في اليوم الأول من مهرجان تأسيس الدولة، كان ذلك عصرًا يسبق حفل الافتتاح.
بعد أن أنهت فانيسا زينتها الطويلة الطويلة، وقفت أمام المرآة ومسحت شعرها برفق إلى ما وراء كتفها.
“إنكِ جميلةٌ حقًا، سيدتي….أنا….هل يمكنني أن أبكي قليلًا؟”
قالت نيكولا ذلك وعيناها الواسعتان تلمعان بالدموع.
“لا. أرجوكِ لا تفعلي.”
كان الفستان، الذي أُنجز بما يتناسب مع طولها الذي نما، جميلًا بحق. وكما قال فيلياس، كان ينسجم تمامًا مع لون شعرها.
وعندما أدارت رأسها قليلًا، تلألأت الأقراط التي اختارتها نيكولا وهي تعكس ضوء الإضاءة. بدت حبات الأوبال المثبتة حول لؤلؤةٍ بلون الحليب كأنها حشدٌ من النجوم يحيط بالقمر.
“هل أعجبتكِ الأقراط؟ أم كان من الأفضل اختيار شيءٍ أكثر فخامة؟”
هزّت فانيسا رأسها.
“هكذا أفضل. فعلًا يا نيكولا، يبدو أن ذوقكِ هو الأدق دائمًا.”
فابتسمت نيكولا بوجهٍ مشرق.
“هذا يسعدني كثيرًا. آه، صحيح يا سيدتي. تفضلي، هذه رسالةٌ من القبطان إرفين. سمعتُ أن رئيس فرع الشركة التجارية هو من أحضرها بنفسه.”
وقدمت نيكولا ظرف الرسالة المختوم.
“ما هذا؟ كنت قد طلبت منهم إن لم يكن أمرًا عاجلًا أن يرسلوها إلى شوريغا….”
فإرسال البريد إلى القصر الإمبراطوري كان أمرًا مزعجًا إلى حد ما.
لكن إن كان خبرًا يستحق أن يُنقل بواسطة شخص….
ففتحت فانيسا الختم على عجل.
[الآنسة فانيسا، أعتذر عن الإزعاج وأبعث إليكِ هذه الرسالة لوجود أمرٍ طارئ أود مشاركته.
كنتِ قد ذكرتِ احتمال أن يكون هناك من يتعمد عرقلة تجنيد فريق الاستكشاف بعد الفوضى التي وقعت في ساحة القتال. وبالفعل، بدا لي أن الأمر يتجاوز كونه مجرد صدفة، لذلك وبمحض قراري وضعتُ أشخاصًا لمراقبة جميع البحارة الذين فسخوا عقودهم فجأة.
وخلاصة الأمر أن خمسة بحارة اعترفوا بأنهم تلقوا عروض عمل من شركاتٍ تجارية منافسة مختلفة، وبشروطٍ مغرية إلى حدٍ مبالغ فيه.
وكان معظم أصحاب تلك الشركات على معرفةٍ جيدة بي، لكنهم بدوا غير مدركين تمامًا لما ارتكبوه.
ولأن الخيوط لم تكن واضحة، اضطررنا لتمشيط أزقة أشوكا الخلفية والسوق السوداء تمشيطًا دقيقًا. ولم نتمكن من الإمساك بذلك الجرذ إلا ليلة أمس.
كان وسيطًا معروفًا حتى في السوق السوداء، لكنه بدا حقًا غير عالم بهوية السيد الذي يخدمه.
كل ما عرفناه أن أسلوب كلامه يشبه أسلوب العسكريين، وأنه يدخن تبغًا قوي الرائحة.
وكما تعلمين، فإن رجالي بارعون في مثل هذه الأمور، لكن يبدو أنهم واجهوا صعوبةً لا بأس بها هذه المرة.
إن كان الأمر مجرد عرقلةٍ من شركاتٍ منافسة فذلك مطمئن، لكن إن كانت هناك جهةٌ ما تقترب بنوايا خفية، فقد رأيتُ أن من واجبي تحذيركِ.
ولحسن الحظ، توقفت أعمال العرقلة حاليًا، لكن ما حدث مرةً يمكن أن يتكرر مرتين. أرجو أن تكوني حذرةً أثناء إقامتكِ في العاصمة.
وإن توصلنا إلى أي معلوماتٍ إضافية فسأراسلكِ.
إرفين.]
ثم طوت فانيسا الرسالة.
كان سبب شك فانيسا بوجود عرقلةٍ هو حديثها مع ماريا ريبيرا.
“أنتِ في أشوكا منذ شهرٍ كامل ولم تحصلي على شيء، أليس كذلك؟ لن يكون الأمر سهلًا. العثور على بحارةٍ ذوي هويةٍ واضحة وخبرةٍ واسعة في أشوكا ليس بالأمر الهيّن.”
لكن منذ البداية، ما الدافع لعرقلة انتشال سفينةٍ غارقة أصلًا؟
ربما كان إرفين قد بالغ في تفسير مجرد تزامن. وفوق ذلك، تلك السفينة الغارقة كانت….
طَق طَق-
“آه، يبدو أن سمو الدوق قد عاد!”
أسرعت نيكولا وفتحت الباب. لكن الواقف أمامه كان هيرمان.
خشخشة-
و من دون أن تشعر، أخفت فانيسا الرسالة التي بيدها خلف ظهرها.
‘أسلوب كلامٍ عسكري وتبغٌ قوي….’
لكنها سرعان ما هزّت رأسها نافية.
‘ما الذي أفكر فيه؟ لا يمكن أن يكون ذلك.’
و كان هيرمان يحدق فيها بملامح فارغة.
“…!هيرمان؟”
“آه، عذرًا يا آنستي. جئتُ لأرافقكِ إلى قاعة الحفل.”
قال هيرمان ذلك وقد بدا كأنه استعاد وعيه، ثم أضاف بتردد.
“إنه….يليق بكِ، يا آنستي.”
نظرت فانيسا إلى فستانها بخفة. كانت الألماسات المطرزة على حاشية التنورة تتلألأ متموجةً مع كل حركة.
“شكرًا لكَ. السيدة أنيت ماهرةٌ حقًا. لكن….أين سمو الدوق؟”
“أرسلني بدلًا عنه. قال أن اجتماعًا داخليًا قد طال، وطلب أن تتوجهي أولًا إلى القصر الرئيسي، وسيلحق بكِ قريبًا.”
طوت فانيسا رسالة إرفين واحتفظت بها.
فلم تعد بحاجة إلى مجرد ظنون. على أي حال، ليس الآن.
“فلننطلق. أشعر برغبةٍ في المشي قليلًا.”
***
“الآنسة فانيسا من أسرة الكونت لانغ تدخل الآن!”
‘كان ينبغي أن أدفع رشوةً لمنع هذا النوع من الإعلان.’
لكن حين فُتح الباب وتجمعت أنظار الجميع عليها، غيّرت فانيسا رأيها.
‘بل هذا أفضل.’
فمن أجل جذب حركة لوجستيات العاصمة نحو الشرق، كان لا بد من كسب ود كبار النبلاء الذين يسيطرون على القناة الكبرى.
وفوق ذلك، ربما كان هذا هو أسرع طريقٍ لمحو الوصمة التي لحقت بأسرة الكونت لانغ. فلو استمر الحال على هذا النحو، فسيظل الناس يتحدثون إلى الأبد عن جريمة القتل التي ارتكبها اللصوص، ولذلك فإن ظهور فانيسا بشكلٍ لافت في هذا التوقيت ليس فكرةً سيئة.
فجميع من اجتمعوا في قاعة الحفل اليوم كانوا من كبار النبلاء المعروفين. ولأنهم يضعون الكرامة والمكانة فوق كل شيء، لم يُظهروا ذلك علنًا، لكن معظمهم على الأرجح كان يعرف من تكون فانيسا.
نظراتٌ امتزج فيها الفضول والإعجاب وقليلٌ من الازدراء كانت تلاحق خطواتها أينما تحركت.
نزلت فانيسا الدرج وألقت نظرةً سريعة غير لافتة على قاعة الحفل. وفي الخلف، رأت شابين من أبناء النبلاء الشباب يرمقانها بنظراتٍ خاطفة ويتبادلان الهمس.
“أسرة الكونت لانغ؟ هذا اسم أسمعه للمرة الأولى.”
“يا إلهي، ألا تعرف؟ إنه ذلك الكونت لانغ السكير الذي قُتل على يد اللصوص في الربيع الماضي!”
“آه، الآن تذكرت. لم أكن أعلم أن للكونت لانغ ابنةٌ كهذه. بهذا القدر من الجمال، كان لا بد أن تنتشر الشائعات عنها.”
