كان قلبها يركض بلا توقف وكأنه لن يهدأ أبدًا. وفي تلك اللحظة فُتح باب قاعة الحفل.
“سيد الساحل الشرقي وجزر القراصنة.…!”
لكن صرخة الخادم توقفت عند هذا الحد. فرفعت فانيسا رأسها.
كان فيلياس يقف عند المدخل دون أن تشعر به، يحدّق في الخادم وكأنه يتحداه أن يكمل.
ارتبك الخادم وانحنى سريعًا، أما فيلياس فبدأ يتقدم مباشرةً نحو فانيسا وكأن شيئًا لم يحدث.
ساد الصمت. و جميع النبلاء الذين ملأوا القاعة توقفوا عمّا كانوا يفعلونه وحدّقوا فيه بذهول، لكنه بدا وكأن شيئًا من ذلك لا يدخل في مجال رؤيته.
“كنتُ أفكر بكِ طوال الوقت.”
أمسك فيلياس بكلتا يدي فانيسا، و رفعهما إلى شفتيه وطبع قبلةً خفيفة عليهما.
حاولت فانيسا أن تبتسم، لكن كل ما حدث هو ارتعاشٌ طفيف عند زاوية فمها.
“قيل لي أن لديكَ….اجتماعًا داخليًا؟”
فدحرج فيلياس عينيه عند كلامها.
“كان أمراً تافهاً لا يستحق أن أجعلكِ تنتظرين بسببه.”
حتى تلك اللحظة، كانت قاعة الحفل لا تزال غارقةً في صمتٍ خانق. و كان الجميع بوجوه مصدومة.
من الطبيعي أن يكون الأمر كذلك. فهذه أول مرة يظهر فيها فيلياس علنًا في مناسبةٍ كهذه منذ ست سنوات.
لم يكن في هذه القاعة سوى كبار النبلاء المرتبطين بالعائلة الإمبراطورية، لذا فقلّةٌ منهم فقط صدّقت الشائعات التي تقول أن وجهه قد تشوّه أو غطّته الحراشف.
ومع ذلك، فعدد من رأوا وجهه بعد أن بلغ سن الرشد لا بد أنه يُعد على الأصابع.
سم شدّت فانيسا يد فيلياس وجذبته نحوها.
“لنذهب إلى مكانٍ هادئ.”
وما إن استدار الاثنان وبدآ بالمشي، حتى بدأ الجميع يتهامسون وكأنهم اتفقوا مسبقًا.
“أليس هذا ذاك الذي من الأراضي القاحلة….”
“لا….كيف….”
ألقت فانيسا نظرةً جانبية على فيلياس. و كان يتبعها بهدوء، ثم ارتسمت على وجهه ابتسامةٌ مشرقة.
‘هذا ما أريد قوله أنا أيضًا….’
***
كانت الشمس تميل إلى الغروب. و كان فناء القصر الداخلي غارقًا في عبير أزهار الخريف.
وفي النسيم الذي ازداد برودة، كانت أشجار الحديقة المصطفّة بعنايةٍ تلوّح بأغصانها بصمت.
“كما توقعت….لم يستطع أحدٌ أن يرفع عينيه عنكِ.”
قال فيلياس ذلك بنبرةٍ منزعجة.
“لهذا لم أرد أن أترككِ وحدكِ.”
فاستدارت فانيسا لتواجهه.
كان يرتدي الملابس التي اختارتها له، وتسريحة الشعر التي أوصت بها. وكانت النتيجة أبهى مما تخيّلت، حتى أن قلب فانيسا اضطرب من جديد.
كانت واثقةً أن أيًّا يكن ما سيحدث في هذا الحفل، فلن يكون هناك حديثٌ يتجاوز ظهوره.
“لا بد أنهم الآن يتحدثون بحماسة.”
بعد أن ظلّ ينظر إليها قليلًا، خلع فيلياس سترته العسكرية السوداء ووضعها على كتفي فانيسا.
“….إنها ثقيلة.”
