بحثت آنري في ذاكرتها.
خادم إدوين لم يكن ذا أهمية كبرى مثل السيدة تشيستر، لذلك لم تستحضر المعلومات عنه على الفور.
لكن سرعان ما تدفقت إلى ذهنها أوصاف دقيقة من القصة الأصلية.
وفي اللحظة نفسها، شعرت آنري بصدمة وكأن قلبها قد هبط في مكانه.
“أليس خادم إدوين… هو ألبرت؟”
في الأصل، كان خادم إدوين رجلًا يُدعى بن، وقد خدم الدوق الراحل.
إلا أنّ “بن”، المخلص بشدة للدوق السابق، كان يزدري إدوين.
لم يتردد في انتقاد أسلوب قيادته أمام العائلة، بل ونقل ملاحظاته إلى الدوقة الكبرى.
وفيما بعد، كان إدوين سيطرده، لكن… ليس الآن.
“إذن، أين هو بن؟”
لم تستطع آنري كبح فضولها، فسألت بهدوء:
“أم، سيدة تشيستر… ألبرت. هل يمكنني أن أسألكما شيئًا؟”
“نعم يا آنسة، تفضلي.”
ألبرت والسيدة تشيستر تبادلا نظرات مرحبة، وكأنهما متشوقين للإجابة.
“هل يوجد بين الموظفين خادم يُدعى بن؟”
“عذرًا؟ كيف تعرفين عنه يا آنسة؟”
تفاجأ ألبرت بشدة، وبدا على السيدة تشيستر الارتباك ذاته، فأجابت بسرعة:
“لقد كان الخادم الخاص بالدوق السابق منذ زمن طويل. لكن… استقال بالفعل قبل وفاة الدوق الراحل…”
“آه، فهمت. لابد أنني أخطأت.”
“هل هناك ما يقلقك…؟”
“لا، لا شيء. أشكركما على إخباري.”
كانت آنري تود أن تسأل: لماذا استقال؟
لكن من الطبيعي ألا تعرف في هذه اللحظة أي شيء عن شخص مثل “بن”.
لم ترغب أن تبدو وكأنها تعلم أكثر مما يجب.
فابتسمت وسألت:
“على كل حال… متى بدأ ألبرت بخدمة الدوق؟”
في القصة الأصلية، تذكرت أنها رأت اسم “ألبرت” بين الخدم.
كان أحد الذين ضاقوا ذرعًا بتسلط بن القاسي، فقدم استقالته وغادر.
أجاب ألبرت بعد لحظة، وما زال يبدو متفاجئًا:
“كنت أوّل خادم في بيت الدوق قبل بضع سنوات. وعندما تسلم سموّه اللقب، رقّاني إلى منصب الخادم الرئيسي.”
“أفهم… هذا يطمئنني أن جميع من حول الدوق أصحاب خبرة طويلة معه.”
ابتسم ألبرت وقال بصوت منخفض:
“آه، إذن هذا سبب سؤالك. حسنًا، هذه سرية لكن… بن كان رجلًا متطلبًا للغاية وعجوزًا غريب الأطوار. ومن حسن الحظ أنّه استقال”
“ألبرت!”
قاطعت السيدة تشيستر كلماته بصرامة.
ارتبك ألبرت، مسح حنجرته، ثم انحنى:
“إذن سأستأذن الآن. لدى سموّه بعض المهام التي أمرني بها.”
“حسنًا، ألبرت. أراك لاحقًا.”
غادر بعد أن ودّع آنري، وأكد لها إحساسها: نعم، لا بد أنه كان من بين أولئك الذين غادروا بسبَب بن.
“ما الذي يحدث؟ لماذا تغيّر الإعداد عن القصة الأصلية…؟”
لم يكن أمرًا جللًا، لكنه لم يكن شيئًا يمكن الاستهانة به.
لقد اعتقدت دائمًا أن أي تغيير في مجريات القصة لن يحدث إلا بتأثيرها هي.
ومع ذلك… ها هي ترى تغيرات خارج إرادتها.
أحسّت بخطر خفي يقترب.
هذه مسألة تتعلق ببقائها هي نفسها.
لم تستطع أن تعرف كل شيء عن هذا العالم… لكن على الأقل، ما كان في القصة الأصلية ينبغي أن يبقى كما هو.
وبينما كانت غارقة في أفكارها، خاطبتها السيدة تشيستر بلطف:
“هل آخذك الآن إلى الغرفة التي ستكون لكِ من اليوم فصاعدًا؟”
“أوه، شكرًا لكِ، سيدة تشيستر.”
عادت آنري إلى الواقع، ابتسمت ومشت بجوارها.
في تلك اللحظة، شعرت السيدة تشيستر بسعادة لوهلة وهي ترى ابتسامة آنري المشرقة.
لقد كانت تلك أول مرة ترى فيها الآنسة الحقيقية لعائلة وينتورث.
كانت فتاة رقيقة، فاتنة، لم ترَ مثلها من قبل.
جمالها كان آسرًا لدرجة أن السيدة تشيستر كادت تنسى الشائعات التي سمعتها عن كيفية أسرها قلب الدوق إدوين.
وسرعان ما فهمت سر الحماس الذي أثاره الخدم حين هرعوا إلى المطبخ يتحدثون عنها.
