كانت العربة مجهزة بكل ما يمكن تخيله.
في حال انقلبت، هناك وسائد هوائية تسقط من السقف، وحتى طاولات تطوى في المنتصف.
والسائق الذي يقودها بدا وكأنه مأخوذ من إعلان فاخر عن “أفضل سائقي العربات”.
“…رائع. مذهل.”
جلست آنري داخل العربة، وضغطت بكفيها على المقعد البيج الناعم.
كان مريحاً ودافئاً، حتى أنها شعرت بأن هذه العربة أجمل وأكثر حميمية من غرفتها الخاصة.
ربما سعرها يساوي قصر كامل؟
لكنها مجرد عربة ستستخدم مؤقتاً لا أكثر.
جالت بيديها على الجدران والنوافذ والستائر، وبعد أن استكشفت الداخل بدقة، خرجت أخيراً.
كان الرجل يقف مع ألبرت، وبمجرد أن ظهرت آنري، ابتسم ألبرت بحرارة.
قال لها بلطف:
“آمل أن تكون العربة قد نالت إعجاب الآنسة وينتورث. إذا كان هناك ما ينقصها، سنجهز لكم عربة أخرى فوراً.”
ابتسمت آنري بدبلوماسية:
“وجود هذه الترتيبات كافٍ، أنا ممتنة فعلاً. بفضلها، يمكن لهيندل وجيفري أن يستريحا براحة.”
“بالطبع يا آنسة. استعملوها كما شئتم، فهذا شرف لنا.”
“هذا يطمئنني. نحن أيضاً نتساءل كيف سنرد الجميل لوالد السير كريستان.”
لكن فجأة، جاء صوت الرجل ليطفئ الأجواء:
“لقد نويت إعارتها لعشرة أيام فقط.”
تجمدت آنري لحظة. هل سمعت جيداً؟ بدا الأمر سخيفاً…. وكالعادة، مصدر السخافة هو ذلك الرجل.
ظل هادئاً وكأنه لم يقل شيئاً غريباً.
“يا إلهي، أنت أبخل مما توقعت.”
رفعت كتفيها بابتسامة مشرقة، لكن في داخلها كانت تغلي.
تحت ضوء الشمس، بدا شعرها الوردي وبشرتها البيضاء أكثر توهجاً من أي وقت، كزهرة في أوج ازدهار.
لكن أفكارها كانت عاصفة:
“هل يحاول السخرية مني عمداً؟”
إدوين، الذي التقط نبرة أفكارها، استمتع بالأمر. هذا ما أراده بالضبط.
قال بجفاف:
“لقد اتفقنا على استرجاعها بعد عشرة أيام.”
حافظت آنري على ابتسامتها:
“بالطبع. سأحرص ألا تُخدش أبداً. فهي ثمينة أكثر لأنها أُعيرت من شخص مثلك.”
تنحنح ألبرت ليتدخل بينهما:
“هاها…. سيدي، ما أوسع حس الدعابة لديك. لا تقلقي يا آنسة.”
لكن التوتر لم يهدأ.
وبعد أن اكتفى إدوين بما أراد من ردود فعلها، ودّعهم:
“حان وقت عودتنا. رجاءً، اعتني بكريستان.”
ابتسمت آنري:
“بالطبع. وبفضل الأعشاب النفيسة الموروثة عند والد السير كريستان، ستلقى ماريلين عناية ممتازة أيضاً.”
كانت تتوقع أن ينهىها عن إعطاء شيء لماريلين…. لكنه لزم الصمت.
ثم غادر الرجل قصر آل وينتورث.
ولن يعود إلا لو حدث أمر يخص كريستان.
وحين اختفت عربته السوداء عن الأنظار تماماً، قفزت آنري برشاقة إلى العربة الجديدة.
“رائع. هذا هو المطلوب.”
استلقت على المقعد الناعم وألصقت خدها به.
كان ملمسه ناعماً كجلد طفل.
جسدها ذاب في الراحة، كأنها تعيش لحظة من رفاهية الأثرياء.
هي تعرف أنها ستُعاد يوماً ما، لكن الآن… لا بأس بالاستمتاع بها.
✩₊˚.⋆☾⋆⁺₊✧
وفي الجهة الأخرى..
“سيدي، تبدو في مزاج جيد اليوم.”
قالها ألبرت وهو يراقب سيده في العربة أثناء الرحلة.
لقد مضى وقت طويل منذ مغادرتهم قصر وينتورث، وأخيراً تجرأ على التعبير عما لاحظه.
رفع إدوين حاجبه بسخرية طفيفة:
“هل ضحكتُ حتى؟”
“ليس تماماً… لكن الجو من حولك مختلف. هالتك، ملامحك…شيء ما يجعلك تبدو مرتاحاً.”
نظر إليه إدوين ببرود، مما جعل ألبرت يتراجع، لكنه هذه المرة لم يخَف.
ابتسم بمكر:
“في الآونة الأخيرة تتحدث أكثر من المعتاد. حتى مع الآنسة وينتورث، كنت ترمي تعليقات وكأنك…. تمزح.”
“هل بدا لك الأمر مزاحاً؟”
“أم أنك تحاول كسب ودها…؟”
تلألأت عينا ألبرت بدهاء، لكن مزاحه أزعج إدوين وأظلمت ملامحه.
“أم كنت تحاول استفزازها فحسب؟”
إدوين التزم الصمت وحدق من النافذة.
ألبرت شعر بالارتباك:
“هل أخطأت الظن؟”
لقد لاحظ أن تعامل سيده مع آنري مختلف عن النساء الأخريات.
كان ينظر إليها أكثر من المعتاد، ويتحدث أكثر مما ينبغي.
في السابق، كل الفتيات اللواتي جلسن إلى جانبه في المآدب أو الرقصات خرجن محبطات وربما باكيات.
لم يكن فظاً، لكنه كان قادراً على ترك أثر مؤلم في قلوبهن.
“مع ذلك، لم يكن لطيفاً مع الآنسة وينتورث أيضاً….”
أقنع ألبرت نفسه أن ما يجري بينهما مجرد “تضارب شخصيات”.
ابتسم مجدداً وقال وهو يفرك يديه:
“يبدو أن موعد زواجك ليس بعيداً يا سيدي. لا أصدق أن الدوقة تحصي الأيام حتى الحفل الكبير.”
عند ذكر الزواج، ضاق صدر إدوين وأمال رأسه للخلف، وأغلق جفنيه بهدوء.
وضع أصابعه الطويلة على جبهته وقال:
“ألا توجد وسيلة لتأجيله أكثر؟”
ضحك ألبرت:
“لقد جربت كل شيء تقريباً. لم يبقَ سوى أن تقطع علاقتك بالدوقة.”
تذكر إدوين محاولاته السابقة أمام أمه، كتابة تقارير منطقية تبرر رفضه الزواج، اقتراح نقل اللقب لأقارب ذكور…. وحتى قوله إنه يفضل العمل على النساء.
لكن كل ذلك بلا جدوى.
“أتمنى لو تندلع حرب.”
قهقه ألبرت:
“لا أحد يعلن حرباً لمجرد أنه لا يريد الزواج.”
أدرك إدوين أن لا مهرب. الدوقة مصممة، وهو لم يعد يملك سبباً مقنعاً للتأجيل.
لكن داخله كان يصرخ:
“الزواج ليس رغبتي…. إنه رغبتها هي.”
لقد كان مجرد ابنٍ مطيع تحت ضغط والدته.
الاسم المشترك مع امرأة يزعجه، والحياة الزوجية تبدو له غير ممكنة.
وفوق ذلك، كان هناك سبب شخصي آخر يجعله يكره حضور الحفل….
سبب لا يمكن لأحد تصديقه.
“في النهاية، لا مهرب من هذا الحفل اللعين.”
ابتسم ألبرت ابتسامة باهتة، فيما أطلق إدوين تنهيدة ثقيلة.
قال إدوين بنبرة أكثر جدية:
“ألم أخبرك؟ لا أستطيع الوثوق بالنساء…. منذ أن كنت في الرابعة.”
انفجر ألبرت ضاحكاً:
“الرابعة؟! هاهاها!”
لكن وجه إدوين ظل بارداً:
“لم أقلها من قبل على ما يبدو.”
ثم تذكر محادثته مع أمه حين كان في الثامنة عشرة:
“لا أملك الثقة الكافية لأفتح قلبي لامرأة.”
لكن ردها كان صادماً:
“القلب ليس كل شيء يا إدوين. افتح جسدك أولاً… والباقي سيتبع.”
… كلماتها تلك ما زالت تلاحقه.
والآن، في عمر الرابعة والعشرين، لم يعد هناك سبيل للهروب.
لم تعد هناك امرأة
بعينها، والدوقة تزداد إصراراً.
لم يعد يستطيع تأجيل المصير أكثر.
في الحفل القادم….. لا بد أن يجد عروساً.
_______
للتواصل
الانستغرام : @the_dukes_wife_obsession
التعليقات لهذا الفصل " 12"