في وقتٍ آخر، لكان كيث قد اكتفى بإلقاء نظرة حادة على الخادم لكنّه لم يكن في مزاج يسمح له بذلك لم يكن يملك الطاقة لذلك أيضًا.
انتزع الخادم، ديميتري، الكأس من يده.
“هل نويت أن تنهي كل قطرة من الشراب في المنزل؟”
“من أين تعلمت أن تجيب دائمًا بسؤال؟”
“وإن أخبرتك، فهل تعرف أين يكون؟”
تنهد ديميتري هذه المرة وانتزع الزجاجة أيضًا.
ظن كيث أنه إن شرب، فإما أن يسكر أو يغفو، لكن وعيه لم يزد إلا صفاءً جلس على طرف الأريكة، يحدّق في الفراغ ويداه خاليتان.
لم يتحمّل ديميتري المشهد أكثر، فقال:
“بهذا الشكل، سيمرّ الليل كله ألا تغمض عينيك قليلاً؟”
“بريوني…”
توقّف كيث عن الكلام وأغلق فمه كان يتساءل إن كان يملك الحق في القلق عليها تذكّر وجه زوجته الشاحب حين تحدّث عن الطلاق.
«ما الخطأ الذي ارتكبته؟»
«هل أنا لا أتناسب مع الزواج الذي كنت تريده؟»
كيف كان عليه أن يقول لها ذلك دون أن يصدمها بشدة؟
كانت زوجته امرأة هادئة حتى أنّ عمّته الوحيدة، السيدة لوسيندا، اشتكت ذات مرة قائلة: “من السيئ أيضًا أن تكون الشابة عديمة التقلبات العاطفية بهذا الشكل.”
لكن كيث كان يُعجَب بعيني بريوني الكهرمانيتين العميقتين، وبنظرتها التي لا تتهرّب من نظرات الآخرين.
ولأول مرة، رأى تلك النظرات ترتجف.
«ما كان عليّ أن أقولها بتلك الطريقة.»
الطلاق كان موضوعًا لا بد من التطرّق إليه قريبًا لكن لم يكن من المناسب طرحه في أول لقاء في الصباح لم يكن يريد إيذاء بريوني إن أمكن، لكنه أيضًا لم يكن يريد أن يدفعها، من خلال بروده، لأن تعلن الطلاق بنفسها، أو أن يُلقي باللوم عليها لذا اختار كلماته بعناية حين تحدّث…
“…كيف كان عليّ أن أقولها؟”
“…”
لم يُجب ديميتري لو أنه وبّخه قائلاً: “لماذا قلت ذلك إذًا؟” لكان بإمكان كيث أن يفكر في عذر، لكن عدم الإجابة لم يكن من طبع ديميتري وكان هذا يعني أن الخطأ الذي ارتكبه كيث ثقيل جدًا.
حاول كيث جاهدًا طرد صورة وجه زوجته الصغير الشاحب من ذهنه، وتلك العينين المرتجفتين، وتلك اليد الرقيقة التي كانت تضغط على صدرها.
“من الأفضل أن أُبلغ السير جيديون آرلينغتون بنفسي، أليس كذلك؟”
كان السير جيديون آرلينغتون والد برايوني العلاقة بين الزوجين من آل البارون والنبلاء كانت فاترة، كما كانت بين كيث وبريوني طيلة السنوات الثلاث الماضية.
الفرق الوحيد هو أن كيث لم يكن يحمل مشاعر حقيقية تجاه البارون كان السير جيديون رجلاً جشعًا وضيق الأفق، ولم يكن له من ميزة سوى كثرة ماله.
“من الأفضل أن تستطلع رأي السيدة في هذا الشأن.”
“لا يمكن أن أجعل بريوني تُبلغ والدها بخبر الطلاق.”
“هذا هو رأي سموّك.”
“سأكتب رسالة إذًا.”
أتى ديميتري بالأوراق والقلم دون أن ينبس بكلمة وبجهد نهض كيث وجلس إلى مكتبه.
لطالما سعى السير جيديون ليزوّج ابنته إلى بيت إيرل، وإن علم الآن أن تلك الزيجة باءت بالفشل بعد ثلاث سنوات، فكيف ستكون ردة فعله؟
كان كيث ينوي بطبيعة الحال إعادة المهر بالكامل وإن تطلّب الأمر تعويضًا، فسيبيع أرضًا من الضيعة ليؤمّن ضعف قيمة المهر لم يكن يمانع أن يغرق بالديون إن كان ذلك ضروريًا.
«ليت الأمر كان يُحلّ بالمال فقط…»
كان الكونت دالمور السابق، والد كيث، أرستقراطيًا فقيرًا.
كانت ضيعة دالمور، إيبوني، تمتد على 50,000 آكر، ولم تكن أرضًا سيئة من الناحية الموضوعية.
لكن في عهد والده، كانت الديون الموروثة قد تراكمت إلى حد لا يُحتمل، وكان والده بارعًا في تبديد المال.
رغم طيبته، إلا أنه كان يثق بالناس بسهولة مفرطة، حتى أنّ الوكيل الذي عيّنه لإدارة الثروة خدعه وهرب.
وهكذا، كانت مالية دالمور تنهار تدريجيًا.
وزادت الأمور سوءًا عندما فقد والده ابنته المدلّلة في أواخر حياته فتفاقمت أمراضه، وظل طريح الفراش لعامين كاملين، مما كلّف مالًا كثيرًا.
لهذا، اضطر كيث لاختيار عروس ثرية.
“كيث، لا أظنني أستطيع إغماض عيني قبل أن أراك متزوجًا.”
“إذًا فلتبق حيًا، يا والدي.”
“بقائي لن يؤدي إلا إلى دفنك في جبل من الديون قد يكون طلبي هذا وقحًا، لكنني لا أريد أن ينتهي نسل دالمور بك.”
“فتريدني أن أتزوّج وأن أُبقي على العائلة؟”
“بعروس ثرية، وطيبة القلب أيضًا.”
“ما أملكه فقط هو لقب الكونت الذي ورثته منك فتاة طيبة لن تتزوّج رجلاً فقيرًا وتأخذ معه مهرًا ضخمًا.”
“أظنني أطلب الكثير.”
“بل تطلب المستحيل.”
رغم ذلك، كان ذلك أقرب إلى وصيّة من أبيه.
لو كانت أخته كيتلين ما تزال على قيد الحياة، لما أقدم كيث على زواج بالإكراه حتى لو اضطر لبيع تسعة أعشار ملكية أرضيه .
لكن لم يبق من العائلة سوى والده المحتضر.
أمه كانت قد توفيت بالمرض منذ زمن بعيد، فكان والده آخر من تبقّى من دمه وهكذا قرّر كيث الزواج.
في ربيع ذلك العام، حضر كيث تقريبًا كل الحفلات المقامة في عاصمة المملكة.
فهو الكونت شاب، من بين الأبرز في البلاد، طويل القامة ووسيم، يجذب إليه أنظار النساء من النظرة الأولى.
لكن أولئك النساء كنّ يُخفين وجوههن بالحرج حالما يعرفن أن ملكية مثقله بالديون
لا يتذكر كم حفلة حضر، أو أين أقيمت تلك الحفلة تحديدًا.
في إحدى تلك الحفلات، اقتربت منه ماركيزة معروفة باتصالاتها الواسعة، همست في أذنه بلطف:
“اللورد إيبوني، في المرة القادمة، ارقص مع الآنسة آرلينغتون.”
“الآنسة آرلينغتون؟”
“ابنة البارون آرلينغتون.”
البارون كان يُعد من طبقة شبه النبلاء مسموح له بدخول المجتمع الأرستقراطي، لكن لا يُدعَى إلى المناسبات الرسمية في البلاط.
لذا، فإن نصح الكونت شاب بالتقرّب من ابنة بارون لم تكن نصيحة مألوفة.
لكن نبرة الماركيزة كانت ذات مغزى، لذا قرّر كيث اتّباعها.
ولدهشته، كانت الآنسة آرلينغتون محاطة بعدد من الشباب.
المرأة التي ستصبح زوجته، كانت ترتدي ثوبًا بلون العسل مطرّزًا بخيوط ذهبية، يناسب بشرتها البيضاء وشعرها الأسود.
“هذه الفتاة ظهرت لأول مرة في المجتمع هذا الموسم.”
“يقولون إن مهرها هائل.”
“يبدو أن السير جيديون لن يزوّج ابنته إلا لمن يحمل على الأقل لقب فيسكونت.”
“فارق رتبتين؟ أليس من الأفضل له أن يشتري لقبًا؟”
“في الواقع، السير جيديون ليس وريث آل آرلينغتون الحقيقي، بل صهر العائلة فقط…”
تناهت هذه الهمسات إلى أذنه من خلفه.
انتظر كيث بصمت حتى يحين دوره.
كان معظم من يحيطون بالآنسة آرلينغتون من أبناء الفيسكونت أو البارون.
أما هو، فكان الكونت الوحيد بينهم، وذو المكانة الأعلى.
حين حان دوره، لم ينظر في عينيها بل انحنى برأسه.
لم يكن مهمًا أن يروق لها، بل أن يروق لوالدها.
“أنا اللورد كيث دالمور، من ملكية إيبوني هل لي أن أطلب رقصة فالس؟”
“تفضل.”
صوت الآنسة آرلينغتون كان جافًّا.
لا بد أنها كانت متوترة لأنها في أول ظهور لها، أو أنها سئمت الرجال الذين يتهافتون على طلب الرقص معها طمعًا في مهرها.
أو ربما كانت تستمع إلى مثل هذا الحوار خلف ظهرها منذ أيام.
«……كانت الفتاة المتعجرفة لتكون أفضل.»
فالشخص المتعجرف يسهل فهمه، وبالتالي يسهل مجاملته.
فإذا ما خفض المرء نفسه كما يرغب الطرف الآخر، فلن يستغرق الأمر وقتًا طويلًا للحصول على ما يريده.
لكن كيث لم يكن في مأزق لأن هذه الابنة المتواضعة لبارون أدنى لم تكن فتاة متعجرفة، ولا لأنها كانت من النوع الذي يصعب فهمه.
كانت الآنسة آرلينغتون تبدو مرهقة.
وبدت كأنها مهمّشة بين أشخاص لا يكفون عن الهمس من حولها، دون أن يجرؤ أحد على مصادقتها.
قادها إلى ساحة الرقص.
واقفًا كجدارٍ يفصل بينها وبين من يكثرون الكلام.
أمسك بيدها المغطاة بالقفاز، والتي انطبقت تمامًا في يده، برفق.
ومع ذلك، كانت متصلبة من شدة التوتر.
وكان هذا التصلب نقيضًا تمامًا للإحساس الذي منحته يده الصغيرة.
وحين بدأت الموسيقى تعزف، سألها كيث:
— «ألستِ مرهقة؟»
— «أنا مرهقة قليلًا.»
— «هل نخرج لاستنشاق الهواء قليلًا بعد انتهاء الرقص؟»
وما تلا ذلك جرى كما أراده والد كيث ووالد الآنسة آرلينغتون.
فقد انتقل إلى عائلة دالمور مهرٌ أكبر حتى من الشائعات المتداولة، وتبعه عروسٌ شاحبة قليلة الكلام.
حتى عندما ذهب لتقديم طلب الزواج الرسمي، لم تقل بريوني سوى:
— «سأقبل بالخطبة.» بصوتٍ جاف.
كانت خطبةً بين طرفين: أحدهما بحاجة إلى لقبٍ نبيل، والآخر بحاجة إلى المال.
وقد أجمع الناس على أنها مثال نموذجي على زواجٍ مدبَّر، سيُذكر طيلة موسمين قادمين في المجتمع الراقي.
وحدها العمة لوسيندا تمتمت:
— «ما بال هذه الشابة لا تبتسم أبدًا؟»
— “هل كنتِ ستضحكين أنتِ أيضًا يا عمة؟” لم يقل كيث هذا، لأن من أسباب عدم ابتسام بريوني… هو وجوده هو نفسه.
بعد زواجهما مباشرة، توفي والد كيث.
وكان كيث يرى أنه قد أنجز كل ما ينبغي عليه فعله من أجل عائلته.
ولم تكن لديه أي نية أن يجبر زوجته، التي لا تبدو سعيدة، على الإنجاب عن طريق التودد الزائف.
ولذلك عرض عليها قائلًا:
— «زواجنا لا يعني أنكِ ملزمة بفعل ما لا ترغبين به افعلي ما تشائين، سواء داخل قصر إيبوني هايتس أو خارجه.»
— «والدي أوصاني بأن أحسن إلى زوجي.»
— «أقول لكِ إنه لا داعي لذلك أنا أيضًا تزوجت تنفيذًا لرغبة والدي لكنه الآن قد رحل.»
— «أليس على الكونتيسة القيام بواجبات معينة؟»
— «بلى، ولكن إن لم ترغبي في القيام بها، يمكنكِ توكيل من ينوب عنكِ سأبحث لكِ عن شخصٍ كفؤ.»
— «هل يمكنني أن أتعرف أولًا على هذه المهام، ثم أختار ما أريد فعله منها؟»
— «إن فعلتِ ذلك فسأكون ممتنًّا للغاية وإن احتجتِ إلى شيء، أخبريني أو أخبري كبير الخدم ديميتري في أي وقت.»
عندها فقط ابتسمت بريوني بخفة.
وعندها فقط، أدرك أن الغمازة التي تظهر على أحد طرفي فمها حين تبتسم، لم يرَها من قبل.
تلك الابتسامة، رغم أن هذا الزواج كان قائمًا على مصلحة، هي ما جعلته يقرر أن يبذل قصارى جهده كزوجٍ لهذه المرأة.
وقد تضمن هذا القرار أمنية صغيرة، لكنها صلبة… أن يحمي تلك الابتسامة.
— «شكرًا لك، لورد إيبوني.»
— «يجب أن تناديني كيث.»
— «إذن نادِني أنت أيضًا بريوني.»
وهكذا، مرّت ثلاث سنوات وهم يعيشان زواجًا صوريًا.
ولا تزال زوجته لا تبدو سعيدة على نحوٍ ملحوظ.
ومع ذلك، وبينما كان هو منشغلًا بأعماله خارج المنزل، كان هناك الكثير مما يشغلها ككونتيسة.
وقد بدت كأنها راضية عن حياتها، كما قالت بنفسها.
لم تكن تحب المجتمع الراقي، ولم يكن لها أصدقاء مقربون.
لكن منذ أن دخلت أموال آل آرلينغتون إلى آل إيبوني، دبّت الحياة في المقاطعة أيضًا.
ولو كانت ترغب في أن تظل حياتهما كما هي، لرغب هو أيضًا في أن يتركها تعيش كما تشاء.
— «……ديميتري.»
— «هل استدعيتني؟»
— «سأناديك إن احتجت شيئًا يمكنك الانصراف الآن.»
انحنى ديميتري في صمت وغادر الغرفة.
تنهد كيث تنهيدة طويلة.
وظل القلم في يده، بلا حراك على الورقة البيضاء، لوقتٍ طويل.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات