“يا إلهي، يا إلهي، انظري إلى ذلك. ماذا لو كان ذلك السيد واقعًا في حب آنري يا أمي؟”
قالت كانديس بقلق، وهي تربّت على حافة النافذة.
تفاجأت يونيـس بنفس القدر، فركّزت على المشهد في الخارج.
كان الضيف واقفًا بمفرده، بعيدًا عن الآخرين، يحدّق مطولًا نحو الإسطبلات.
وفي نهاية نظره كانت آنري.
غير أنّ آنري بدت منشغلة فقط بما يحدث داخل الإسطبلات.
لذا لم يكن من الواضح أين يتركز انتباه ذلك الضيف حقًا.
“آه!”
في تلك اللحظة، دفعت كاثرين ابنتها يونيـس جانبًا فجأة، وأخرجت رأسها أكثر من النافذة وهي تحدّق بعينيها.
“لا يا كانديس. إنه يراقب الإسطبلات فقط، بوضوح.”
تألّمت يونيـس وهي تمسك بذراعها التي ارتطمت عند دفعها.
“أوه!”
أخفت كانديس وجهها بين يديها وكأنها على وشك البكاء.
“بسبب آنري لن أتمكن من الزواج أبدًا، وسأموت عانسًا. أمي، كيف يمكنني أن أعيش مع يونيـس بقية حياتي؟”
“لا تقلقي يا كانديس. تلك الـ… الشيطونة لم تبلغ الحادية والعشرين بعد، فلا يحق لها الزواج دون إذن والديها.”
تمسكت كاثرين بذراع كانديس النحيلة وكأنها تطمئنها.
أما يونيـس، التي شعرت وكأنها كائن غير مرئي في الغرفة، فكانت تحرّك عينيها بقلق بين أختها وأمها.
لماذا كانتا مصرتين على مضايقة إنسانة طيبة مثل آنري؟
✩₊˚.⋆☾⋆⁺₊✧✩₊˚.⋆☾⋆⁺₊✧✩₊˚.⋆☾⋆⁺₊✧
“ماذا أفعل؟ ماذا أفعل؟”
ساد التوتر في منزل ماريلين.
كان ذلك قبيل اللقاء بين ماريلين وكريستان.
تشبثت آنري بسياج الخشب المحيط، محاولة إخفاء قلقها بلا جدوى.
أرادت أن تقترب من الأحصنة كما يفعل الخادم، لكنها لم تستطع.
فالخيول بطبيعتها حساسة، وقد تفزع من أي صوت طفيف. ويُقال إنها تصبح أشد حساسية أثناء التزاوج.
وكثيرًا ما يتعرض الخدم لإصابات خطيرة حين يكونون بالقرب منها في تلك الأوقات.
لذلك كان هندل وجيفري قد اتخذا احتياطاتهما، مرتديين أحذية فولاذية لحماية أقدامهما من أي إصابة محتملة.
غير أنه لم يكن من الآمن ترك الخيول وحدها، إذ يمكن أن تقع حوادث أعنف بين الفرس والفحل دون إشراف.
كانت آنري تأمل بسلامة الخادمين، خصوصًا جيفري.
فإن أصيب خادم الرجل، ألن تحاول كاثرين استغلال الأمر والتشبث به بدعوى ؟
صحيح أنّ آنري أدخلت كريستان والضيف إلى المنزل من أجل ماريلين، لكن مجرّد بقاء ضيف في القصر، ولو ليلة واحدة، لم يكن أمرًا هيّنًا.
فالخدم ستزداد أعباؤهم، والمؤونة ستنقص، ولا يمكن لأهل البيت أن يتجولوا بملابس النوم كما اعتادوا.
“نعم يا آنسة وينتوورث؟”
التفتت آنري فجأة إلى صوت ألبرت.
“همم…. أخشى أن من غير الآمن أن تشاهد فتاة ذلك. كما تعلمين، الخيول قوية ولا يمكن التنبؤ بتصرفاتها.”
“لا بأس. بالتأكيد لن ينهدم الإسطبل كله، أليس كذلك؟”
ابتسمت آنري وأعادت بصرها إلى ماريلين.
