خرجت بريوني وميرتل من منزل عامل المنجم هنري، وقررتا العودة إلى شارع آرلينغتون أولًا، إذ لم تستطيعا طرد التحذير المخيف لتلك السيدة من رأسيهما.
وكان في ذهن بريوني أيضًا أنها إن صادفت أطفالًا مثل آمبر في بيوت أخرى، فلن تستطيع أن تدفع نفقة إعالة كل واحد منهم فالأعمال الخيرية لا تُدار بالمشاعر وحدها.
كانت الاثنتان تسيران في شوارع شوبرى متشابكتي الذراعين وبما أنهما لم تخرجا من شارع آرلينغتون بعربة، فقد قررتا أن تستقلّا عربة مشتركة من وسط المدينة تأخذهما إلى قرب تياري هيفن.
لكن الحادثة السابقة جعلت بريوني تشعر ببعض الانكسار فقد أخذت تقلق: ماذا لو تعرف عليها أحد في الشارع أو داخل العربة وأبدى عداءه؟ هل عليها أن تمشي ساعةً كاملة أخرى لتعود إلى المنزل؟ كانت لا تزال غارقة في تلك المخاوف حين—
“آنستي، أليست تلك العربة متجهة إلى تياري هيفن؟”
أشارت ميرتل إلى عربة فخمة ذات أربع عجلات، كانت تندفع نازلةً من تلال شوبرى البعيدة.
كانت العربة قادمة من جهة الشمال الغربي، أي من الطريق البري الذي لا بد من عبوره قبل دخول شوبرى وكانت العربة تندفع بأقصى سرعة على طريق منحدرٍ ووعر حتى من بعيد، كان واضحًا أن الأحصنة السوداء الأربعة التي تجر العربة من سلالة ممتازة ومدرّبة تدريبًا جيدًا.
ضيّقت برايوني عينيها لم تكن العربة بيضاء اللون ذات الحواف المذهّبة تنتمي إلى شارع آرلينغتون، ذلك أمر مؤكد لكن في شوبرى، لا يوجد من يمتلك ثروة تسمح له بقيادة عربة فخمة كهذه سوى جيديون لذا فإن تخمين ميرتل بأنها تعود إلى زائرٍ قَدِم للقاء جيديون في تياري هيفن كان منطقيًا.
“لا يمكن أن تكون… من العربات الملكية، أليس كذلك…”
تمتمت ميرتل بذلك ثم ارتعدت من احتمال صحة ظنها لكن بريوني هزّت رأسها.
“عربات العائلة المالكة أكبر وأكثر فخامة ويُسمح لهم فقط باستخدام خيول بيضاء.”
تلك كانت إحدى المعلومات القليلة التي تعلمتها من أحاديث السيدات النبيلات عندما ظهرت لأول مرة في المجتمع استعدادًا للزواج.
(ثم، لماذا قد يأتي أحد من العائلة الملكية إلى هنا؟)
لكنها ابتلعت تلك الكلمات.
وفي النهاية، اتجهت خطوات الاثنتين نحو موقف العربات المشتركة فإن كان صاحب العربة الفخمة زائرًا لأعمالٍ مع جيديون، فلن تكون هناك مشكلة، لكن إن كانت المسألة عاجلة إلى هذا الحد لدرجة أنه جاء بنفسه بدلًا من إرسال رسالة، فقد تكون المسألة خطيرة وإن لم تكن زيارة عمل، فالأرجح أن تكون أنباؤها غير سارة.
“هل والدي في المنزل الآن؟”
“غادر في الصباح الباكر، وربما يكون قد عاد الآن.”
تبادلت الاثنتان الحديث بصوتٍ خافت داخل العربة المشتركة.
وبفضل التوقيت المناسب، نزلت الاثنتان عند أسفل تلة تياري هيفن قبل أن تصل العربة الفخمة غير أن إحساسًا غريبًا دفعهما لتسريع الخطى وكأنهما تطاردان من شعورٍ مشؤوم ومع ذلك، لم يكن بمقدور خطى النساء أن تتفوق على عربة مسرعة.
وقبل أن تصلا إلى بداية المنحدر الحقيقي للتلة، كانت العربة قد لحقت بهما.
فاضطرتا إلى التنحي جانبًا عن الطريق.
توقعت بريوني أن العربة ستمضي بهما إن كان صاحبها ضيفًا جاء للقاء جيديون لكن ما إن رآهما الرجل الجالس في مقعد السائق حتى أبطأ العربة، ونادى:
“أيتها السيدتان!”
ولحسن الحظ، لم تبدُ عليه علامات الاستعجال أو الجدية المفرطة فاكتفت بريوني بالتحديق في العربة بصمت.
“سيدي يرغب في أن يتحدث إليكما!”
وكأنهم كانوا ينتظرون تلك اللحظة، انفتح باب العربة فجأة.
ومنها نزل شاب طويل القامة، مشرق الطلعة، يشع من رأسه حتى قدميه بالنبالة لم تيكن قميصه الحريرية العاجية وربطة عنقه الحريرية المماثلة ومعطفه المخملي الأزرق الداكن المزين بأزرار ذهبية لامعة، تبدو مثيرة للضحك، بل كانت تنسجم معه على نحوٍ مدهش وخطرت في بال بريوني فكرة أن فستان زفافها نفسه قد لا يكون أكثر فخامة من هذا المظهر.
انحنى الشاب الأشقر بأناقة.
“هل أنتِ الآنسة آرلينغتون؟”
لهجته الرفيعة وأسلوبه المنضبط في الحركة لا يدعان مجالًا للشك.
كان هذا الرجل بلا شك من طبقة النبلاء، وبما أنه من الواضح أنه ليس من طبقة البارونات الأدنى، فلا بد أن رتبته النبيلة أعلى من رتبة بريوني، أياً كانت رتبتها.
فانحنت هي الأخرى قليلًا عند الركبتين.
“يسرني اللقاء بك من تكون، إن سمحت؟”
عندها فقط، انحنت ميرتل على عجل ولم يخطر ببال بريوني حتى أن تلوم خادمتها على قلة تهذيبها فالرجل الواقف أمامهما كان يتمتع بجمال مشرق وأناقة بهية لا تليق أبدًا بجو شوبري الكئيب.
ابتسم الرجل بلطف.
“أنا اللورد ثيودور بايرون، سيد ويورديل إن لم يكن لديكما مانع، فهل تسمحان لي بشرف اصطحابكما في عربتي؟”
***
سيد ويورديل.
مملكة ألجونكوين تتكوّن من خمس عشرة مقاطعة كبرى تسع منها كانت جزءًا من المملكة منذ تأسيسها، أما البقية فهي مناطق مجاورة ضُمّت لاحقًا إما بالحرب أو من خلال زيجات بين العائلة الملكية والنبلاء المناطق التي انضمت لاحقًا حظيت بأسماء موحدة، وهي: ويورغيل، ويورنيل، ويورديل، ويورفيل، ويورجيل.
كانت هذه المناطق تختلف بدرجة بسيطة عن المقاطعات الست الأصلية في مملكة ألجونكوين، سواء في العادات أو اللهجات المحلية أو حتى في النظام الإداري ولهذا، في كل مرة تُضمّ فيها منطقة جديدة، كان ملوك ألجونكوين يعيّنون أحد أنبلائهم الموثوقين كـ”سيّد” على تلك الأرض، ليقوم بترسيخ قوانين المملكة وتقاليدها فيها
من بين المقاطعات الست تلك، كانت ويورديل أوسعها مساحة وأكثرها خصوبة.
حتى لو لم تكن بريوُني قد سمعت سابقًا باسم “ثيودور بايرون”، إلا أن اسم “سيّد ويورديل” كان يحمل من الوزن ما لا يمكنها، ولا حتى ميرتل، تجاهله في المملكة.
عربته لم تكن فخمة من الخارج فقط، بل كانت واسعة ومريحة من الداخل أيضًا حتى المقاعد كانت مغطاة بالمخمل، ما جعل بريوُني تشعر بعدم الارتياح أثناء الجلوس وإن كانت هي كذلك، فما بالك بميرتل؟
وكأنّه قد لاحظ ما يدور في ذهنها، قال لورد ويورديل – أو ربما هو “دوق بايرون”، لكن بما أنها لم تكن واثقة تمامًا، فقد قررت بريوُني أن تكتفي بمناداته بلقبه الحالي –:
“أرجو منكنّ أن تسترحن تمامًا.”
سألته مباشرة:
“ما الذي أتى بك إلى شوبري؟”
بدا عليه وكأن سؤالها المباشر قد أربكه قليلًا، فأجاب:
“لقد جئت من فانسو خصيصًا للقاء الآنسة آلينغتون.”
شعرت بالدهشة فهي تقسم أنها ترى هذا الرجل للمرة الأولى في حياتها ولم تكن ممن يحببن الحياة الاجتماعية، لذا ففرصة أنه رآها صدفة عن بُعد تبدو ضئيلة.
“هل لي أن أسأل عن سبب بحثكم عني؟”
كان شابًا وسيمًا بشعر أشقر وعيون زرقاء، ويبدو أنه يعلم تمامًا أثر مظهره على الآخرين خاصةً عندما كانت عيناه الزرقاوان تلمعان ببراءة مصطنعة.
قال بابتسامة لطيفة:
“آه، لا داعي لكل هذا الحذر فليس هذا الحديث مما يُقال داخل عربة.”
رفعت بريوُني رأسها بوقار وقالت:
“بل أفضّل سماعه هنا.”
لطالما عاتبها والدها، منذ تجاوزت العاشرة من عمرها، على افتقارها للدلال، خاصةً أمام الرجال، وكان يراها جامدةً أكثر من اللازم لكنها لم تكن تطيق التصنع ففي شوبري، لم يكن في حياتها من الرجال سوى والدها، والخبير العجوز، وبعض الخدم، فلماذا تحاول أن تترك انطباعًا أنثويًا لديهم؟
وحين تزوجت، فكّرت أن ربما التودد أو الغنج يُعدّ من صفات الكونتيسة، فقلقت بشأن ذلك لكن كيث لم يطلب منها يومًا أن تبتسم عنوة، أو أن تتكلم بصوت طفل بل على العكس، نصحها بأن تُبقي على الحد الأدنى من الوقار، لأن ذلك سيكون أنسب عند التعامل مع الموظفين وسكان الإقطاعية.
وما دام الرجل الجالس أمامها هو سيّد ويورديل، فها قد حان الوقت لاستخدام ذلك الوقار.
ويبدو أن لورد ويورديل أُعجب كثيرًا بموقفهارقال:
“كما توقّعت أنتِ لستِ من يمكن لكونت دالمور أن يحتمله.”
لم تكن تتوقع أن تسمع ذلك الاسم من فمه بل الأسوأ من ذلك، أنه يتحدث وكأنه يعلم أنها قد تطلّقت من كيث.
سارعت بريوُني تحسب الأيام من إيبوني إلى هنا تستغرق الرحلة أسبوعًا، ثم مرضت لثلاثة أيام، ومرت أربعة أيام أخرى، أي أنه لم يمضِ سوى أسبوعين على مغادرتها إيبوني بصفتها الآنسة آلينغتون، لا الكونتيسة.
كيف انتشر الخبر بهذه السرعة…!
راودها الشكّ أن لورد ويورديل ربما يعلم شيئًا عن كيث أيضًا.
“هل تعرف لورد إيبوني جيدًا؟”
“بقدر ما يكفي لأن أقول إنني أعرفه، نعم.”
“ولكنني لم أرَك مرة واحدة خلال السنوات الثلاث التي قضيتها في إيبوني.”
وما إن نطقت بذلك حتى خطر ببالها الجواب كيث لم يكن ليحبّ شخصًا كهذا: متأنق، واعٍ لجاذبيته، ويحب التلميح أكثر من التصريح.
أما ديميتري، فعلى الرغم من أنه أحيانًا كان يلتفّ في كلامه، لكنه لم يكن متأنقًا أو مغرورًا كيث كان يفضّل الأشخاص الأكثر هدوءًا، وصراحة، وعمقًا.
هزّ لورد ويورديل كتفيه قائلاً:
“ذلك لأن إقطاعيتي بعيدة جدًا عن إيبوني، بل شديدة البُعد.”
“ومع ذلك، ما الذي جاء بك كل هذه المسافة إلى شوبري لرؤيتي؟”
ابتسم ابتسامة فيها شيء من الغموض، لكنها، من حيث الشكل وحده، كانت لا تُقاوم، واعترفت بريوُني بذلك في نفسها.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات