1
كانت عينا الدوق روكبيليون مائلتين قليلاً إلى الأعلى مثل قطة متعجرفة، وربما كان سبب ذلك القناة الدمعية أسفل عينه اليسرى، ما جعله يبدو أكثر مكرًا.
كانت تعلم أنّ عليها أن تدفع وجهه الذي يقترب ببطء، لكنها لم تكن تملك الشجاعة لتتجنب نظراته. كانت تخشى، لا، بل تشعر بالحرج أن يسمع دقات قلبها التي بدت كأنها تصل إلى الأعماق.
سمحت لشفتيه بأن تقتربا ببطء، حتى شعرت بلمسة شفتيه الناعمة.
عبق جسده الحلو الذي مرّ أمام أنفها جعل رأسها يدور. ومع انحناءة رأسه، أصبحت شفتاه تتوغلان أكثر بإصرار.
“ليا…”
بصوته الخفيض الأجش، همس في اذنها بلقبها، الذي لم يكن يجرؤ احد على مناداتها به سوى عائلتها، ثم ابتعد قليلاً عن شفتيها لينظر إليها.
ضحك بخفة، وانحنى أكثر وهو يضمها نحوه بلطف، بينما كانت أصابعه تمسح خصرها وظهرها ومؤخرة عنقها برفق.
رفعت رأسها لتنظر إلى وجهه. كانت شفتاه المبللتان ووجهه المتورد يبدوان في غاية الخطورة.
“منذ اللحظة التي التقينا فيها…”
تابع حديثه، بينما كانت يده اليمنى تداعب خد يوليانا برقة.
“كنت أرغب في تقبيلكِ واحتضانكِ هكذا.”
أمسكت يوليانا بيده اليسرى.
“أود أن أتزوجكِ يا Lady يوليانا بدل أن أكون مجرد خطيب.”
“ماذا؟.”
“بالتأكيد، لا تنوين التهرب من تحمّل المسؤولية بعد أن قبلتني هكذا، أليس كذلك؟.”
لم يعد هناك ذلك المرافق الأنيق، بل كان أمامها رجل يشبه الوحش، يلعق شفتيه وينظر إلى فريسة شهية قبل افتراسها. خفضت يوليانا رأسها من شدة الخجل.
ابتسم برضا وهو يلمس خدّيها المتوردين وشحمتَي أذنيها.
“هل لم يعجبكِ الأمر؟.”
رفع بأصابعه ذقنها ليرغمها على النظر إليه. كانت تعلم أنّ عليها رفض شفتيه اللتين تقتربان ببطء وهما تبتسمان برضا.
“بالتأكيد… لن تهربي من تحمل المسؤولية بعد أن أخذتِ قبلتي الأولى، آنسة يوليانا لونغرين .”
“لقد كانت قبلتي الأولى أيضًا.”
“بما أننا تبادلنا أول قبلة، يمكننا تحمل المسؤولية معًا.”
انحنت عيناه كالهلال بابتسامة جميلة.
حين رأت ذلك المنظر، فكرت أنها قد تُلتهم إذا لم تهرب الآن. لكنها لم تستطع الهرب. لا، لقد فات الأوان على الهرب.
“كنت أعلم أن لكِ خطيبًا بسبب الخطبة القسرية التي فرضها الإمبراطور ريزيف منذ تسع سنوات. لذلك لم أستطع بسهولة إظهار مشاعري… لكني لم أستطع التخلي عنها أيضًا.”
اعترفت كلماته بحبّه الخفي لها طوال تسع سنوات، فشعرت بثقل في قلبها.
“لا ندم عندي على هذا الحب من طرف واحد. في الحقيقة، مجرد النظر إليكِ من بعيد، تلك اللحظات كانت كالأبدية بالنسبة لي. وحتى بعد أن انتهت تلك الأبدية، كانت أفكاري عنكِ، يا ليا، وعن ابتسامتكِ… تجعلني متحمسًا وسعيدًا.”
