رمى إمبراطور أندروميد كلماته ببرود، كأنها حجارة ثقيلة، في وجه الابن الثاني الذي وقف أمامه، وجهه يشتعل غضبًا من قرار إلغاء الزواج.
“والدي، أختي في وضع صعب. هل تعتقد أن ما حدث لها كان حادثًا عابرًا؟ من يجرؤ على محاولة اغتيال أميرة إن لم يكن لديه نية حقيقية؟”
أجاب الإمبراطور بجمود، وعيناه لا تحملان أي عاطفة: “لا يمكنني إلغاء زواج بناءً على شكوك لا أساس لها.”
تصلّب جسد الأمير الثاني عند سماع الرد، وامتلأ صوته بالمرارة: “شكوك؟ إذن هل ننتظر خبر وفاتها كي نتحرك؟”
ساد الصمت… للحظة خُيّل أن الزمن توقف. ثم، وبصوت هادئ كالماء الراكد، قال الإمبراطور: “يمكنك الذهاب إليها… للتحقق.”
قفز لوسيو من مكانه، وكأن طوق نجاة أُلقي إليه وسط بحرٍ عاصف. “شكرًا، شكرًا لك يا جلالتك!” انحنى مرارًا، وجهه يشع بشراً.
“لكن…” تابع الإمبراطور، “عليك إبلاغ فيليا أولًا. لا يليق بك الذهاب دون علمها.” أومأ لوسيو بحماس: “بالطبع، سأفعل ذلك.”
خرج من الغرفة مسرعًا، قلبه ينبض بطاقة جديدة. توجه إلى ساحة التدريب كعادته، وكأن جسده اعتاد الاحتماء بالسيف كلما احتدّت مشاعره. لكن سرعان ما استوقفه صوت مألوف خلفه:
“مرحبًا، لوسيو.”
استدار بسرعة، وعيناه المحمرتان التقتا بنظرة الأخ الذي لا تربطه به قطرة دماء واحدة: “أوه… الأخ فينياس؟”
وقف فينياس، عاقدًا ذراعيه، وعلى وجهه تلك الابتسامة المريبة التي لا تُفارق ملامحه. “تبدو سعيدًا للغاية، هل وقعتَ في الحب؟”
ارتبك لوسيو فورًا، وكأن السهم أصابه في مقتل: “ماذا؟! حـ… حب؟! بالطبع لا… لم أفكر في ذلك حتى أيام الأكاديمية!”
ضحك فينياس بصوت عالٍ، ثم وضع كفه الثقيلة على كتف لوسيو، يربت عليه بلطف مصطنع: “كنت أمازحك فقط.” ثم اقترب قليلًا، وعيناه الزرقاوان تلتمعان بدهاء: “إذن، ما سبب هذه السعادة؟”
تردّد لوسيو للحظة، قبل أن يجيب بصدق: “جلالته سمح لي بزيارة أختي فيليا.”
ارتفع حاجبا فينياس، وكأن شيئًا ما أيقظه: “فيلي، إذن؟”
ذلك الاسم على لسانه بدا حميميًا أكثر من اللازم. شعر لوسيو بغرابة، لكنه لم يستطع أن يحكم، فـ”العائلة” هنا ما زالت غامضة عليه.
أكمل فينياس بابتسامة: “نحن مقربان… بنفس العمر، ولدينا الكثير من القواسم المشتركة.” رغم نبرته غير المريحة، وجد لوسيو نفسه يرتاح، على الأقل ظاهريًا.
“هل ستذهب بمفردك؟” سأله فينياس.
“أعتقد أنني سأصطحب جولي.” لكن فينياس أمال رأسه: “لا أظن أن هذا مناسب. الطريق طويل، عبر السفينة، وجولي صغيرة.”
كان رأيًا منطقيًا. فكر لوسيو قليلًا، ثم قال: “حسنًا، سأذهب وحدي.”
اقترب فينياس، يربت مجددًا على كتفه، لكن هذه المرة بنبرة أثقل: “لم لا تأخذني معك؟”
رغم القلق الذي دبّ في قلبه، لم يجد لوسيو سببًا للرفض…
⸻
في تلك الأثناء، كانت الحديقة الزجاجية في قصر أندروميد تُزيّن ببذخ استعدادًا لحفلة بيريل، التي دعت إليها النبيلات لأجل النميمة والاستعراض. الخادمات أسرعن كالظلال بين الطاولات، وجوههن شاحبة من شدة التوتر، فبيريل لا ترحم إن لم يعجبها التزيين.
