ترددت كلماته في قاعة المعرض وبقيت عالقة في ذهن أنري.
عرض عليها أن يكون برسيوسها، فقط لأنها غارت من أندروميدا.
لكن… أليسا بيرسيوس وأندروميدا زوجين؟
ثم لماذا ينتظر حتى يحين وقت زواجها؟
قالت بتوتر:
“…هل أنتَ تلمّح إلى خطبتي، بالصدفة؟”
لم تستطع أن تتحمل الغموض والإحباط أكثر.
ومع ذلك، حتى وهي تسأل، لم تستوعب الأمر تماماً.
لماذا هي بالذات؟
ابتسم بخفة:
“أنتِ تسألين وملامحك تقول إنكِ متأكدة أنني لا أطلب يدك.”
اقترب منها، مسنداً يده على المقعد بجوارها.
ملامحه كانت هادئة وباردة، لكن عينيه السوداوين كانتا عميقتين وكأنهما تحملان سرّاً مظلماً.
لو خفضت بصرها قليلاً، ستكون المسافة قريبة بما يكفي لترى تفاصيل شفتيه… كم هما حمراوان، وكم الخطوط فيهما دقيقة.
قالت بهدوء:
“لا يوجد سبب يجعل والد كريستان يتقدّم لي بالزواج.”
كان صوتها متزنًا ورقيقًا.
لم يتوقع إدوين أن تحافظ على هذا التماسك حتى في هذه المسافة القريبة.
تساءل: كم يحتاج الأمر ليجعل أنري ترتبك فعلاً؟
أم أنها فقط ترتدي قناع الهدوء لتخفي ضعفها؟
لكن نظرة حزينة، عابرة وسريعة، ارتسمت في عينيه داخل المعرض. تلك النظرة بقيت عالقة في قلبها.
قال ببطء:
“أنا أيضاً أحتاج أندروميدا. وأتمنى أن تكوني أنتِ، الآنسة أنري.”
ارتجفت عيناها قليلاً.
لكنه لم يتردد لحظة، بل ظل ينظر إليها بجدية عميقة.
قالت بنبرة قوية:
“في هذه الحالة، هناك الكثير من النساء أمامك.”
ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيها، تحاول بها إخفاء ترددها.
كان رجلاً نبيلاً أعزب، رئيس عائلة كاملة، وليس مجرد وريث.
تحت هذه الظروف، الزواج أمر لا مفر منه.
سيحتاج قريباً إلى ابن يرث القصر والثروة واللقب.
وبما أنه يعرض الزواج عليها، فهذا يعني أنه لا يملك مرشحة أخرى.
أو ربما هناك عوائق تمنعه… اختلاف في المكانة أو النسب.
لكن ألا ستواجه أنري هي الأخرى نفس الاعتراضات؟
هز رأسه وقال بحزم:
“لا. هذه أول مرة أقول هذا الكلام، أنري.”
زاد قربه منها قليلاً، وصوته صار أكثر برودة وإصراراً:
“ستستخدمينني أنتِ أيضاً. سأكون برسيوس الخاص بك. هل تريدين مغادرة ذلك المنزل؟ أستطيع أن أعطيك كل ما تريدين.”
كان قد عرف خلال الأيام الماضية ما تعانيه أنري في منزلها.
والد غائب، زوجة أب متسلطة، أخوات غير محتشمات…
ورغم ذلك، لم تتوقف أنري عن محاولة العيش بسلام وسط هذا الفوضى.
لكن، إن لم تُنجب زوجة الأب ولداً، فلن يكون سهلاً أن ترث أنري القصر.
كيف تنجب وهي بالكاد ترى زوجها؟
بلا شك، ظن إدوين أن أنري ستقبل عرضه.
لن يوفّر لها فقط، بل أيضاً لعائلة وينتورث بأكملها.
كان صوته رتيباً، لكنه بدا كإغراء شيطاني حلو.
أنري ابتسمت بعينيها، ابتسامة واثقة: لن تدع نفسها تُساق بسهولة خلف هذا الظلام.
قالت ببرود:
“وماذا تريد مني بالمقابل؟ أن أنجب لك طفلاً؟”
تجمّد وجهه للحظة، وارتجفت عيناه قليلاً.
قال بسرعة:
“ليس هذا قصدي. اطمئني.”
فأجابت بسخرية:
“إذاً حقاً لا أفهم لماذا تريد الزواج بي. لست ساذجة لأتبع رجلاً لا أعرف حتى اسمه.”
“هل الاسم بهذه الأهمية؟”
لين صوته فجأة، وقال:
“إنه مهم لدرجة أنني لا أستطيع وصفها بالكلمات.”
كانت عيناها لامعتين بذكاء، بينما هو ينظر باهتمام حقيقي.
قال ببطء:
“اسمي ولقبي محاطان بالكثير من الشائعات والأحكام المسبقة. لا أريدك أن تسيئي فهمي.”
فأجابت بابتسامة ساخرة:
“أنا بالفعل أسيء فهمك الآن.”
قال بجدية:
“إن تزوجنا، ستعرفين في النهاية. ستحملين نفس لقبي يا آنسة أنري.”
ابتعد قليلاً وعدّل وقفته:
“أنا دوق من دوقات المملكة. العروض تنهال عليّ من كل صوب، حتى من والدتي. رفضتها كلها… لكن مسألة الوريث تلاحقني. لذلك…. أريد أن أحقق لك كل ما تتمنينه. وفي المقابل… أنقذيني.”
بقيت أنري صامتة، تحدّق فيه.
لم يبدو عليه أنه يمازحها.
دوق…. رجل بهذا المقام، يريدها أن تكون زوجته ولو شكلياً؟
قالت بهدوء:
“إذن تبحث عن دوقة مزيفة؟”
تنهد بخفة، وعاد يفكر.
أنري نظرت إلى ملامحه من الجانب؛ جبين قوي، أنف شامخ كالمنحدر. غريب… أول مرة تفكر بالمناظر الطبيعية وهي تنظر إلى رجل.
اقترب مرة أخرى، يضع يده على المقعد:
“أنا أيضاً… فضولي أن أجرب مرة واحدة.”
اتسعت عيناها:
“…ماذا؟”
“الآنسة أنري.”
❋ ❋ ❋
“أنا آسفة يا صاحب السمو. لا أريد أن أتزوج أي شخص لمجرد الزواج. هذا أمر يُسجَّل في دفتر العائلة.”
ضحكت أنري بخفة وهي ترفضه، لكن كلماتها بقيت تطن في أذنه.
حتى بعدما وصلوا إلى قصر وينتورث، كان ذهنه مشوشاً.
لقد حاول إغراءها بالمال، بالقوة، بالقصور، بالطعام الفاخر… لكنها لم تهتز.
لم يتوقع أن ترفض.
وهو، دون وعي، استمر يقدّم المزيد من الشروط.
لكن النتيجة: فشل.
نزلت أنري من العربة برشاقة، ابتسمت وقالت:
“شكراً على التوصيلة.”
مد لها لوحة مغلفة… لوحة أندروميدا.
قال بجدية:
“هذه كانت لكِ من البداية، آنسة أنري.”
وضعت يديها على شفتيها بدهشة:
“يا إلهي…”
كان وجهه يبدو متألماً وهو يعطيها هدية باهظة.
“هل يصح أن آخذها؟”
اتسعت عيناها بتردد. كيف تقبل هدية منه بعد أن رفضت عرضه؟
لكن داخلياً… كانت غاضبة. أرادت أن تصفعه.
كلمة واحدة منه “أريد أن أجرب مرة واحدة” كانت كافية لتشعل النار في قلبها.
فكرت: أنا لست شيئاً لتجربني ثم ترميني.
لكنها ابتسمت برقة وأخذت اللوحة:
“إذا كنت تصر، فسأقبلها.”
قال:
“لست متأكداً إن كنتِ تحبين أندروميدا فعلاً.”
فأجابت بابتسامة صغيرة وهي تضم الإطار:
“أنا لا أحب أندروميدا كثيراً… لكني أحب اللوحات عموماً.”
نظر إليها والسماء تميل للغروب، عيناها تلمعان بسحر خاص.
قال:
“إذا أردتِ رؤية كريستان، تعالي مجدداً.”
ابتسمت:
“بالطبع. اعتنِ به وبجيفري.”
ثم أضافت بسخرية خفيفة:
“أتمنى أن تجد زوجة صالحة.”
تجمد، وبدت ضحكتها كأنها تسخر منه.
لقد رفضتني بوضوح، مثل طعم الليمون الحامض.
لكن لماذا يبقى هذا الفراغ المؤلم داخلي؟
انحنت أنري
برشاقة مودعة:
“إلى اللقاء، واعتنِ بنفسك.”
كان على وشك أن يرحل، لكنه التفت فجأة وقال بابتسامة غامضة:
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 15"