعت كفي على فكي، تنهدت. “الشائعات لا تعكس الحقيقة دومًا.”
هذا ما تأكد لي اليوم. إن كان هو زوجي المرتقب، فهذا يدحض كل تلك الشائعات. وإن كان شقيقه، فالموقف مختلف تمامًا.
⸻
المقبرة… ثقيلة، خانقة، مليئة بالشواهد. سرت خلف الفرسان الذين أثقل كاهلهم حمل التوابيت. تُركت أتجول وحدي بينما تُغسل الجثث في الداخل. عادت بي ذاكرتي للحادثة. هل هي الإمبراطورة؟ هي المشتبه الوحيد. لكنها ليست متهورة، ولا غبية. دومًا ما كانت تملك سببًا. لكن لماذا؟ كانت سعيدة بتركي أندروميد… حد الفرح. هل أرادت معاقبتي؟ هل قتلتهما لأتألم؟ ثم… لحظة. مشهد تبديل الغرف مع روزي ليلة الحادثة، عاد كصفعة إلى ذهني.
يا إلهي… لم تكن روزي المستهدفة. ولا روديون. كنتُ أنا. ارتجفت أطرافي. تضاعف نبض قلبي حتى كاد يخرج من صدري. كنتُ الهدف. وكانا هما… الأضحية. سرت في المقبرة كمن يتمايل على شفا الانهيار. ديلان، خلفي، يراقبني بصمت. عاد التابوتان، ووضِعا أمام القبور المحفورة بعناية. ربما حاول ديلان التكفير عمّا فعله بي سابقًا، فالقبور أُعدّت بعناية، وشواهدها نُقشت بإتقان. تقدم الكاهن بزي معبد روفيل. رجلٌ مسن، عيونه هادئة، يفيض منها الحزن.
“تحياتي، سمو الأميرة… أعزيكِ في خسارتك.”
“تحياتي، حضرة الكاهن.”
رفعت فستاني، وألقيت بكلمات الوداع المعتادة، دون أن أجرؤ على النظر إلى وجهيهما. لم أحتمل. علمي بالحقيقة جعلني أكره نفسي أكثر. بدأ الكاهن بالصلاة، طلب الغفران، ورش الماء المقدس. وتم إنزال التوابيت… أصبحتا تحت التراب. لم أصدق… حتى قرأت الشواهد: روزي أسكالف، روديون إليك. هكذا أصبح الأمر حقيقياً. احمرت عيناي… لكن الدموع لم تنزل.
“هل الأميرة بخير؟”
تقدم ديلان بمنديله الأصفر المطرز، تعبيره قلق.
“شكرًا.”
أخذته. لم أرفض مبادرته كما كنت أفعل. ربما لن نلتقي مجددًا. مسحت وجهي، واستنشقت الهواء البارد المشبع برائحة الأرض المبللة. أتمنى أن ينتهي هذا اليوم سريعًا.
⸻
“لم أجد الإمبراطور في أي مكان، أتعلم أين هو؟”
سأل الرجل طويل القامة، الأنيق المظهر، حارس القصر الذي بدا عليه الارتباك.
“لا يمكنني الإفصاح عن هذه المعلو…”
لكزه زميله في الخاصرة، فقفز خائفًا.
“آه؟”
“أنا آسف، سيدي. هذا الحارس جديد ولم يتعرف عليك.”
عيناه الزمرديتان، رغم ابتسامته، كانتا حادتين كالسيوف.
“هاهاها، لا مشكلة. إذًا، أين جلالته؟”
“إنه في جلسة شاي مع الإمبراطورة السابقة. طلبت حضوره.”
ربت الوزير على كتف الحارس الكبير.
“شكرًا لعملك الشاق.”
ما إن غاب، حتى التفت الحارس إلى زميله ووجه له لكمة مباشرة.
“أككك! لماذا؟!”
“ألا تعرف من هو؟! إنه وزير جلالته!”
“و.. وزير؟! يبدو صغيرًا جدًا!”
“هذا نيكولاي ويستاش، الابن الثالث للدوق ويستاش، الذي انتزع ثقة الإمبراطور وتفوق على إخوته!”
أبدى الحارس إعجابه، وأومأ برأسه. نيكولاي، الوزير الشاب البالغ من العمر ثلاثة وعشرين عامًا، صاحب الشعر الأرجواني المتوسط والعينين الزمرديتين الضيقتين، كان يتمتع بوجه صارم وتعبير معتاد على البرود. لكن في هذه اللحظة، ارتسمت على شفتيه ابتسامة غامضة.
“يبدو أن بعض الأخبار المثيرة على وشك الوصول…”
⸻
“أرى أن جلالة الإمبراطور نسي أمر والدته؟”
قالت السيدة الجميلة وهي تحتسي الشاي بالعسل في الدفيئة الزجاجية.
“لم أنسَ، لكن الوقت ضيق.”
أجابها الرجل بصوت متحفظ، مما جعل أجواء الخدم تتوتر. أصابعها المزينة بالمجوهرات، لعبت بخصل شعرها الذهبي.
“هكذا تعامل والدتك؟”
كان ينفد صبر الجميع. قبض الرجل على الفنجان وكأنه لعبة صغيرة، وثبّت نظراته الزرقاء فيها.
“هل هذا سبب استدعائك لي؟”
“كلا. سمعت أن أميرة أندروميد ستصل اليوم.”
جفل كتفه حين سمع الاسم، رغم محاولته التصرف كالمعتاد.
“إذًا؟”
“لماذا ترفض الزواج بها وتقدمها إلى هوغو؟”
ضرب الطاولة براحة يده، كالصاعقة. لكن الأم بدت وكأنها تستمتع بالكعك أكثر من النقاش.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 5"