وفي ظل هذا الضجيج، جلست الصغيرة جوليانا قرب النافورة، ترصف الأزهار بصبر، يحيط بها صمت الأطفال المنحوتين في التمثال. “إيفي، أشتاق لأختي كثيرًا…”
حدّثت التمثال بصوت منخفض، ثم التفتت لطفل آخر من التماثيل بين الحجر: “جاك، لو ذهبت أمك لمملكة أخرى، هل ستفتقدها مثلي؟”
لكن التماثيل لا تجيب… حتى شعرت بالوحدة تقضم قلبها، وارتمت على الحشائش، تحدّق في السماء: “ما هو الزواج، أصلًا؟”
كانت تحسبه قصة خرافية سعيدة، حتى فقدت أختها بسببه…
ثم… صوت مألوف، لكنه ثقيل: “ما الذي تفعله صغيرتنا جولي هنا؟” رفعت جوليانا رأسها ببطء، وإذا بها تواجه بيريل. تلك العيون البنفسجية، وابتسامتها التي تحمل برودة غير مرئية، جعلت الفتاة الصغيرة تتشنج فورًا.
“كنتُ ألعب فقط…”
نظرت بيريل إلى طوق الأزهار في يدها: “كم هو لطيف. هل هو لي؟”
بلعت جوليانا ريقها، ثم أومأت: “نعم… أجل…”
“غيرت رأيي.” قالت بيريل بابتسامة ماكرة. “أريده أن يُقدَّم لي أمام الجميع، في الحفل.”
“لكن… الحفلة لصديقاتك، وأنا…”
كلمات جوليانا المرتجفة لم تشفع لها. قبضت بيريل على يدها، وجرّتها معها، بلا رحمة.
⸻
في الجهة الأخرى من القصر، كان كاسيير، ولي العهد، يتجول في الممرات كمن يحمل في صدره صخرة. توقف أمام باب والدته، تنفّس بعمق، ثم دخل. جلست الإمبراطورة، بهدوء ساحر، ترتشف الشاي. ابتسمت فور رؤيته: “صغيري، تفضل.”
“صباح الخير، والدتي.” انحنى وجلس أمامها.
“أراكَ لا تزال صغيري المدلل، حتى وأنت شاب.”
ابتسم، ثم تجمّد عند سؤالها: “قابلتَ دافني، أليس كذلك؟ كيف وجدتها؟”
“شخص جيد… لكنها خجولة. لا أظن أنها مناسبة لتكون إمبراطورة.”
لم تُعلّق طويلًا، لكنها أردفت: “يجب أن تختار شريكة يا كاسيير.”
أومأ بتردد، وعيناه شردتا نحو الزهور بجانبها. “لماذا تحبين زهرة الدلفينيوم لهذه الدرجة؟”
داعبت الزهرة بأناملها، ثم قالت: “لأنها تقاوم الصقيع. تبدو جميلة، وتعالج الأمراض… وعندما تموت، تصبح صفراء.”
“لكن شكلها يكون سيئًا حين تموت.”
“ولهذا أحبها.”
ارتجف كاسيير… كأن كلماتها تحمل خلفها شيئًا أبعد من الزهور.
⸻
غادر الغرفة وهو يشعر بالاختناق. لم يفهم أبدًا… لماذا يشعر بالخوف من والدته؟ لكن صوتًا قاطع أفكاره: “أختي بيريل، لا أريد حضور الحفل، أرجوك.”
نظر نحو الحديقة… جوليانا تُسحب من يدها كدمية صغيرة. تردد، أراد تجاهل الموقف… لكن الوعد الذي قطعه لفيليا تلك الليلة كان أقوى.
⸻
في الحفل، دخلت فتاة بوجهٍ شاحب، وشعر أزرق قصير، وجمال لم تطمسه سنوات المرض. همس الجميع: “إنها آيشا إيفانستون… ألم تكن مريضة؟”
جلست بهدوء، وابتسمت: “كيف حالكن؟”
لكن دخول بيريل، بملابسها الفاخرة، قطع همسات الدهشة. ورافقتها… جوليانا. نظرت النبيلات بدهشة، لكنهن ابتسمن بانحناءات حارة، على غير المتوقع.
أدركت بيريل، متأخرة، أنها ارتكبت خطأ… جوليانا سلبتها الأضواء التي اعتقدت أنها تخصها وحدها. قبضت بيريل على مظلتها، وكل شيء بداخلها يغلي.
⸻
يتبع… بقلم ميف
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 10"