كأوراق الخريف المتساقطة، كدموع لا تعرف التوقف، كهروب يائس من موج متدفق… هكذا كانت حياتي. هتافاتٌ سعيده تملأ ساحة إمبراطورية “أندروميد”، أصوات ضاحكة، وزخات موسيقى وطبول.
“أنا سعيد للغاية، وأخيرًا سيعمّ السلام!”
“الأمراء يبدون في أبهى صورهم!”
“اليست الأميرتان هما الألطف؟”
“أشعر بالحزن، ملاك إمبراطوريتنا سيغادر!”
في وسط الزينة المتطايرة، وأزهار الأوركيد المرمية في الهواء، وفي خضم رقصات الفتيات بثياب مزركشة مبهرة، وقفت العائلة المالكة على الشرفة الذهبية. تلوّح بخفة، بابتسامات مدروسة كأنها وُلدت معها. عداءٌ دام عقودًا مع إمبراطورية “روفيل” انتهى اليوم، بزواجٍ سياسي رُتّب بين الطرفين. وكما هو متوقّع، الطرف الأضعف سلّم ابنته الكبرى… الأميرة المحبوبة من شعبها وعائلتها. أو هذا ما أراده الجميع أن يصدقوه.
فيليا، ذات العينين الحمراوين الواسعتين، والشعر الفضي المنسدل، كانت تلوّح بابتسامة واهنة ووجه شاحب. من بعيد، رصدت الإمبراطورة نظراتها المرتعشة.
“أختي، لا تبدين بخير أبدًا…”
قالها الأمير الأصغر بنبرة قلقة، فيما تساءلت جوليانا الصغيرة برقة: “هل أختي بخير؟” همست فيليا، بصوت مخنوق بالكاد يُسمع:
“أ… أعتقد أنني بحاجة للعودة إلى غرفتي.”
ربما… لن أستطيع الصمود أكثر. الملك يبتسم، بفمه المفرود على اتساعه، بجانبه ولي العهد ذو الملامح الباردة كالحجر. الامبراطورة، والأمراء الأصغر خلفهم، يراقبون فيليا وهي تبتعد بصمتٍ خانق. “أختي!!” هتف الصغيران معًا، لكن خطوات فيليا كانت قد اختفت بالفعل في الأروقة. أمام تردد الحشود، اهتزت ابتسامة الإمبراطور، وحاول جاهدًا إنقاذ الموقف بابتسامة مرح:
“يبدو أن الأميرة تأثرت ولم تحتمل مشاعرها، لقد بكَت من شدة التأثر.”
لكن أعين الأميرين، الحمراء والذهبية، احترقت من شدة الغضب. أكاذيب والدهم لم تعد تُقنع أحدًا، لكن الشعب…
“يا لرقّتها، أريد البكاء أيضًا!”
“آه، كم سيكون وداعها مؤلمًا!”
ككل مرة، انخدع الشعب بالكلمات المزيفة.
“آآهغ!”
القيء يملأ المغسلة. مرة ثانية. مجدّدًا.
وقفتُ أمام المرآة أتنفس بجهد، أنظر إلى صورتي المنعكسة… فيليا، الأميرة الكبرى، ذات الشعر الفضي كالدُمى، والعينين الحمراوين كالبحر المليء بالدم. جسدي النحيل لم يتحمّل الطعام مجددًا. اضطراب الهلع. عرفت اسمه لاحقًا. ذلك الشعور الساحق عندما يُسلَّط الضوء عليّها… يتسارع نبضي، يغمرني الغثيان، أرغب في الهرب. متى بدأ هذا؟ عضضت شفتي.
“منذ خمس سنوات…”.
[قبل خمس سنوات]
“أشعر بالأسف تجاه الأميرة…”
“لا بد أنها أغضبت الإمبراطورة…”
خادماتٌ يتهامسن، بعيون مليئة بالشفقة. عن جوليانا. أختي الصغيرة. ذات الأربعة أعوام. دخلت إليهن فجأة، فيليا، فتاة الأربعة عشر عامًا. الخوف ارتسم على وجوههن. لكن الرغبة في إنقاذ الطفلة تغلبت.
“لقد حُبست في البرج… بسبب ما حدث في حفلة الشاي.”
صُدمت.
“لماذا؟ ما الذي حدث؟!”
“قالت للإمبراطورة… سيدتي بدلًا من والدتي.”
ركضت. بأقصى سرعة. بقلق. بغضب. بخوف.
“جولي! أجيبي!”
دقاتي على الباب تقاطعها شهقاتٌ من الداخل.
“أ..أختي…”
صوتها المرتعش حطّم قلبي.
“لا تقلقي، أنا هنا. سأُخرجك.”
“أوه، ما هذه الشجاعة يا فيلي؟”
صوتٌ جليديّ خرج من الخلف. الإمبراطورة روزنيت.
“جلالتك، أرجوكِ، تحلّي بالرحمة!”
ركعتُ. أمسكت فستاني بقوة.
“إن كان لا بد من عقاب، فليكن لي.”
“حقًا؟ لن تتراجعي عن كلماتك؟”
قالتها بابتسامة باردة… ليلة باردة في برج مُظلم… كنت أظن أن حبسي سيكون كافيًا. لكن…
“أظن أن وقت العقاب قد حان.
” دخلت الإمبراطورة، اقتربت، وصفعتني.
“ج… جلالتك؟” صفعة. وأخرى. ثم أخرى.
“أمي؟!”
دخلت بيريل. ابنة الإمبراطورة. ليست أختي. ليست من دمي.
“لقد علم الجميع بالعقاب يا أمي. جلالته لم يهتم… كالعادة.”
ضحكة ساخرة خرجت من فم روزنيت.
“أتعتقدين أن أباكِ سيأتي لإنقاذك؟ إنه لا يُكلف نفسه حتى النظر إليكِ.”
انسحبت الإمبراطورة. لكنها قالت كلماتٍ جليدية قبل مغادرتها: “بيريل… أكْملِي ما بدأناه.”
“فيلي أختي الجميلة… لنكمل العقاب، ما رأيكِ؟”
نظرتها، تلك الابتسامة المجنونة، كانت كافية لشلّ قدمي.
“هل تعتقدين أن هذا كان من أجل جوليانا؟ لو كانت هنا لاقتعلت عينيها الذهبية تلك.”
جنونها… لم يكن سرًا. لكنني لم أتحمل أكثر.
“من أنتِ لتضربيني؟! أنا… هي الأميرة الأولى.”
صفعة أخرى. لكنني أمسكت يدها. لم أعد أتحمل.
“إن كانت والدتكِ هي الإمبراطورة، فإنني من الدم الملكي… أما أنتِ، فابنة دوق.”
“إذن لماذا يهتم بي الإمبراطور أكثر منكِ؟”
سكتُّ. كانت محقّة. ثم… قذفتني أرضًا. سحبتني من شعري. ضربت رأسي بالأرض. لم أستطع المقاومة. كل شيء كان ضبابيًا… حتى الضوء بدأ يتلاشى…
“كرااك.”
صوت الباب.
“من هناك؟!”
صوت بيريل يرتجف. دفعْتُها بكل قوتي، زحفت. فتحت الباب… كاسيير. ولي العهد. أخي… من أم مختلفة.
“س..ساعدني…”
لأول مرة أتحدث إليه، أطلب منه شيئًا. لكن… نظر إليّ ببرود، ثم استدار وغادر. كما لو أنني لم أكن. تلك اللحظة… ولدت متلازمة الرعب من تلك الأعين. والآن، سأُزف إلى روفيل. زواجٌ سياسيّ… حرية مؤقتة. تمشيت في السقيفة الزجاجية…
“ما سأفتقده حقًا هو هذا المكان…”
الحديقة. الزهور. الهواء النقي. لكن قلقي على جوليانا ولوسيو لا يفارقني. ماذا إن فكّرت الإمبراطورة بالتخلص من لوسيو؟ ماذا إن لم أعد هنا لحمايتهم؟ رفعت رأسي للسماء… أغمضت عيني…
“فيلي؟”
أوه، يبدو أن الجحيم… عاد من جديد.
يتبع… بقلم: ميف
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 1"