تحت خصلات شعر الرجل السوداء، المبعثرة بفعل الرياح، بدت عيناه العميقتان الداكنتان بشكل استثنائي، وكان أنفه وخط فكه حادَّين كما لو نُحتا نحتًا.
حتى معطفه الداكن المفصَّل بدقة، والذي كان يرفرف مع الريح، بدا بلا شائبة، دون تجعيدة واحدة.
وربطة العنق البيضاء حول عنقه لم تكن مبالغًا فيها. كان يرتدي قميصًا وسترة ومعطفًا رسميًا، ومع ذلك بدا خفيف المظهر وأنيقًا كعارض أزياء.
وبفضول لمعرفة العائلة التي ينتمي إليها، أرسلت “آنري” نظرة فاحصة خفية نحو عربته وملبسه، لكنها لم ترَ أي علامة تدل على عائلته أو خلفيته.
فجأة، ضاق بصر الرجل قليلًا، وأمال ذقنه إلى جانب واحد.
خفق قلب آنري وهي تنتبه فجأة إلى نظرة الرجل المقلقة، وتحركت تفاحة آدم في عنقه كما لو ابتلع ريقه.
«هل أنتِ مالكة هذه الفرس؟»
أشار الرجل بعينيه نحو الفرس، وفجأة انبعثت منه هالة باردة.
كان وجهه شاحب اللون، وتحت عينيه ظل أزرق باهت.
غارقة في هالته الناضجة الغامضة، رمشت آنري متفاجئة.
وعندما اقترب فجأة، شعرت بإحساس غريب—وخز في صدرها لم تفهم سببه.
«ما الذي يحدث؟»
ما زالت آنري لا تستوعب الموقف.
لماذا توقفت العربتان فجأة؟ ولماذا بدا السائقان في حيرة مما يجب فعله؟
على النقيض، كان الرجل أمامها هادئًا، وكأن شيئًا لم يحدث. صوته الهادئ العميق لم يكن ما توقعت سماعه.
«تلك الفرس هناك في حالة *شبق تجاه فحل عائلتنا.»
ملاحظة: الشبق هو حالة طبيعية لدى الحيوان، خصوصًا الإناث، تدل على استعدادها للتزاوج.
«…..؟»
هبّت نسمة غريبة، وحركت الدانتيل على قبعة آنري.
كان الرجل يتحدث بلكنة راقية مميزة للطبقة العليا.
لكنة وطريقة حديثه كانت مثالًا للنبلاء المتقنين للغة.
هل للنبلاء فعلًا نبرة خاصة؟
«لا أظن أنكِ تفهمين.»
كانت مخارج كلماته واضحة، لكن آنري ظلت في حيرة.
ظل الرجل جامد الملامح، بارد النظرة.
«أعتذر حقًا لإيصال هذه الرسالة للآنسة.»
لكن صوته الصافي لم يحمل أثرًا للاعتذار.
«تلك الفرس هناك…»
تبعت آنري إيماءته.
«إنها في حالة شبق تجاه هذا الفحل هنا.»
«…..»
كان الفحل أسود اللون، بلا أي شائبة، بعضلات بارزة تجذب الأنظار.
ثم قال بصوت بارد:
«أعتذر، لكن هل يمكنكِ الابتعاد قليلًا؟ فنحن لا نزاوج خيولنا بأي فرس كانت.»
اتسعت عينا آنري، وشعرت بالصدمة.
أي فرس كانت؟
لقد كانت إهانة واضحة، ليس لها فقط، بل لعائلتها.
فوالدها يثق بسائسهم “هيندل”، وهي تعرف مدى اهتمامه بالخيول.
ومع أنها لا تدير الإسطبل، إلا أنها كانت أحيانًا تغسل الخيول أو تطعمها.
أما أن تُعامل فرسها كـ “أي فرس كانت”، فهذا غير مقبول!
استعادت رباطة جأشها، وابتسمت بهدوء:
«أعتذر، لكن يبدو أن هناك سوء فهم. ربما ذلك الحصان هو من أغرم بمارلين، أليس كذلك؟»
ارتفع حاجباه قليلًا، وكأن كلامها أدهشه للحظة، لكن سرعان ما عاد وجهه جامد الملامح.
«أشك في ذلك.»
كان صوته ثابتًا، لا يحمل أي تردد، وكأن الأمر محسوم بالنسبة له.
لكن آنري لم تدع له فرصة للانتصار في هذا الجدال الصامت.
انحنت قليلًا، ومررت يدها برفق على عنق فرسها مارلين، التي أصدرت شخيرًا خافتًا، وكأنها تؤيد كلام صاحبتها.
«مارلين فرس نبيلة، وذات سلالة معروفة، وهي لا تبدي اهتمامًا إلا بما يليق بها.»
تصلبت ملامحه، وكأن كبرياءه مسَّته كلماتها، لكن عينيه ظلتا هادئتين، تتفحصانها كما لو يحاولان قراءة أفكارها.
لحظة صمت قصيرة، لم يقطعهما إلا حفيف الريح.
ثم قال ببرود:
«مهما يكن، أرجو أن تُبعديها. فأنا لا أسمح لخيولي بالاقتراب من الغرباء.»
ابتسمت آنري، لكن ابتسامتها هذه المرة كانت أكثر حدة.
«إذن لعلنا نتفق على أن نُبعد الفحل أيضًا عن مارلين. فهي، مثله، لا تقترب من الغرباء.»
لم يُجب مباشرة، بل اكتفى بالتحديق فيها للحظات طويلة، وكأن شيئًا ما في كلامها أثار اهتمامه، قبل أن يدير بصره إلى الفرسين.
أخيرًا، أومأ إيماءة صغيرة لسائقه، فتحركت عربته ببطء إلى الخلف، مبتعدة عن مارلين.
بينما كان يبتعد، ألقت آنري نظرة جانبية عليه، ولاحظت أن عينيه ما زالتا تراقبانها من خلال النافذة، ببرود غامض.
تساءلت في سرها وهي تمسك بلجام فرسها:
من يكون هذا الرجل…؟ ولماذا أشعر أن هذه ليست المرة الأخيرة التي ألتقيه فيها؟
ـــــــ
الفصل الثالث بالواتباد بنفس اسم الرواية : الدوق مهووس بزوجته الحلوى
للتواصل
الانستغرام : @the_dukes_wife_obsession
التعليقات لهذا الفصل " 2"