تمتمت وهي تضمّ طرفيها. و كانت رائحةٌ مألوفة ونقيّة تنبعث من ياقة ثوبه.
“فانيسا.”
أمسك فيلياس بيدها. و حدّق في أصابعها للحظة، ثم تحدّث بصوتٍ منخفض هادئ.
“يبدو أنني….سأغادر الإمبراطورية لفترة.”
كان تمامًا كما قال ولي العهد.
فأنزلت فانيسا رأسها بصمت. لم تكن تعرف من أين تبدأ الحديث.
عن الكونت رينيا؟ أم عن “الاجتماع الداخلي”؟ أم عن إيفانجلين وحبلها؟
“….إلى أين ستذهب؟”
“إلى سايروس. إن سارت الأمور بسرعةٍ فشهران، وإن طالت….فقد تمتد إلى عامين.”
“لكن….ما السبب؟”
حسنًا، أيّ ذريعةٍ سيقدّم الآن؟ قطع خطوط الإمداد؟
سخافة. ما الذي يجبره أصلًا على التحرك بنفسه لأجل أمرٍ كهذا؟
لكن فيلياس أجاب على غير المتوقع، وببساطة.
“لصنع ذريعة.”
“….ماذا؟”
ثم ابتسم ابتسامةً خفيفة لا تناسب الموقف.
“لقد وعدتكِ. قلتُ أنني سأنهي هذه الحرب السخيفة. لكن في هذا الوضع، لن يتغير شيء. فالسبب الذي يمنع الإمبراطورية من إسقاط سايروس هو….أنها تفتقر إلى مبررٍ شرعي واضح. لذا سأذهب إلى هناك، وأصنع للإمبراطورية سببًا يمنحها الشرعية. في الحقيقة، هذا ما أجيده.”
“هل تقصد أنكَ ستدمّر سايروس؟”
أومأ فيلياس برأسه بخفة.
“إن حالفني الحظ، قد أُسقطها من الداخل. وعندها ستنتهي الحرب تلقائيًا، ولن تكون هناك حملاتٌ عسكرية أخرى. وحينها….”
شدّ يديه المتشابكتين، ووضع ظهر يد فانيسا على خده.
“سأتمكن من البقاء إلى جانبكِ إلى الأبد.”
دقّ-
لسببٍ ما، شعرت فانيسا وكأن قلبها يهبط فجأة.
و كان لا يزال ينظر إليها بنظراته ذاتها، وقد احمرّ محيط عينيه قليلًا.
“لذا يا فانيسا….”
تحدّث وهو يلامس بشفتيه مفاصل أصابعها.
“تزوجيني.”
هَبّت الريح، واجتاحت شعر فانيسا. و غرق كل ما حولها في صمتٍ مطبق.
كان فيلياس لا يزال يحدّق بها وكأنه أسيرٌ لها. لكن الفكرة التي خطرت ببالها كانت واحدة.
‘إنه….يدبّر شيئًا آخر مجددًا.’
لم تستطع أن تصدّق أنه يطلب الزواج بدافعٍ نقي.
فانيسا نفسها لم تكن ترى الزواج أمرًا مقدسًا. فقد اعتبرته وسيلةً في حياتها السابقة أيضًا.
لكن فيلياس وفانيسا….
‘هذا الرجل….وأنا….’
شعرت فانيسا بأن عقلها يبرد ويستقر على نحوٍ غير مسبوق.
“لماذا الآن؟”
بدا أن السؤال فاجأ فيلياس، إذ لزم الصمت. فواصلت فانيسا.
“أأقولها أنا؟ لأنكَ قبل ذهابكَ إلى سايروس تريد أن تقيّدني قانونيًا. حتى لا أستطيع….الهرب منكَ.”
“فانيسا.”
“قل أنه ليس صحيحًا.”
حرّك فيلياس شفتيه، فسحبت فانيسا يدها التي كان يمسكها.
“في النهاية، أنتَ لا تثق بي، أليس كذلك؟ تريد أن تستخدم الزواج كوسيلة.”
ظل فيلياس واقفًا للحظة شاردًا، ثم قبض يده الفارغة بقوة.
“قلت لكِ يا فانيسا….أنني لا أثق في هذا العالم إلا بكِ وحدكِ. وما أطلبه ليس سوى….مجرد إجراءٍ قانوني. لن يتغير شيء….”
“صحيح. لن يتغير شيء. لذلك….سأعتبر الأمر كأنني لم أسمعه.”
حاولت فانيسا نزع سترة فيلياس عن كتفيها، لكنه ضغط على كتفها برفق.
“الهواء بارد.”
“…….”
“أنا فقط….لم أجد طريقةً أفضل. إن وافقتِ….فإقليمي وأتباعي سيحمونكِ. وحتى لو متُّ بسبب هذه المهمة، فكل ما أملكه سيؤول إليكِ، وبهذا على الأقل….ستكونين بأمان….”
“فيلياس.”
رفعت فانيسا عينيها لتواجه عينيه الشاحبتين.
كان هناك سؤالٌ واحد أرادت أن تسأله منذ زمن.
بدلًا من أن يخبرها بأنه سيذهب إلى أرض العدو، كان عليه أن يجيب عن هذا السؤال أولًا. على الأقل، كان يجب أن يفعل ذلك قبل أن يطلب خطبتها.
“هل تحبني؟”
ارتجف-
اهتزت عيناه، وشحب وجهه. كأنه….كأنه كُشف عنه سرّ خطير.
ساد صمتٌ خانق، ثم أنزل فيلياس نظره. وهو يتجنب عينيها، بينما يتمتم.
“هذا….ليس أمرًا عليكِ القلق بشأنه.”
“وما هذا الجواب أصلًا؟ ألا أقلق؟ أنا سألتكَ إن كنتَ تحبني.”
و ظل فيلياس عاجزًا عن مواجهتها بعينيه.
“حتى….لو كان ذلك صحيحًا….فهذا يعني أنكِ لستِ مضطرةً لتحمّل أي عبء. لن أطالبكِ….بأن تبادلي مشاعري….”
لم تتمالك فانيسا نفسها، فانفلتت منها ضحكةٌ قصيرة خاوية.
“أنتَ حقًا….”
ابتلع فيلياس أنفاسه بصعوبة.
“إن لم تكوني حمقاء فستعرفين. ستدركين على الأقل أنني واقعٌ في حبكِ بلا أي خطةٍ أو حساب. ومع ذلك، ألا تعتقدين أن لعدم شرحي لمشاعري لكِ….سببًا؟ وكما أن لسؤالكِ لي الآن، وكأنكِ لا تعرفين شيئًا….سببًا أيضًا.”
“ذلك….”
كان فيلياس واثقًا. واثقًا بلا أدنى شك، أن فانيسا لا يمكن أن تحبه.
صحيحٌ أنها شعرت أحيانًا بأن مشاعره ثقيلة. وحتى حين سمعت منه كلمة “أحبك”، كان أول ما شعرت به هو الخوف.
فالحب الذي تعرفه فانيسا كان….
‘لا، هل أعرف الحب أصلًا؟’
قبضت فانيسا بإحكامٍ على كمّ السترة الكبيرة الثقيلة.
________________________
به هوشه في الطريق اويلااااااااااااو
لو انه فال ايه احبس كان بس المجنون يشوف مشاعره تملك وجنون مب بريئ زيها😭
المجنون اذا كان داري انه مجنون يطلع مجنون اكثر
كم مجنون في ذلك؟
المهم يارب فصل فصلين ثم يرجعون زي اول مقدر اشوف عيالي يتفرقون😔
والصدق ماتوقعت يعرض عليها الزواج كذا وين الخاتم والورد والسبرايز😭 بعدين عادي يتزوجون بس اذا صدق عشان يمسكها له وهو مب موجود اجل فانيسا معها حق خير ليه مايثق فيها
التعليقات لهذا الفصل " 94"