سعلت إلزي بخفة وسحبت يدها المرتبكة بعيدًا.
في تلك اللحظة، ركّز إدون نظره على ظهر يدها.
كانت يدًا ناعمة طويلة بلا انحناءات.
بوضوح شديد، كانت يد امرأة.
لم يكن هناك مجال للشك… هذه امرأة تتنكر في هيئة رجل.
وفوق ذلك، كانت تملك جمالًا ناضجًا يضفي عليها سحرًا خاصًا.
رغم أنّها وضعت قبعة فوق شعرها البني الداكن، وحتى مع ارتداءها شعراً مستعارًا طويلًا وشاربًا كثيفًا، فإن أياً من ذلك لن يخدع عين إدون.
مهما كان التنكّر متقنًا، لم يكن بوسعه أن يُخفي حقيقتها.
كان الأمر غريبًا، ومع ذلك لم يهتم إدون بالبحث وراء قصتها.
فذهنه لم يكن مرتاحًا بما يكفي ليفكّر في أمر غريبة متنكرة.
قالت بنبرة جادّة، وكتفيها مشدودان وذقنها مرفوع:
“نادني بالكونت إيفانز.”
لقد حضرت إلزي حفلًا راقصًا استضافه دوق بريستون منذ وقت ليس ببعيد.
لكنها لم تحتك إلا ببعض النبلاء هناك، بعيدًا عن الشخصيات الرئيسية كإدون وعائلة بريستون.
وهذه كانت المرة الأولى التي تراه فيها عن قرب… ليبدو أكثر وسامة ورهبة مما بدا عليه من بعيد.
حتى إلزي، التي لا تشعر عادة بالارتباك أمام أحد، وجدت نفسها متلعثمة قليلًا أمام حضوره الطاغي.
ظلّ ظل الدوق يخيّم عليها بأكملها.
الشائعات التي قيلت عنه أن مجرد عبيره كافٍ لأن يجذب النفوس بسحرٍ حلو الرائحة بدت لها الآن معقولة جدًا.
تساءلت إلزي بدهشة: إلى أي مدى يمكن أن يكون عظيمًا ليهز قلوب نساء المملكة جميعًا؟
غير أن برودة غريبة انبعثت من إدون.
قال بفتور:
“لست واثقًا إن كنا سنلتقي مجددًا. على كل حال، وداعًا.”
ولم ينتظر حتى تُكمل وداعها، إذ كان قد استدار بالفعل مبتعدًا.
وبينما وقفت إلزي مذهولة في مكانها، رمشت عيناها الكبيرتان الساحرتان بدهشة.
ماذا؟! لقد ذهب؟ قال إننا لن نلتقي مرة أخرى؟
لم يسبق لها أن واجهت مثل هذا الغرور أو الفظاظة.
لقد بدا العريس مفتقرًا تمامًا للأدب، حتى أنها كادت تظن أنها في زفاف شخص آخر.
كيف يتجرأ أن يعامل ضيفة جاءت لتهنئته بهذا الشكل؟
للحظة، شعرت بوخزة أسى تجاه العروس.
استدارت إرزي بحدة، وحدقت في ظهر رأس إدون وهو يبتعد بخطوات واثقة لا تتردد.
✩‧₊˚༺☆༻*‧₊˚
“ها أنت ذا.”
لم يكد إدون يُدير ظهره للمرأة المتنكرة، حتى اخترق أذنه صوت مزعج لم يكن يرحّب به.
ما الذي يريده هؤلاء الآن؟ حتى خمس خطوات لا أستطيع أن أقطعها بسلام.
استدار بتثاقل، ليجد أمامه مجموعة من النبلاء الشباب الأنيقين.
تلاشت شرارة عينيه المشتعلة، وتحوّل تعبيره إلى حياد بارد.
لم يكونوا ضيوفًا مرحّبًا بهم.
كانوا سبعة، جميعهم طوال القامة، وسيّمون بشكل ملفت.
لا أحد يعلو الآخر، فجميعهم متكاملون.
إنهم ورثة الورد النادي الأرستقراطي المعروف، المؤلف من أبناء أرقى العائلات.
كانوا يُعرفون بأنهم الورثة المثاليون: رتبة، ثروة، مظهر.
ناديهم النخبوي لم يقبل أحدًا إلا بموافقة جماعية من جميع الأعضاء.
لقد ظلّوا يسعون منذ أكثر من عقد لضم إدون إلى صفوفهم.
لكن إدون لم يبدِ أدنى اهتمام، ولم تطأ قدماه قط أيًا من حفلاتهم أو رحلات الصيد الخاصة بهم.
اقترب خادم يحمل صينية، فمدّ إدون يده وأخذ كأسًا، ثم قال ببرود:
“قطعتم شوطًا طويلًا.”
لم تكن في كلماته أي نبرة ترحيب، بل أقرب إلى تساؤل: لماذا أتيتم أصلًا؟
تقدّم ليو، بابتسامة متغطرسة، وكأنه مستعد لاستفزاز إدوين.
وقفوا جميعًا في صف، بأجواء عدائية واضحة.
قال ليو، واضعًا يده في جيب بنطاله، بجسد متراخٍ:
“لم أستطع أن أتجاهل الأمر بعدما سمعت أن دوق بريستون رفض أختي وتزوج أخرى.”
رفع إدوين حاجبه قليلًا. آه…. تلك الفتاة الصغيرة.
قال ساخرًا: “أتذكر الآن… كانت تبلغ من العمر عشرة أعوام آنذاك، أليس كذلك؟”
ردّ ليو بتهكم خفي:
“يا لها من كرامة عظيمة…. أن يتذكر دوق بريستون حتى عمر أختي.”
ثم عدّل وقفته بانحناءة محترمة.
“بعد خمس سنوات، ستكون حتمًا أيقونة تسيطر على المجتمع الراقي، يا دوق. أتطلّع إلى ذلك اليوم….”
قبل أن يكمل ليو حديثه، تدخّل كاليكس بخطوة للأمام، عينيه تلمعان بتحدٍّ:
“من المثير للاهتمام أن يرفض الدوق ابنة دوق…. ليتزوج ابنة فيسكونت فقط.”
كانت سخرية مباشرة من أنري.
لكن إدوين لم يتأثر. رفع كأسه بهدوء، وارتشف الشراب الأحمر القاني بنظرة باردة.
“وما المشكلة؟ ما فائدة أن تكون ابنة دوق؟ لقد بحثت في كل مكان، ولم أجد أحدًا أجمل من عروسي.”
تلألأت الحمرة على شفتيه بعد الشراب، لتبدو كأنها ابتسامة ساحرة رغم برود كلماته.
اشتعل غضب كاليكس، لكن قبل أن ينفجر، ابتسم ليو بتكلف وقال:
“إذن هو الحب. ولكن كما تعلم، الحب زهرٌ جميل، يذبل سريعًا. ألا يقولون إن الزوجين، بمرور الزمن، يصبحان مجرد معارف؟”
قاطع إدوين ببرود قاتل:
“ليطمئن قلبك يا دوق ليو. لن أُهمل زوجتي أبدًا.”
أنهى كلماته الحاسمة، واستدار ليغادر غير عابئ بهم.
✩‧₊˚༺☆༻*‧₊˚
في تلك اللحظة، تغيّرت الموسيقى فجأة.
لقد كان أمرًا رتّبه إدوين مسبقًا.
ارتفع الإيقاع الذي كان مجرد خلفية للحوارات، ليتحوّل إلى لحن راقص.
لقد تناول الحضور ما يكفي من طعام وشراب… والآن حان وقت الرقص.
وفجأة، ساد بين السيدات همسٌ وحماسٌ متزايد.
ارتفعت الموسيقى تدريجيًا، وأصبح اللحن أكثر حيوية وأناقة.
رفرفت الفساتين المزركشة بخفة مع حركة السيدات، بينما بدأ الرجال يمدّون أيديهم لدعوة شريكاتهم إلى قاعة الرقص.
لكن أنظار الجميع كانت متجهة نحو شخص واحد فقط.
العريس… دوق بريستون.
كل سيدة كانت تحلم أن تُصبح شريكته في الرقصة الأولى.
فالمجتمع كله يعرف أن الرقصة الأولى في زفاف الدوق ليست مجرد رقصة… بل إعلان عن مكانة العروس.
همست بعض السيدات بغيرة مكتومة:
“كم هي محظوظة… لقد اختارها الدوق.”
في هذه اللحظة، ظهر إدوين من بين الحشد، وخطواته ثابتة، ونظرته لا تحيد عن مكانٍ واحد… العروس.
كانت أنري واقفة، يديها متشابكتان بخجل أمامها، والقلق يلوح في عينيها.
منذ بداية الحفل وهي محاطة بالهمسات والعيون المتفحصة، والآن جاء الدور الأصعب.
توقفت أنفاسها لوهلة حين تقدّم إدوين نحوها.
لم يتردد، بل مدّ يده إليها بثقة مهيبة.
قال بصوت منخفض لكنه سُمِع بوضوح في القاعة:
“آنسة… هل لي بهذه الرقصة؟”
ارتجفت أصابع أنري، وترددت لحظة، قبل أن تضع يدها المرتعشة في يده الكبيرة الدافئة.
ابتسم إدوين ابتسامة باهتة بالكاد تُرى، ثم قادها نحو وسط القاعة.
بدأت الموسيقى، ومعها بدأت الرقصة.
تحرّك إدوين بخفة غير متوقعة من رجل ضخم البنية، وكان يقودها برشاقة كأن جسديهما خُلقا لينسجما معًا.
كانت خطوات أنري متوترة في البداية، لكنها سرعان ما وجدت نفسها منسابة مع إيقاعه، وكأنها تنتمي لهذا المكان، لهذا الرجل.
حدّق في عينيها مباشرة، فارتبكت أكثر، وحاولت خفض بصرها.
لكنه رفع ذقنها بخفة وهمس:
“لا تُخفضي عينيك. أنتِ زوجتي… ودوقتي.”
تصاعدت الهمسات بين الضيوف، وانبهرت السيدات من المشهد.
كان واضحًا أن إدوين، رغم سمعته الباردة والفظّة، أظهر أمام الجميع اعترافًا علنيًا بحبه لعروسه.
ابتسمت أنري ابتسامة صغيرة، لكنها كانت كافية لتسرق أنفاس كل من يراها.
وفي اللحظة التي استدارت فيها بخطوة راقصة، تلاقت عيناها فجأة بعينَي امرأة تقف بين الحضور، متنكرة بزي رجل… إللزي.
ذلك الوجه… لماذا تحدّق بي بهذا الشكل؟
شعرت أنري بوخزة غريبة في قلبها، لكنها عادت بسرعة لتلحق بخطوات إدون الذي شدّها برفق أقرب إليه.
انتهت الرقصة الأولى بتصفيق حار يملأ القاعة، بينما كان إدون لا يزال ممسكًا بيدها بإحكام، وكأنه يعلن أمام الجميع: هذه المرأة لي وحدي.
✩‧₊˚༺☆༻*‧₊˚
وبينما بدأ الضيوف بالرقص مع شركائهم، ظلّت إلزي
في مكانها، عيناها مثبتتان على إدوين وأنري.
انكمش شاربها المزيف قليلًا وهي تهمس في نفسها:
“إذن… هكذا هي الأمور.”
ـــــــ
للتواصل
الانستغرام : @the_dukes_wife_obsession
التعليقات