“في البداية، تحقّق من السم الذي تحدثتت عنه موروزوف. لا يهمني من يموت، لكن لا بد من الاستعداد.”
“سأبلغ هيرمان.”
طفت حاملة الورق فوق يد سوريل طنينًا، ثم حلّق في الهواء وعاد إلى يد فيلياس.
طَقّ-
و تشقق الزجاج الصافي، ثم تفتّت سريعًا إلى شظايا ناعمة. و المسحوق اللامع الذي بقي على كفه تلاشى متطايرًا دون أن يترك أثرًا.
“ما زال أمامنا الكثير لنفعله.”
ثم تمتم فيلياس وهو ينظر إلى أثر الحرق في راحة يده.
***
بعد الانتهاء من العشاء، وفي وقتٍ هادئ، جلست فانيسا أمام المرآة مرتدية ملابس المنزل.
كان سباق الخيل تجربةً جديدة. خصوصًا أن كثيرًا من النبلاء الشباب أرادوا إلقاء التحية على فانيسا.
كان الجميع يريد أن يعرف من تكون السيدة الشابة التي أذلّت الأمير كونراد. كما لفتَ عقد اللؤلؤ من يونو، الذي تلقته هديةً من ميدو ليرا، الأنظار أيضًا.
في الحقيقة، كان ذلك وحده كافيًا لتحقيق الهدف. فقد كانت الرحلة الطويلة إلى العاصمة في الأساس من أجل الترويج لطريقٍ تجاري جديد.
“لكن كيف أقولها….كان المكان صاخبًا جدًا. ربما كان من الجيد أنكَ لم تذهب معي. كان الناس كثيرين للغاية.”
“مع ذلك، هذا مؤسف. كان الطقس جميلًا على غير العادة….”
قال فيلياس ذلك وهو يمسك بمشطٍ في يد وبخصلةٍ من شعر فانيسا في اليد الأخرى.
كان صوته هادئًا كعادته، لكن الارتباك كان واضحًا على وجهه. وعندما رأت فانيسا حاله، لم تستطع في النهاية كبح ضحكتها.
“هــ، هل….أفعل الأمر بشكلٍ سيئ إلى هذه الدرجة؟”
سأل فيلياس وهو يتمتم بخجل.
“كنتُ أتوقع أنكَ لست ماهرًا بيديكَ….لكن مع ذلك، ألهذه الدرجة؟ هل تمشيط الشعر صعبٌ فعلًا؟ إنه مجرد تمشيط.”
بصراحة، كانت قد طلبت ذلك على سبيل المزاح نصف الجدي.
قالت له أنها تحب فكرة أن يصفف الرجل شعر امرأة، فأخذ الأمر بجدية وكأنه مهمةٌ رسمية.
لكن شعر فانيسا، لسببٍ ما، كان يزداد تشابكًا كلما مرّ المشط عليه.
وعند رؤية فيلياس يتخبط بيديه المرتبكتين، لم تستطع فانيسا كتم ضحكها.
في النهاية، استسلم فيلياس ووضع المشط جانبًا.
“كما تعلمين….أحيانًا لا أُحسن التحكم في قوتي. فخشيتُ….أمم….أن أؤلمكِ.”
قال ذلك وهو يترك عبارته معلّقة.
“سأتولى الأمر بنفسي الآن. على أي حال، شكرًا لكَ.”
قالت فانيسا ذلك، فعاد فيلياس وجلس على الكرسي القريب.
سرعان ما مشّطت فانيسا شعرها الطويل ورتبته. ودبدا أنه سيكون من الأفضل قصّه قليلًا قريبًا.
“بالمناسبة، هل سبق لكَ أن مشّطت شعر امرأةٍ من قبل؟”
عند سؤال فانيسا، ضحك فيلياس ضحكةً خافتة بالكاد تُسمع.
“ما رأيكِ أنتِ؟”
نعم، بالطبع لم يفعل.
وعند التفكير، أدركت فانيسا أنها لم تتحدث معه من قبل عن مثل هذه الأمور.
“أعرف أنكَ لم تكن لك علاقةٍ رسمية مع امرأةٍ من قبل، لكنكَ قلتَ أنكَ كنت تُستدعى إلى الحفلات الراقصة بانتظام. ألم تكن هناك سيداتٌ قريباتٌ منكَ آنذاك؟ لن أغضب، قل الحقيقة.”
فابتسم فيلياس وهو ينظر إلى فانيسا عبر المرآة.
“أنتِ تقللين من تقديري.”
“آه. أها….إذًا….”
“كنت أظن أنكِ أدركتِ الآن أي إنسانٍ فاسدٍ أنا. كنتُ أُساق إلى تلك المناسبات كما يُؤمر المرء، لكنني لم أُرضِ أحدًا قط.”
“آها….”
أي أنه كان سيئًا مع السادة والسيدات على حدٍ سواء.
“لكن في المأدبة الرسمية الأخيرة، بدوتَ مقنعًا جدًا. أي شخصٍ كان سيراك دوقًا مهذبًا ونبيلًا.”
“لأنكِ أمرتِني بذلك.”
“….لم يكن أمرًا، بل طلبًا.”
“بالنسبة لي، لا فرق.”
فدارت فانيسا بعينيها.
“حسنًا، لنفترض ذلك. إذًا….ماذا عن الأصدقاء؟ أليس بين كبار النبلاء من هم في مثل عمركَ من يعرفكَ جيدًا؟”
“الأمر لا علاقة له بالمعرفة. كنتُ وما زلتُ الشخص نفسه، وكما قلت لكِ، طباعي ليست حسنةً إلى هذا الحد.”
تذكرت فانيسا اليوم الذي ذهبت فيه معه لأول مرةٍ إلى قصر الماركيز بلاكوود.
الوجوه النبيلة التي كانت تراقب فيلياس بخوفٍ واضح. وتذكرت كيف طرد الضابط الشاب الذي حاول تحيته، فابتسمت دون قصد.
“لا تكلمني.”
ذلك الصوت العميق الرنان كان يبدو تحذيرًا مهما كانت الكلمات.
ثم وضعت فانيسا المشط جانبًا واستدارت نحوه.
“إذًا ماذا عن رفاق السلاح؟ أنتَ تقضي ما يقارب نصف العام في ساحة المعركة. ألا يوجد من كنتَ قريبًا منه؟”
“…….”
هذه المرة، لم يأتِ الرد فورًا. و تردد فيلياس قليلًا قبل أن يتكلم.
“كان هناك أفراد في وحدتي. لم يكونوا رفاقًا بقدر ما كانوا مرؤوسين، لكنني كنتُ عديم الخبرة آنذاك، وتلقيتُ منهم الكثير من العون.”
“قولك ‘كانوا’ يعني….”
“لقد ماتوا جميعًا.”
تجمدت فانيسا، فسارع إلى الإضافة،
“لا، لا تعتذري. هذا ليس أمرًا نادرًا….وكان ذلك منذ ما يقارب عشر سنوات.”
‘عشر سنوات.…؟ أي حين كان في الرابعة عشرة؟ هل شارك في الحرب في ذلك العمر؟’
“أمم….فانيسا، أعتذر، هل يمكننا تغيير الموضوع؟ إن أردتِ التفاصيل فسأخبركِ بكل شيء، لكن….بصراحة، لا أظن أن هذا حديثٌ مناسب لمثل هذا الوقت.”
“….فهمت.”
ربطت فانيسا شريطًا في طرف شعرها المضفّر طويلًا.
“ما رأيكَ؟ يقولون أنها تسريحةٌ رائجة حديثًا في العاصمة.”
أمالت فانيسا رأسها قليلًا إلى الجهة الأخرى، ثم عادت تنظر إلى فيلياس مبتسمة. و كان السؤال محاولةً لتخفيف الجو الثقيل، لكن بدا أن فيلياس لم يفهم المغزى.
“آه….التسريحة متقنةٌ جدًا. تشبه قليلًا أسلوب العقدة….”
“ليس هذا ما أعنيه، أسألكَ إن كانت جميلة.”
“….العقدة؟”
“….أنا.”
“آه.”
“ما رأيكَ، هل أنا جميلة؟”
سألت متغلبةً على خجلها، لكن جواب فيلياس لم يأتِ بسهولة. بدا وكأنه يفكر مليًا في أمرٍ ما.
“أنتِ لا تسألين عن حقيقة الأمر….أليس كذلك. أنتِ تعرفين الجواب جيدًا. سبب طرحكِ لهذا السؤال هو….همم….لأن رأيي مهمٌ بالنسبة لكِ؟”
“لا أظن أن السؤال كان معقدًا إلى هذا الحد….”
“هل تعلمين أن شكل أذنيكِ جميلٌ على نحوٍ لافت؟”
“ماذا؟”
ارتبكت فانيسا من الكلام غير المترابط. بينما كان فيلياس يحدق فيها بصمت. و لون عينيه بدا أغمق من المعتاد.
“حين تزيحين شعركِ هكذا، تبدو صيوان أذنكِ أبيض على نحوٍ خاص. جميلةٌ كأنها مصنوعةٌ من الخزف.”
“آه. أ….شكرًا….”
غطّت فانيسا أذنها بيدها لا إراديًا. و كانت تحترق خجلًا بينما تابع فيلياس،
“هل تعلمين أن شعيراتٍ دموية دقيقة تظهر قليلًا في جفنكِ عندما تقفين تحت أشعة الشمس؟”
“أ….لا. لم أكن أعلم….لكن….”
“أستطيع أن أمضي يومي كله وأنا أراقبكِ ترمشين. أنتِ جميلةٌ فعلًا. عيناكِ، رموشكِ، وتعابيركِ حين تنظرين إليّ.”
فأطبقت فانيسا شفتيها بإحكام.
“وكذلك-”
“كفى….يكفي. هذا كافٍ.”
“صوتكِ….نبرته ميزو سوبرانو….لكن حين تنادين اسمي، يصدر صوتٌ خافت متهدّج على نحوٍ خاص. وعندما أسمعه….”
توقف فيلياس لحظة، ثم همس بشيءٍ بصوتٍ منخفض. وبعد أن فهمت فانيسا كلماته متأخرة قليلًا، احمرّ وجهها فجأة.
“….هلّا تقتربين قليلًا يا فانيسا؟”
ترددت فانيسا ثم نهضت من مكانها. وحين وقفت أمامه، أمسك فيلياس بيدها ووضعها على كتفه.
امتدت يده اليسرى لتحتضن خدّها. و ظل جالسًا يرفع نظره إليها وهو يهمس،
“لذلك….كنتُ أتساءل دائمًا. حين تنطقين اسمي، ماذا يحدث بالضبط….داخل فمكِ؟”
طَقّ-
لامس إبهامه شفة فانيسا السفلى. فارتعشت، وشدّت يدها على كتفه.
“…….”
فابتسم فيلياس ابتسامةً خفيفة. و أدخل يده خلف ركبتها وجذبها حتى لامس فخذها.
“إذًا….هل نتابع الحديث؟ عن أي جزءٍ منكِ….جميلٌ….إلى هذا الحد؟”
هزّت فانيسا رأسها نفيًا بخفة.
وأمام اقتراب عينيه الزرقاوين، تذكرت فانيسا ما حدث قبل أيامٍ في صالون قصر فيسنتي.
هل كان يتذكر قوله يومها أنه يحبها؟
تمنت ألا يكون كذلك. لأنها لم تكن تعرف حقًا ماذا يجب أن تجيبه.
ولم تكن تعرف بعد لماذا شعرت بذلك الخوف المفاجئ في اللحظة التي سمعت فيها تلك الكلمات.
____________________
خوف من الهوس؟ بدري؟ ماعاد يمدي تنحاشين وخيتي😘
المهم فيلياس يضحك احب انه مايبي يدخل فانيسا للسياسه ووجع الراس حسبته بيعلمها وش صار مع الماركيزه بس لا رجع وقعد يمشط شعرها🤏🏻 ااااااااااااا
وفانيسا مدري هي تنتظر مدح ولا وش بس ياحظ فيلياس طيب 😭
التعليقات لهذا الفصل " 90"