بطبيعة الحال، كان ذلك إجراءً ضرورياً في سوق تربية الخيول.
فالسعر يُحدد بعدد المرّات، كما أنّ نجاح أو فشل محاولات التزاوج يُؤخذ في الحسبان مسبقاً.
فضلًا عن مسألة ما إذا كانت الفرس ستحمل أم لا.
لكن، هل يُعقل أن تعلم شابة بسيطة من الريف بكل هذه التفاصيل؟
يبدو أنّ الأمر غير محتمل.
إنه فقط طبعها
لقد كان يعلم أنها ليست وديعة الطبع، لكنه لم يتوقع أن تكون دقيقة ومُدققة في كل تفصيل.
وربما كان ذلك مجرّد خاطر طبيعي راودها، لأنها تُحب ماريــلين كثيراً.
قال إدون بنظرة فيها بريق اهتمام:
“حسناً، يبدو أن ذلك يتوقف على مزاج كريستـان.”
فشهقت أنري وقالت بدهشة:
“يا إلهي! إذن إن لم يكن كريستـان راضياً بعد الليلة الأولى، فهل سيتركها ويمضي؟”
ساد الصمت… وتجمّدت عينا إدون على الفور ببرودة جليدية.
قالت أنري بابتسامة صامتة مشرقة، لكن عينيها البريئتين أطلقتا أشواكاً وانتقادات لاذعة على إدون.
لقد كانت تسخر منه كثيراً من قبل، لكنها لم تكن أبداً بهذا القدر من الحدة والصرامة.
وكأنها تقول: “يا والد كريستـان، أنت من أولئك الرجال الذين يكتفون بليلة واحدة مع امرأة، ثم يديرون ظهورهم إن لم تعجبهم.”
شعر إدون بإعصار من المشاعر يتملّكه، ورغب أن يبرّر بأنه ليس من تلك النوعية العابثة أو المستهترة.
لكن بما أن التلميح لم يكن موجهاً إليه صراحةً، فإن المجادلة ستزيد الأمر تعقيداً.
ومع ذلك… لم يستطع أن يُثبت عكسه.
فقال: “إذن سأبقيه هنا ما دامت ماريــلين ترغب بذلك.”
فأجابته أنري بابتسامة منحنية: “أشكر لك ذلك، وأعتبره شرفاً عظيماً.”
ثم رفعت أنري طرف تنورتها قليلاً، وانحنت بركبة احترام.
وبعدها بدأت تسرد سيناريوهات مختلفة قد تحدث أثناء عملية التزاوج، مسبوقة دوماً بعبارات: “أستميحك عذراً…” أو “معذرةً، لكن…”.
غير أنّ وجهها لم يحمل أي مظهر من مظاهر الاعتذار.
أول ما ذكرته: خطر إصابة ماريــلين بمرض قد ينتقل إليها من كريستـان.
فتفاجأ إدون قائلاً:
“أؤكد لك أن هذا لن يحدث أبداً. فكريستـان ليس فقط مطيعاً وحسن السلوك، بل إنه لم يُبدِ قط أي اهتمام بالفرس، حتى وإن حاولن التودد إليه. هذا إلى جانب أنّ مدربينا وأطبّاءنا البيطريين يجرون فحوصات منتظمة.”
رغم أن ذلك كان قلقاً وجيهاً من وجهة نظر مالكة، إلا أنّ إدون لم يستطع أن يُخفي انزعاجه.
وبينما يُكتم ضيقه، أضاف بحماس وإصرار: “لو أُتيح لي الأمر، لسُررت بأن أريك إسطبلات عائلتنا، بل المتنزّه العظيم للخيول.”
المتنزّه العظيم للخيول؟
بدا الأمر وكأنه مرجٌ واسع تربي فيه عائلته الخيول.
فكم يجب أن يكون قصرهم عظيماً وثرياً ليُطلقوا على إسطبلاتهم اسماً بهذا التفاخر؟
إن الناس في هذا العالم يميلون لإطلاق أسماء مميزة على منازلهم.
عادةً يُضاف اسم مناسب مثل غرانج أو هول أو هاوس أو مانور أو بارك بعد الاسم، فيُعطي دلالة على طبيعة المكان أو سمات أصحابه.
فـ غرانج تُطلق غالباً على المزارع التابعة للأسر الزراعية، و هول على القاعات الكبرى داخل القصور، و بارك على الضياع الواسعة المحاطة بمروج وأشجار.
لكن… أن يُطلق على الإسطبل المتنزّه العظيم للخيول؟
أصبح من الصعب على أنري أن تُقيّم مستوى تلك الأملاك.
وفجأة تسلّل إليها شعور غريب بالانزعاج، إحساس بدا مألوفاً وكأنها خبرته من قبل.
وكأنها سمعت في الماضي شيئاً مشابهاً وجعلها تفكر: “ماذا؟ هل يُسمّون حمّاماتهم المراحيض العظمى أيضاً؟”
ومع ذلك، اعتذرت بلطف للرجل الذي بدا جريح الكبرياء بعض الشيء:
“كنت أتحدث على سبيل الافتراض، ايها الوالد. أعذرني إن كنت قد أسأت الأدب.”
“والد…”
كرر إدون الكلمة بصوت متردد، غير فاهم لماذا خفق قلبه لمجرد سماعها منه.
ثم تطرقت أنري إلى مسألة ملكية المُهر الذي قد تلده ماريــلين.
لكن هذه المرة بدا الرجل، الذي كان مرناً معها حتى الآن، في حرج.
قال: “لا أدري إن كانت الآنسة أنري ستتفهم، ولكن…”
رفعت أنري بصرها إليه بعيون براقة، حذرة كما اعتادت دوماً.
“لدي التزام بالحفاظ على نسل كريستـان.”
ذلك هو الصداع الذي يأتي مع امتلاك حصانٍ أصيل.
فإن كانت لهم أملاك تكفي لإقامة متنزّه عظيم للخيول، فلا بد أن لديهم كثيراً من الأقارب والخدم.
ومع ذلك، فهم يحرصون حتى على نسل دوابّهم…
وتذكرت فجأة عبارته في لقائهما الأول: “بصفتي ربّ الأسرة، يهمني موظفونا بل وحتى فرخ صغير.”
لقد بدا وكأنها أكثر من مجرد جملة عابرة.
هل هذا يعني أن ماريــلين يمكن بيعها لاحقاً بثمن مرتفع؟
فقالت: “كنت أتوقع ذلك. فلو انقرض حصان نبيل مثل كريستـان، لكان خسارة عظيمة للمملكة. غير أنني، باعتباري والدة ماريــلين، أقلق من أن تُفصل عن صغيرها.”
قال إدون بجدية: “وأنا أيضاً أعتقد أن مثل تلك المأساة لا ينبغي أن تحدث.”
ابتسمت أنري براحة: “يسعدني سماع ذلك. كما أنني قلقة بشأن سفر ماريــلين وهي حامل إحدى عشرة شهراً.”
ظل الحوار بين أنري وإدون يتواصل وكأنه ودي.
لكن…مع مرور التفاوض، بدأ ألبرت وجيفري يتبادلان النظرات ويُسعلان بخفة.
فما بدا مجرد تفاوض هادئ… جعل جباههم تتصبب عرقاً بارداً لمجرد الاستماع
لقد كانوا يعرفون هوية إدون، ولهذا كانوا أكثر توتراً.
أما الآنسة وينتوورث، فلم يكن في يدها ذنب، فهي لم تعلم أصلاً ما إذا كان الرجل أمامها دوقاً أم لا.
ومع ذلك، لم تبدُ غريبة في هذا المجتمع الطبقي.
بل بالعكس…. بدا وكأنها لا تُبالي أصلاً.
لا هو مناسب تماماً…. ولا هو غير مناسب تماماً.
كان ألبرت في حيرة.
فأنري تتصرف تماماً بما يتماشى مع المعايير الاجتماعية الرائجة… لكنها في ذات الوقت لا تتصرف كذلك.
كأنها قادمة من عالم آخر.
أما هِندِل، سائق عربة آل وينتوورث، فقد ظل هادئاً، وكأنه اعتاد سلوكها الطبيعي.
“ألبرت.”
ناداه إدون فجأة.
فارتبك ألبرت، لكنه سرعان ما أدرك إشارة سيده، فتقدّم وهو يحمل ظرفاً جلدياً بداخله أوراق.
أخذه إدون وسلّمه لأنري قائلاً:
“أعتذر لتأخري في إعطائك هذا. هذه الوثائق تحدد شروط معاملة ماريــلين، وما يتعلّق بعقار وينتوورث. آمل أن تكون مفيدة.”
نظرت أنري بدهشة وهي تتأمل الظرف البني الأنيق، ثم تنقل بصرها بينه وبين الرجل.
لقد بدا صاحب أسلوب مصقول ودبلوماسي، كأنه رجل أعمال خبير.
ومع ذلك، لم يبدُ ميّالاً إلى أن يترك كريستـان مع ماريــلين ثم يمضي بلا اكتراث، كما كانت تخشى أنري.
كانت مخاوفها بلا أساس.
فرغم أن الحيوانات لا تتحدث – بحسب معايير البشر –، إلا أن أنري كانت تخشى أن تتأذى ماريــلين بطريقة ما أثناء التزاوج مع الفحل.
ولا تزال تحمل شعوراً بالذنب بعد حادث العربة الذي كاد يصيبها.
لكن الآن… ثمة ما هو أهم.
آه… شكراً لذلك الحبيب الحقير السابق، لقد صارت حذري مضاعفاً.
لكن ذلك الـ “سابق” يعود إلى واحدٍ وعشرين عاماً.
الأمر لم يعد مجرد “أمّ عزباء”… بل “أمّ عزباء إلى الأبد”.
احتضنت أنري الظرف الجلدي الناعم بين ذراعيها.
نسمة دافئة مرّت بينها وبين الرجل.
التقت عيناهما للحظة…. ولأول مرة شعرت أنري بنوع من الثقة.
قالت بهدوء: “أشكرك على اهتمامك.”
أومأ الرجل باعتراف، غير أن ملامحه بقيت جامدة.
ثم حوّلت أنري بصرها عنه، وتقدّمت نحو كريستـان.
ولو أنّها تمنت مصافحته، لكنها اكتفت بلمس لبدة شعره الأسود برفق.
“مرحباً بك في بيت ماريــلين، كريستـان.”
ارتسمت على شفتيها ابتسامة ودودة صادقة، راضية عن الاسم الجديد للإسطبل.
✩₊˚.⋆☾⋆⁺₊✧✩₊˚.⋆☾⋆⁺₊✧✩₊˚.⋆☾⋆⁺₊✧
“لماذا يطيلان الحديث هكذا؟”
“من يدري؟ كان عليها أن تأتي به ثم تعود. بصدق…. تلك الفتاة أنري ماكرة مثل راكون.”
تأففت كانديس بحدة وهي تتطلع من نافذة الطابق الثالث.
فأيدتها كاثرين باحتقار أشد.
آه يا أنري….
غير أن يونيـس بقيت منحنية تحدّق عبر النافذة.
كانت تراقب أنري وهي تتنقّل في الإسطبل تتفقد الخيول.
ولم تفهم أبداً لماذا كانت أمها تُطلق على أنري لقب الراكون كلما اغتابتها.
ففي نظرها… أنري كانت أشبه بطيـر الفلامنغو.
الفلامنغو يتميز بالهيبة وأرجله الطويلة الرشيقة، وريشه الزهري، تماماً مثل أنري، يبعث على الرومانسية والغموض.
حتى الآن، بدت وكأن هالة لطيفة تشع حولها، كضوء يلمع فوق سطح بحيرة.
وربما كان مجرد وهم في عيني يونيـس.
لكنها على كل حال، كانت أطيب بما لا يُقارن مع كانديس وكاثرين.
فأنري لم تشكُ يوماً، حتى لو أكلت يونيـس أكثر مما تشاء.
بل إنها وقفت إلى جانبها ضد أمها أحياناً.
حتى مع كثرة الدمى المحشوة في غرفة يونيـس، لم تسخر منها يوماً، على عكس كاثرين وكانديس اللتين نعتتاها بالطفولية.
لم تبادر أنري يوماً بالكلام مع يونيـس، ولا حتى بالنظر إليها.
ويونيـس بدورها لم تُحب أن يحدّثها أحد أو يحدق فيها أولاً.
لذلك… كانت تؤمن حقاً أن أنري إنسانة طيبة.
غير أن من الوقاحة أن تعتبرها أختاً غير شقيقة.
لقد مضت ثلاث سنوات منذ أن عاشتا معاً… ومع ذلك لم تستطع يونيـس حتى أن تلتقي عينيها، فضلاً عن أن تتحاور معها.
فأنري تبعث جواً يغمرها بالرهبة، فيجعلها تنكمش وتب
تعد.
وفوق هذا… كان شعور الذنب يؤرقها، إذ إنها تعيش في بيت أنري وكأنها اقتحمته دون إذن.
ويونيـس كانت تعرف سرّ أمها المجهولة، حقيقةً لم يكن والدها ولا كانديس يعلمان بها.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 9"