بينما بقي ألبرت متردّدًا أمام ابتسامتها الواثقة، وألقى نظرة خاطفة نحو الدوق إدوين الواقف على مسافة.
فالنبلاء مثل إدوين عادةً ما يبتعدون عن الإسطبلات.
بل ويُعتبر من اللائق ألا يقتربوا أثناء حدث جلل كتزاوج الخيل.
لكن آنسة وينتوورث كانت تبتسم بعينين متلألئتين.
أما إدوين فقد نظر إليها بهدوء، وكأنه يفكر: “حقًا، في هذا العالم كل صنف من النساء موجود.”
كان قد طلب منها بالفعل مغادرة الإسطبل معه، لكنها رفضت مبتسمة بانتعاش.
“هندل، هل ماريلين بخير حقًا؟”
سألت آنري، فتقدّم هندل الذي كان يربّت على الفرس نحوها.
لكن تعابير وجهه لم تبشّر بالخير.
“نعم يا آنسة. لكن كما قلت، حالتها غير مستقرة للغاية…”
لم يكن صوته يحمل ثقة.
“إذن ربما الأفضل تأجيل الأمر؟”
“ليس ممكنًا. نحن الآن بين خيارين: لا يمكنها أن تلتقي بكريستان ولا أن تبتعد عنه…”
“آه.”
فهمت آنري قصده.
فماريلين التي تلهّفت لرؤية الفحل منذ النظرة الأولى، قد تصبح أكثر هيجانًا عند لقائه.
“وماذا عن كريستان؟”
“هو أيضًا شديد التوتر، وأظنه سيذعر عندما يراها…”
وخفت صوت هندل كأنه يتلاشى.
تبادل هو وجيفري نظرات قلق، وشدّت آنري نفسها متوترة مما سيحدث حين يجتمع الحصانان.
“يا آنسة، أرى أن الأفضل أن نهيئ اللقاء فورًا بدلًا من المزيد من التأجيل.”
حسم هندل أمره فجأة.
فأومأت آنري بعزم، بينما تبادل الرجلان نظرات حاسمة.
قاد جيفري كريستان المربوط في الخارج إلى الداخل.
لكن آنري التي لم تشهد من قبل مشهد تزاوج خيول، لم تكن تدرك ما الذي ينتظرهم.
“آآه!”
بمجرد أن رأت ماريلين كريستان، اندفعت بقوة محاولة تحطيم الحاجز، فركلها أصاب هندل بكسر.
“آخ!”
وحاول جيفري بكل قوته تهدئتهما، لكن كريستان فجأة رفسه هو الآخر، فأصيب بكسر أيضًا.
“حقًا…. تبقى الحيوانات حيوانات.”
أدركت آنري السبب وراء توتر السائسين الشديد.
✩₊˚.⋆☾⋆⁺₊✧✩₊˚.⋆☾⋆⁺₊✧✩₊˚.⋆☾⋆⁺₊✧
“………”
“………”
الصمت الأول كان من آنري، والصمت الثاني من يونيـس.
فحتى بعد حلول الليل، جلس الضيف على مائدة قصر وينتوورث.
لقد تكلل تزاوج ماريلين وكريستان بالنجاح أخيرًا.
فرغم خوف كريستان من عنفها، إلا أنه خضع لها في النهاية.
والآن الاثنان معًا….سعال.
لكن المشكلة أن سياج الإسطبل قد تحطم كليًا، والسائسان عاجزان عن الحركة.
استغلت كاثرين الفرصة وحاولت التعلق بالرجل، لكنه رفض بحزم وسعى لإيجاد سائس بديل.
قرر البقاء ليلًا قرب القصر، ليهتم بكريستان صباحًا.
إذ إن ألبرت لا يعرف قيادة العربة، والرجل وإن كان قادرًا فلن يفعل.
فذهب ألبرت ليبحث عن طبيب ويستأجر سائسًا مؤقتًا، لكن معظمهم لم يكونوا في البلدة.
ولذلك اختار الرجل أن يمكث في قصر وينتوورث، إذ لم يكن من اللائق أن يترك خادمه المصاب ويعود بمفرده.
“يسرّنا أن تبقى ليلة أو ليلتين. يا للعجب، أن تُجمع ابنتنا وهذا السيد بفضل الخيول…. إنه أمر رائع حقًا.” ضحكت كاثرين.
أما الرجل فظل على بروده المعتاد، لكنه رفع زاوية فمه بخفة وأعادها، بالكاد ملحوظة.
وبينما ظنّ الجميع أنه سيظل صامتًا، تكلّم فجأة:
“أنا أيضًا أعتبرها صلة نادرة.”
“يا إلهي، سيدي! أنت تثمّن الأمر حقًا!”
غمرت السعادة كاثرين وكانديس كأن حياتهما عادت إليهما.
ثم حلّت لحظة ارتباك أخرى، حين أمال الرجل ذقنه ببرود وقال:
“لم أكن أتوقع الكثير…. لكن الطعم جيد.”
“……..”
تجمّدت آنري ويونيـس، مندهشتين من كلماته: “لم أكن أتوقع الكثير.”
بدت يونيـس محبطة، أما آنري فحدّقت به بازدراء.
فالناس يقولون إن الكلمة الطيبة ، لكن هذا الرجل يملك موهبة في جعل الكلمة تسقط كالسيف على العنق.
كان قد حظي بسمعة أفضل قليلًا بفضل وثائق علاج ماريلين وأملاك آل وينتوورث، لكنه الآن حطّمها تمامًا.
مع ذلك، هتفت كاثرين وكانديس بفرح، وكأنهما وقعتا في حبه من جديد.
أما هو فتابع طعامه ببرود، فتخبطت قلوبهما أكثر.
ثم فجأة، رفع نظره نحو الأعلى بزاوية.
كانت آنري تنظر إليه بامتعاض، ففوجئت حين التقت عيونهما.
لكنها بسرعة أسدلت رموشها وكأنها تتصرّف بشكل طبيعي.
بل وأشاحت ببصرها تحكّ أنفها بخفّة.
✩₊˚.⋆☾⋆⁺₊✧✩₊˚.⋆☾⋆⁺₊✧✩₊˚.⋆☾⋆⁺₊✧
ما إن انتهت تلك الوجبة المتوترة، حتى انغمست آنري في حوض الاستحمام.
ربما بسبب التوتر من ماريلين، كانت تشتاق بشدة إلى حمام ساخن.
وبعد أن نقعت جسدها فترة، جففت شعرها المبلل.
ورغم فرحتها باجتماع ماريلين وكريستان، إلا أن شعورًا بالأسى خيّم عليها تجاه السائسَين.
فمع أن الطبيب طمأنهم بأن الكسور ستتعافى مع الوقت، إلا أنها تساءلت كم سيكون الألم شديدًا.
“هندل، جيفري…. أعلم أن هذا ليس عزاءً، لكن ربما تعتبرانها فرصة للراحة؟ أنتما فعلتما الكثير لعائلتنا طوال هذه المدة.”
قالت آنري وهي تزور غرفتهما.
كانا مذهولين من اهتمامها لدرجة شعرا بالذنب أكثر، ومع ذلك امتنّا لها.
“لا تقلقا بشأن المصاريف أو الأجور. آمل ألا يكون جيفري متألمًا كثيرًا. صحيح أن قصرنا ليس مريحًا كقصركما، لكن اعتبراه بيتكما. بذلك ستتعافيان أسرع.”
“يا آنسة…”
ارتبك جيفري من لطفها، حتى اغرورقت عيناه بالدموع.
لكنه لم يدرك المغزى الخفي وراء ابتسامتها.
“حتى تغادرا سريعًا، وتأخذان معكما ذلك الرجل.”
“ارتاحا إذن، كلاكما.”
ابتسمت آنري برشاقة وغادرت.
وفجأة خطرت لها فكرة:
“إ
ن كان تزويج حصان واحد صعبًا إلى هذا الحد…. فكيف سيكون الحال في تزويج ابنتين؟”
أما إدوين، فقد كان ينوي هو الآخر زيارة جيفري قبل النوم.
لكن لما وجد آنري هناك، وقف ينتظر خارج الممر.
ـــــــ
للتواصل
الانستغرام : @the_dukes_wife_obsession
التعليقات لهذا الفصل " 10"