خرجت أنري بعد وقت قصير، لكنها لم تلاحظ وجوده.
استدارت بخفة ونزلت الدرج.
“….”
انتشرت رائحة الأكاسيا أكثر من خصلات شعرها المتطايرة.
عادةً في بيوت النبلاء توجد سلالم منفصلة للرجال والنساء، لكن قصر وينتوورث لم يكن فيه إلا درج واحد.
“بيت يجعل الناس يصطدمون ببعض رغماً عنهم…”
ظلّ إدوين ينظر لمكان اختفاء أنري، ثم توجه إلى غرفة السائقين.
فور أن رآه جيفري، ارتبك وركع على الأرض.
حتى هندل توتر فجأة.
لم يعرف من يكون الرجل، لكن من الواضح أن الخدم كانوا يخافونه.
إدوين لم يمنع جيفري، فقط نظر إليه بعينين باردتين، نظرة تكفي لتجميد الدم في العروق.
قال جيفري بصوت مرتجف:
“سيدي… أرجوك سامحني. أعدك أن هذا لن يتكرر.”
لكن إدوين ظل ساكناً بلا رد.
ثم فجأة التفت نحو هندل، الذي شعر وكأنه ضُرب بصاعقة فسقط على ركبتيه بجوار جيفري.
“…..”
بعد لحظة، قال إدوين لهندل:
“يجب أن نوظف سائِقاً مؤقتاً لعائلة وينتوورث. هل لديهم مشاوير مهمة قريباً؟ أو رحلة طويلة؟”
أجاب هندل بتردد:
“نـ-نعم! السيدة وبناتها سيذهبن إلى حفلة دوق بريستون في إيست كارلتون.”
نظر جيفري بسرعة إلى إدوين، وحتى إدوين نفسه بدا متفاجئاً.
“ماذا؟ دوق بريستون؟ أليست تلك الحفلة هي التي أختار فيها عروسي؟! وبنات هذا البيت سيحضرن؟”
أحس أن الصدف لا تنتهي…. كل شيء يقوده نحو تلك الحفلة.
في الطابق الثاني، سمعت أنري صوت كانديس الحاد من غرفة يونس:
“لا تتبعيني…. فهمتِ؟”
“بدأت مشاكلها مجددا…”
هزت أنري رأسها وأرادت المرور، لكن الباب فُتح فجأة وخرجت كانديس.
قالت وهي تتمتم لنفسها:
“لو ذهبتِ ستجلبين لنفسك الإحراج. فقط قولي لأمي أنكِ مريضة.”
يبدو أنها تتحدث عن حفلة الدوق.
كانديس دائماً تحاول إبعاد يونس عنها وتتنمر عليها، بينما يونس تظل صامتة وضعيفة.
لكن كاثرين دائماً تجبر يونس على الخروج معهم، حتى لا تبقى سجينة غرفتها.
التفتت كانديس فرأت أنري، تبادلتا نظرات قصيرة ثم تجاهلتها.
تابعت أنري طريقها، لكنها قالت بصوت خافت:
“حتى أنا أشعر بالخجل أن أُرى مع أخواتي.”
صُدمت كانديس:
“ماذا قلتِ؟!”
فتحت أنري عينيها ببراءة:
“ماذا؟”
قالت كانديس بعصبية:
“سمعتكِ جيداً!”
“آه، هل فعلتِ؟”
في تلك اللحظة، فتحت يونس بابها قليلاً وهي تستمع.
قالت كانديس:
“قلتِ أنكِ تخجلين منا؟!”
فأجابت أنري:
“وهل علي أن أفتخر إذن؟ أنتِ من يبعث على الخجل يا أختي.”
فتحت كانديس فمها بدهشة ولم تستطع الرد.
أما أنري فقد نظرت إليها بثبات وكأن الأمر طبيعي.
ثم قالت بهدوء:
“الحقيقة…. أنتِ يجب أن تخجلي أكثر من يونس.”
ارتبكت كانديس وتراجعت خطوة، بينما شعرت يونس براحة غريبة:
“إذاً أنري تراها هي المخجلة وليس أنا… الحمد لله…”
ابتسمت أنري بخفة كأن شيئاً لم يحدث.
لكن كانديس لم تتحمل، وفجأة رأت طرف حذاء عند زاوية الممر.
كان لرجل طويل ووسيم يقف هناك منذ وقت.
عندها، غيرت أسلوبها فجأة وتظاهرت بالبكاء:
“هل تريدين إيذائي فقط لأنكِ ترينني عبئاً؟ ماذا فعلتُ لكِ؟”
لكن لم تنزل دمعة واحدة من عينيها.
أما أنري فظلت تنظر لها بلا اهتمام.
قالت بهدوء:
“كانديس… هل تظنين أن يونس بلا شخصية؟”
اندهشت كانديس وقالت:
“منذ متى تهتمين بيونس؟ أنا من كنت معها دائماً!”
ضحكت أنري وقالت بسخرية:
“آه حقاً؟ كيف تحملت يونس أن تبقى معكِ في نفس الرحم تسعة أشهر؟ لا بد أنه كان عذاباً.”
أضاء وجه أنري بابتسامة، بينما قبضت كانديس يديها بغضب شديد.
صرخت:
“ستندمين حين يعود أبي!” ثم رحلت مسرعة.
واصلت أنري طريقها وهي تصفر بخفة.
أما يونس فبقيت في مكانها مذهولة، تشعر وكأنها رأت قوس قزح يضيء حياتها.
لكنها حين التفتت… رأت الضيف، إدوين، واقفاً هناك ينظر إليها.
تبادل معها النظرات بصمت، وعيناه باردتان رغم أنه يحاول كتم ضحكة.
لم تستطع يونس احتمال ذلك، فأسرعت إلى داخل غرفتها بخجل، بينما بقي إدوين في الممر، يضع يده على وجهه محاولاً إخفاء ضحكته.
في وقت لاحق، جلست أنري على مقعد قديم وبدأت تقلّب في صحيفة وُضعت جانباً.
لم تكن تقرأ بتركيز، فقط تتفقد الأخبار.
بالنسبة لها، قراءة الجريدة كانت مسألة بقاء، لأن عالم الرواية كلّه كان ينعكس فيها.
“رواية (عشيق الملكة) تجري في إنجلترا القرن التاسع عشر، لكنها ليست مطابقة تماماً للتاريخ الحقيقي، فالكاتبة أضافت تفاصيل من خيالها.”
لهذا السبب كانت أنري تحرص على متابعة الأخبار.
لكن بسبب المشاكل الأخيرة مع مارلين وكريستان، توقفت عن قراءة الصحف عدة أيام.
“…متى سيأتي ذلك المهر الصغير؟”
مجرد التفكير بجمال المهر جعلها تبتسم بحماس.
أما هندل وجيفري فكانا ما يزالان طريحي الفراش بسبب الإصابات.
ولذلك، قام الرجل (إدوين) بترتيب الأمر لعائلة وينتوورث، فجلب لهم سائِقاً مؤقتاً وعربة وخيول جديدة.
وعند وصول العربة…
“واااه! عربة ( روز اند هوند )!”
صرخت كانديس بفرح وهي تقفز من مكانها.
أما كاثرين فدخلت إلى الداخل بسرعة وبدأت تكتب رسالة إلى والدها بعزم واضح في عينيها.
وكانت كانديس تثرثر بلا تفكير وتضحك، بينما أنري وقفت تتأمل العربة.
كانت مطلية باللون الأبيض مع زخارف ذهبية وردية.
“إنها جميلة… جميلة جداً…” فكرت أنري بحماس في داخلها، لكنها من الخارج حاولت أن تخفي اندفاعها.
_______
للتواصل
الانستغرام : @the_dukes_wife_obsession
التعليقات لهذا الفصل " 11"