قالت الدوقة الكبرى، بصوت يفيض جلالًا لكنه لا يخلو من دفء:
“إدوين، بصفتي والدتك، ينبغي أن أقدّم لك التهنئة أولًا.”
بعد أن سمعت القصة من إدوين حتى آخرها، نهضت أخيرًا من فوق الأريكة العتيقة.
على وجهها ارتسمت مشاعر متشابكة من ارتباك وانزعاج ودهشة، لكن وقفتها المهيبة والرّزينة جعلتها تبدو كملكة متوَّجة.
الجواهر التي تزيّن رأسها وأذنيها وعنقها ومعصميها لم تبدُ مبالغًا فيها، بل أضفت على جمالها الناضج هيبةً وأناقةً لا تُقاوَم.
تقدّمت بخطوات بطيئة نحو الدرج الكبير في وسط القاعة، وكل الأنظار – أكثر من مئتي شخص – تابعتها بانبهار.
أمّا آنري، فقد تجمّدت عيناها على الرجل الواقف إلى جانبها.
ذلك الاسم الذي نادته به الدوقة الكبرى…؟
إد… وين…؟
شُلّت حواس آنري كأن صاعقة باغتتها.
أما هو، فكان يرمقها بعينين ضيقتين، يتساءل في سرّه عن سبب ردّ فعلها.
“لماذا ترتجف هكذا، وهي نفسها التي قبلت الزواج بي للتو؟”
شفتاها المرتجفتان أفصحتا بصوت مبحوح:
“ما… ما اسمك…؟”
كادت تسقط أرضًا، لولا أنها تماسكت بقوة.
أجاب بهدوء، وقد رفع حاجبه قليلًا:
“عن أي اسم تسألين؟ اسمي أنا؟”
أومأت برأسها سريعًا، تتوسل نظرةً واحدة.
ابتسم بخفّة، ثم أجاب بصوت مفعم بالفخر والرضا:
“إدوين أسكار.”
قالها بوضوح وأناقة، ناطقًا كل مقطع بعناية.
الـ”إد” جاء بنبرة قوية، بينما انساب “وين” بلكنة إنجليزية أصيلة، وعيناه السوداوان تلمعان كنجمة ليلية.
شهقت آنري بقوة، تراجعت خطوة، ثم تشبّثت بذراعه كي لا تنهار.
“ماذا… ماذا قلت؟”
أعادها ببطء، كأنه ينقشها في أذنها:
“إد. وين. أس. كار.”
لا مجال للشك… اسمه إدوين أسكار.
تسارعت أنفاسها، فتمتمت بصوت مرتجف:
“أ… أليس هناك دوق بريستون آخر في هذا البلد؟”
ردّ بصرامة، وعيناه تتوهجان:
“بالطبع لا.”
حينها أدركت الحقيقة المدوّية: الرجل الذي أمامها ليس سوى إدوين أسكار، دوق بريستون.
تذكرت كلماته في العربة: “أنا من إحدى بيوت الدوقات في المملكة.”
لم تلقِ لها بالًا آنذاك، ظنّت أن الألقاب كثيرة.
لكن الآن لم يبقَ للشك موضع.
اهتز جسدها، وعاد إلى ذهنها شيء قديم…
حين كانت تكتب روايات المعجبين عن قرين الملكة تحت اسم مستعار “زوجة إدوين”، بحثت بدافع الفضول عن ألقاب الدوقات.
علمت أن إنجلترا وحدها تضم نحو ثلاثين دوقًا، وربما أكثر في زمن الرواية.
لكن أن تلتقي بدوق بريستون الحقيقي… كان أبعد ما يكون عن الممكن.
رفعت رأسها لتنظر إليه من جديد، قلبها يخفق بعنف.
“إدوين الذي عرفته… كان أجمل وأكثر كمالًا.”
ومع ذلك… بدا هذا الرجل أجمل من أي شخص في القاعة.
بشعره الأسود، وعينيه الداكنتين… كأنه خرج من صفحات الرواية.
لكن هناك اختلافًا ما.
في الرواية، بدا إدوين أكثر صلابة وحدة.
أما هذا الرجل، فعلى الرغم من وقاره، كان يحمل لمحة رقيقة لم تتخيلها.
“أهو اختلاف النص عن الواقع؟” تساءلت مرتبكة.
قبل أن تسترسل في التفكير، ارتفع صوت الدوقة الكبرى من أعلى الدرج الأحمر.
ابتسمت للحضور وقالت:
“يبدو أن جهدي لجلب ابني، الذي جاوز عمر الزواج، قد أثمر أخيرًا. أشكركم جميعًا على حضوركم.”
ضحك بعض النبلاء بخفة، فقد مزحت على حساب ابنها.
لكن آنري لم تستطع الضحك.
تابعت الدوقة الكبرى، بنبرة تميل إلى العاطفة:
“حين كنت شابة، لم أفهم قلق والدتي عليّ. لكن حين أصبحتُ أمًا، أدركت أن أكثر ما يثقل القلب هو أن يظل الابن بلا رفيق يسانده.”
وعندما ختمت بقولها: “لن أعيش حتى أشهد وفاة ابني.”
ساد الصمت، واغرورقت عيون الحاضرين بالدموع.
آنري، من جهتها، وقفت مذهولة، تنظر بين الأم وابنها.
التفتت لترى إدوين بجوارها، يضع ذراعيه على صدره، وعيناه تلمعان برطوبة مكبوتة.
هل تأثر هو أيضًا؟
صرخت في داخلها:
“هل هذا حقًا إدويني؟!”
أن تراه حيًّا أمامها… كان حلمًا مستحيلًا تحقق فجأة.
لكنها الآن ليست مجرد مُعجبة تراقبه من بعيد… بل واقفة إلى جواره كزوجة مؤقتة.
غير أن الحقيقة القاسية ما زالت ماثلة أمامها:
في الرواية، نهايته مأساوية، وحبّه يقود أسرته إلى الخراب.
قبضت يديها بشدّة، وتردّد في صدرها
عهد صامت:
“لا… لن أسمح لهذا أن يحدث!”
ـــــــ
لين الفصل 34 على الواتباد
باسم : الدوق مهووس بزوجته الحلوى
للتواصل
الانستغرام : @the_dukes_wife_obsession
التعليقات لهذا الفصل " 22"