«أهذه لوحة؟»
داخل الصندوق كان هناك إطار صغير يحمل لوحة مرسومة.
كانت بالحجم المثالي لتوضع على منضدة الزينة لا كبيرة جدا ولا صغيرة جدا.
أخرجت أنري الإطار الأبيض الجميل، وحدّقت مطوّلا في الأشخاص المرسومين.
كانوا ثلاثة أشخاص.
الفتاة ذات الشعر الوردي، المبتسمة ببهجة، لا شك أنها أنري نفسها.
الرجل بمعطف بنيّ وقبعة، بابتسامة لطيفة، كان على الأرجح والدها موريس .
وأخيرا، المرأة ذات الشعر الفضي المتموّج…
«أمي؟»
نظرت أنري إلى يونس بدهشة وحيرة.
يونس، غير قادرة على مواجهة نظراتها، أطرقت رأسها.
«…من أين جاءت هذه اللوحة؟»
لم يسبق لأنري أن رأت لوحة تجمع عائلة وينتوورث هكذا.
كان واضحا أنّ أحدهم رسمها مؤخرا.
والأدهى أنّ المهارة لم تكن سيئة أبدًا، بل كانت متقنة.
عيون العائلة المبتسمة كانت مشرقة ودافئة لدرجةٍ أبكتها.
«أ-أنا من رسمها…»
«أنتِ؟! لم أكن أعلم أنكِ تجيدين الرسم!»
«……»
أرادت يونس قول الكثير.
كانت تعرف أنّ أنري تحبّ الرسم، وتزور معرض الأكاديمية الملكية للفنون كل عام.
وُلدت يونس بموهبة فطرية، تستطيع بها رسم الوجوه بسهولة ودون جهد يُذكر.
ولأنّ الرسم يعني الكثير لأنري، أرادت يونس أن تهديها لوحةً من يدها مرة واحدة على الأقل.
شعرت أنّ هذا سيكون السبيل الوحيد للتواصل بينهما.
حين سألتها أنري إن كانت تجيد الرسم، أومأت متأخرة.
دهشت أنري بشدّة حتى كادت تسقط الإطار من يدها.
«يا للروعة! أنتِ مذهلة، أختي!»
ثلاث سنوات عاشتا معًا، ومع ذلك لم تكن أنري تعلم أنّ يونس تملك هذه الموهبة.
لكن يونس هزّت رأسها متواضعة:
«لا، الأمر محرج حقًا… لم أرسم منذ زمن طويل. حتى خلط الألوان كان صعبًا عليّ…»
أطرقت رأسها ولم تُكمل.
غير أنّ أنري لم تكن تصغي، فقد كانت عيناها معلّقتين على اللوحة.
«أمي… أمي.»
امرأة بشعر فضي طويل مجعّد، ووجه شاحب على شكل قلب.
تشبه تمامًا والدتها كما تتذكرها.
لا بد أن يونس علمت بشكل والدتها من إيفا.
كانت اللوحات مكلفة جدًا، واستئجار رسام لرسم صورة كان يحتاج ثروة.
ولذلك لم يكن لديها أيّ لوحة لوالدتها، فضلًا عن لوحة عائلية.
«لو كنت أعلم أنّ أمي سترحل مبكرًا… لطلبت لوحة لها عندما كان لدينا المال.»
“……”
سرعان ما اغرورقت عيناها بالدموع.
لقد مرّ زمن طويل منذ رأت وجه والدتها.
كانت فرحةً غامرة ومؤثرة… وكأن والدتها كانت ستبتسم هكذا بالضبط لو حضرت خبر زفافها.
«أختي… شكرًا لكِ من قلبي.»
وضعت أنري الإطار ومسحت دموعها وهي تكاد تبكي بحرقة.
أما يونس فارتبكت بشدة ولم تعرف ماذا تفعل…
✩‧₊˚༺☆༻*‧₊˚
«ويل؟ هل قالت ويل؟»
ارتدت أنري ويونس شالات فوق مناماتهن وخرجن للبحث عن السيدة تشيستر.
لم يجرؤن على مناداتها خوفًا من أن تكون نائمة.
كانت أنري بحاجة لقائمة المدعوين إلى زفافها، وافترضت أنّ السيدة تشيستر تحتفظ بها.
بعد أن هدأت أنري قليلًا بفضل هدية يونس وبكت طويلًا، استطاعت أخيرًا الإصغاء لحديث يونس عن الرجل الذي قابلته في الحفل.
ذكرت يونس أنّ الرجل الذي أرسل لها رسالة عرّف نفسه بلقب «ويل»، واقترح أن يلتقيا مجددًا في زفاف شقيقتها ودوق بريستون.
هل هذا يعني أنه مدعو فعلًا؟
«هل صار من الموضة أن يخفي الرجال هويتهم هذه الأيام؟»
كان إدون كذلك… لمَ لا يصرّح أحدهم بهويته مباشرة؟
قررت أنري إذن أن تفحص قائمة الضيوف بنفسها لتكشف هوية ويل.
لم يكن من اللائق إزعاج الخدم في ساعة متأخرة كهذه، لكن لم يكن هناك خيار.
ولأنها لم تهتم مسبقًا بأسماء المدعوين، لم تتفقد القائمة من قبل.
فهي تعلم مسبقًا أنّ معظم الأسماء لن تعني لها شيئًا.
على الأغلب، كل النبلاء البارزين سيحضرون، باستثناء العائلة الملكية.
فالدوقة العظمى وإن كانت من دم ملكي، إلا أنّ قرابتها بعيدة للغاية، مما يجعل حضور العائلة المالكة أمرًا غير وارد.
«آنسة؟»
لحسن الحظ، كانت السيدة تشيستر ما تزال مستيقظة، فأعطتها القائمة طواعية.
عادت أنري ويونس إلى غرفة أنري، وتزاحمتا على القائمة الطويلة.
الأسماء كانت تتضمن ألقابًا مختصرة ومكان الإقامة.
لكن عدد الرجال الذين تبدأ أسماؤهم بـ «ويل» كان كثيرًا:
ويلوز، ويللوبي، ويليام…
«لا أستطيع التمييز بينهم، كلهم متشابهون.»
وبينما كانت أنري تُقلّب القائمة، وقع بصرها على اسم مألوف.
ارتاحت قليلًا عندما رأت “ويليام” آخر، لكن كنيته كانت “برانير”.
وتحتها مباشرة…
«إلزي برانير؟!»
قفزت أنري من مكانها صارخةً وكأن بيت “مايفير” كله سيسقط.
أما يونس فأفلتت قطعة الخبز من يدها من شدّة المفاجأة.
✩‧₊˚༺☆༻*‧₊˚
«آنسة، صباح الخير!»
دخل الخدم غرفة أنري مبتهجين يعلنون حلول يوم الزفاف.
لكنهم تجمّدوا ما إن رأوا وجهها، وأخذوا خطوة إلى الوراء.
كانت مستيقظة منذ وقت طويل، جالسة على السرير، شاردة الذهن منذ مطالعة قائمة الضيوف الليلة الماضية.
اليوم ستواجه إلزي وجهًا لوجه.
«يبدو أنّ خيط القدر بين إلزي وإدون لا ينقطع أبدًا.»
يُقال: إن كان لقاء شخصين مقدّرًا، فسيجتمعان في النهاية.
بعد أن تجنّبا بعضهما في الحفل، سيصطدمان الآن في الزفاف.
في زفاف أنري وإدون، لم يحضر الملك والملكة، لكن أبناءهما ولي العهد والأميرة تلقّوا الدعوة.
ومع ذلك، لم يكن متوقعًا أن يلبّوا.
قضت أنري الليل بلا نوم، تتأرجح بين قلقها من لقاء إلزي وخوفها من ردّة فعل إدون حين يراه.
في اليوم التالي، بعد مراجعة القائمة، سألت إدون مباشرة إن كان يعرف إلزي.
كما سألته إن كان ولي العهد والأميرة سيحضران حقًا.
فأجابها ببرود:
«لا يهمّني سواء حضروا أم لم يحضروا.»
