“يا آنسة، لم يمضِ وقت طويل على نهوضك من فراشك، فكيف تأتين إلى مكان كهذا؟”
“ميرتل، إن لم تكوني راغبة، يمكنك العودة.”
“لو عدتُ، فسيتعيّن عليّ دفن نفايات الطعام.”
ارتعدت ميرتل في الأصل، كان التعامل مع نفايات الطعام في المنازل الأخرى من مهام الخدم الذكور فحفر الأرض المتجمدة لم يكن بالأمر السهل على الخادمات الشابات.
لكن في شوبري، كان أغلب الرجال الأقوياء يعملون في المنجم الذي يديره السير جيديون آرلينغتون ولذلك، كان على خادمات قصر تياري هيفن أن يتحملن كافة أعمال الخدم، ولكن بأجور أقل لم يكن غريبًا أن تكون السيدة كيندلي، رئيسة الخدم السابقة، قد تدهورت صحتها وهي لا تزال في أوج شبابها.
“أعتذر، لأنك اضطررتِ إلى المجيء إلى شوبري بسببي.”
“ولِمَ يكون ذلك بسبَبك يا آنسة؟”
كانت وجهة بريوني في أحد الأحياء الطرفية من شوبري، حيث تصطف البيوت الصغيرة المتهالكة على امتداد التل، وتتشابك الأزقة الضيقة كأنها متاهة صعدت المرأتان ذلك الطريق ببطء.
“ذلك لأن اللورد إيبوني وأنا—”
لكن ميرتل قاطعتها قبل أن تنطق بكلمة “طلاق”.
“رجاءً لا تذكريه، ما وصلنا إلى هذا الحال إلا بسببه.”
“لا يمكننا القول إن الأمر كله بسببه فقط.”
“صحيح، حتى لو كنا لا نزال هناك، لما كانت الأمور هادئة.”
بدت ميرتل وكأنها استحضرت ما حدث قبل الرحيل، فعبست بأنفها.
“… مذكرة تفتيش من جلالة الملكة؟ يا ترى، ما الذي حصل؟”
“…”
“آنسة؟”
أدركت بريوني أنها توقفت عن السير، فاستأنفت خطواتها وتحدثت أخيرًا.
“أنا لا أعلم أيضًا.”
“سيدي، أعني اللورد إيبوني، صحيح أنه بارد المشاعر، لكنه ليس من النوع الذي يرتكب الجرائم بل يبدو كمن لا يستطيع قتل حتى حشرة.”
كان الأمر كذلك بالفعل وأخذت بريوني تفتح أبواب أفكار حاولت ألا تقترب منها ما نوع الجريمة التي تكون خطيرة إلى درجة صدور أمر تفتيش ملكي؟ هل عاد ديميتري إلى إيبوني سالمًا؟ ربما يمكنها أن تراسله باسم مستعار وتسأله بخفة عن الوضع ما إن فكرت بذلك، حتى تحسن مزاجها قليلًا.
“يمكنه قتل حشرة على الأقل.”
“كان ذلك مجرد تعبير فأنا لم أرَ اللورد إيبوني ممسكًا بسيف إلا في ذلك اليوم.”
وكان الأمر نفسه ينطبق على بريوني.
فكيث كان رجلًا يليق به القلم أكثر من السيف لم يكن يرفع صوته عادة، وكان يحلّ الأمور بالمنطق والعقل ذلك الرجل، حمل سيفًا ظلّ معلقًا على الجدار لسنوات.
“… ليحميني.”
منذ أن أثار موضوع الطلاق، توقفت بريوني عن محاولة فهم مشاعر زوجها كانت تخشى أن تكتشف شيئًا لا تودّ معرفته لكن في تلك اللحظة تحديدًا، لم تستطع ألا تفهم.
كان كيث غاضبًا حتى أعماق رأسه لأن المحققين حاولوا لمس جسد بريوني لأنهم تصرفوا معها بفظاظة لم ترَه قط غاضبًا بهذا الشكل من قبل.
“بصراحة، ظننته وسيمًا بعض الشيء وقتها.”
“من؟”
“من غيره، اللورد إيبوني لم يكن يبدو كالشخص الذي أعرفه.”
لم ترد بريوني بشيء إن وافقت، شعرت أنها تبدو تافهة، وإن أنكرت، شعرت وكأنها تكذب على نفسها.
وأخيرًا، وصلتا إلى العنوان الذي دلّهما عليه هارولد كان منزلًا خشبيًّا قديمًا شُيّد بشكل عشوائي، لا يختلف عن البيوت الأخرى في الجوار جزء من السقف قد رُقّع بشكل خشن بالصفيح، ما يدل على الوضع المالي للأسرة.