واصل حديثه وهو يمرر أصابعه بحب في شعر يوليانا.
“ليا، الحب من طرف واحد ليس خطيئة ولا ندم. كل تلك الأوقات التي أحببتكِ فيها وحدي كانت نعمة بالنسبة لي.”
وعلى مسافة قريبة تتلامس فيها الأنفاس وتتصادم فيها الأنوف، جذب انثان خصر يوليانا وقبّلها مجددًا.
كانت هذه المرة قبلة سريعة مفعمة بالشغف بخلاف السابقة.
—
ظهرت لدى يوليانا من أسرة الكونت لونغرين قدرة على الأرواح في سن الحادية عشرة. وبما أن القدرة على الأرواح موهبة نادرة، حظيت يوليانا بالاهتمام في الأوساط الاجتماعية بسببها. وبطبيعة الحال وصلت أخبار قدرة يوليانا إلى الإمبراطور ريزيف.
أمر ريزيف والدها ماتين بأن يحضر يوليانا إلى القصر الإمبراطوري.
“أي روح تعاقدتِ معها؟.”
“روح الماء يا مولاي.”
“أريني روح الماء.”
“نعم، سموك.”
تركت يوليانا والدها القلق خلفها وبدأت بتلاوة تعويذة بهدوء. فتجمّعَت قطرات الماء في الهواء، ما أثار دهشة الحاضرين.
“كونكِ ابنة القديسة روزالين كنت أتوقع منكِ قوةً مقدسة، لكن قدرة الأرواح… هاها! إنها موهبة رائعة!.”
أُعجب الإمبراطور ريزيف كثيرًا بقدرات يوليانا.
“يا مولاي، رغم أنني قليلة الخبرة، سأكرّس هذه القوة لإمبراطورية سيريوس.”
“اقتربي، آنسة لونغرين.”
“نعم يا سموك.”
تشبثت بحاشية فستانها واقتربت بحذر من حيث ناداها ريزيف وانحنت.
“لا حاجة للانحناء. أريْني وجهكِ.”
“نعم.”
رفعت يوليانا وجهها والتقت بعيني الإمبراطور ريزيف.
“إنكِ تشبهين القديسة روزالين الراحلة تمامًا.”
ولعق شفته السفلى وهو ينظر إليها من أعلى إلى أسفل وضحك بخفّة.
“أنتِ جميلة جدًا. جميلة. ستصبحين أجمل من روزالين حين تكبرين. لم أظن أنني سأرى شعرها الذهبي وعينيها الذهبيتين مرة أخرى في حياتي.”
شعرت يوليانا بالانزعاج من كلمات الإمبراطور عن والدتها التي توفيت قبل عام. كان الأمر كأن صرصورًا مقززًا يزحف على جسدها.
“…شكرًا على المديح، سموك.”
“صوتكِ جميل أيضًا. سمعت أنكِ في الحادية عشرة الآن…”
“نعم.”
“بعد بضع سنوات ستصبحين امرأة ناضجة أكثر مما أنتِ عليه الآن. أعجبتني. قريبًا سأهديكِ هدية جميلة.”
نظرات الإمبراطور التي كانت تتفحص جسدها أوقعت الخوف في قلب يوليانا الصغيرة. أرادت أن تفرك ذراعيها المغطاة بالقشعريرة لكنها اضطرت للتحمل.
بعد عشرة أيام بالتمام، وصلت هدية الإمبراطور ريزيف إلى يوليانا.
كانت خطبة سياسية.
تحت ذريعة توحيد جناحي الإمبراطورية والنبلاء، دفع ريزيف إلى خطبة سياسية بين أسرة لونغرين التابعة لجناح الإمبراطور وأسرة فيديروس التابعة لجناح النبلاء.
من منظور ماتيان الذي كانت علاقته سيئة مع الماركيز فيديروس، لم يستطع إلا أن يفزع.
كان جناح الإمبراطور يدعم ولي العهد، كلاود، ابن الإمبراطور والإمبراطورة. أما جناح النبلاء فيريد أن يصبح أحد الأمراء المولودين من محظية وليًا للعهد.
ولولا ولي العهد كلاود، لكان الأمير الذي يروّج له جناح النبلاء أصبح وليًا للعهد. وبالطبع، كانت الإمبراطورة وكلاود شوكة في أعين جناح النبلاء.
وفي النهاية وقع حادث.
كانت وفاة الإمبراطورة.
تم اتهام كلاود، الذي كان مختفيًا بعض الوقت، بتسميم والدته الإمبراطورة.
تساءل الناس إن كان كلاود، الذي كان يحترم ويحب الإمبراطورة، قد يفعل ذلك حقًا. لكن كل الأدلة والشهود أشارت إلى كلاود بوصفه الجاني.
ولو قبض على كلاود، لكان مصيره القتل بشكل أو بآخر. وبذلك يصبح الأمير الذي يدعمه جناح النبلاء وليًا للعهد.
وفي الوقت الذي كانوا يحاولون فيه إيجاد طريقة لمساعدة كلاود، دفع ريزيف فجأة بالخطبة تحت ستار توحيد الجناحين، مما سبّب لهم صداعًا.
“إنه لشرف عظيم أن تفكر بابنتي، لكنها بالفعل مخطوبة.”
بانغ!.
حين ضرب ريزيف بقبضته على مسند الكرسي ارتجف الكونت لونغرين.
“حتى لو كان لها خطيب، فالأمر الإمبراطوري أولاً! هل يمكن أن تُدعى نبيلًا في إمبراطورية سيريوس وأنت تتجاهل قرار الإمبراطور الذي اتُخذ من أجل ابنتك؟ يعدّ أمري شرفًا.”
لم يكن الماركيز فيديروس ممن يفعلون شيئًا بلا مكسب. كان من الصعب التخلص من الشعور بأن هناك صفقة ما بين الإمبراطور ريزيف والماركيز فيديروس. وإلا استحال فهم هذه الخطبة الحالية.
في هذا الوضع، الإصرار على الخطبة السابقة لابنته كان سيُعد إهانة للإمبراطور.
وقع ماتيات في حيرة عميقة بسبب هذه الخطبة القسرية. فحاولت ابنته يوليانا مواساته.
“سمعت أن السيد الشاب بيونار فيديروس طيب جدًا.”
“السمعة مجرد سمعة.”
تذكّر ماتيان النظرة المريبة في عيني ريزيف وهو يحدّق في يوليانا، فاشتد قلقه.
بدأ ريزيف يرسل يوليانا إلى الحرب، مشددًا على أن روح الماء التي تستدعيها مفيدة للشفاء وتوفير مياه الشرب. وكان عذاب ماتيان يزداد يومًا بعد يوم إذ تُفرض على ابنته العزيزة خطبة وتُرسل للحرب.
وفي يوم ما…
انقلب ولي العهد كلاود المفقود على الطاغية ريزيف وصعد إلى العرش.
لم يستطع ماتيات إخفاء فرحته بفكرة أن يوليانا ستعود من الحرب حين تنتهي.
ومع تغيّر الإمبراطور، تُعد أي صفقة بين الماركيز فيديروس وريزيف ملغية. لذلك ابتهج ماتيان قليلاً على أمل أن تُفسخ خطبة يوليانا، لكن الماركيز فيديروس لم يذكر شيئًا عن فسخها.
وأُصيب بخيبة أمل لأن الخطبة لم تُلغَ.
ابتسمت يوليانا وقالت لماتيان:
“أبي، السيد الشاب بيونار خطيب جيد. والماركيز فيديروس يعاملني بلطف شديد. لا داعي للقلق. أنا راضية عن خطبتي.”
“لكن… ليا.”
واصلت يوليانا القول إنها بخير.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 1"