“معرض الأكاديمية الملكية للفنون؟”
كانت أنري تتصفح الجريدة باسترخاء، ثم فجأة جلست مستقيمة بدهشة.
الأكاديمية الملكية ستقيم معرضًا خاصًا.
لو أنها لم تنتبه للإعلان الصغير في زاوية الجريدة، لكانت ندمت طويلًا.
عادةً ما تقيم الأكاديمية معرضها السنوي في شهر مايو، لكن أحيانًا تظهر معارض خاصة غير متوقعة.
“لحظة.. التاريخ…”
وبسبب أنها لم تفتح الجريدة منذ عدة أيام، اكتشفت أن الافتتاح هو اليوم بالضبط.
“آه!”
قفزت أنري من مكانها كما لو أن نابضًا دفعها، فتطايرت الجريدة في الهواء.
عادت مسرعة إلى غرفتها تبحث عن ثوب يليق بمناسبة أنيقة مثل المعرض.
“ماذا أرتدي؟ ماذا أرتدي؟”
كان يفترض أن تُجهّز نفسها مسبقًا!
لا أحد يعلم، لكن أنري كانت تُخفي اهتمامًا عميقًا بالفن.
رسمها لم يكن مميزًا، لكنها تملك معرفة واسعة بتاريخ الفن والرسامين المشهورين.
…فقد قضت ست سنوات كاملة في دراستهم للامتحانات.
في عالمها الأصلي، كانت أنري متخصصة في تاريخ الفن. درست في واحدة من أرقى الجامعات في العالم، وأمضت ست سنوات لامعة في الدراسات العليا.
كانت شغوفة خصوصًا بالرسامين الغربيين مثل فان غوخ ورينوار.
وحلمها كان أن تصبح مزادًا فنّيًا محترفًا.
لكن القدر أعادها إلى عالم الكتب قبل أن تحقق حلمها.
لذلك كانت تتفحص الجريدة بدقة لتعرف إلى أي حد هذا العالم يستعير من التاريخ الحقيقي.
بهذا الشكل يمكنها استغلال معرفتها.
فمثلًا: معرفة أي رسام سيشتهر، وأي لوحة ستباع لاحقًا بملايين.
بمعنى آخر، كان الأمر أشبه بمعرفة أي أرض سترتفع قيمتها… أو حتى أرقام اليانصيب الفائزة.
لكن حتى مع هذه المعرفة، لم يكن بوسعها أن تصبح غنية، فهي لا تملك المال لتشتري تحف المستقبل من الآن.
فاكتفت بحضور المعارض لترى اللوحات بعينيها.
“لو كان عندي مال أكثر… آه.”
ارتدت ثوبها الأنيق بكل تفاصيله: القبعة، القفازات، الحقيبة الصغيرة، ثم دخلت قاعة المعرض.
كان النبلاء يتطلعون إليها بنظرات مختلفة؛ البعض يتفحّصها بفضول، والبعض ببرود.
لقد اعتادت على هذه النظرات، فشعرها الوردي وعيناها الوردية نادرة.
ثم إن كونها شابة وحيدة يجعل الأنظار تلاحقها.
ففي هذا العالم، لا يُفترض بالسيدات غير المتزوجات أن يتجولن وحدهن.
لكنه لم يكن ممنوعًا بالقانون، بل عُرفًا اجتماعيًا يجرّ الكلام السيئ.
“ومن يهتم.”
فهي لا تجد أحدًا يرافقها أصلًا، وتُفضّل الاستمتاع بمفردها.
على الأقل تستطيع أن تتأمل اللوحات بسلام دون إزعاج.
وفوق ذلك، العاصمة مزدحمة بالناس من كل الطبقات، ولن تتأثر سمعة عائلة وينتورث هنا.
ثم إنه موسم اجتماعي، أي أن العاصمة تغصّ بالزوار.
“كم لوحة مذهلة!”
لم تستطع أنري إخفاء سعادتها وهي تناظر القاعة بعينيها اللامعتين.
وحين رأت لوحة درستها من قبل، شعرت ببهجة غامرة.
“هاه؟”
توقفت فجأة أمام لوحة مألوفة جدًا.
إنها لوحة تعرفها من حياتها السابقة، أي أنها ستُصبح شهيرة وتُدرّس للأجيال.
“لو أن أحدهم أعطاني المال….”
تمنّت لو تستطيع إنشاء معرض خاص بها. سيجني أحفادها ثروة من رسوم الدخول. وربما تسافر إلى فرنسا لتقابل فان غوخ ورينوار!
لكنها لم تستطع سوى أن تبتسم بأسى وهي تحدق في اللوحة.
وفجأة، اخترق أذنها صوت رجولي عميق وبارد، صوت بات مألوفًا لديها مؤخرًا.
“هل تعجبك هذه اللوحة؟”
تجمدت. ثم التفتت ببطء.
من خلف حافة قبعتها العريضة، ظهر رجل.
“هاه؟ الوالد….؟”
لم تره منذ عدة أيام.
لكن ربما لأنها لم تتوقع اللقاء، بدا لها وسيمًا أكثر من المعتاد.
كان أنيقًا جدًا، أكثر من المعتاد، حتى شعره مصفف بعناية.
ملابسه الداكنة زادت من هالته الباردة.
اقترب قليلًا، وحدّق فيها كما لو كان منزعجًا.
ثم همس:
“أنا لست أبًا لطفلة حتى تناديني هكذا….”
“إذًا… أخبرني باسمك….”
ارتبكت من قربه واضطرت للتراجع خطوة.
ابتسم ببرود وسأل:
“هل تريدين أن أكون والدك حقًا؟”
تلاقت عيونهما.
كانت نظراته ثابتة، بينما تراجعت هي ممسكة بيديها، والهواء بينهما امتلأ بتوتر غريب.
بعد لحظات، غسلت أنري حنجرتها بتكلف وأعادت نظرها للوحة.
فابتعد هو قليلًا، لكن ظلّه الطويل غطّى كتفها ولوّن اللوحة بظل داكن.
قال بهدوء:
“إنها لوحة برسيوس وأندروميدا.”
نظرت إليه بدهشة. كيف عرفها بهذه السرعة؟
ابتسمت ب وقالت:
“يبدو أنك تحبين الفن.”
“بل والدتي من تحبّه.”
قالها بنبرة فيها تنهيدة خفيفة، مما حيّرها.
“هل جئت معها؟”
تطلعت حولها لكنها لم ترَ أحدًا بجواره.
“أنا وحدي.”
كان إدون صريحًا.
في الحقيقة، أمه المريضة هي من دفعته للحضور وشراء بعض اللوحات، ولم يكن يرغب بالمجيء.
لكن ما لم يتوقعه هو أن يلتقي أنري وينتورث هنا.
ظل يراقبها من بعيد، ثم وجد نفسه يتحدث معها.
وقفت أنري تتأمل اللوحة بتركيز، كما لو أن وجوده لا يزعجها.
“هل تعجبك اللوحة؟” سأل بهدوء.
“إنها فقط…. مألوفة.”
لم تستطع أن تقول إنها تذكرها من امتحانات حياتها السابقة.
فأجابت بذكاء:
“كما تعلم يا سيد كريستان، إنها قصة مشهورة عن برسيوس وأندروميدا.”
استمع إدون وهو يحدق باللوحة.
الأميرة الجميلة المقيّدة على الصخور، تنتظر أن تفترسها وحوش البحر.
ثم البطل الذي هزم ميدوسا يظهر لينقذها، ويقع في حبها منذ النظرة الأولى.
لوحة مليئة بالدراما، والجمال، والشجاعة.
قال إدون:
“يبدو أن هذه القصة رائجة هذه الأيام.”
كان في القاعة عدة لوحات لأندروميدا، لكن أنري أطالت الوقوف أمام هذه بالتحديد.
وفاجأته بقولها:
“أليس غريبًا؟ لماذا دائمًا تكون النساء في اللوحات بحاجة إلى منقذ؟”
تحدثت بنبرة عادية، لكن كلماتها حملت معنى أعمق.
بدت مختلفة عن أندروميدا المقيّدة. كانت حرة في روحها، رافضة لقيود هذا العصر.
ثم همست:
“ومع ذلك…. أنا أغار من أندروميدا.”
تفاجأ إدون: “ولماذا؟”
فكرت أنري قليلًا قبل أن تقول:
“لأن هناك من ينقذها… سواء كان برسيوس أو غيره.”
في حياتها الماضية، لم يكن هناك من تعتمد عليه. عاشت بقوة، لكنها تمنّت يومًا ما لو أن هناك من يمدّ لها يدًا.
لو كانت سندريلا، لطلبت من الجنية بيتًا ومالًا يكفيها، لا فستانًا لحفل راقص.
تنهدت: “على أي حال، لا بأس……”
لكن إدون قاطعها فجأة، صوته منخفض وحاد:
“ألا أستطيع أن أكون ذلك الشخص؟”
تسمرت في مكانها.
التفتت نحوه
بدهشة، لتجد وجهه جامدًا باردًا، لكن عيناه تحملان عمقًا يشبه بحرًا عاصفًا.
اقترب خطوة، ونظرته أصبحت أثقل وأكثر جدية.
…. وانكمش قلبها من التوتر.
_______
للتواصل
الانستغرام : @the_dukes_wife_obsession
التعليقات لهذا الفصل " 13"