كالمعتاد، بدأ صباح الإمبراطور ريموند بجلسة المجلس مع مستشاريه المقرّبين. غير أن أفكاره لم تكن مشدودة إليهم بقدر ما كانت عالقة عند قضية طريق إيكلر، ذلك الطريق الذي لن يربط مملكته وحدها، بل سيمتد ليصل بين روفيل وأندروميد.
بعد الزواج السياسي المرتقب، سيُبنى على هذا الطريق السلام، وسيُطوى صراع دام تسع سنوات مريرة، انتهت أخيراً بصلح هشّ يترقب الجميع ثباته.
غير أن اكتمال المشروع لن يتم دون دعم عائلة هسن. فالدوق هسن، وإن كان مجرد اسم باهت اليوم، ما يزال صاحب السلطة الرسمية على الإعمار في أندروميد. لكن الرجل بات ظلاً لذاته؛ شيخاً هزيلاً التهمه الخرف حتى لم يعد يفرّق ملامح أقرب الناس إليه.
حضوره في المجلس لا معنى له… إنما الأعين جميعها تتجه الآن إلى من يمثل العائلة فعلياً.
هيليوس هسن. شاب في الخامسة والعشرين من عمره، بنفس عمر ريموند. كان وسيماً، طويل القامة، شعره الرمادي الداكن المائل إلى السواد ينساب على ملامح مشرقة، وعيناه الأرجوانيتان تميلان للزرقة، فيهما مزيج من الغموض والدفء معاً.
يشبه ريموند في الوصف، لكنه يختلف في الجوهر؛ حيث تكسو ملامحه بشاشة يفتقدها الإمبراطور المتشح بالكآبة. وتحت عينه اليسرى، تلك الشامة الصغيرة التي تزيده جاذبية، خاصة حين يضحك فتنكشف غمازتاه على جانبي وجهه، كرصعتين لا يمكن تجاهلهما.
غير أن الجمال لم يكن جوهر المشكلة. المعضلة الحقيقية تكمن في ماضيه… فهو الخطيب السابق للأميرة. لم يعرف ريموند يوماً عمق تلك العلاقة. هل كانت حباً حقيقياً؟ أم مجرّد واجب أدّته الأميرة، كما تفعل اليوم في زواجها الإمبراطوري؟
لكن قدوم هيليوس إلى روفيل يعني احتمال لقائهما وجهاً لوجه. وفكرة كهذه أثارت في صدر الإمبراطور زفرة طويلة أثقلته.
ثم حاول أن يقنع نفسه: ربما لم يكن حباً كما يُشاع. فها هو هيليوس الآن قد خطب بيريل، ابنة الدوق فالنتينو الراحل، والتي تُعدّ شقيقةً لها… وإن لم يربطهما دم واحد.
كل الخيوط متشابكة على نحو محيّر، والنتيجة غائمة، تماماً كالسلام الذي يتأرجح على حافة هاوية.
ارتفع صوت الإيرل أوسكار، قاطعًا سكون القاعة بصرامة غاضبة: “أنا لا أسمح بذلك مطلقًا!”
لم يحتج ريموند أن يسأل عما يقصده. حتى وهو غارق في شروده، كان يعرف تمامًا أي أمرٍ يرفضه أوسكار. رفع الإمبراطور نظرته الباردة، نفَسٌ ثقيل خرج من صدره وهو يتمتم بنبرة ساخرة: “وما الذي لا تسمح به؟”
التقى البصران، حادّان كحدّ السيف، لكن أوسكار لم يتراجع خطوة: “جلالتك تدرك أهمية الارتباط بين روفيل وأندروميد، سواء سياسيًا أو تجاريًا… خاصة بعد الشروع في طريق إيكْلر الرابط.”
“و؟”
رفع ريموند يده إلى فكه الحاد، حاجبه يعلو في انزعاج صامت. “كيف يمكن لجلالتك أن ترشّح الأمير هوغو لزواج الأميرة؟!”
ردّ الإمبراطور بحدة: “وما خطبه؟!”
رغم نبرة الغضب، لم تهتز عزيمة أوسكار، فقد كان صوت المجلس وجرأته الوحيدة. “لا أقصد الإساءة، جلالتك، لكنه لا يزال طائشًا. الزواج أمر أثقل من أن يُلقى على كتفيه.”
ابتسم ريموند باستهزاء: “إنه يكبرها سنًّا على أي حال.”
“لكن النساء ينضجن أسرع… الأميرة عاقلة، ناضجة، وهي الكبرى في عائلتها. أما هوغو… فما يزال مدللًا، يفتقر إلى النضج.”
هنا تدخل الماركيز ونتر، وصوته يحمل ثقلاً لم يجرؤ الآخرون على النطق به: “أنا أرى، كما يرى كثيرون، أن من ينبغي أن يتزوج الأميرة… هو جلالتكم.”
ساد الصمت لحظة قبل أن تومئ الرؤوس على استحياء. لكن الإمبراطور لم يتأثر، بل أجاب ببرودٍ قاتل: “أنتم تعلمون أنني لا أفكر في الزواج.”
زفر أوسكار بأسى، ثم تجرأ على التلميح: “جلالتك… ألم تسمع ما يُشاع عنك؟”
ارتسمت على شفتي ريموند ابتسامة داكنة، عيناه تلمعان بسخرية لا تخلو من تهديد: “تعني شائعات العجز… والانحراف؟”
ارتجّ الجمع بدهشة، اتسعت أعينهم كأن الأرض سُحبت من تحت أقدامهم. “كنت… تعلم؟!”
“نعم. إنها تنتشر كالنار في هشيم. فلتنتشر.”
قالها كمن يستهزئ بالعالم، لكن الماركيز ونتر انفجر غضبًا: “إذن ألا يجدر بك أن تتزوج لتكذيبها؟!”
ضحك نيكولاي أخيرًا، ضاحكًا بسخرية كطفلٍ يهوى إشعال النار في برميل بارود: “جلالته يتحدث وكأننا أمه الملحّة، التي لا هم لها سوى تزويج ابنها الوحيد.”
ضحكته الخفيفة فجرت التوتر في القاعة، لكن نظرة ريموند كانت كافية لتجمّد الدماء في عروق الحاضرين: “لو لم تكن وزيري… أو ابن دوق ويستاش… لكنتُ الآن أعلّق رأسك على رمح في بوابة القصر، فقط لِهذه المزحة.”
سقط الصمت عليهم كسكين حاد. كل من كاد يبتسم ابتلع ضحكته قبل أن يلفظها. لكن ديلان تقدّم خطوة ودخل القاعة، كسر الصمت بصوته المتردد: “جلالتك… إنها رسالة. وصلت للتو.”
رفع ريموند حاجبًا متضايقًا: “ألم ترَ أننا في اجتماعٍ مشتعل؟”
لكن حين نطق ديلان بالكلمات التالية، انكمش قلب المجلس في مكانه: “إنها من المعبد.”
تجمّد الهواء. ما جاء من المعبد لم يكن يومًا مبشرًا بالخير. كان دائمًا يحمل نذرًا أو لعنة. نهض الإمبراطور واقفًا، صوته صارم: “انتهى اجتماعنا.”
ارتجفت القاعة لبرهة، قبل أن يقطعها صوت هادئ، مغموس بدهاءٍ بارد: “ألن يتكرم جلالتك بمشاركتنا مضمونها؟”
الرجل في الأربعينيات، شعره أصهب يغلفه الشيب، وعيناه الخضراوان الغامقتان تشعّان بالحذر، يعرف كيف يظهر ما يريد ويخفي ما يجب، لم يكن محبوبًا من أحد، إلا من ابنته الوحيدة، لكنه كان يملك حنكة تسمح له بالسيطرة على اللعبة السياسية بهدوء قاتل.
ابتسم ريموند باحتقار علني: “لا أرى أنني ملزم بمشاركة كل ما يصلني مع مجلسي… خاصة وأنني أعلم أن طيورك الصغيرة ستوصل لك الخبر عاجلًا أم آجلًا.”
تلقى ديزموند السخرية بابتسامة دبلوماسية، كأنها لم تمسّه. غادر الإمبراطور، ومعه ديلان. وعندما أغلق باب غرفته، أخرج الرسالة. لكن… لم يكن ختم المعبد عليها. بل كان ختمًا أشد وقعًا. ذئب أبيض غاضب، تعلو رأسه تاج من ياقوت أحمر دامٍ، يطابق لون أعينهم. ختم عائلة أندروميد.
انعقدت ملامح ريموند وهو يرفع الرسالة، نظر إلى ديلان الذي كان يتململ في مكانه. “لماذا كذبت؟”
ارتبك ديلان، لكن أجاب بصدقٍ حذر: “إن عرفوا أنها من أندروميد، لفسّروا الأمر على غير وجهه… خصوصًا ديزموند.”
ابتسم ريموند ابتسامة خفيفة بلا فرح. حتى ديلان البسيط بات يخشى دهاء البارون. إذ كان البارون الذكي، ذو الطموحات الكبيرة، يعرف أن قرارات الملك ستغير مستقبل ابنته ادورا، ويخطط لها لتصبح ملكة مستقبلية، وزواجها من هوغو كان جزءًا من مخططه. كل شيء تبخر في لحظة بعد قرار ريموند بشأن زواج فيليا من هوغو، فكّر البارون أن ريموند سيتزوج لإخفاء شائعاته، لكن الملك لم يكن مهتمًا، فتبددت كل مخططات ديزموند.
كان كل شيء منطقيًا. رسالة من أندروميد، في هذا التوقيت، هي أشبه بشرارة في برميل بارود. وحين انفرد ريموند بالرسالة، اكتشف أنها لم تُعنون له، بل كُتبت بخطٍ جميل، وأُرسلت: “إلى فيلي.”
اسم قصير، ذو وقعٍ دافئ. هل هكذا ينادون الأميرة فيليا في بيتها؟ تردّد للحظة. هل يحق له أن يفتح رسالة ليست باسمه؟
لكن الظلال الملتفة حول الموقف لا تسمح بالتسامح. ربما كانت الرسالة طُعمًا، ربما مؤامرة منسوجة بحذر. ضغط على شفته، بلع جفاف حلقه، ثم قرر أخيرًا فتحها.
يتبع… بقلم: ميف
حسابي على الانستا: jojochi02_
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 13"