حتى كبير الخدم تخلّى بسرعة عن محاولة إيقاف سيدته، وركض مباشرة نحو مصدر صراخ ميرتل تبعته بريوني.
“لا يحق لكما الدخول بهذه الطريقة! سيد ديميتري، أرجوك، هذان الشخصان…”
كانت ميرتل تنظر إليهما وهي محمرة الوجه من شدة الانفعال.
كان باب المدخل مفتوحًا على مصراعيه نظرت بريوني إلى الرجلين الواقفين عند العتبة رغم أن بنيتيهما توحيان بقوة بدنية، إلا أن سلوكهما كان ينم عن انضباط الطبقة العليا، وكانا يرتديان زيًا رسميًا غير مألوف لديها.
“من أنتما؟”
تقدّم ديميتري وسأل.
“هل اللورد إيبوني في المنزل؟”
سأل الأكبر سنًا منهما، ذو الشارب.
أجاب كبير الخدم
“إنه غائب حاليًا وهناك سيدات في المنزل، فهلّا عدتما لاحقًا؟”
“في هذه الحالة، سننتظر عودته.”
“لا موعد محدد لعودته .”
“ألم يذكر إلى أين سيذهب؟”
“أنا مجرد خادم، ولست فارسه المرافق.”
“ولم جئتما إذن؟”
سألت بريوني.
أشار لها ديميتري بنظرة أن لا تتحدث، لكنها لم تهبأ بما أن الكونت غائب، فكل مسؤولياته وأدواره تؤول تلقائيًا إلى الكونتيسة وقد وُقّعت أوراق الطلاق بالفعل، لذا هي وكييث أصبحا غريبين رسميًا ومع ذلك، أرادت أن تحافظ على هيبتها ككونتيسة إلى أن تغادر أراضي إيبوني.
أجاب الرجل ذو الشارب بتعالٍ:
“جئنا ومعنا مذكرة تفتيش.”
“مذكرة تفتيش؟”
لكن هذان الرجلان لم يكونا من مسؤولي الأمن في إيبوني فحكام الأراضي هم من يعيّنون مسؤولي الأمن في أراضيهم، وبما أن بريوني قد تعرّفت سابقًا على رجال الأمن في إيبوني عن طريق كييث، فهي كانت واثقة أنها لم ترَ هذين الرجلين من قبل.
وفوق ذلك، لم يكن من صلاحيات رجال الأمن التحقيق مع النبلاء أو أفراد عائلاتهم لم تكن هناك سوى مؤسسات قليلة في المملكة تملك السلطة لإصدار مذكرات تفتيش بحق نبيل يحمل لقب بارون أو أعلى.
ويبدو أن ديميتري قد وصل إلى نفس الاستنتاج.
“مذكرة تفتيش صادرة من أين؟”
زمجر الرجل الآخر، غير صاحب الشارب:
“كيف يجرؤ هذا العامي على أن يسأل من أين—”
لكن صاحب الشارب رفع يده ليوقفه، ثم أجاب بنبرة متباهية:
“إنها مذكرة تفتيش صادرة عن جلالة الملكة.”
كان وقع تلك الكلمات مذهلًا.
تجمّد الجميع عدا الدخيلَين.
حتى ميرتل ترنّحت من الصدمة وأسندت ظهرها إلى الجدار، بينما شحب وجه ديميتري، المعروف بندرة تأثره، حتى بدا كالأموات أما بريوني، فتمسّكت بدرابزين الدرج بقوة.
“جلالة الملكة؟”
لم يسبق لها في هذا المنزل، بل في حياتها كلها، أن سمعت لقب “جلالة الملكة” يُستخدم كاسم علم وليس كاسم عام.
صحيح أن عائلة دالمور هي من العائلات العريقة، لكن ما بين أسرة الكونت وجلالة الملكة هناك جدار عالٍ يصعب تجاوزه.
نعم، يحق للنبلاء حضور ثلاثة مناسبات ملكية سنويًا، لكن هذا لا يعني أن جميعهم يحظون بشرف الجلوس إلى مائدة الملكة فهل تَحدّث كييث مع الملكة يومًا حتى ولو بكلمة؟
قال ديميتري شيئًا، لكن أذنيها لم تلتقطاه.
مذكرة تفتيش؟ بل مذكرة من جلالة الملكة موجّهة إلى كييث؟
لابد أن هناك خطأً ما.
تناهى إلى سمعها صوت حوافر خيل من بعيد.
كان هناك من يمتطي جواده بسرعة جنونية.
لكن بريوني لم تدرك أن الصوت ليس ببعيد، بل يقترب بسرعة من “مرتفعات إيبوني”.
“إن كان الأمر كذلك، فدعوني أرى مذكرة التفتيش.”
نزلت بريوني درجات السلم واقتربت من الرجلين.
“أريد التأكد إن كانت حقًا تحمل توقيع جلالة الملكة.”
قال الرجل ذو الشارب، محذرًا:
“سيدتي، من الأفضل أن تتراجعي.”
وقبل أن ينهي كلمته، ظهر ظل كييث خارج الباب.
شدّ لجام فرسه، فتوقف، ثم قفز عن صهوته بحركة واحدة سلسة.
راقبت بريوني وهو يخطو بخطوات واسعة، متقدمًا ليقف أمام الرجلين.
كان يبدو أنفاسه لاهثة وملابسه مبعثرة، وكأنه قد أسرع بالقدوم، لكن حين فتح فمه، لم يكن في صوته أي اضطراب أو تردد.
“ما هذه الوقاحة منذ الصباح الباكر؟”
“هل أنت اللورد إيبوني؟”
“اذكرا انتماءكما.”
“نحن من ‘عيون الملكة’، المحققون التابعون لجلالة الملكة.”
“اسمكما؟”
“أنا أولسون.”
لم يتحرك كييث قيد أنملة، مما أجبر الآخر على التعريف بنفسه كذلك.
“اسمي أوين.”
“إذن، ما هذه الوقاحة منذ الصباح؟ في منزل غير منزلكما.”
وقد بدا الختم وكأنه ختم العائلة المالكة آلجونكوين، ما يدل على أن المذكرة قد تكون حقيقية فعلًا.
انتزع كييث المظروف كما لو كان ينتزعه، فك الختم، وقرأ ما بداخله بعينيه.
ثم أعاد الظرف والمذكرة إلى المحقق.
“وفقًا لأوامر جلالة الملكة، سأتعاون في التفتيش ابحثوا كما شئتم، وخذوا ما تحتاجونه لكن، لا تلمسوا أحدًا من أهل المنزل.”
“من المفترض أن المذكرة تنص على التعاون التام.”
“تلك المذكرة تتيح لكم تفتيش المنزل، لا تفتيش الأجساد.”
كان في نبرة كييث قدر من الاحتقار.
في تلك اللحظة، تحرّك ديميتري بهدوء ليفسح طريقًا لبرايوني، وكأنه يشير لها بأن تستغل الفرصة وتخرج بسرعة، مستخدمًا جسده كحاجز لحمايتها.
كانت قلقة على كييث، لكنها لم تكن تظن أن وجودها قد يساعده، وكان ما تخشاه أكثر هو حالة ميرتل التي ترتجف من الخوف.
حين بدأت تتصرف وفقًا لإشارة ديميتري، تنبّه أوين إلى ذلك بسرعة ووقف في طريقها.
“سيدتي، بما أن المنزل سيخضع للتفتيش، لا يحق لكِ التحرك بحرية.”
رفع يده وكأنه سيمنعها جسديًا.
عندها انفجر صبر كييث.
“لا تلمس زوجتي!”
كان صراخه مرعبًا لدرجة أن الجميع، بمن فيهم بريوني والمحققان، شحبوا من الذعر.
الوحيدة التي أبدت شجاعة كانت ميرتل، التي رغم ارتجافها ابتعدت عن الجدار واقتربت من سيدتها.
أمسكت بريوني بيد ميرتل.
قال أوين بتردد:
“يا لورد إيبوني، نحن فقط نحاول تسهيل مجريات التحقيق…”
أما أولسون—ذو الشارب—فكان أكثر حزمًا:
“أنتم الآن تعرقلون التحقيق، يا لورد إيبوني نحن محققو جلالة الملكة مباشرة، ومعارضتكم لنا تُعد تمردًا على—”
لكن كييث لم ينتظر حتى يُكمل كلامه.
توجه إلى جدار ممر متصل مباشرة بالردهة، وسحب سيفًا مزخرفًا لم تكن بريوني تعلم حتى أنه موجود هناك.
رغم أنه للزينة، إلا أن السيف كان مُعتنًى به جيدًا، وكان من نوع “الرابير” بلا نُقص.
أمسكه كييث بمهارة، ووجه طرفه الحاد إلى أولسون في لحظة.
“مجرد محقق متدنٍ وتجرؤ على الادعاء بأنك تمثل جلالة الملكة؟”
“يا لورد…”
“لورد، تقول؟ أحسنت التعبير إيبوني هذه إقطاعيتي، وكل من يعيش على أراضيها هم شعبي وليس لمحقق بسيط مثلك الحق في أن يأمرهم أو ينهاهم.”
لم تستطع بريوني أن تحدد ما إذا كان كلام كيث صحيحًا أم لا في مملكة ألجونكوين، كانت سلطة جلالة الملكة مطلقة وقد كانت تملك جهاز تحقيق مستقلًا يُعرف بـ”عيون الملكة”، يملك صلاحية إصدار أوامر تفتيش للنبلاء دون الحاجة إلى أي إجراءات اتهام رسمية، وهذه الصلاحية لم تكن إلا للملكة وحدها.
لذلك كان على كيث أن يمتثل لمطالب المحققين ولكن، وبنفس المنطق، لم يكن من اللائق أن يدّعي محققون من الدرجة الدنيا أنهم يمثلون جلالة الملكة شخصيًا.
من كسر حدة التوتر المتصاعد كان ديميتري.
“هذه السيدة ليست سيدة إيبوني.”
أصاب الجميع الذهول وقد بدا واضحًا أن كتفي كيث قد ارتخيا قليلًا، ثم أنزل يده التي كانت تقبض على السيف، لكنه لم يُعده إلى مكانه.
قررت بريوني أن تتكلم، كان لا بد من قول شيء.
“نعم، لقد طلّقتُ اللورد إيبوني.”
“إذًا هذه السيدة… الآنسة، من تكون؟”
كان من سأل بذلك النبرة المرتبكة هو أولسن؟ أم أوين؟ لم تكن بريوني متأكدة، لكن ديميتري هو من أجاب بدلًا منها.
“هذه الآنسة هي الآنسة أرلينغتون.”
لقب “سيدة” يُمنح لفتيات أو زوجات النبلاء من رتبة إيرل فما فوق، أما “آنسة” فهو يُطلق على فتيات النبلاء من رتب أقل كالفيكونت أو البارون ارتسمت على وجهي المحققَين ملامح تدل على أنهما الآن فهمَا الوضع.
(هل يُعقل أن شائعة انفصالي عن كيث بعد ثلاث سنوات فقط من الزواج قد انتشرت في كل المجتمع الأرستقراطي؟)
تملكت بريوني مشاعر قلق مفاجئة.
“الآنسة دارلينغتون، إذًا—”
“أرلينغتون، وليس دارلينغتون.”
صحّحت لهم تجاهل المحقق تصحيحها وأكمل:
“هل يمكننا أن نسأل عن سبب الطلاق من اللورد إيبوني؟”
“وهل التحقيقات الشخصية تدخل ضمن التفتيش المنزلي؟”
وبما أن الجواب كان بالنفي، اضطر المحققان إلى الإقرار بأن لا حقّ لهما في استجوابها فاستغل كيث الفرصة ليصدر أوامره إلى ديميتري دون أن يوجه ولو نظرة واحدة إلى بريوني:
“ديميتري، اصطحب الآنسة أرلينغتون إلى منزلها.”
“حاضر.”
“العربة جاهزة، أليس كذلك؟”
وكأنه كان يتوقع حدوث شيء كهذا، كانت العربة تنتظر بالفعل، ليس عند المدخل الرئيسي لإيبوني هايتس، بل عند الباب الخلفي تساءلت بريوني ما إذا كان السائق قد أنهى استعداداته للرحيل لكن ديميتري، الذي قال وهو يشير لها: “بالطبع آنسة أرلينغتون، من هذا الاتجاه.”، كان مستعدًا لقيادة العربة بنفسه إلى شوبري البعيدة، إن لزم الأمر.
“آنسة، أسرعي من فضلك.”
حتى ميرتل كانت تسرعها بقلق.
مشت بريوني ببطء، متثاقلة الخطى هل عليها أن تغادر المكان الذي عاشت فيه لثلاث سنوات وبَنَت فيه قدرًا من الألفة… دون حتى وداع لائق؟
(ألن أتمكن حتى من قول كلمة وداع واحدة لكيث؟)
حين مرّت بجانبه، رفعت بصرها تنظر إلى جانبه البارد الذي لم تره بهذه القسوة من قبل.
كان الخيول قد رُبطت بالفعل إلى العربة، وكما توقعت، لم يكن السائق قد أنهى بعد تجهيزاته ربما ذهب ليأخذ قسطًا من الراحة قبل الرحلة الطويلة.
لكن ديميتري لم يتردد لحظة، وساعد بريوني على الصعود إلى العربة.
“عليكِ أن تسرعي، آنسة.”
“لكن—”
“آنسة ماير، تفضّلي.”
ثم ساعد ميرتل أيضًا على الصعود وأُغلِق الباب خلفهما، ثم سُمِع صوت ديميتري يتحرّك في الأمام، يتأهب لقيادة العربة.
بريوني لم تكن تصدّق ما يجري.
كيث لم يرتكب أي خطأ، ومع ذلك صدرت في حقه مذكرة تفتيش باسم جلالة الملكة.
أما هي، فكانت تهرب من إيبوني كما لو أنها تفرّ في جنح الليل!
“انتظر، فقط لحظة—”
لكن صوتها كان خافتًا، لم يصل إلى الخارج تنهد ديميتري بضيق، ثم بدأت العربة تتحرك.
دفعت بريوني ميرتل جانبًا وتعلّقت بإطار النافذة التي تطل على الحديقة الخلفية لإيبوني هايتس تلك الحديقة التي زرعتها بنفسها في السنة الأولى لوصولها، والتي أعجب بها كيث أيضًا… كانت تبتعد شيئًا فشيئًا.
وما إن وصلت العربة إلى مسافة يمكن منها رؤية كامل إيبوني هايتس، حتى رأت شخصًا يركض خارجًا من الباب الخلفي.
حتى على بعد مئة ياردة، عرفت بريوني من هو.
إنه كيث.
كان واقفًا هناك بلا حراك، يتابع العربة وهي تبتعد، وكتفاه مرتخيتان كمن فقد كل قوته، دون أن يُحرّك ساكنًا.
كانت المسافة كبيرة، فلم تستطع أن ترى ملامح وجهه بوضوح.
“آنسة، احذري أن تسقطي من العربة!”
قالت ميرتل وهي تسحبها من النافذة.
جلست بريوني فجأة على المقعد، مشاعرها لا يمكن وصفها بالكلمات.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات