قالت: «كيث، قلتَ إن بإمكاني أن أسألك عن أيّ أمر يتعلّق بالإقطاعية، أليس كذلك؟»
أجاب: «بالطبع، فهي الآن إقطاعية السيّدة إيبوني أيضًا. … إذن، ما الذي ترغبين في معرفته يا سيدتي؟»
في ذلك اليوم، بدا كيث في مزاج جيّد ولم يخطر ببال بريوني أنّ السبب هو الفستان الأخضر الجديد الذي ارتدته كما أنّها لم تدرك أنّ لون ذلك الثوب، الذي بدا تحت ضوء الشموع أشبه بلون الطحالب الداكنة، يُبرز جمال شعرها وعينيها على نحو لافت.
قالت: «كنت أتصفّح خلال النهار قائمة ممتلكات عائلة دالمور، ووجدت…»
قال مبتسمًا: «آه، هل اكتشفتِ ملكية أخرى فشلتُ في الحفاظ عليها؟»
بدت بريوني حائرة، فأجابها كيث بابتسامة:
«هذه الجملة يقولها ديميتري كلّما عثر في الدفاتر على خطأ ارتكبته.»
قالت: «ما وجدته ليس خطأ… بل يتعلّق بأحد المباني هل قصر أوندين آيل موجود في إيبوني؟»
«… آه.»
اختفت الابتسامة عن وجهه وربما كان مجرّد وهم، لكن بريوني شعرت أنّ ظلًّا ثقيلاً خيّم على عينيه حين ذُكر اسم أوندين آيل غير أنّ ذلك الظل تلاشى قبل أن تتمكّن من وصفه أو تحديده.
قال: «ذلك المكان ليس في إيبوني، بل في فيرنون إنّه منزل صيفي تابع لعائلة دالمور.»
وكانت فيرنون إقطاعية مجاورة تبعد عن إيبوني ساعتين من الركض السريع على ظهر الخيل غير أنّ بين فيرنون وإيبوني غابة كثيفة، مما يفرض على العربات أن تسلك طريقًا ملتفًّا حولها.
قالت: «لم أكن أعلم أن لكم منزلًا صيفيًا في فيرنون إذن، هل هناك من يتولّى العناية به؟»
قال: «المسؤول المحلي عن تلك المنطقة يمرّ به بين الحين والآخر ليتفقّد حاله.»
«هل أعرتَه لأحد؟»
«كلا… ولماذا تظنّين ذلك؟»
همّت بأن تقول: لو كان هناك منزل صيفيًا في منطقة أخرى، لكنتَ أخبرتني يومًا أننا سنذهب إليه معًا، لكنها بدلاً من ذلك قالت جوابًا أكثر حيادًا:
«ظننتُ أن هناك من يسكنه الآن، وربما لا حاجة لأن أعرف التفاصيل.»
عندها لانَت ملامح كيث مجددًا وقال:
«أنتِ سيّدة إيبوني وكونتيسة دالمور، ولا يمكن أن تكون هناك أمور لا حاجة لكِ بمعرفتها لكن ذلك المنزل قديم جدًا ومتهالك، ولا يستحق إنفاق المال على ترميمه، ولهذا لم أذكره لكِ.»
أومأت بريوني برأسها غير أنّها رأت أنّ الأمر غريب، لأن كيث كان يشاركها كلّ ما يتعلّق بممتلكات العائلة أو الإقطاعية، فلماذا لم يخبرها بوجود عقار كهذا، ولو كان منزل صيفيًا مهملًا؟ ربما كان السبب أنّ ترميمه يحتاج إلى أموال طائلة، وكان يخشى أن يبدو وكأنه يريد إنفاق مهرها عليه.
وحين خطرت لها تلك الفكرة، شعرت بانقباض في صدرها، فحيّت زوجها بتحية متردّدة وغادرت مكتبه.
***
«……آنستي.»
كانت ميرتل تهزّ بريوني لتوقظها كان الظلام قد حلّ منذ وقت طويل في الخارج كانت عربة دوق بايرون مريحة، وسائقُه ماهرًا في قيادتها، حتى إن اهتزازها المنتظم جعلها تغفو من غير أن تشعر.
قالت ميرتل: «هناك أضواء أمامنا أظن أن ذلك هو النُزل الذي ذكره لنا موظف الفندق البارحة.»
تمتمت بريوني بتعب: «إذًا سنقضي الليلة هناك.»
كان هذا هو اليوم السادس منذ أن غادرتا شوبري ليلًا على عجل أما الليلة الماضية، فقد كانتا أوفر حظًّا، إذ نزلتا في فندق لائق وقدّم لهما استقبال كريم لكن الطريق إلى وجهتهما كان يمرّ عبر وادٍ عميق وغابة كثيفة وقيل لهما إن في نهاية الوادي نُزُلًا صغيرًا يرتاده المسافرون، ولهذا ظلّتا تواصلان السير بالعربة حتى ساعة متأخرة، ويبدو أن المكان الذي تلوح أضواؤه أمامهما الآن هو ذاك النُزُل.
كان السكون يخيّم على كل ما حولهما.
ولم يظهر أثرٌ للصوص أو الأشرار الذين كان السائق قد حذّر منهما عند الانطلاق.
في الحقيقة، قبل أكثر من عشر سنوات، كانت الغابات العميقة والجبال مأوى معتادًا لهؤلاء، حتى إن السيّدات النبيلات اعتدن السفر برفقة حراس شخصيين من الفرسان.
وكثيرًا ما كانت تنتشر قصص عن عشّاق يفرّون سويًا هربًا من قيود المجتمع وكانت النُزل الواقعة في أعماق الجبال أو على حدود الإقطاعيات أماكن تقصدها تلك الثنائيات الهاربة.
لكن قبل ست سنوات، ومنذ أن اعتلت ليوبولدينا آلبرَيد عرش المملكة، انخفضت حوادث اللصوص وقطاع الطرق في كل البلاد بشكل ملحوظ.
فقد بذلت الملكة الجديدة جهدًا كبيرًا لتعزيز الأمن، فأنشأت مكاتب للشرطة في المناطق التي تعجز الإقطاعيات عن ضبطها بمفردها، وفرضت عقوبات صارمة على كل من يهدّد حياة أو ممتلكات النبلاء والعامة.
وكان ذلك خبرًا سارًا لرعايا المملكة، لكن معظم النبلاء لم يرضوا عنه.
إذ إن الملكة، إلى جانب تعزيز الأمن، حظرت على النبلاء الاحتفاظ بحرس شخصي.
وكان الملك كونراد الثاني، قبل ذلك بمدة، قد حدّ بشدة من قدرة النبلاء على امتلاك جيوش خاصة، ما قطع عليهم سبيل بناء قوّتهم العسكرية وقد حاولوا الالتفاف على ذلك من خلال توظيف حراس شخصيين باسم «الفرسان المرافقين»، لكن الملكة ألغت هذا الحق أيضًا، فلم يعد بإمكان أيّ بيت نبيل تدريب قوة عسكرية خاصة به.
ومما لا شك فيه أن ذلك كان جزءًا من سياسة الملكة لتعزيز سلطتها الملكية وقد أيقن النبلاء قوة جيشها وإرادتها الصارمة في ترسيخ الملكية المطلقة قبل خمس سنوات، حين أُعدم الأمير إليوت وأسرته صحيح أن هذه السياسة بدأت منذ عهد كونراد الثاني، لكن شدّة الملكة وقسوتها أغلقت كل باب للاعتراض.
قالت ميرتل، وهي تزيح الستار لتنظر إلى الخارج: «إن هذا المكان يوحي بالقشعريرة.»
وافقتها بريوني في شعورها.
ربما كان السبب هو حالتهما النفسية فقد هربتا من شوبري على عجل، ومنذ ذلك الحين لم تتوقّفا إلا للمبيت، وها هما في منطقة لم تطأها قدمهما من قبل ومع ذلك، كانت هذه النواحي معروفة منذ زمن بقصصها الكثيرة.
قالت ميرتل: «آنستي، ألا تخبرينني الآن إلى أين نحن ذاهبتان؟»
«هل سمعتِ من قبل بمكان اسمه فيرنون؟»
«إنها الإقطاعية المجاورة لإيبوني. … إذن نحن الآن في غابة ميراج، أليس كذلك؟»
كانت فيرنون منطقة تحيط بها الغابات والأودية من كل جانب، ولهذا كثرت فيها الأساطير عن الساحرات والأرواح والوحوش الملعونة أكثر من أي مكان آخر في المملكة أما الطريق الذي تسلكانه الآن فهو على مشارف تلك الغابة.
قالت بريوني: «بعد قليل سندخل الغابة.»
«ولماذا نحن ذاهبتان إلى فيرنون؟ هل تعرفين أحدًا هناك؟»
بدت الحيرة واضحة على ميرتل، فهي ترافق بريوني منذ طفولتها وتعلم جيدًا أنها لا تملك أقارب أو معارف يمكن الاعتماد عليهم.
قالت بريوني: «هناك منزل للعطلات تملكه عائلة دالمور.»
«منزل للعطلات؟ هذه أول مرة أسمع بذلك.»
«وأنا أيضًا لم أسمع عنه سوى بالاسم يُدعى أوندين آيل…»
كان اسم «جزيرة روح الماء» يناسب صورة فيرنون المخبّأة وسط الغابات وفوق ذلك، فلم تزره بريوني قط طوال السنوات الثلاث من زواجها، مما جعله في نظرها مكانًا مجهولًا يلفّه الغموض.
سألت ميرتل: «وماذا تنوين أن تفعلي هناك؟»
«بما أن قصر إيبوني هايتس ليس في وضع يسمح لنا بزيارته الآن، سأرى إن كان بوسعنا الإقامة بعض الوقت في أوندين آيل.»
سألت ميرتل بنبرة مترددة: «وهل الشخص الذي يدير ذلك المكان سيعرفكِ؟»
«على الأرجح لا، فأنا لم أتعرف إليه من قبل، لكنني التقيت اللورد والسيدة فيرنون مرة واحدة فقط.»
وكان ذلك منذ عامين وعلى حدّ ما تتذكره، فإن لورد فيرنون وزوجته من محبّي السفر.
وقد كانا أول من جاء لزيارة الحديقة التي أعادت بريوني ترتيبها في قصر إيبوني هايتس بعد أن ذاع صيتها وكانا، بدافع الذوق أو الفطنة، قد غادرا سريعًا بعدما أدركا أن بريوني ليست مهتمة كثيرًا بتوطيد العلاقة بينهما.
قالت ميرتل: «إذن تنوين مقابلتهما أيضًا؟»
«بما أن أوندين آيل ملك لعائلة دالمور لكنه قائم في إقطاعيتهما، فمن الأفضل أن أزورَهما أولًا وأخبرهما أنني سأقيم فيه لفترة.»
أصدرت ميرتل صوت «هممم» وهي تقضم ظفرها، ثم نظرت إلى سيدتها قليلًا قبل أن تقول:
«لكن… لكنكِ لم تعودي كونتيسة دالمور بعد الآن.»
وكان ذلك صحيحًا تمامًا فكما قال دوق بايرون، إن كانت أخبار طلاقها من كونت دالمور قد انتشرت في أرجاء المجتمع المخملي، فلابد أن اللورد والسيدة فيرنون قد سمعا بها أيضًا.
أومأت بريوني برأسها وقالت: «صحيح ولهذا سأقول إنني حصلت على ذلك المنزل كجزء من نفقة الطلاق.»
«هاه!»
شهقت ميرتل، وارتسمت في عينيها البُنّيتين دهشةٌ أعقبها حماس واضح.
لم تكن بريوني تنوي إرضاء ذوق خادمتها التي تميل إلى الاستمتاع بالأحداث الدرامية، غير أنّ الموقف كان كما هو، فلم ترَ فائدة في محاولة ثنيها.
قالت: «……لن أمكث أكثر من شهر على ما يبدو، فإنّ لورد إيبوني لن يتمكّن من العودة إلى إيبوني هايتس في الوقت الحالي.»
ذلك كان هو مخطط بريوني.
فإن باعت كل ما في حوزتها من جواهر، ستحصل على مبلغ كبير من المال، لكن بيعها على عجل لن يكون الطريقة المثلى إذا أرادت أن تبيعها بثمن مرتفع.
كانت تخطّط لبيع تلك الجواهر على فترات متباعدة وبأسعار جيدة، وفي الوقت نفسه تستعين بمحامٍ بارع لاستعادة إرث والدتها من السير جيديون آرلينغتون ولتحقيق ذلك، كانت بحاجة إلى مكان ثابت للإقامة.
فكرة أوندين آيل خطرت لها لأنّه لا سبيل لمعرفة حالة قصر إيبوني هايتس في الوقت الراهن، بعد أن جاء إليه محققو جلالة الملكة ومعهم مذكرة تفتيش.
أما قصة أنّها حصلت على أوندين آيل كجزء من نفقة الطلاق، فكانت بالطبع كذبة لكن بما أنّ كيث لم يكن موجودًا في إيبوني، وديميتري منشغل بلا شك، فقد ينجح هذا الكذب لأسابيع قليلة حتى بريوني نفسها لم تفهم من أين جاءتها فجأة مثل هذه الفكرة المخادعة.
ومع ذلك، فقد رأت أنّ هذا الخيار أفضل من أن تضع نفسها تحت رحمة وعود غير مضمونة من اللورد وييرديل أو أيّ رجل آخر.
سألت ميرتل: «وماذا لو علم لورد إيبوني بذلك؟»
«……لا أعلم ولا أريد التفكير في الأمر الآن.»
قبل أن تكتشف بريوني اسم أوندين آيل في سجل ممتلكات عائلة دالمور، لم يكن كيث قد ذكر لها أبدًا وجود ذلك المنزل بل إنّ ملامحه أبدت انزعاجًا حين سألته عنه، لذلك لم تأتِ على ذكره مرة أخرى أمام ديميتري أو غيره وفي الحقيقة، لم تكن تعرف حتى ما إذا كان ذلك المبنى لا يزال قائمًا في فيرنون.
أما ميرتل، فكانت بعكسها، متحمّسة ومشرقة النظرة، وعيناها تلمعان.
قالت: «يقولون إن في فيرنون غابات كثيرة جدًا ومن بينها غابة ميراج العميقة جدًا، حتى إن كثيرين يتيهون فيها ويموتون، وبعضهم يدخلها عمدًا لينتحر ويقال إن أشباحهم تظهر هناك……»
في تلك اللحظة توقفت العربة، وشعرتا بهزّة خفيفة حين قفز السائق من مقعده ويبدو أنّهما وصلتا إلى النُزُل أثناء حديثهما.
كان التعب قد نال منهما بعد رحلة طويلة بالسيارة، فلم تعودا تباليان بحال النُزُل، إذ لم تتمنيا أكثر من أن تمددا جسديهما على سرير.
لكن بعد وقت، عاد خادم دوق بايرون، وعلى وجهه ملامح حيرة.
فتحت بريوني النافذة، فرأت وجهه المرتبك.
قال: «أعتذر حقًا، سيدتي آلينغتون، لكن يبدو أنّني أخطأت الطريق هذا المبنى ليس نُزُلًا للمسافرين، بل يبدو أنه مصحٌّ للعلاج.»
كان ينبعث من نوافذه الصغيرة الأمامية ضوء خافت، لكنه بدا أقرب إلى مستشفى أو دار نقاهة منه إلى فندق وكان المدخل بعيدًا نسبيًا عن السور، ما فسّر سبب تأخر السائق في العودة.
قال الخادم: «يُسمّونه مصحًّا، لكنه في الحقيقة مكان يُحتجز فيه المجانين.»
ولم يكن من المستغرب، فهو لم يمضِ وقت طويل منذ أن رافق سيده، اللورد وييرديل، إلى شوبري، ليُكلَّف فجأة بأخذ امرأتين غريبتين في رحلة طويلة لم تستطع بريوني إلا أن تشعر بالأسف تجاهه.
قالت: «ألا يمكننا قضاء الليلة هناك على الأقل؟ لا بد أنك متعب من قيادة العربة.»
«سألتهم عن ذلك، لكنهم قالوا إن من كان في كامل قواه العقلية لا يُسمح له بالدخول.»
«وهل أخبروك كيف نصل إلى نُزُل المسافرين؟»
«أجل قالوا إن الطريق ليس بعيدًا إذا لم نضلّ الطريق.»
وكما هو متوقع من خادم دوق بايرون، كان مهذبًا ولم يُظهر أي علامات ضجر أو تعب.
قال: «أرجو أن تصبرا قليلًا رغم الإرهاق الليلة سنبيت في النُزُل، وغدًا سأوصلكما إلى فيرنون بلا شك.»
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 17"