“تم تقسيم متعلقات سيدتي على ثلاث عربات، وستصل إلى شوبري بعد أسبوع لقد كتبت رسالة إلى كبير الخدم في منزل آل ألينغتون، لذا فلا داعي للقلق بشأن نقل الأمتعة.”
“لا يوجد شيء أحتاج إليه على وجه السرعة، فلا داعي للعجلة.”
“سيقوم آش بإيصالك إلى شوبري بالعربة وبالطبع، سأرافقك أيضاً.”
“كان يمكنني استئجار عربة خاصة، فلم كل هذا العناء…”
كانت بريوني تمانع، لكنها أغلقت فمها عندما رأت تعبير الحزن على وجه كبير الخدم لا شك أن ديميتري قد أعد كل شيء على أكمل وجه كما يفعل دائماً في كل الأمور، بما في ذلك انتقال سيدته ولكي لا تذهب جهوده سدى، كان من الأفضل أن تتركه يفعل كما يريد.
“البيت هادئ.”
غيرت مجرى الحديث.
وفى كيث بوعده ومنح الخدم يوم عطلة وكانت بريوني قد طلبت ذلك، ليس فقط للتعبير عن امتنانها لمن ساعدوها في حمل الأمتعة، بل أيضاً لأنها أرادت مغادرة إيبوني هايتس في وقت لا يكون فيه أحد بالمنزل إن أمكن.ة لا تزال تتذكر بوضوح ذلك اليوم عندما حملها كيث بين ذراعيه وتخطى بها عتبة هذا البيت، وما إن أنزلها في المدخل حتى دوّى صوت ترحيب الخدم المصطفين في صفّين، مما أربكها بشدة.
“هل لا بد أن تغادري اليوم؟”
“لا بد أن والدي في انتظاري.”
كذبت بريوني ولا شك أن ديميتري كان يعلم أنها تكذب لو أن السير جيديون ألينغتون كان حقاً ينتظر ابنته بشوق، لكان أرسل على الأقل عربة خاصة تقلّها في هذه الرحلة الطويلة.
بالطبع، كان كيث هو المسؤول عن الطلاق، ولهذا السبب كان من الواجب عليه، وفقاً للقانون، أن يعيد كامل المهر الذي جاءت به بريوني إلى عائلة ألينغتون، دون أن يُنقِص منه فلساً واحداً، وأن يتحمّل كذلك كل نفقات انتقالها لكن تلك كانت مجرد التزامات قانونية أما هي، فلم تكن ترغب في تلقي الشفقة من زوجها السابق، بل كانت تودّ أن تشعر باهتمام والدها وإن لم يكن ذلك ممكناً، فقد فكرت أن تبيع بعضاً من مجوهراتها لتغطي بها تكاليف انتقالها.
وحين ناقشت الأمر مع ديميتري، بدا عليه الذهول والأسى معاً.
«أن تُنفق سيدتي من مالها على الانتقال؟ هذا غير مقبول لو علم اللورد إيبوني بذلك، لفصلني من عملي من أجلي، أرجوكِ دعي سيدي يقوم بما يجب عليه.»
“لا يزال هناك بعض الوقت قبل المغادرة وسيدي قال إنه سيعود قبل ذلك.”
“أين ذهب؟”
“وُلد طفل الليلة الماضية في بيت مدير الأراضي، فذهب ليقدّم له التهنئة.”
إنجاب طفل يعد مناسبة سعيدة في أي منزل وكيث، بصفته اللورد، رجل مخلص لمسؤولياته، فلا يمكنه التهاون حتى في مثل هذا اليوم.
“من المؤسف أنني لن أستطيع الذهاب، فهلا أوصلت له تهنئتي بالنيابة عني؟”
“بالطبع. … هل أُحضّر لك بعض الضيافة أثناء انتظارك؟”
“إذاً فنجان شاي دافئ فقط، لو سمحت.”
وبينما كان ديميتري قد انصرف، وقفت بريوني أمام مرآة القاعة تعدّل ثيابها.
كانت ممتنّة لغياب الناس عن المنزل لا بد أن الخدم الأذكياء قد أدركوا أن سيدتهم تنوي مغادرة إيبوني هايتس خلال عطلتهم وربما كان ديميتري قد أوصاهم مسبقاً بعدم التدخل، إذ لم يأتِ أحد ليتحقق من الأمر، لكن أجواء البيت بدت كئيبة في الأيام الأخيرة ولم تكن ترغب في مغادرة مكان اعتادت عليه وسط هذا الجو الحزين.