لم يكن هناك سور، وكان باب المنزل هو نفسه بمثابة البوابة والمدخل النافذة الصغيرة بجوار الباب كانت مغطاة بستارة رتّبت ميرتل سلة الخبز التي أحضرتها.
“يبدو أنه لا أحد هنا.”
طرقت بريوني الباب.
“هل من أحد؟”
نادَت ميرتل بصوت عالٍ لكن لم يكن هناك أي رد من الداخل تذكرت بايوني أن هارولد أخبرها أن جميع عمال المناجم المصابين لديهم عائلات، لذا كان غريبًا أن لا يكون هناك أحد في المنزل.
“آنسة، هناك…”
شدّت ميرتل بلطف على ذراع بريوني فنظرت الأخيرة نحو الاتجاه الذي أشارت إليه في الفراغ الضيق بين هذا المنزل والمنزل المجاور، الذي لا يكاد يُسمى زقاقًا، تراءى ظل صغير كان هناك طفل يراقبهم بهدوء من تحت ظل سقفي المنزلين.
تغير صوت ميرتل إلى نبرة رقيقة.
“عزيزي، هل تسكن في هذا المنزل؟”
الطفل الذي كان يراقبهما بعينين مليئتين بالخوف، كان وجهه متسخًا يرتدي في هذا الفصل البارد ثوبًا رقيقًا خاليًا من الحشو، وشعره الطويل يغطي حاجبيه وأذنيه ساقاه كانتا هزيلتين لدرجة يصعب معها التصديق أنه يستطيع المشي بدا أنه لا يوجد من يرعاه جيدًا.
أخرجت بريوني رغيفًا دافئًا من سلة ميرتل.
“هل تناولت الغداء؟ هل ترغب في هذا؟”
بدلًا من الكلمات اللطيفة، جذب الطفل الرغيف وسار من الظل باتجاههما.
تنهّدت ميرتل بأسف.
“يا إلهي، انظري إلى هذا المسكين كم هو نحيف.”
خلعت برايوني الشال الذي كانت ترتديه ولفّته حول الطفل لم يكن في منزل آل آرلينغتون ولا في منزل آل دالمور أي طفل من قبل، لذا لم تستطع تقدير عمر الطفل أمامها بل لم تتمكن حتى من تحديد إن كان صبيًّا أم فتاة.
“كم عمرك؟”
بدلًا من الإجابة، أخذ الطفل يلتهم الرغيف بنهم.
“يبدو في الثالثة أو الرابعة من عمره تقريبًا.”
بما أن والد ميرتل كان طبيبًا في شوبري، فمن المرجح أن يكون تقديرها صحيحًا رفعت برايوني يدها لتوقف الطفل.
“كُل ببطء.”
“أين والدتك أو والدك؟”
توقف الطفل لوهلة عند هذا السؤال، ثم عاد لتناول الخبز سألت ميرتل مجددًا:
“ما اسمك؟”
“… آمبر.”
كان الأمر مفاجئًا، إذ لم تتوقعا أن تحصلان على إجابة وهذا يعني أنها ليست صغيرة لدرجة يصعب التواصل معها و”آمبر” اسم يُطلق على الفتيات، فتمكنت بريوني أخيرًا من تحديد جنسها.
أشارت ميرتل إلى المنزل.
“هنا، لا يوجد، أحد؟”
سواء فهمت السؤال أم لا، دفعت آمبر الباب بقوة بيدها الأخرى وهي لا تزال تمسك بالخبز فانفتح الباب بسهولة كان الداخل مظلمًا ولا يُشعِر بوجود أحد.
دخلت بريوني بشجاعة إلى الداخل.
ولحسن الحظ، لم تكن هناك جثث لزوجين ماتا جوعًا كما كانت تخشى في أعماقها، بل كان المنزل خاليًا لا أكثر.
كان المكان مكوّنًا من مساحة واحدة دون فواصل في ما بدا أنه المطبخ، كانت هناك قدور وأباريق وكأنها استُخدمت قبل ساعات فقط، وكانت الطاولة والكراسي تحمل آثار الحياة اليومية.
“إلى أين ذهبوا تاركين طفلة صغيرة هكذا؟”
تمتمت ميرتل وهي تتفقد المكان.
ورغم أن الأمر يُعدّ تعديًا، سكبت بريوني كوب ماء من الإبريق في المطبخ، إذ خشيت أن تختنق آمبر وعندما ناولتها الكوب، شربته بهدوء.