“يقال أنها ظهرت لأول مرة هذا الربيع. وقد أحدثت ضجةٌ لا بأس بها آنذاك. وسمعت أن ذلك الدوق الأكبر من الشرق كان مهتمًا بتلك الآنسة….”
ابتلعت الهمهمات بقية الكلمات فلم تعد مسموعة.
وبينما كانت تفكر بأن سوء السمعة هو نوعٌ من الشهرة على أي حال، اقترب منها شخصٌ فجأة وحيّاها.
“مرحبًا بعودتكِ إلى العاصمة، آنسة لانغ! يا لها من مفاجأة، كنتِ جميلةً دائمًا، لكنكِ اليوم متألقةٌ حقًا.”
قال ذلك البارون أوسكار فالندورف مبتسمًا وهو يناولها كأس شمبانيا. ويبدو أنه حضر حفل الافتتاح هذا نيابةً عن ابن عمه.
كانت تخشى في قرارة نفسها أن تصادف أليكسي فالندورف، لذا كان ذلك مدعاةً للارتياح.
فأخذت فانيسا الكأس.
“شكرًا لكَ، البارون فالندورف. كيف كانت أحوالكَ في الآونة الأخيرة؟”
“حسنًا، هذا يعتمد على كيفية تعريفكِ لكلمة أحوالٍ حسنة.”
“أليس هذا البارون فالندورف؟ سمعت أن فترة تأديب ابن عمكَ قد انتهت بالفعل!”
وعندما التفتت عند سماع الصوت الجهوري، كان الماركيز بلاكوود وزوجته يقفان جنبًا إلى جنب.
“هذا صحيح، لكن كما تعلمون، أليكسي شخصٌ متقلبٌ بطبعه. على أي حال، دعوني أعرّفكما. هذه الآنسة فانيسا من أسرة الكونت لانغ.”
وما إن انتهى البارون من كلامه حتى بادرت زوجة الماركيز بالتحية.
“يا إلهي، آنسة فانيسا. لم أكن أتوقع أن نلتقي مجددًا هنا.”
فانحنت فانيسا تحيةً.
“يشرفني أنكِ تذكرينني، سيدتي الماركيزة.”
“وكيف لي أن أنسى آنسةً جميلةً مثلكِ؟ على أي حال، دعيني أعرّفكِ. هذا هو الماركيز بلاكوود. لقد عاد مؤخرًا من القارة الشمالية.”
و أطلق الماركيز ذو الشعر الأحمر ضحكة صاخبة.
“سعيدٌ بلقائكِ. يقال أنه لا يوجد شخصٌ سيئ بين أصحاب الشعر الأحمر! لكن قولي لي، كيف تعرفين زوجتي؟”
ثم ربتت الماركيزة على كتف زوجها بلطف.
“أخبرتكَ من قبل. إنها الآنسة التي رافقت صاحب السمو الدوق الأكبر إلى حفل عزف أوليفيا.”
فاتسعت عينا الماركيز الكبيرتان حتى بدتا كالجوزتين.
“آها! إذاً أنتِ تلك الآنسة التي تتحدث عنها الشائعات! ولكن أين الدوق الأكبر؟ ولماذا لم يدخلا معًا؟”
فترددت فانيسا في الإجابة. ولحسن الحظ، انقطع الحديث عند هذا الحد.
“الرجاء الالتزام بالهدوء! صاحب السمو الإمبراطوري ولي العهد فريدريش سايران يتفضل بالدخول!”
انفجرت القاعة بالتصفيق. و دخل فريدريش مبتسمًا كعادته، لكن التوتر كان واضحًا بشكلٍ غريب حول فمه.
وعلى غير عادته، كان يكتفي بتلقي تحيات النبلاء على عجل، ثم اختفى في غرفةٍ أُعدّت خصيصًا له.
“همم، يبدو أن الأجواء غير طبيعية على الإطلاق، أليس كذلك؟”
قالت الماركيزة ذلك وهي تلوّح بمروحتها برفق.
“من يدري؟ ربما كان ذلك أيضًا ضمن حساباته.”
و قال البارون فالندورف ذلك بوجه خالٍ من الابتسام.
___________________
لايكون فيلياس مسوي شي بعد 😂
المهم خير فيلياس هو الي جايب الفستان بس للحين ماشافه عليها!
كنت انتظره يقمط لاشافها ولا يرنجف وينجن زود ولا فجأه يبوسها يقول يازينس😔
التعليقات لهذا الفصل " 91"