“آنسة بريوني… سيدتي.”
نزلت ميرتل من الطابق العلوي كانت عيناها محمرتين وكأنها بكت مجدداً الليلة الماضية.
“ما الذي أيقظك في هذا الوقت المبكر؟ لقد أنهيت زينتك بالفعل.”
“ذهب ديميتري ليُعد الشاي إن أردتِ فاذهبي واطلبي لنفسك فنجاناً.”
“لن أشرب حتى كوب ماء من هذا البيت.”
تمتمت ميرتل وهي تعضّ على أسنانها.
لكن كان في عنقها القلادة التي أهدى كيث إليها البارحة كانت تعبيراً عن امتنانه لها لما قدمته من رعاية لزوجته أما الآن، وقد عادت إيبوني لتصبح فقيرة مجدداً، ولضمان مرور ما تبقى من الشتاء بسلام، كان على اللورد أن يقتصد حتى في شراء الهدايا لجارية زوجته السابقة لذا فذلك الحُلي لم يكن جديداً، بل من بين حُلي الكونتيسة السابقة وقد أدركت بريوني ذلك، لكنها لم تقل شيئاً لميرتل.
“تم إعداد شاي الآنسة ميرتل أيضاً.”
“آه!”
تراجعت ميرتل خطوة إلى الوراء مرّ ديميتري وهو يحمل صينية الشاي بجانبها ودخل إلى غرفة الجلوس المجاورة للقاعة وبعد أن انتهى من ترتيب الضيافة، انحنى تحيةً بأدب وغادر مجدداً عندها، وكأنها استسلمت أخيراً، عرضت ميرتل على بريوني الشاي وبعض الخبز الملفوف.
“سيدتي، تفضلي ببعض الطعام يقول السائق إن الرحلة ستستغرق أسبوعاً بالعربة.”
“لن أبقى طوال الوقت داخل العربة سأتوقف ليلاً في الفنادق.”
“لا يوجد ما يُرى في هذا الفصل، ستكون رحلة مملة.”
على الرغم من تذمّر ميرتل، إلا أن كلامها كان وجيهًا؛ فالسفر بعربة لمدة أسبوع في مثل هذا الفصل من السنة يعني البقاء في غرفة صغيرة تهتز باستمرار، والنظر طوال الطريق إلى مناظر قاحلة عبر النافذة
لم تنم بريوني تقريباً الليلة الماضية، لذا كانت تنوي النوم داخل العربة لكن بعد كلام ميرتل، غيرت رأيها.
“سأمرّ على المكتبة للحظة.”
ما إن نطقت بذلك، حتى هرعت ميرتل إلى حبل المدفأة وشدّته بقوة، وكأنها لن تجد فرصة أخرى في حياتها، كخادمة، لتفعل ذلك بنفسها.
ظهر ديميتري مرة أخرى عند الباب.
“هل نادتني سيدتي؟”
“أحتاج إلى بعض الكتب لأقرأها في الطريق، هل يمكنني استعارة كتاب أو كتابين من المكتبة؟”
“بالطبع، سيدتي.”
كانت مكتبة إيبوني هايتس تُستخدم أيضاً كمكتب لكيث وأثناء صعودها إلى الطابق العلوي وخادمها يتقدمها، سألت بريوني بينما تنظر إلى ظهره:
“ديميتري، هل تدخل المكتبة كثيراً حتى عندما لا يكون كيث هناك؟”
“لأمسح الغبار عن الكتب.”
“وهل قرأت ما فيها من كتب؟”
“فقط ما سمح لي به سيدي.”
“ما نوع الكتب التي تفضلها؟”
“وأي نوع من الكتب تفضلينه أنتِ، سيدتي؟”
حين حان وقت الرحيل عن إيبوني، أدركت برايوني فجأة أنها لا تعرف الكثير عن هذا الخادم كل ما كانت تعرفه هو أن ديميتري أكبر من كيث بثلاث أو أربع سنوات، وأنه كان خادماً كفؤاً في بيت دالمور قبل أن تأتي هي إلى إيبوني هايتس، وأنه في عائلة أخرى ربما لم يكن ليحظى بأكثر من منصب معاون خادم رسمي، غير أنه هنا يحظى بثقة كيث أكثر من أي شخص آخر.
هل عيّنه لأنه شابّ وراتبه منخفض؟
طردت هذه الفكرة الوقحة من رأسها وسألت مرة أخرى:
“متى أتى ديميتري إلى هذا البيت؟”
“منذ سبع سنوات.”
فتح باب المكتبة وأدخلها.
كان أول ما وقعت عليه عيناها هو الشمعة المثبتة على شمعدان كان كيث يستخدمه عند القراءة، والتي لم يتبقّ منها إلا بقدر عقلة الإصبع حدّقت فيها مطولاً، فما كان من ديميتري إلا أن قال بنبرة كأنها تبرير:
“كان السيد هنا حتى وقت متأخر من ليلة البارحة.”
“لا ينبغي استعمال الشمعة حتى تصبح بهذا القصر.”
“…ليس لأننا لا نملك ثمن شموع.”
“فهي تُشعل النار في أشياء أخرى بسهولة.”
سواء ارتسمت خيبة الأمل على وجه ديميتري أم لا، فإن بريوني تقدمت إلى القسم الذي تفضله من المكتبة.
من بين الهوايات التي كانت تتمتع بها في إيبوني هايتس بحرية، كان قراءة الروايات الكلاسيكية من أحبّها إلى نفسها فقد شملت ذائقتها أنواعًا شتى من الروايات التاريخية إلى القصص الغريبة أما مكتبة آل ألنغتون، بيت والدها، فقد كانت تُدار حسب ذوق سيدها جيديون ولم تتح لها هناك فرصة أن تختبر بحق معنى عبارة “ضيّعت الوقت بين الكتب”.
في البداية، اقترح كيث أن يُعد لها مكتبة خاصة بها لما علم بحبها للقراءة، لكنها رفضت كان السبب أنها أحبت هذه المكتبة بما فيها من رائحة الشاي الهادئة وآثار وجود كيث فيها.
ومن العجيب أن كيث نفسه لم يكن ممن يحبون قراءة الروايات، ومع ذلك كانت هذه المكتبة تحتضن مئات من الروايات الكلاسيكية، تحمل آثارًا واضحة لاستخدام شخص ما لها.
وحين تأخرت في اختيار كتاب، قال ديميتري:
“بإمكانك أخذ أكثر من كتاب، فهذه ليست من النوع الذي يفضّله السيد على أي حال.”
“ومن الذي كان يقرأ هذه الكتب إذن؟”
” الليدي كيتلين دالمور، الراحلة “
“آه…”
بحسب ما سمعته برايوني، فإن كيتلين دالمور قد توفيت قبل خمس سنوات، أي قبل قدوم برايوني إلى إيبوني هايتس بعامين ولم يتحدث كيث عن أخته الراحلة إلا نادراً، وكذلك فإن والدهم، الكونت السابق، قد تُوفي بعد أن أصيب بمرض نتيجة صدمته بفقدان ابنته فلا شك أن عائلة دالمور كانت غارقة في الحزن حينها.
لو كانت الليدي كيتلين لا تزال على قيد الحياة، هل كنا سنصبح صديقتين؟
لم يكن الموت في سن مبكرة أمرًا نادراً في المملكة فمنذ سبع سنوات، اجتاح الطاعون البلاد، ولم ينجُ منه لا شريف ولا وضيع، ولا صغير ولا كبير ولهذا، كانت الأسر النبيلة حريصة على إنجاب الورثة بلا تأخير وإذا ما توفي أحد أفراد العائلة صغيرًا، فإن العادة جرت أن يحتفظ الأقارب بشعرة من شعره في قلادة صغيرة أو يقتنوا لوحات بورتريه له، توزع بين أفراد الأسرة.
الغريب أن قصر إيبوني هايتس لم يكن يضم أي لوحة لليدي كيتلين دالمور على العكس من ذلك، فإن لوحات الكونت السابق كانت تزين السلالم التي تصعد إلى الطابق العلوي، بالإضافة إلى أماكن كثيرة أخرى في البيت.
وإذا كانت هذه المجموعة من الروايات الكلاسيكية هي الإرث الوحيد المتبقي من كيتلين دالمور، فإن ذوق بريوني كان يشبه ذوق تلك الفتاة الراحلة بشكل مدهش ولو كان الأمر بيدها، لطلبت أخذ هذه الكتب معها إلى منزل آل ألنغتونرغير أن هذه الكتب تُعد إرثًا من شقيقته بالنسبة إلى كيث، ولذا فقد شعرت بالراحة أنها لم تتحدث عن هذه الكتب عندما ناقشا أمر النفقة.
“أعتقد أن اختيار الكتاب سيأخذ مني وقتًا هلّا أخبرتِ ميرتل أن تذهب وتستريح؟”
“كما تأمرين.”
كان ديميتري على وشك مغادرة المكتبة حين دوّى صوت ميرتل من الطابق السفلي:
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات