في الحقيقة، لم يكن لإدوين زوجة حتى بالاسم فقط في القصة الأصلية.
لقد وقع في حب الأميرة الزي بعمق في حفلة الليلة، لكنه لم يتزوج من أي امرأة، حتى شكليًا، كي يعبّر عن مشاعره الصادقة لها.
ونتيجة لذلك، تحطّم قلب إليزابيث، الدوقة الكبرى، قضاءً وباتًا، وقضت ليالي كثيرة تغرق وسادتها بالدموع.
آنري، لو كانت في موضع إليزابيث، لكانت ستشعر بالحزن هي الأخرى.
من ذا الذي سيسرّه أن يرى ابنًا استثنائيًا مثل إدوين يكرّس جسده وروحه لملكة؟
ومع ذلك، لم تجعل الزي من إدوين زوج لها.
الرجل المهان للملكة الساقطة.
ما زالت آنري تتذكر كيف بكت إليزابيث ذات يوم، وأقسمت أنها ستمزّق تلك الملكة إربًا.
ورغم ذلك، لم يتخلَّ إدوين عن الزي، حتى مع غضب والدته وتوسلاتها.
حتى عندما لم تمنحه إلزي سوى مشاعر متذبذبة، تارةً تؤلمه، وتارةً ترجّحه بين السياسة والعقل والعاطفة.
شعرت آنري بوخزة قلق وهي تحدّق في ملامح إدوين الجانبية.
اجتاحها فجأة خوف مباغت: ماذا لو كان قد التقى إلزي بالفعل؟
إن حقيقة أن إدوين قد تقدّم للزواج بها، وهو أمر لم يحدث في الأصل، جعلتها تتساءل عما تغيّر أيضًا.
أو ماذا لو التقاها للمرة الأولى بعد اليوم؟
“أيها السادة!”
قفزت آنري من مكانها، وقد باغتها صوت الدوقة الكبرى الذي ارتفع فجأة.
لم تكن قد استمعت لما قالته حتى الآن، لكنها رأت بوضوح قطرات كبيرة من الدموع تتلألأ في عينيها، كأنها جواهر نفيسة.
أخذت الدوقة الكبرى، وقد غمرها الانفعال، نفسًا عميقًا.
يدها المشبوكتان فوق بطنها ارتجفتا قليلًا.
أما الحضور، فكانوا يتابعون بقلق حتى شعروا أن دماءهم قد تجمّدت.
قالت بصوت مرتجف:
“أتمنى بصدق أن تهنئونا. لقد وجد ابني العاق أخيرًا رفيقة حياته.”
وبعد أن أنهت كلماتها، مدت يدها كأنها تشير إلى مكان ما.
إلى حيث كانت آنري وإدوين واقفَين.
حينها فقط كفّ النبلاء عن النظرات الخفية، وبدأوا يتطلّعون مباشرة إلى آنري.
صرخت الدوقة الكبرى، ووجهها مبلّل بالدموع الممزوجة بالعاطفة والندم:
“الآنسة آنري وينتورث من أسرة وينتورث!”
اتسعت عينا آنري، حتى أنها لم تستطع التنفس.
ولحظة صمت قصيرة مرّت، قبل أن يبدأ النبلاء بالتصفيق واحدًا تلو الآخر، حتى تحوّل التصفيق إلى هدير مدوٍّ.
تبعته صيحات تهليل وصفير.
ولم يفوّت الخماسي الوترِي السريع البديهة الفرصة، فانطلق في عزفٍ مبهج وباهر.
…آه.
شعرت آنري أن رأسها يدور وكأنها ستفقد وعيها.
هاها…
كيف انتهى بهما الأمر بالزواج
في غرفة الجلوس، ساد جو غريب، مزيج من الألفة والارتباك.
جدران غرفة الجلوس الأنيقة، المترفة، بدت كأنها لوحة كلاسيكية أو مشهد من فيلم قديم.
تزيّنت بصور شخصية ومناظر طبيعية، وزخارف وقطع أثاث وُضعت بذوق رفيع.
لكن ما بين تلك الأُطر والزخارف فجوات كثيرة تسمح للغبار بأن يستقر براحة.
ومع ذلك، بدا المكان نظيفًا تمامًا، كما لو أنه يُنظَّف مرتين أو ثلاثًا في اليوم. حتى الهواء فيه كان منعشًا.
“هذا يعني أن لدى دوقية بريستون عددًا وافرًا من الخدم، والإدارة صارمة للغاية.”
كان حال غرفة الجلوس وحده كفيلًا بالكشف عن نظام بيت بريستون.
