الصرعات أشبه بأفكار ثابتة لامعة لا يمكن تجاهلها بسهولة.
الحقيقة أن إزالة الأكمام المنتفخة كليًا من الفستان كان أمرًا مبتكرًا.
لم ترتدِ حتى الكريـنولين لتنفش التنورة، ولا الكورسيه لتُبرز الخصر.
لم يكن هناك شرائط كبيرة أو كشكشات أو زخارف دانتيل إطلاقًا.
هذا يعني أن الفستان بدا غريبًا جدًا من منظور أهل هذا العصر.
ومع أنه لم يكن يواكب الموضة الدارجة إطلاقًا، إلا أن تصميمه بدا مناسبًا لأنري لدرجة أنه أضفى عليها هالة مميزة خاصة بها.
بالطبع، أنري لطالما رغبت في ارتداء فستان كهذا في حياتها السابقة.
كانت متحمسة وسعيدة جدًا لدرجة أنها دارت حول نفسها بفرح.
غير أن ذلك كان في حياتها الماضية؛ في عصر التفتح والرومانسية، كان شيئًا لا يمكنها إلا أن تحلم به…
(ملاحظة : “عصر التفتح والرومانسية” إشارة على الأرجح لحركة ثقافية وفنية آنذاك ركّزت على الجمال والأناقة والرومانسية).
أنري أطلقت نظرة أخرى عبر النافذة.
أما عن الفستان، فكانت راضية عنه تمامًا، فلم تهتم برأي الآخرين فيه.
كانت فقط فضولية قليلًا تجاه ردة فعل إدون.
«من دون بالونات أو شرائط طفولية، ما الذي سيسخر منه هذه المرة؟»
✩‧₊˚༺☆༻*ੈ✩‧₊˚
«كما هو متوقَّع، إنه متألّق كما تقول الشائعات.»
الضيوف الذين كانوا يتجولون بدأوا يجلسون أو يتجمعون بالقرب.
انتشرت همسات متحمسة كزقزقة الطيور.
الفتيات النبيلات أبدين إعجابهن مرارًا وتكرارًا.
ومن خلف قفازاتهن، سرقن نظرات خاطفة نحو إدون تحت المظلّة.
يبدو أن الجاذبية الحقيقية في حفل الزفاف لم تكن العروس بل شخص آخر.
إدون كان يُقاد من قبل الدوقة الكبرى، يتبادل التحايا مع النبلاء رفيعي المستوى.
مظهره بزيٍّ أحمر مزيَّن بالأوسمة كان مدهشًا.
القماش مفصَّل بإتقان، بلا أي تجعّد.
جبينه الوسيم بدا أوضح قليلًا بعدما رُفع شعره إلى الخلف.
في الحديقة الساكنة، خفقت القلوب.
كان على وشك أن يصبح زوج شخص ما، لكنه بدا وكأنه حبيب الجميع.
ومع ذلك، لم يُبدِ إدون أي عاطفة منذ لحظة ظهوره في الحديقة.
رغم أنه يوم زفافه، إلا أن ملامحه بدت أكثر انزعاجًا وفتورًا من الفرح.
أكثر شخص متحمس كان الدوقة الكبرى.
«……»
يونيس حولت بصرها بخفة بعيدًا عن إدون وانتظرت “ويل” من جديد.
ترددت قليلًا في أن تذهب للبحث عنه بنفسها.
لكن الانتظار جعلها قلقة بعض الشيء، فلم تكن واثقة من أن ويل سيأتي فعلًا.
المراسم على وشك أن تبدأ قريبًا…
شعرت يونيس لأول مرة بالامتنان لجسدها الملفت حيثما ذهبت.
في الحقيقة، يونيس لم تكن تظن أنها ستلتقي بـ ويل مجددًا.
لم تتوقع أن يكون لها أي رابط مع أي رجل قابلته في الحفل، فما بالك بـ ويل.
حتى أن مجرد أن رجالًا طلبوا منها الرقص بدا لها معجزة.
لذا حينما أتاها ويل مباشرة بعد الحفل وطلب عنوانها ليكتب لها، صُدمت لدرجة أنها بالكاد استطاعت النطق.
«أ-أمم…»
وبينما كانت واقفة ورأسها مطأطأ، تعبث بأصابعها بتوتر، وصلها صوت عميق مألوف.
شهقت بدهشة ورفعت رأسها، متسائلة إن كان الصوت يناديها.
ثم فجأة، كما لو كان معجزة، امتلأت رؤيتها بوجه مألوف.
شعر أشقر كثيف، وعينان خضراوان.
مظهره بريء نقي، وجسمه الناعم بدا ككتلة قشدة كبيرة.
«و… ويل…»
تمتمت يونيس اسمه بصعوبة، وقد ارتبكت بشدة.
في النهاية، لم تستطع أن تلتقي بعينيه وخفضت رأسها مجددًا.
الرجل المسمّى ويل رمش بخجل مماثل، ضامًا يديه بأدب.
ابتلع ريقه بصعوبة ثم أظهر تعبيرًا مرتبكًا لكنه عفوي.
«أنا… أنا كنت أبحث عنك في كل مكان. هل انتظرتِ طويلًا؟»
✩‧₊˚༺☆༻*ੈ✩‧₊˚
«لا أستطيع أن أجدها إطلاقًا.»
اقتربت لحظة دخول العروس في مراسم الزفاف.
بينما كانت أنري تنزل إلى الحديقة بمساعدة الخدم، كانت تمسح الحاضرين بنظراتها.
في نظر الآخرين، بدت عينا العروس وكأنها تتحركان بريبة في كل اتجاه.
لكن لحسن الحظ، لم يكن من السهل تمييزها وسط الحشد.
وأثناء انتظارها في الغرفة، كانت تحدّق عبر النافذة تبحث عن إلزي.
لم يأتِ أي خبر من الخدم عن وصول أحد أفراد العائلة الملكية.
لو حضرت الأميرة، لحدثت ضجة أمام النافذة، لكن لم يكن هناك أثر لذلك.
إدون كان مشغولًا بتحية الناس برفقة الدوقة الكبرى.
ومن بين الذين تحدثوا معه، لم يكن هناك أي امرأة يُظن أنها إرزه.
صحيح أنها لم تكن تراقب طوال الوقت، لكن مع ذلك…
«هل يمكن أن إلزي تنكرت مجددًا؟»
في القصة الأصلية، كانت إلزي حتى قد ارتدت شعراً مستعارًا لتحضر الحفل العام.
من يدري، ربما تنكرت اليوم كرجل.
ومع ذلك، لم يكن من المرجَّح أن إلزي، التي كانت تفخر جدًا بكونها امرأة، ستتقمص هيئة رجل.
«لم ترتدِ زيّ رجل في القصة الأصلية أبدًا.»
لكن إخفاء هويتها والاندماج وسط الناس لتكوين معارف كان أحد هواياتها.
كانت تهدف إلى استدراج الناس واحدًا تلو الآخر لاستخدامهم في مخططاتها.
أخيرًا، دخلت أنري المتاهة المؤدية إلى وسط الحديقة.
المتاهة، المصنوعة من أشجار مُعتنى بها بعناية، كانت خضراء مورقة.
وبمجرد أن تخرج منها، ستظهر على الممر حيث ينتظر الضيوف والعريس.
ما وراء المتاهة التي تعلوها، لم يكن يُرى سوى السماء الصافية.
خلف أنري كانت ست نبيلات يقدمن لها الخدمة كوصيفات.
كل شيء بدا غير واقعي، وكأنه حلم.
زقزقة العصافير، عزف الموسيقى، همسات الضيوف، وضحكات الأطفال بدت جميعها بعيدة وخافتة.
حتى وإن كان زواجًا زائفًا، شعرت بنفس القدر من التوتر والفرحة.
كانت متوترة لدرجة أنها لم تكن واثقة حتى من خطواتها.
الحقيقة أنها ستواجه إدون بعد قليل جعلتها ترتجف من غير المتوقع.
حتى الآن، كانت تراقبه من النافذة سرًا، تتحقق مما إذا كان قد التقى إلزي أم لا…
لكن مواجهة بعضهما كعروس وعريس مسألة مختلفة.
ومع تقدمها في المتاهة، بدأت فكرة إلزي تتلاشى من ذهنها تدريجيًا.
صارت غارقة كليًا في مشاعر عروس متوترة ومتحمسة.
في حياتها السابقة والحالية، لم يكن الزواج حدثًا رومانسيًا بالنسبة لأنري.
لكن الفستان كان أشبه بالسحر، جعل المراسم تبدو رومانسية بمجرد ارتدائه.
منذ قليل، إحساس يشبه القشعريرة كان يسري بخفة عبر بشرتها الشاحبة.
وأخيرًا، بدأ نور أبيض ساطع يشع من نهاية المتاهة المظلمة.
لقد وصلت تقريبًا إلى الحد الفاصل بين النهاية أو البداية.
✩‧₊˚༺☆༻*ੈ✩‧₊˚
«كم مرة عليَّ أن أصافح؟»
كان إدون يريد أصلًا أن ينسحب إلى غرفته.
المراسم لم تبدأ بعد، لكنه استنزف كليًا من جرّاء جرّه خلف والدته.
إدون عادةً لا يحب ملامسة الناس.
لذلك كان ينفر بشدة من مصافحة المجاملة أو الرقص مع النساء.
لكن إن دفع أحدٌ شريكة رقص بين يديه، لم يكن أمامه سوى الاستجابة.
وفي تلك الحالات، بالكاد يضع يده على خصرها ويمسك يدها، فقط يؤدي المطلوب.
المجاملات الصغيرة وتبادل النظرات لم تكن سوى عبء مزعج.
أما مصافحة الرجال فكانت الأسوأ.
نادراً ما تكون أيدي الرجال نظيفة.
لذلك اعتمد إدون أسلوب مصافحة بالكاد يلامس الطرف الآخر.
ومع ذلك، الاضطرار لتحمل مثل تلك المصافحة عشرات المرات بينما يتبادل تحايا فارغة وتهاني جعل إدون يشعر…
«هذا حقًا الأسوأ.»
هذا زفاف لن يكرره في حياته ثانيةً.
كان يجب أن يُصرّ منذ البداية على أن تحد والدته عدد الضيوف.
ومع ذلك، وقف إدون بلا تعبير أمام الكاهن، لا يظهر أي انزعاج.
جرت العادة أن يقف العريس أمام الكاهن بينما تدخل العروس.
الجميع، بما في ذلك الكاهن، ثبّتوا أعينهم على ظهر إدون.
قريبًا ستخرج العروس من المتاهة.
بدلًا من النظر إلى العروس القادمة، كان إدون يحدق بلا معنى.
وفي اللحظة التي ارتسمت فيها ابتسامة راضية على وجه الكاهن، بدأ همس الضيوف يخفت تدريجيًا.
يبدو أن أنري خرجت من المتاهة.
لكن ردة فعل غريبة بدأت بالظهور.
ابتسامة الدافئة أخذت تتلاشى ببطء.
ثم بدا عليه الارتباك وهو يحدق في موضع ما.
«…؟»
قطب إدون حاجبيه وألقى نظرة حوله وهو ما يزال يدير ظهره للعروس.
لكن لم يكن هناك شيء في مجال بصره يوضح ما يجري.
ولم يكن يرغب أيضًا في أن يستدير كليًا.
عينا الكاهن اتسعتا دهشة.
الآن لم يعد إدون فضوليًا فحسب، بل شعر بقلق متزايد.
الضيوف حافظوا على صمت غريب، وكأن الأمر مُنسَّق.
لكنها لم تكن سكينة مهيبة، بل صمت مشؤوم.
هل حدث شيء للعروس؟
ما إن عبرت الفكرة في ذهنه حتى استدار دون وعي.
في البداية، بدا بصره ضبابيًا، كأنه عُمي للحظة.
لا، لم يستطع تحديد موقع العروس مباشرة، فتشتّت نظره للحظة.
لكن سرعان ما استقرت عيناه على أنري.
وبدا أن ضبابية بصره لم تكن وهمًا.
أنري كانت تشع نورًا ساطعًا يكاد يُعمي.
«……»
الآن لزم إدون الصمت، شاعراً بنفس ما شعر به الضيوف.
صمتهم لم يكن صدمة أو دهشة، بل أقرب إلى الرهبة.
كأنهم أمام شيء جميل وغامض، لا يستطيعون أن يحيدوا بأعينهم عنه. كانوا مسحورين.
✩‧₊˚༺☆༻*ੈ✩‧₊˚
«لماذا يبدو هذا الطريق طويلًا جدًا؟»
كانت أنري تسير ببطء وعيناها مطأطأتان.
ردود فعل الضيوف في مجال بصرها كانت صامتة للغاية، فلم تستطع أن تستشعر الجو.
كان منطقيًا أن يلتزم الضيوف الصمت، إذ إن التصفيق والهتاف يُحجز عادةً للخاتمة.
لكن هناك شيء غريب في الأجواء.
«ما هذا الفستان بحق السماء…؟»
في تلك اللحظة، كسر الهدوء همس خافت لأحد النبلاء.
ومن ذلك ال
صوت، بدأت موجة من الشعور المشترك تنتشر.
لم يتمكن الضيوف من رفع أعينهم عن العروس لأسباب مختلفة.
الفستان كان من طراز لم يره أحد من قبل.
بلا شك بدا غريبًا وغير مألوف، لكن جمال العروس تجاوز ذلك الإحساس.
جمال جعل الجميع بلا كلام.
ـــــــ
للتواصل
الانستغرام : @the_dukes_wife_obsession
التعليقات