خيم التوتر على أجواء حفلة الشاي الصغيرة لحظة دخول جوليانا، إذ ساد بين الحاضرات صمتٌ متحفّظ، وانكمشت كل منهنّ على نفسها، خشية أن ترتكب خطأ يلفت الانتباه.
لكن الصمت لم يدم طويلاً، إذ قطعه صوت آيشا إيفانستون، التي بادرت بسؤال غير متوقع: “سمو الأميرة… جميلة للغاية، تمامًا كالأميرة فيليا.”
احمرّ وجه جوليانا خجلًا، وقد باغتها الإطراء اللطيف. “هـ… هل هذا صحيح؟”
قفزت جوليانا من مكانها باندهاش، واحمرّت وجنتاها من الحماس. “لكن… لم أركِ من قبل في القصر!”
قالتها قبل أن تغطي فمها سريعًا بأصابعها الصغيرة. “آسفة! لم أقصد أن أشكك بكلامك، آنسة!”
ضحكت آيشا بخفة، دون أن تُبدي أي انزعاج. “لا بأس. كنتُ طريحة الفراش لسنوات.”
“طريحة الفراش؟”
قالت جوليانا باستغراب، ثم أردفت ببساطة طفولية: “هل أنتِ مثل الأميرة التي نامت في القصة؟”
انفجرت إحدى الفتيات بالشاي من فمها، بينما كتمت الأخريات ضحكاتهن، وقد أضفت براءة جوليانا جوًا خفيفًا على المكان. وسط ضحكاتهن، بدا وجهها مرتبكًا، غير مدركة لِم كلّ هذه الابتسامات اللطيفة تتجه نحوها.
“هاهاها… لم أقصد ذلك… كنتُ سأقول…”
لكن صوت تكسرٍ مفاجئ قطع دفء اللحظة.
“كسر”
توجّهت الأنظار نحو بيريل، حيث تحطّم فنجان مزخرف بين يديها. اندفعت إحداهن بمنديل، وركضت نحوها.
“آنسة بيريل، هل أنتِ بخير؟”
ابتسمت بيريل بابتسامة جافة، وكأن شيئًا لم يحدث، بينما كانت تمسح الشاي الساخن وقطع الزجاج عن راحة يدها المحمرة.
“هاهاها، أنا بخير.”
لكن تلك الابتسامة، وتلك الحركة، أعادت للأنسات تذكيرًا بطبيعة بيريل… التي لا يمكن التنبؤ بها. فكيف تُترك في حفلتها، وكل الاهتمام منحصر بجوليانا؟ شعرت الأخيرة بالخوف، وخفّضت بصرها محاولة التواري. ثم، وعلى نحو غير متوقع، قالت إحدى الحاضرات محاولة كسر الجمود: “سمعتُ أن خليفة الدوق هَسِن قد تقدم بطلب للآنسة بيريل.”
ابتسمت أخرى وقالت بنبرة مرحة: “أليس هو نفسه خطيب الأميرة فيليا السابق؟”
تجمّدت الأجواء. علاقة فيليا وهيليوس هَسِن كانت معروفة، لكن انفصالهما المفاجئ ظلّ لغزًا. وها هي إليانور، أقرب صديقة لبيريل، تفتح جرحًا لم يُرِد أحد الخوض فيه.
ضاقت عينا آيشا بانزعاج، بينما أسرعت الفتاة التي أثارت الموضوع بالتوضيح: “لم أقصد الإساءة! فقط أردتُ الحديث عن الحب…”
“حب؟”
ردّت بيريل، وابتسامتها اتسعت، لكن توهج عينيها الأرجوانيتين كان مقلقًا. ثم سألت، بصوت فيه نبرة تهديد خفي: “ألا ترغبنَ في معرفة سبب انفصال أختي فيليا والسيد هيليوس؟”
أختي فيليا؟ رمقتها آيشا بنظرة ثابتة. لم تُخفِ ضيقها من ادعاء بيريل، التي لا تربطها بفيليا أية صلة دم، بل فقط وجود كاسيير بينهما. لم تكن آيشا تعرف الكثير عن العالم خارج مرضها، لكنها لم تتوقع أن تكون العلاقة بينهما بهذا الشكل السيء.
تابعت بيريل حديثها، غير عابئة بالتوتر المتصاعد: “كانت تلاحقه… أصبحت مهووسة به، تمنعه من رؤية النساء الأخريات. شعرتُ بالأسى نحوه.”
سرت همسات بين الحاضرات. هل يعقل أن فيليا كانت كذلك؟ الشك بدأ يتسلل إليهن.
“مهووسة؟”
جاء الصوت ساخرًا، من آيشا هذه المرة، وهي تبتسم بهدوء.
“هل تشكّكين بكلامي؟!”
صرخت بيريل، تقبض على يديها حتى بدت آثار أظافرها.
“لم أركِ من قبل… هل حضرتِ دون دعوة؟”
لكن آيشا أجابت بثقة: “بل هذه أول مرة أقرر فيها تلبية واحدة من مئات دعواتكِ. شعرتُ بالذنب لأنني تجاهلتكِ طويلاً.”
همست إحداهن بدهشة: “هل كانت تدعوها دائمًا؟”
توهج وجه بيريل من الإحراج، وازداد احمرارًا. بدت كمن تم كشف أمره. “أنتِ… أنتِ آيشا إيفانستون؟”
“أجل.”
أجابت بهدوء، ثم ارتشفت من فنجانها.
“وما الذي تعرفينه أنتِ عن فيليا؟ ألم تكوني حبيسة المنزل طوال الوقت؟”
رفعت آيشا رأسها: “ربما لا تعلمين، لكني صديقة فيليا منذ الطفولة. حتى وأنا طريحة الفراش، كنا نتبادل الرسائل يوميًا.”
ارتبكت بيريل للحظة. إن كانت آيشا تعرف شيئًا عن السبب الحقيقي، فستُفضح أمام الجميع. لكن آيشا لم تكن تقول الحقيقة كاملة… فصحيح أنهما تبادلتا الرسائل، لكن فيليا لم تخبرها قط عن السبب. فقط كتبت ذات مرة: “شخصياتنا لم تكن متوافقة.”
“إن كنتِ صادقة، فما السبب؟”
سألتها بيريل متحدية. لكن الصوت الذي اخترق الصمت هذه المرة، كان خافتًا… مرتجفًا: “أختي فيليا… لم تفعل شيئًا.”
كانت جوليانا، تمسك بفستانها وتحدّق ببعض الخوف، لكن عيناها لم تحيدا عن بيريل.
“ماذا قلتِ؟”
سألت بيريل، وعينيها تتسعان.
“الشخص الذي كان يلاحق السيد هيليوس… كانت أختي بيريل.”
أُلجمت الصالة. ارتسمت ملامح الصدمة على الجميع. وفي لحظة جنون، التقطت بيريل الفنجان، وهمّت برميه نحو جوليانا. صرخ الجميع، أغمضوا أعينهم… جوليانا كذلك، استسلمت للمصير، تنتظر الألم. لكن الألم لم يأتِ. لفّها دفء مفاجئ… فتحت عينيها ببطء، لتجد نفسها بين ذراعي آيشا، التي احتضنتها وحجبت عنها الشاي الساخن بجسدها. سُكِب السائل على ذراع آيشا العارية، بينما تجمّدت بيريل في مكانها، يدها ما تزال مرفوعة. ركض الجميع نحو آيشا.
“هل أنتِ بخير؟ آنسة آيشا؟ سموّ الأميرة؟!”
لكن آيشا التزمت الصمت، لم تُبدِ أي ألم، فقط نظرات حادة وسكون عميق.
أما جوليانا، فبدأت بالبكاء، دموعها تنهمر بغزارة: “إنه بسببي… ذراع الآنسة آيشا أصبحت حمراء للغاية…”
ووسط هذا كله…
“كراك…”
صوت فتح الباب الزجاجي اخترق الأجواء.
“و… ولي العهد!”
صرخت إحداهن، وسارع الجميع للوقوف والانحناء. حتى جوليانا وآيشا، رغم حالتهما، انحنتا له. تجمّدت بيريل كتمثال، وارتجفت عيناها. تقدّم كاسيير بخطى ثابتة، نظر للجميع، ثم إلى جوليانا بعيونها المنتفخة، وآيشا بذراعها المحترقة. وأخيرًا، وقعت عيناه على بيريل المرتجفة.
“بحق الجحيم… ما الذي حدث هنا؟”
لأول مرة، بدا وجه ولي العهد مخيفًا، مخيفًا بحق.
⸻
يتبع… بقلم: ميف
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 11"