“…؟”
ارتبكت أنري، متسائلة في حيرة: أيّ هراءٍ هذا الذي يُقال بوجهٍ مبتسم؟
شعرت وكأنّ أحدهم قد ضربها على مؤخرة رأسها، فاستُلبت منها القدرة على التفكير لبرهة، وجفنتاها ترفرفان بسرعة.
«هل قال لي ذلك حقّاً؟»
وحين استعادت رباطة جأشها أخيراً، ارتسمت على شفتيها ابتسامة مشرقة ودافئة.
“لستُ متأكدة أنّي فهمت ما سمعته للتو. هل تكرّر ما قلت، يا صاحب السمو؟”
“همم…”
عقد إدوين ذراعيه، وراح يتأمّل أنري بتمعّن.
على وجه التحديد، كان يمعن النظر في ثوبها.
“أظن أنّ الفستان الذي ارتديتِه بالأمس كان يليق بكِ أكثر.”
“…ماذا؟”
ازدادت حيرة أنري، وقد غشى الضباب فكرها.
فهي بالكاد تتذكّر ما أكلته بالأمس، فكيف بما ارتدته؟
لكن سرعان ما تذكّرت.
لقد كان فستاناً بيجياً مطرّزاً بنقوش دقيقة، يكسو جسدها من العنق حتى الرسغ، بينما تدعمه تنورة منفوشة بالكريـنولين.
أما اليوم، فالفستان بلون أكثر إشراقاً، كاشفٌ بعض الشيء عن كتفيها وصدرها.
كلاهما كان جميلاً، فلماذا؟
ابتسمت أنري ابتسامةً محيّرة وقالت:
“أنا لا أرتدي الثياب لأبدو جميلة في نظرك، يا صاحب السمو.”
ومع ذلك، لم يَلِنْ بصر إدوين الناقد. بل مال برأسه قليلاً، وأخذ يتفحّص ثوبها بعينٍ فاحصة.
“ومع هذا، إن استطعتِ أن تخبريني بما لا يعجبكِ فيه، فسأُصغي.”
حافظت أنري على ابتسامتها.
لكن، ماذا بوسعها أن تفعل إن لم يعجبه؟
«لماذا يسعى الجميع اليوم إلى مضايقتي؟»
شعرت بغصّة من الإحباط.
فقد كانت قبل قليل تحلم بحلمٍ رومانسي عن قبلة منه، أما الآن فقد تلاشى ذلك الحلم تماماً.
“آنسة؟”
إذ ذاك، اقتربت آنايس وبونيتا، وصيفتا أنري.
لكن سرعان ما أدركتا أنّ أنري تتحدث مع الدوق.
“يا إلهي… يا إلهي.”
لم يكن في نيتهما التلصّص، لكنهما مع باقي الخدم اختبأوا يراقبون خلسة.
كانت نظرات الدوق إلى أنري عميقة ونافذة، توحي بعلاقة خاصة بينهما.
إلا أنّ ما تفوّه به كان:
“ما شأن تلك الأكمام أسفل كتفيكِ؟ أهي بالونات؟”
“…؟”
تجمّدت أنري في مكانها.
بالونات؟
صحيح أنّ إدوين لا يفقه شيئاً في أزياء النساء، لكن هذا الفستان تحديداً هو أحدث تصاميم “شارلوت وأودري”.
وبالنسبة لدار أزياء كهذه، حتى لو صنعوا ثوباً من خرَق، لتمنّى الجميع ارتداءه.
لكن… بالونات؟
إنها إهانة للمصممين والعملاء على حدّ سواء.
بل تحدٍّ صريح.
“يا صاحب السمو، بالونات؟ هذه تُسمّى أكماماً منفوشة.”
“آه… فهمت. كنتُ أتساءل لماذا صارت معظم النساء يضعن بالونات على أذرعهن هذه الأيام.”
ردّ إدوين ببرود، الأمر الذي زاد من غيظ أنري.
«إن كنتَ لا تعرف شيئاً عن أزياء النساء، فلتصمت! كيف تجرؤ على وصفها بالونات؟»
لو سمعت “آن” ذات الشعر الأحمر (آن من المرتفعات الخضراء) التي تعشق الأكمام المنفوخة هذا الكلام، لبكت.
قالت أنري وهي تستعرض ذراعها:
“سواء بالونات أو أكماماً منفوشة، ألا تراها جميلة؟”
لكن جوابه كان:
“تبدو غريبة… أشبه بقرعٍ معلّق على الأكمام.”
“…ماذا؟”
قرع أيضاً؟
رفّت جفنا أنري في ذهول.
هل يقصد أنها تبدو كقرعة؟
في تلك الأثناء، كان الخدم المتجمّعون حول الزاوية يتبادلـون النظرات القلقة.
«يبدو أنّ الدوق يكره الأكمام المنفوخة.»
وفجأة، تذكّروا فستان زفاف آنسة أنري…
وقبل أن يستفيقوا من أفكارهم، جاء صوت الدوق صارماً:
“وما تلك الأشرطة المربوطة بشكلٍ أخرق؟ ألستِ طفلة؟ إنها طفولية للغاية.”
“…عفواً؟”
أمالت أنري رأسها بابتسامة متكلّفة.
«ماذا قلتَ للتو؟ أتريد أن تُصفَع؟»
صحيح أنّ فستانها يحوي أشرطة صغيرة موزّعة حول الخصر، لكن وجودها كان نقطة جمالية تُكسر رتابة القماش.
فكيف يصفها بالخرقاء والطفولية؟
“يا صاحب السمو، الأشرطة جميلة حتى على الجدّات. فهي رقيقة وساحرة.”
“…همم.”
ومع ذلك، واصل إدوين تدقيقه في الثوب وكأن شيئاً ما لا يعجبه.
أما الخدم فارتعدت فرائصهم.
«يبدو أنه يكره الأشرطة أيضاً.»
وارتسمت في أذهانهم صورة فستان الزفاف مجدداً، وقد أُنجز للتوّ.
كيف للدوق أن يلتقط أدقّ تفاصيل الموضة لينتقدها هكذا؟
لقد بدا أنّ تصميم فستان العروس، الذي جمع بين الأصالة والحداثة، صار على وشك الانهيار.
“…”
أرادت أنري أن تردّ بانتقاد على ملبس إدوين، لكن مظهره كان متكاملاً بلا شائبة.
لم تجد فيه ما تُمسك عليه.
وذلك جعلها أكثر غيظاً.
اللعنة عليك يا إدوين!
قالت بابتسامة مصطنعة:
“أستأذنك، يا صاحب السمو.”
ثم رفعت طرف فستانها واقتربت منه بخفة، وهمست في أذنه:
“إذا كنتَ تريد التظاهر بأننا زوجان، فعليك أن تقول إنني جميلة مهما ارتديت. إن واصلتَ انتقادي هكذا، فسيظنّ الناس غير ذلك. حسناً، إلى اللقاء.”
وبدون انتظار رده، أدارت ظهرها ورحلت.
أصيب الخدم بالذعر من جرأتها، وركضوا مسرعين نحو غرفة الخياطة.
«لقد تحطّم فستان الزفاف.»
تبادلت وصيفتاها نظرات قلقة، ثم أسرعتا نحو مشغل الخياطة.
لحسن الحظ ما زال أمامهم يومان فقط.
أما أنري فقد غادرت إلى غرفتها وهي تزمجر في سرّها:
«أيها الأحمق الوقح!»
إن لم يكن لديه نية لمدحها، فليصمت على الأقل.
ألم يكن يقول دائماً إنها جميلة؟ لماذا إذن تغيّر فجأة مع اقتراب موعد الزفاف؟
اشتعل الغضب في صدرها.
لكنها ذكّرت نفسها:
«علاقتي به في النهاية ليست سوى صفقة.»
بينما كان إدوين يراقب ظهرها المتباعد، غارقاً في التفكير.
لقد بدت أنري في ذلك الفستان جميلة أكثر مما يحتمل، لا في نظره فحسب، بل في عيون جميع الرجال من حولها.
وهو لم يستسغ أن تكون زوجته المستقبلية بهذا القدر من التألق والجاذبية.
ذلك الفستان بلونه البنفسجي الباستيل بدا كضبابٍ حالمٍ غامض، مما زاد من انزعاجه.
✩‧₊˚༺☆༻*‧₊˚
“…هاه؟”
حلّ المساء.
وبينما كانت أنري تستدير عند زاوية الممر، التقت عيناها بعيني يونيـس.
كانتا كلتاهما ترتديان ثياب النوم.
كانت أنري قد لفّت كتفيها بشال، متجهة نحو غرفة يونس.
فخلال النهار لم تتح لهما فرصة للحديث، إذ لم يتبادلا سوى التحايا العابرة.
ومع وجود الآخرين حولهما، لم تستطع أنري أن تسألها عن أمر ذلك الرجل الذي التقت به في الحفل.
“أوه… مرحباً؟”
ما إن رأت يونس أنري، حتى أسرعت بضمّ الصندوق بين ذراعيها، محاولةً إخفاءه.
لكن أنري كانت قد لمحته بالفعل.
ارتسمت على وجهها ابتسامة مشرقة، ووضعت يديها خلف ظهرها قائلة:
“مرحباً يا أختي!”
“…”
بدت يونس مترددة، تبحث عن كلمات مناسبة.
لكن أنري لم تمنحها الوقت، فقد شبكت ذراعيها وقالت:
“هل تأتين معي إلى غرفتي؟”
“آه… نعم.”
أجابت يونس بانحناءة ورأسها مطأطأ، بينما كانت أنري قد أمسكت بيدها وسحبتها معها.
كانت أنري هذه الليلة لطيفة معها على نحو غير معتاد.
فهي تريد أن تفتح يونس قلبها وتروي ما جرى بينها وبين ذلك الرجل.
«لابد أن أكون طيبة معها لتُصارحني.»
لقد كانت أنري شديدة الفضول.
هل استلمت الرسالة فعلاً؟ وإن كان، فماذا قالت؟
«لماذا تبدو قصص الآخرين الغرامية ممتعة إلى هذا الحد؟»
ارتسمت ابتسامة هلالية على شفتيها، وقد شعرت بالحماس والفخر.
فهي تريد أن تتحقّق بنفسها مما إذا كان ذلك الرجل مناسباً ليونس.
كان إحساساً بالمسؤولية ممتزجاً بالإثارة.
“ها قد وصلنا.”
اتسعت عينا يونس بدهشة وهي تدخل غرفة أنري.
لم ترَ في حياتها غرفة بهذا البذخ.
أتُرى جميع غرف سيدات النبلاء بهذا الجلال؟
أنري بدت مهيبة في نظرها.
لكن الكلمات التي رغبت بقولها—«جميل… مبارك… مبروك»—لم تستطع أن تخرج من فمها.
شعرت بالدونية، وقلة الحيلة.
لقد ترددت طويلاً قبل أن تغادر غرفتها، حائرةً إن كان من المناسب أن تهدي أنري هدية للزفاف.
وأخيراً، بعد طول تردّد، خرجت… لتصادفها وجهاً لوجه.
“أليست جميلة؟ اجلسي هنا.”
أجلستها أنري على كرسي مكسوّ بالمخمل الأحمر، ثم جلست إلى جوارها على السرير.
وكان السرير واسعاً بما يكفي لأن يتدحرج المرء عليه خمس مرات دون أن ينتهي.
“ما هذا الذي تحملينه؟”
خلعت أنري شالها، وقد لمعت عيناها وهي تحدّق في الصندوق بين يدي يونس.
كان واضحاً أنه هدية.
“آه… إنه لكِ، أنري.”
“لي أنا؟”
قفزت أنري من السرير بدهشة.
لم تكن تتوقع هذا أبداً.
ومنذ أن خفّفت أنري لهجتها الرسمية، شعرت يونس بالارتياح قليلاً.
مدّت الصندوق ببطء، فتلقّته أنري بعينين تلمعان فرحاً.
“يا إلهي! لم يخطر ببالي هذا أبداً. يونس، كم أنتِ رقيقة.”
“مـ-مبروك…”
“واو! هذه أول هدية زفاف أتلقّاها!”
“…”
شبكت يونس يديها بقلق، وقد التصقت قدماها بالأرض.
لكن رؤية أنري سعيدة جعلتها تشعر بالارتياح بعض الشيء.
ومع ذلك، دبّ القلق في قلبها وهي تراقب أنري تفكّ الشريط.
«هل ستعجبها؟»
أما أنري، فقد غمرها الحماس.
ما نوع الهدية التي فكّرت يونس بتقديمها؟
لقد كانت صامتة ومنطوية عادة، فزاد فضول أنري أكثر.
“آه!”
وما إن فتحت الصندوق، حتى شهقت أنري من الدهشة.
فتحت أنري الصندوق ببطء، وعيناها تتلألأان بالإثارة.
ما إن أزال الغطاء حتى ظهرت أمامها قطعة مدهشة من الحُلي: قلادة فضية رقيقة، مُرصّعة بحجر كريم أرجواني شفاف يتلألأ كلون الفستان الذي ارتدته اليوم.
“يا إلهي… إنها جميلة جداً!”
رفعت أنري القلادة بين أصابعها، وابتسامة واسعة ترتسم على وجهها.
كانت هذه الهدية تعكس ذوق يونس الرقيق، واهتمامها الشديد بأنري.
“لقد… لقد فكرتِ في كل شيء، أليس كذلك؟ اللون والشكل… كل شيء متناسق!”
تدفقت الدموع في عيني يونس، لكنّها سرعان ما أمسكت بها حتى لا تُرى.
“أردت فقط أن… أهنئكِ… بمناسبة زفافك…”
“أشكركِ جداً يا يونس! هذه أجمل هدية تلقيتها على الإطلاق.”
ضمّت أنري الصندوق إلى صدرها وهي تشعر بالدفء في قلبها.
لقد جعلتها هذه الهدية تُدرك كم أن صديقتها يونس مهتمة بها، وكم أنّ مشاعرها صادقة.
ابتسمت أنري وقالت وهي تنظر إلى يونس:
“لا تقلقي، سأرتدي هذه القلادة يوم الزفاف بالتأكيد. ستكون ذكرى جميلة منكِ ومن صداقتنا.”
جلستا الاثنتان في هدوء للحظات، ممتلئتين بالفرح والامتنان، وكأنّ الزمن توقف لحظة واحدة، تسمعان فيها صدى الضحكات البعي
دة، بينما الليل يسكب ضوءه الناعم عبر نوافذ الغرفة.
كانت هذه اللحظة، بكل بساطتها ورقتها، تعني الكثير لأنري.
فحتى مع كل الفوضى التي أحاطت بها خلال اليوم، ومع انتقادات الدوق التي أزعجتها، وجدت السعادة في قلبها بفضل هدية صديقتها الوفية، يونس.
ـــــــ
للتواصل
الانستغرام : @the_dukes_wife_obsession
التعليقات