لكن جمال شابة لا يمكن أن يُغري السيدة تشيستر بسهولة.
فلا دخان بلا نار… كيف يمكنها أن تتيقن أن هذه الفتاة البريئة لم تغوِ الدوق بنوايا خفية؟
رغم أن الآنسة صارت سيدتها، إلا أنها لم تكسب بعد الاحترام والولاء الذين تكنّهم لإدوين.
فالوقت وحده كفيل بذلك.
الغريب أن آنري لم تُنزل من مقامها حين تحدثت مع ألبرت، بل خاطبته بلغة رسمية جدًا.
كان ذلك محرجًا من منظور الخدم، لكن من غير اللائق أن يُملي أحد على آنسة نبيلة كيف تتحدث.
وصلتا إلى مدخل القصر، حيث شرعت السيدة تشيستر تشرح:
المبنى الذي ستقيم فيه آنري يُدعى “قصر مايفير”.
هو نفس المكان الذي يقيم فيه الدوق إدوين.
كان داخل الدوقية مسكنان رئيسيان، و”مايفير” أحدهما.
وقفت آنري تتأمل البناء.
قصر ضخم، بطراز قوطي متوازن، بثلاثة طوابق.
هيبته وأناقته فوق المساحات الخضراء أضفت راحة وسكينة… لكن حجمه الواسع جعله أقرب إلى متاهة.
“هذه هي الغرفة يا آنسة. استخدمتها دوقات الماضي لقريناتهم.”
وضعت السيدة تشيستر يدها على المقبض، بانتظار أن ترى ردة فعل آنري.
ابتسمت آنري ابتسامة خجولة… وكأنها غريبة تتطفل على إرثٍ عريق.
قالت السيدة تشيستر بنبرة يغشاها الحنين:
“لقد انتظرنا طويلًا حتى تظهر السيدة الحقيقية لهذه الغرفة.”
فتحت الأبواب المزدوجة، وإذا بآنري تخطو إلى الداخل.
انهمرت أشعة الشمس عبر النوافذ، تقودها بخفة نحو الغرفة.
“هل تعجبك؟”
سألت السيدة تشيستر بحماس، ويداها معقودتان خلف ظهرها.
لقد قضى الخدم الليل كله يُحضّرون الغرفة، بعدما جاء وصول العروس فجأة.
الغرفة كانت كلوحة زيتية.
الجدران والسقف بلون كريمي دافئ، ثريا كريستالية تلمع فوقها.
الأعمدة مزخرفة بتفاصيل يونانية كلاسيكية، تيجانها محلاة بأوراق الأكَنثوس.
زخارف جصية مثل الدانتيل التفّت حول الحواف.
أما السجاد والأرائك فمليئة بنقوش زهرية رومانسية أسرت قلب آنري.
“يا إلهي! إنها رائعة!”
نسيت وقارها، تدور في الغرفة بخفة، رافعة ذراعيها كأنها تتزلج على الجليد.
ابتسمت السيدة تشيستر رغماً عنها وهي ترى فرحتها الطفولية، لكنها سرعان ما استقامت، متذكرةً ما يُقال عنها… هل هي سندريلا الفقيرة التي طمعت بثروة الدوق؟
لكن صدق انبهارها كان مُعديًا.
✧・゚: ✧・゚: ✧・゚: ✧・゚:
“لا أصدق أنني سأعيش هنا من الآن فصاعدًا…”
وحيدة في الغرفة، بدأت تتفحص كل زاوية.
فتحت الأدراج الفارغة وشعرت وكأنها تملك الدنيا كلها.
جلست عند النافذة، نظرت إلى السماء الممتدة بلا حواجز.
ثم ارتمت على السرير الناعم، تتقلب بسعادة.
قبل وقت قصير، كانت تستلقي في عربة صغيرة ضيقة، والآن… فوق سرير يشبه السحاب!
“هذا رائع… رائع جدًا!”
خطرت لها فجأة فكرة، وهي تنظر للسقف الكريمي:
“في القصة الأصلية، تُركت هذه الغرفة الجميلة مهجورة، وكنت أقول لنفسي: إذا لم تستخدموها، أعطوها لي! وها هي الآن… غرفتي حقًا.”
لكنها لم تنسَ أنها مؤقتة.
وبينما تنظر إلى السقف بخمول، عادت هواجسها:
“لماذا استقال بن وصار ألبرت الخادم؟”
لو كان “بن” هو الخادم كما في الأصل، لكانت اكتشفت هوية إدوين أسرع.
إذ إن بن نفسه كان سيظهر في قصر وينتورث ويعرّفها بنفسه.
“ما الذي تغيّر بعد أيضًا…؟”
بدأت تراجع لقاءاتها السابقة مع إدوين.
هل هناك اختلاف غير مجرد الهالة التي تحيط به؟
وفجأة، ومضة لمعت في ذهنها:
“بوصفي رئيس العائلة، فإنني أهتم ليس فقط بموظفينا، بل حتى بفرخ صغير.”
……
كانت كلماته حين
التقيا أول مرة.
لكن حين تتذكرها بصوت إدوين الأصلي في القصة… تشعر بنفور طفيف.
“متى كان يهتم بفرخ صغير بهذا الشكل؟”
ـــــــ
للتواصل
الانستغرام : @the_dukes_wife_obsession
التعليقات لهذا الفصل " 27"