في الداخل المظلم، بدت خصلات شعر آمبر البني الفاتح وكأنها بنية داكنة لم تستطع بريوني منع نفسها من التفكير في زوجها السابق—حتى استخدام هذا اللقب بدا غريبًا—لأن لون شعره كان مقاربًا لذلك، حيث يصعب التمييز بين البني الفاتح والأشقر الرملي تحت ضوء الشمس.
بينما كانت تملّس خصلات شعر الطفلة الرقيقة، لاحظت ندبة باهتة على ظهر يدها.
“ميرتل، ما هذه العلامة؟”
أمسكت ميرتل بيد الطفلة الصغيرة وتمعّنت في الندبة لم تكن محصورة على ظهر اليد فقط، بل امتدت تحت كم الثوب لتصل إلى عظمة المعصم البارزة.
“أظنها… ندبة حروق.”
“هل هي مجرد حروق عادية؟”
“على الأرجح بشرة الأطفال أضعف من بشرة البالغين.”
ردّت ميرتل بلا اهتمام كبير، لكن بريوني لم تستطع إخفاء قلقها.
لم يكن هذا المنزل بيئة صالحة لتربية طفلة صغيرة؛ فالمشكلة لم تكن في الفقر وحده، بل في غياب أي شيء يدل على وجود طفل ورغم أنها لم تكن تعرف الكثير عن الأطفال، إلا أنها كانت تعلم أن منازلهم لا بد أن تضم ملابس صغيرة أو ألعابًا على الأقل
“هل يمكن أن تكون ضحية إساءة أو إهمال…؟”
مقارنةً بهذا، كانت بيئة نشأة بريوني مرفّهة ومستقرة ومع ذلك، لم تتلقَ الرعاية المناسبة حتى هناك لم يكن جيديون أبًا صالحًا، وكان الخدم منشغلين دائمًا بإرضاء أهواء سيدهم أما المعلمات، فكُنّ كلهنّ صارمات، فلم يكن أمام الفتاة الصغيرة سوى التعلق بجارية أصغر منها أو القطة التي تربيها.
ولهذا، كانت بريوني حساسة تجاه من يعانون من الإهمال أو الإساءة لم يكن في إيبوني أطفال نشأوا في مثل هذه الظروف، ولا خدم يتعرضون لمعاملة سيئة، لذا لم تتح لها الفرصة من قبل لإظهار حساسيتها هذه.
سحبت آمبر يدها بهدوء من قبضة ميرتل.
وفي تلك اللحظة، جاء صوت غاضب من الباب:
“ما الأمر؟ كيف تقتحمون منزل غيركم هكذا؟”
***
“يحدث مثل هذا الأمر كثيرًا في الآونة الأخيرة، لا أدري لماذا.”
همست ميرتل.
كانت المرأة الواقفـة عند المدخل تبدو بلا شك ربّة هذا المنزل كانت ترتدي معطفًا سميكًا، كما لو كانت قد خرجت لتوّها من المنزل، وتحمل حقيبة صغيرة في يدها كانت أطول من بريوني برأس تقريبًا، وتبدو بشكل عام قوية وصلبة البنية.
“نعتذر عن دخولنا دون إذن، لقد كانت هذه الطفلة واقفة وحدها في الخارج، لذا…”
“وما شأنكما بها؟”
ضاقت عينا المرأة وهي تحدّق فيهما وبالنظر عن كثب، كانت تبدو أكبر سنًّا من بريوني، ربما بسبب آثار السنوات التي عاشتها كما أن شعرها الأشقر الفاتح وملامح وجهها الكبيرة لم تكن تشبه ملامح آمبر على الإطلاق.
(هل آمبر تشبه والدها إذًا؟)
راود بريوني هذا التساؤل، لكن المرأة كانت تنظر نحو ميرتل بتمعن قبل أن تسأل:
“هل أنتِ والدتها الحقيقية، بالمناسبة؟”
“ماذا؟!”
قفزت ميرتل من مكانها مذعورة.
“أ-أنا لم أمسك يد رجل من قبل حتى!”
“الطفل لا يُولد من مجرد الإمساك باليد.”
“على أية حال، لستُ والدتها! آنسة، أنا بريئة تمامًا!”
“فهمنا، اهدئي يا ميرتل.”
بدت على المرأة خيبة الأمل وهي تستمع لحديثهما، ثم أشارت إلى بريوني.
“كنت أتمنى لو كانت هذه الآنسة هي والدتها الحقيقية، لكنها لا تبدو شبيهة بها إطلاقًا.”
شعرت بريوني بالقلق من أن تتمكن آمبر من فهم كلام المرأة فخفضت صوتها وقالت:
“نحن لم نأتِ بحثًا عن آمبر، بل جئنا للقاءك أنتِ وزوجك.”
“أنا وهنري؟”
وحين لمحت بريوني لميرتل بعينيها، وضعت ميرتل سلة الخبز التي كانت تحملها على الطاولة، فأكملت بريوني كلامها:
“أنا… جئت من قصر آلنغتون اسمي بريوني آلنغتون.”
“آه، فهمت.”
أومأت المرأة برأسها.
فارتبكت بريوني من العداء الذي بدا فجأة في وجه المرأة ويبدو أن آمبر شعرت بذلك أيضًا، إذ اختبأت خلف تنورة ميرتل واصلت بريوني الحديث:
“سمعت أن حادثًا وقع في المنجم الشهر الماضي، وقيل إن زوجك قد أُصيب.”
“بسبب ذلك الحادث، لم يعد هنري قادرًا على استخدام ذراعه اصطحبته إلى العيادة ليراه الطبيب.”
“ذلك الطبيب هو والدي.”
قاطعتها ميرتل محاولة تلطيف الأجواء، لكن زوجة عامل المنجم لم تُبدِ أيّ تغير في ملامحها.
“إذًا، ما الذي تريده الآنسة من قصر آلنغتون؟”
كان متوقعًا أن يكون لدى ضحايا الحادث مشاعر سلبية تجاه جيديون، والد بريوني لكن التحدث إلى شخص يُظهر كراهيته علنًا لم يكن بالأمر السهل.
“أنا لستُ سيدة قصر آلنغتون…”
“أعرف، يقولون إنكِ تطلّقتِ من الكونت ثم عدتِ إلى هنا، أليس كذلك؟”
عجزت بريوني عن الرد، فنظرت إلى المرأة التي ابتسمت بسخرية:
“حتى في شوبري تصلنا أخبار المجتمع الراقي إذًا، هل جئتِ تبحثين عن زوج جديد؟ لتلعبي دور الزوجة المسكينة لهنري؟”
“سيدتي، هذا الكلام فيه ظلم كبير.”
حاولت ميرتل الاعتراض، لكن بريوني أوقفتها.
“أعلم أن تعويض الحادث لم يُنفّذ كما يجب… سأُقنع والدي بحل الأمر في أقرب وقت ممكن.”
“التعويض شيء، وواقع الحال شيء آخر زوجي لا يعمل حاليًّا، ونحن مفلسون تمامًا.”
عندها أخرجت بريوني كيسًا صغيرًا من النقود الذهبية كانت قد طلبت من هارولد استبدال أحد مجوهراتها بها أخرجت منه ثلاث عملات ذهبية ومدّتها نحو المرأة، التي هدأت نظرتها قليلًا.
وضعت المرأة العملات الثلاث على الطاولة، واحدة تلو الأخرى.
“…تكفي للإنفاق لمدة شهر واحد فقط.”
“سأدبر أمر التعويض خلال تلك المدة.”
عقدت المرأة ذراعيها.
“ألن تدفعي رسوم العلاج أيضًا؟”
ترددت بريوني إصابة هنري كانت في الذراع فقط، لكن حسب ما أخبرها كبير الخدم هارولد، هناك مصابون حالتهم أسوأ لم تكن واثقة من قدرتها على دفع تكاليف علاج الجميع.
“…سأبذل قصارى جهدي لكن لدي طلب بالمقابل.”
ظهرت علامات الحذر في عيني المرأة، فشارت بريوني نحو آمبر، التي ما تزال مختبئة خلف ميرتل.
“أنتِ من تتولين رعاية هذه الطفلة حاليًا، صحيح؟ في هذه الحالة، أتمنى أن تعتني بها بشكل أفضل.”
كما توقعت، ارتفعت نبرة صوت المرأة بغضب.
“آمبر هي الطفلة التي تبنيتها! ولا يحق لكِ أن تأمري أو تنهَي!”
“صحيح أن رعايتها من شأنكِ، لكن في حال الاشتباه بسوء المعاملة، يمكنني التبليغ.”
لكن في شوبري، المسؤول النهائي عن مثل هذه البلاغات هو جيديون نفسه، ومن المؤكد أنه لن يهتم بشأن طفلة يتيمة من عائلة عامل منجم ويبدو أن المرأة أدركت أن بريوني كانت تحاول التظاهر بالقوة، فقهقهت بسخرية.
“سوء معاملة؟ أنا أطعِمها وأكسوها، رغم أنني خُدعت وظننتها صبيًا حين أحضرتها من الملجأ.”