ألقت آنري نظرة سريعة على الغرفة، ثم شبكت يديها بتأنٍ.
أما الدوقة الكبرى إليزابيث، فقد جلست على الأريكة المقابلة، تحاول كبح حماستها وهي تتأمل آنري.
كانتا قد تبادلتا بالفعل معظم التحيات التي تليق باللقاء الأول.
“يشرفني لقاؤكِ، يا دوقة كبرى.”
“وأنا أيضًا سعيدة ومسرورة بلقائكِ، آنسة وينتورث.”
ثم بدأت الدوقة تسأل بأدب، وربما بفضول، عن عمر آنري وعائلتها.
أجابت آنري بهدوء ودقة ولطف.
اضطرت حتى أن تشرح بتفصيلٍ موقع أسرة وينتورث.
وحاولت الدوقة التظاهر بالدهشة وعدم المعرفة بمسقط رأس آنري، لكنها بدت على دراية واضحة به.
ابتسمت آنري لها، وفكّرت:
“تتظاهر السيّدة بالهدوء وهي ليست على ما يرام، وتبتسم لتغطي ارتباكها.”
كانت ترحّب بها فعلًا، لكن نظراتها حملت شعورًا بالاغتراب، كأنها ترى أمامها كنة قادمة من المريخ.
فإليزابيث، وإن لم تكن على صلة مباشرة بالملك، وُلدت من سلالة ملكية وعاشت حياتها كنبيلة من أعلى المراتب.
فكم بدا غريبًا ومخيّبًا لها أن تصبح ابنةُ فيكونت من الريف كنةً لها؟
لا بد أنه بدا كمن يتأمل عامة الناس.
لكن بما أن ابنها المتقدّم في العمر قد جلب بنفسه عروسه، لم يكن بوسعها أن ترفض.
فكرة تمرير مكانتها لامرأة كهذه لا بد أنها محبطة ومربكة، وربما تبعث على القلق.
ابتسمت آنري بدورها ابتسامةً لم تبلغ عينيها، وهمست في نفسها:
“أنا قلقة مثلكِ يا دوقة.”
غير أن ما خفّف عنها قليلًا أنها تعرف عن دوقية بريستون ومستقبلها أكثر مما يعرفه الجميع.
فهي في النهاية ليست سوى دوقة مؤقتة.
قالت إليزابيث فجأة:
“والآن، عليّ أن أسأل الآنسة آنري: ما الذي شدّكِ في دوقنا إدوين حتى قررتِ الزواج به؟ أيمكنني أن أعرف؟”
“يا إلهي.”
“هاهاها.”
تبادلت آنري والدوقة الكبرى ابتسامات متكلّفة جديدة.
ابتسامات، ربما، تخفي دموعًا.
قالت آنري:
“منذ اللقاء الأول، أعجبت بأخلاق صاحب السمو. إنه كريم ولطيف على نحو استثنائي.”
ارتفع حاجبا إدوين قليلًا عند سماع كلماتها، كأن كلامها يلمّح إلى شيء.
أما الدوقة الكبرى، فقد بدت في حيرة.
“الأخلاق؟ ليست وسامته أو ثروته أو مكانته، بل أخلاقه؟”
كان كل شيء آخر مقبولًا، لكن أن تُعجب بأخلاقه كان أمرًا لم تستطع فهمه كأم.
فإدوين لم يكن ابنًا عاقًا، لكنه كان باردًا، متحفّظًا، مما جعلها أحيانًا تشعر بخيبة أمل.
لكنها اعتادت على ذلك، معتبرة أن طبعه مجرّد فتور وبرود.
لم يكن باردًا معها وحدها، بل مع الجميع.
لكن أن تقول آنري إنها أُعجبت بأخلاقه؟!
كتمت دهشتها بابتسامة مجاملة أخرى.
“أوه… آنسة آنري، يبدو أن الدوق إدوين قد عاملَكِ بلطف بالغ.”
وإلا، فإن فتاة عادية لم تكن لتتأثر بأخلاقه أصلًا!
مهما يكن، بدا أن إدوين يكنّ مشاعر خاصّة لآنسة وينتورث.
لدرجة أنه عاملها برفق حتى أُعجبت بأخلاقه.
وفي تلك اللحظة، طرق الخدم الباب ودخلوا.
أعلنوا وصول الفيكونتيسة وينتورث وابنتها.
خارج غرفة الجلوس، لم تستطع كاثرين وابنتها كانديس السيطرة على صدمتهما.
أن ترقص آنري مع دوق إدوين كان أمرًا مذهلًا بحد ذاته، لكن أن يرقصا ثلاث مرات متتالية؟! ثم زواج؟! لا يُصدَّق!
كادتا أن تُغشى عليهما من شدّة الذهول.
كان النبلاء في القاعة يصفقون ويهتفون، لكنهما ظلّتا عاجزتين عن الكلام فترة طويلة.
وفي تلك الأثناء، ظهر ألبرت، الذي كان يعرفهما مسبقًا، فأخذهما لملاقاة الدوقة الكبرى والدوق.
“أمي، كيف تفعل آنري هذا بي؟ إنها تعرف أنني معجبة به، ومع ذلك أخذته مني… هيه.”
“اصمتي، كانديس.”
كانت كانديس تبكي بحرقة طوال الطريق، أما كاثرين فقد حافظت على رباطة جأشها.
بل إن ملامحها أوحت بأنها على وشك الفوز بجائزة كبرى.
وكانديس تعرف ما يدور في ذهن أمها.
“أمي، هل ستتخلّين عني الآن؟”
“أتخلّى عنك؟ من يقول ذلك؟! فقط اصمتي.”
وبّختها كاثرين بهمسٍ خافت كي لا يسمعه ألبرت.
فالوقت لم يكن مناسبًا للقلق بشأن كانديس.
“بالطبع… إذا كان لا بد من أن تصبح إحداهن دوقة، فلا بد أن تكون ابنتي.”
سارت كاثرين بخطوات متأنية، يداها مشبوكتان وكتفاها مستقيمان، كأنها دوقة حقيقية.
وأخيرًا، فُتح الباب الثقيل لغرفة الجلوس.
“آه، الفيكونتيسة وينتورث.”
تبادلت إليزابيث وكاثرين تحيات رسمية للمرة الأولى.
حيّت كاثرين الدوقة الكبرى بوقار، كأنها دوقة وليست فيكونتيسة، ثم قالت:
“إنه لشرف عظيم أن ألتقي بكِ يا دوقة كبرى. لم أتخيل قط أن الدوق إدوين سيأخذ آنري من دون إذن والديها.”
كلماتها، التي تظاهرت بالفرح، جعلت الدوقة الكبرى تنظر مطولًا إلى إدوين.
فكّرت أنها لم تسمع حتى الآن ما إذا كان قد حصل فعلًا على إذن من والدي آنري.
أخفت دهشتها سريعًا واعتذرت بهدوء:
“أفعل ذلك إدوين؟ تلك هفوة مني، يا فيكونتيسة.”
“هاهاها!”
ضحكت كاثرين بمرح، وربّتت بخفة على ذراع إليزابيث.
ارتجفت إليزابيث كمن شهد أمرًا غير مألوف على الإطلاق.
“هذا يعني أن الدوق إدوين لا بد أنه أحب آنري حبًا جمًا، يا دوقة كبرى.”
“حتى وإن كان كذلك، كان ينبغي أن أستأذنكم أولًا. كيف أعتذر…”
“تعتذرين؟ لا تقولي ذلك. نحن نصبح أهلًا اليوم، أليس كذلك؟ هاهاها!”
“هاها…”
شاركتها إليزابيث الضحك على مضض.
بينما كانت آنري تحدّق بكاثرين بعينين غائمتين.
كيف تجرؤ أن تتظاهر بأنها أمها الحقيقية، وتضع نفسها ندًا للدوقة الكبرى؟
لو كانت تعاملها فعلًا كابنة، لما ضايقها الأمر لهذه الدرجة.
حافظت إليزابيث على هدوئها، لكن الارتباك كان واضحًا.
وإن لم يكن في الأمر فائدة، فمن الأفضل ألّا تتدخّل.
ربما كان الأصلح أن تقطع آنري علاقتها بالوينتورث، أو أن تغادر زوجة الأب هذه العائلة، لتجنّب بيت بريستون أي متاعب.
ثم، مع طرق آخر على الباب، دخل الخدم من جديد.
“لقد جلبنا الآ
نسة وينتورث.”
على ما يبدو، جلبوا يونيس.
بدأ فستانها الأبيض الباهر يلوح عبر الباب المفتوح.
كانت خطواتها حذرة وبطيئة لدرجة أن الدوقة الكبرى وكاثرين وكانديس جميعًا حبسوا أنفاسهم.
ـــــــ
لين الفصل 59 على الواتباد بنفس اسم الرواية : الدوق مهووس بزوجته الحلوى
للتواصل
الانستغرام : @the_dukes_wife_obsession
التعليقات