«لكن… لا بد أنك تعرف ولي العهد مثلًا، أليس كذلك؟»
وعندما أعادت سؤالها، أجابها:
«لم أرهم إلا من بعيد حين كنت صغيرًا… بالكاد أتذكر. ولماذا يحضرون زفافي أصلاً؟»
كان ردّه بلا مبالاة.
إن كان كلامه صحيحًا، فاحتمال حضورهم ضعيف، لكن الأمر لا يزال غامضًا.
هزّت أنري رأسها ونهضت عن السرير.
حتى آنايس و بونيتا بدتا مرهقتين للغاية، إذ سهرتا يومين كاملين بلا نوم لإنهاء فساتين جديدة.
هل من المقبول أن يكون الجميع بهذا الإنهاك يوم الزفاف؟
وفوق ذلك، كانت حفلات الزواج تُقام عادة في الصباح.
ولم يبدأ تأخيرها إلى الثالثة بعد الظهر إلا في أواخر القرن التاسع عشر.
لكن الآن، كان القانون يلزم إتمام الزواج صباحًا.
بعد حمام منعش، جلست أنري أمام منضدتها، وعقلها أنقى من قبل.
اليوم… ستتزوج حقًا.
بعد تسريحة الشعر ووضع الزينة، حان وقت ارتداء الفستان.
وخفق قلبها بقوة، مزيج من الترقّب والرهبة.
«هاه؟»
لكن الفستان الذي جلبته الوصيفات لم يكن هو ذاته الذي قاستْه قبل يومين.
كان جديدًا تمامًا، مبتكرًا وغريبًا عن فساتين هذا العصر…
ومع ذلك… كان أجمل فستان رأته في حياتها، وأحبّته من أول نظرة!
✩‧₊˚༺☆༻*‧₊˚
«يا له من يوم جميل، كأننا خرجنا في نزهة.»
«بلى، بلى! نحضر عرسًا ونتجول في الحديقة، هاهاها.»
غطّت السيدات أفواههن المغطاة بالقفازات وابتسمن بخفوت.
أُقيم زفاف دوق بريستون والآنسة وينتوورث في حديقة القصر.
ورغم أن موسم الورود لم يحن بعد، فامتلأت الحديقة بخضرة غنّاء.
ولم تكن بحاجة لزهور إضافية، فهذا اليوم خُصص لتتألق العروس وحدها.
عزفت موسيقى رقيقة عذبة بالكاد تُسمع إلا لمن أنصت جيدًا.
وقد اجتمع النبلاء بالفعل أكثر من مئتين.
يتنزهون بين الممرات، يتبادلون الأحاديث.
يمرّون عبر نفق الورود الخالي من الأزهار، ثم حول النافورة.
…إنها حقًا حقبة “الزهر والرومانسية”.
أزياء السيدات النبيلات الباذخة والكلاسيكية بدت كأنها بالونات صغيرة تطفو في الهواء.
كشفن عن أكتاف دائرية وأكمام منتفخة، تحت تسريحات شعر أنيقة.
وكانت الزينة وفيرة: كشكش، أشرطة، ورود، ودانتيل.
والخصور نحيلة مشدودة كساعة الرمل.
«واو…»
تطلّعت أنري من خلف الستارة إلى حديقة الورود.
رغم خلوها من الأزهار، بدت الحديقة وكأنها مليئة بالألوان الزاهية من فساتين السيدات.
نظرت إلى فستانها هي، فاشتدّ خفقان قلبها كأنها على وشك خوض مغامرة.
منذ أن ارتدته، لم يهدأ قلبها.
رفعت نظرها إلى وصيفاتها.
آنايس وبونيتا شبكتا أيديهما كأنهما تقسمان عهدًا، وأومأتا لها بامتنان.
التغيير المفاجئ للفستان كان حدثًا صادمًا.
كان يمكنها أن ترتدي التصميم الأصلي لو شاءت.
لكن هذا الفستان الجديد بدا أنسب لها بكثير.
«هل هؤلاء الوصيفات عبقريات فعلًا؟»
لم تستوعب كيف توصّلن لمثل هذه الفكرة في يومين فقط.
«أترى… هل استمعن لتعليقات إدون عن البالونات والقرع؟»
ـــــــ
للتواصل
الانستغرام : @the_dukes_wife_obsession
التعليقات