كان العمل في المناجم بحاجة دائمة إلى رجال، لذا فالأولاد يُفضلون على البنات وإذا كانت المرأة قد رغبت في تبني صبي لكنها حصلت على فتاة، فقد يكون تفسير سلوكها القاسي هذا واضحًا لكنه لا يبرر المعاملة السيئة.
قالت ميرتل بتذمر:
“ولماذا لم تطلبي استبدالها بطفل آخر منذ البداية؟”
سخرت المرأة:
“أنتم من عائلات راقية، لذا لا تفهمون وضعنا أمثالنا لا يتبنون من مؤسسات فخمة تُجهز الأوراق وتوفر المربيات نحن نأخذ الأطفال من ملاجئ مكتظة بالصغار الذين تخلّى عنهم الآخرون.”
لم تكن بريوني تعرف الكثير عن نظام التبني أو إجراءاته، لكنها فهمت من كلام المرأة أن تلك الملاجئ كانت تكدّس فيها أطفال الفقراء، أو أبناء الزنى الذين لا مكان لهم ويبدو أن المرأة كانت تجد في هذا الحديث متنفسًا فاستمرت في الكلام:
“ومتى ما أخذت طفلًا من هناك، لا يمكنكِ إرجاعه فهم لا يعترفون بك ثانية فكيف تتوقعين أن أعيدها؟”
“أفهم ظروفكِ… لكن الطفلة الآن ابنتكِ ألا يمكنكِ على الأقل إطعامها وكسوتها بشكل أفضل؟”
نظرت المرأة إلى آمبر بنظرة مليئة بالإرهاق العميق، وكأنها تخفي ألمًا داخليًا لا يمكن محوه.
“لو دفعتِ مزيدًا من المال، سأفعل.”
منعت بريوني ميرتل من الانفجار مرة أخرى لم يكن اللوم يقع بالكامل على هذه المرأة فالطفل غير المرغوب فيه في الأسر الفقيرة لا يختلف عن حيوان ضال، ولذلك يُتخلّى عن الكثيرين في الخفاء وبما أن هذه المرأة تبنت طفلة كهذه واعتنت بها، فربما كانت أكرم من بريوني نفسها، التي لم تستطع رغم تعاطفها مع آمبر أن تقول إنها ستأخذها وتربيها بنفسها.
“ليس لدي المزيد الآن، لكنني سأرسل لكِ مبلغًا آخر حالما أعود للمنزل.”
بدت المرأة راضية أخيرًا وحتى صوتها بدا لطيفًا عندما نادت: “آمبر، تعالي هنا.”
أدارت ميرتل وجهها، لكن بريوني تابعت المشهد حتى النهاية، حيث اقتربت الطفلة بتردد وتمسكت بأطراف ثوب المرأة.
“لكن، هل من المعقول أن تتجولي هكذا من بيت إلى بيت تتظاهرين بأنك فاعلة خير، وتوزعين الذهب؟”
سألت المرأة وهي تمسك يد آمبر، بنبرة فضولية لم يكن في الأمر ما يستوجب الإخفاء، لذا أجابت بريوني بصراحة:
“أحاول فقط أن أقدم أقل القليل من الاحترام للضحايا.”
“لو كنتُ مكانكِ، لما فعلت لحسن حظكِ أنني أنا من استقبلتكِ، فهناك رجال في الحي أشد قسوة من هنري ألا تعلمين كم يكره الناس اللورد حيديون آلنغتون؟ لو عرفوا أنكِ ابنته، ربما اعتدوا عليكِ انتقامًا منه إن كنتِ مصرة على التوزيع، فأرسلي رجلًا بدلًا منكِ شابًّا قويًّا.”
ارتجفت ميرتل من الفكرة، فمثل هذه الأمور لا تُتخيّل حتى في إيبوني وحتى بريوني، التي لم تكن تخرج بمفردها قبل زواجها بسبب صغر سنّها، لم تكن تدرك حقيقة الوضع في شوبري من قبل ازداد شعورها بقيمة الحياة الآمنة والمسالمة في إيبوني شعرت بالرعب، لكنها لم تُظهره.
“شكرًا على النصيحة وقد أزعجناكِ كثيرًا.”
“إذا جئتِ بالنقود، يمكنكِ زيارتنا متى شئتِ.”
قالت المرأة.
وقبل أن تغادر بصحبة ميرتل، التفتت بريوني مرة أخيرة نحو آمبر، التي كانت تنظر إليها بصمت، بعينيها الخضراوين الصافيتين.
لم يكن قلب بريوني مرتاحًا وهي تترك تلك النظرة البريئة خلفها وتغادر المنزل.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات